الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موضوعات حول الدوغمائية : في نقد التصنيفات الدوغمائية

هشام صالح

2012 / 5 / 28
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


(( ينبغي أن نحذر الانزلاق إلى التصنيف الجامد الصارم , ومصدر الحذر هنا أنه ليس – في الواقع – من حدود مقفلة بين أسلوب و آخر , فليس من حقنا إذن أن نضع هذا الباحث أو ذاك في هذه ((الخانة )) ثم نختم عليه بحكم اطلاقي وحيد الجانب . إن مثل هذه الصرامة الحاسمة غريبة عن المنهج الذي نهتدي به )) ( حسين مروّة , النزعات المادية في الفلسفة العربية الأسلامية , المجلد الأول , ص94-95 , دار الفارابي )

تصنيف الناس بشكل صارم و حاسم في خانات غريب عن المنهج الذي نهتدي به , هكذا يصرح الأستاذ الكبير حسين مروّة في إحد من أهم كتبه التي نشرها و التي ساهمت في تحليل الفلسفة العربية الإسلامية بإسلوب علمي .
فمن خصائص الدوغمائية هي إطلاق تصنيفات مطلقة و حاسمة على الناس , تماماً مثل المتدينين الذين يصنفون الناس إلى مؤمنين و مشركين , هذا المؤمن سيذهب إلى الجنة , و هذا الكافر الحقير مصيره النار و العذاب , فلا يجوز المؤمن يكون على خطاً , و لا يجوز للكافر أن يكون على صواب.
هذه العقلية الدوغمائية , مع الأسف الشديد, بقت معنا بالرغم من إنتمائنا إلى الفكر العلمي , فالتحليل أصبح مزيفاً , فالشخص الذي يقول ماركس أخطأ هنا قالوا عنه غير مثقف ولم يقرأ الماركسية بشكل صحيح , و الشخص الذي يقول لينين لم ينبغي عليه يفعل ذلك قالوا عنه مرتد , و الشخص الذي يقول لم ينبغي على ستالين قتل هؤلاء الملايين قالوا عنه تحريفي. فهنا نجد إطلاق تلك التصنيفات تبرر عدم ثقافة صاحب تلك التصنيفات , لأنه أساساً لا يفهم ما يقول , و بالإضافة – سايكولوجياً – هو يغطي ضعفه من خلال إطلاق تلك التصريحات لأنه لا يقبل بالجديد لأن الجديد غريب عما قرائه من أقاويل أو عنواين فيرفضه رفض تعصبي و حاسم .
فتلك التصنيفات من الضروري تخلق طابع جمودي في الفكر , لأن التصنيفات لها تعريفات معينة مطلقة , فمن ينتمي إلى هذه الخانة فهو " هكذا " و من ينتمي إلى تلك الخانة فهو " هكذا و كذا " , بغض النظر عن الشخص نفسه , و هذا بكل الأشكال بعيد عن الجوهر الماركسي الحقيقي .
لينين , في كتابه الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية , قد أستشهد بكتابات عدة كتاب لا يتوافق معهم " ايدولوجياً " , مثل هوبسون و هيلفردنغ , هذا يدل على مدى قوة النص الذي يستفيد من أعدائه ليخلق فكراً جديداً أو ليأتي بفهموم أوضح للإمبريالية آنذاك , فلم يغض – لينين – نظره عن هؤلاء الكتبة على أساس إنتمائهم للأيدولوجية البرجوازية , بل أستفاد منهم و قد علل أكثر من مره مدى إستفادته من كتب هؤلاء , و هنا نستنتج أننا لا يمكننا التعويل على عقولنا فقط , بل هناك عقول أخرى متنورة و متقدمة , لا يمكننا أن نحشر و نحصر هؤلاء داخل غرفة تحت عنوان برجوازيون أغبياء , هذا لا يصح , فهذا الطابع الدوغمائي الإستبدادي القائم على " إما معنا أو ضدنا " أو " نحن معنا الحقيقة المطلقة و أنتم لا " يضعف الطابع العلمي للنظرية و يضعف القوة الفكرية لدى الماركسية , لأن هذا الطابع متناقض مع جوهر النظرية , أيّ , الطابع الدوغمائي في الفلسفة الماركسية الحيوية , فهذا تناقض مابعده تناقض و لهذا نجد كل من يقدس الماركسية لا يفهمها , لأنه يحصر نفسه داخل زمن لا يريد أن يتخطاه , أو معجب بشخصية بشكل قوي جداً , لدرجة يقدس كل ما يفعله .

تقول روزا لوكسمبورغ : (( الحرية فقط لمؤيدي الحكومة و أعضاء الحزب – بغض النظر عن عددهم – هي ليست بحرية على الإطلاق. الحرية دائماً و حصرياً Exclusively هي حرية من يفكر بشكل مختلف . )) ( الثورة الروسية , الفصل السادس , مشكلة الديكتاتورية )
فالحرية وفقاً للوكسمبورغ لا تنسب إلى حفنة معينة من الناس , من مؤيدي الحكم أو أعضاء الحزب أو الحكومة , بل تنسب إلى من يفكر بشكل مختلف. و هذه النظرة أعطيها تأييدي لأنها تخلو من أي طابع دوغمائي يحصر الفكر و يرفعه فوق الأفكار الأخرى , فالفكر أذا اعتلى فوق الأفكار , فهو من الضروري , ينفي كل الأفكار المجاورة له على أساس أو ظناً أنه الفكر الصحيح بشكل مطلق , فروزا لوكسمبورغ , بالنسبة لي , النموذج للماركسي الذي يفكر بعقل حر , و بهذا ماركسي حقيقي لا دعائي أو دوغمائي يرفض الأفكار الأخرى و يعتقد أن فكره هو الفكر الصحيح .
يستطيع الإنسان أن يفهم الدوغمائية الموجودة في في ألمانيا النازية , أو إيطاليا الفاشية , أو العراق البعثية , لكن لا يفهم المرء الدوغمائية الموجودة في وطن الأحرار أو وطن الإشتراكية و العدل , وطن العمال , الوطن الذي يرفع راية الشعب – كما كان مذكور في نشيد السوفييت – فمن القبيح رؤية الحريات الشخصية تقمع في أول نموذج اشتراكي في العالم , فوجود الآراء الأخرى أو مساهمة الأفكار الأخرهي التي تجعل الاشتراكية العلمية متفوقة على الأفكار الأخرى في الساحة الفكرية أو السياسية . قمع الأفكار الأخرى هي ليست من خصائص الاشتراكية العلمية , الاشتراكية العلمية لم تكن ابداًخجولة و مذعورة من الأفكار الأخرى , لأن هدف الاشتراكية العلمية هي التجدد و التطور , عكس الثبوت و الجمود.
فالحريات الشخصية تقمع على أساس تصنيفات معينة , ليبرالي , أو ديمقراطي , أو اصلاحي ألخ , فالتصنيفات تلك , تغض النظر عما يريد هذا الفرد قوله أو توضيحه , فالقول غير مهم , المهم هو أن هذا الشخص " ليس معنا " أو " برجوازي صغير " أو التهمة في الدرجة الصغرى " له ميول برجوازية و يجب أن يصلح نفسه " . فنقد التصنيفات الدوغمائية , بالضرورة تكون نقد العقل الدوغمائي الذي يعتمد على مفهوم الحقيقة المطلقة , نقد الحفنة الدوغمائية التي تعرقل سيرورة الطابع العلمي لدى الفلسفة الماركسية .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مرحباً بالأستاذ هشام صالح
رعد الحافظ ( 2012 / 5 / 28 - 20:26 )
مرحباً بكلّ من يفضح الدوغمائية والجمود الفكري ويقفل الجمجمة والأدمغة الاُتتِ
لا حياة سليمة بلا حريّة
ولا حرية تعلو فوق الحريّة الفكريّة
تحياتي للكاتب وشكراً لأخي شامل الذي دلنّا على هذا المقال


2 - مرحباً بك أستاذ رعد
هشام صالح ( 2012 / 5 / 28 - 20:40 )
يسرني قراءتك لمقالتي , و يسرني أن أجد من يريد و يعمل على فضح الدوغمائية و الجمود الفكري .

تحياتي لك , أشكرك على تعليقك المشجع و أشكر الأخ شامل

أتمنى لك كل الخير ..


3 - الجمود العقائدي يستغله المعادون للفكرايضا
علاء الصفار ( 2012 / 5 / 29 - 11:05 )
اجمل التحية السيد هشام
جميلة دعوة النقد من اجل التطوير والدفاع عن الفكر العلمي الذي ارى فية ثورة على الشر بدأ على استغلال الانسان للانسان في مجتمع كارل ماركس وعصرالراسمالية الفتية الى تحولها استعمارية بونابارتية وهتلرية, واخيرا لتزعم الامبريالية الامريكية العولمة لنهب الشعوب بالتعاون مع الصهيونية و القومجية واخيرا مع الاسلاموية الوهابية وقطر. ولا ننسى الناتو الظارب بدوله الليبرالية الجديدة لتثبيت السلفية من المحيط الى الخليج من اجل الحؤول دون صعود اليسار والاحزاب الماركسية في المنطقة البترولية وليستمر استنزاف النفط الذي بدأ من يوم الاستعمارالقديم.ان الدعوة الى العصرية وتجاوز السلبيات, ينبغي ان تؤدي لظربة للقوى الامبريالية ثم اخيرا صفعة للقوى الرجعية العربية من قومجية مخابراتية وسلفية رجعية ظلامية تخطو لاستلام راية العمالة من اجل مصالحها الطبقية الضيقة و طريقها كما طريق القومجية يمر بذح اليسار والفكر الماركسي, الذي تربص به الظلامييون القدمى و الجدد. ان التنوير ظروري ان يصاحبه اليقظة اتجاه اعداء الفكر من كل اطيافهم و الدعوة يجب ان تاخذ طريق لتوحيد اليسار من اجل ثورة الشعوب.تهاني لك وشكر


4 - يا كومونيوا العالم اتحدوا
فؤاد محمد ( 2012 / 5 / 30 - 08:12 )
الاستاذ هاشم تحية
شكرا لهذا الجهد الثوري الشجاع والرائع
من الضروري ان يتوحة النقد لصفوفنا نحن الشيوعيين وخاصة القترة الاستالينيه
حبي واحترامي

اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم