الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بورترية: علي العسكري.

خالد صبيح

2012 / 5 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



حين رأيت كتاب (تاريخ الاكراد الحديث) للكاتب البريطاني ديفيد مكدول رجعت بذاكرتي الى كتاب لمؤلف اوربي عن تاريخ الاكراد كنت قد قرأته ذات يوم وكان فيه حديثا عن معركة هندرين التي وقعت في عام 1963 بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة في كردستان العراق، وفوجئت برقم كبير لخسائر الجيش العراقي في تلك المعركة شككت بصحته(8000 قتيل) حسب المؤلف، وحين سالت احد معارفي ممن شاركوا بالمعركة ضحك وقال: كيف يمكن هذا اذا كانت القوة المهاجمة كلها 280 عسكريا عراقيا. ولذا تصورت في البداية ان هذا الكتاب هو من ذات النوعية، يطلق الارقام والاستنتاجات خبط عشواء. وأخذت اتصفح الكتاب مترددا في امر قراءته وساخرا في داخلي مما يمكن ان يقدمه من مبالغات وسذاجة في رؤية الواقع او من شطحات في قراءة الاحداث. ولكن تصفحي للكتاب جرني الى الاستغراق في عالمه لاكتشف انه سفر طويل وعميق في تاريخ الشعب الكردي الكريم. وقرأت الكتاب في جو خريفي جميل وبأجواء مشحونة باللهفة. وكان بحق بحثا غطى الابعاد المختلفة لهذه السيرة العظيمة. وقد الهمني، او اغواني، ان جاز لي ذكر ذلك، غنى العالم والمغامرات التي زخر بها السرد، لكتابة عمل قصصي مستوحى من اجوائه ومن سيرة هذا الشعب الطيب، وفعلا وسعت اطلاعي حول الموضوع ووضعت مخططا عاما وبعض التصورات والصور الاولية عن العمل، ولكن (الكسل) والحس العدمي الذي يسد علي الافاق منعاني من الاقدام على هكذا خطوة. وأجلتها كما اؤجل كل مشاريع حياتي.

اشياء كثيرة في هذا الكتاب تغري بالتوقف عندها: مغامرات، خيانات، مؤامرات، خدع، منافسات، طموحات جموحة، بورتريهات، ويغلف كل هذا خيط من (المرح) ممتد في كل زوايا الصورة.

***
احد البورتريهات التي استوقفتني كان لـ(علي العسكري، نسبة الى قريته عسكر). وهو احد القادة السياسيين والعسكريين في الحركة القومية الكردية، ومن مؤسسي الاتحاد الوطني الكردستاني، حزب (جلال الطالباني)، وبهذا الارتباط والانتماء كان قد وضع نفسه على طريق الموت غدرا.

لقد قتله اخلاصه لقضيته.

بحثت عن صورة له على النت فلم اجد، ربما لانه شخص لايحب الاضواء. لكني اذكر اني شاهدته يتحدث في فيلم وثائقي قديم عن القضية الكردية، تحدث بهدوء وتواضع وبنبرة حزينة، حاني الراس خفيض الصوت. على العكس من رفيق دربه وشريكه في الحتف والمصير دكتور (خالد سعيد) الذي كان يتحدث بتدفق وحماسة في ذات الفيلم.

وٌصِفَ بأنه مقاتل باسل وصديق قديم لـ(جلال الطالباني)، تعود صداقتهما للعام 1964.

(لكن هل للطالباني اصدقاء؟).

كان (علي العسكري) يتزعم حركة كردستان الاشتراكية التي تشكل بتوحيدها، في الاول من حزيران عام 1975، مع حركة كوملة بقيادة (نوشيروان مصطفى امين)، بالاضافة الى مجموعة الطالباني نفسه المسماة (ثوار كردستان) ومجموعة (رسول مامند) و (محمود عثمان) (التي سيتشكل من انشقاقها عن الحركة لاحقا الحزب الاشتراكي الكردستاني) ـ تشكل الاتحاد الوطني الكردستاني (اوك).

( سوف يُقتل نصف شهداء مقاتلي الثورة الكردية والعراقية في جبال كردستان على ايدي هذا التنظيم المريب).

كان (علي العسكري) بعد فشل الحركة المسلحة الكردية في عام 1975 منفيا في الرمادي في الوقت الذي كان ينعم فيه جلال الطالباني بالحياة الهادئة في دمشق . استطاع (علي) الهروب واللوذ في جبال كردستان من جديد. عاد (الطالباني) الى كردستان في عام 1977 بعد الحاح (علي العسكري) عليه بالقدوم الى الميدان لتدني المعنويات بين المقاتلين بسبب غياب القيادة عنهم.

اراد (علي العسكري) ان يقنع (الطالباني) بان العدو الوحيد هو (صدام حسين) ونظامه، غير ان (الطالباني) كان مصرا على مواجهة الحزب الديمقراطي الكردستاني(حدك) الذي وصفه في بياناته الدمشقية بـ( القيادة الاقطاعية القبلية البرجوازية اليمينية الاستسلامية) والذي كان قد استانف للتو، بدافع المنافسة واستعادة الوجود، نشاطه العسكري الميداني لاول مرة بعد انهيار حركته المسلحة الواسعة في 1975. في الاثناء قدم (علي العسكري) اشارات طمأنة لحدك للتقرب اليه ولتخفيف حدة التوتر بين التنظيمين، فقد كان يدفع باتجاه المصالحة ونبذ الخلاف بين التنظيمين المتنافسين، لكن ميول (الطالباني) للزعامة ورغباته الغامضة والمتقلبة، بالإضافة الى الكراهية الشديدة التي كان يكنها (ادريس البارزاني) لشخص (الطالباني)، ابقتا جذوة الصراع والعداء والكراهية بين الطرفين متقدة. وفي شهر تشرين الاول ـ اكتوبر من العام 1978 ارسل (الطالباني) قوة كبيرة بقيادة (علي العسكري) و الدكتور (خالد سعيد) مع 800 مقاتل ليتوجهوا الى الحدود التركية لاستقبال دفعة سلاح كبيرة قادمة من القامشلي السورية، وقد زود (الطالباني) (علي العسكري) بتعليمات خطية يوصيه فيها بتصفية قوات حدك المتواجدة في المنطقة. لكن، (وهنا تطرح علامات استفهام خطيرة) تسربت نسخة من هذه التعليمات عبر اتباع لـ(حدك) من اكراد تركيا الى (سامي عبدالرحمن)، القائد العسكري الميداني لـ(حدك).

السؤال هو: كيف يمكن ان تتسرب تعليمات عسكرية على درجة من الاهمية، وصادرة من قيادات تنظيمية كبرى، الى ايدي الخصوم بهذه السهولة.

اغضبت هذه التعليمات، التي تجاهلها (علي العسكري) اصلا ولم يعمل بها لانه كان ميالا للمصالحة وتوحيد الجهود، (سامي عبدالرحمن) المتحفز اصلا والمستفز والمرتاب من التحرك العسكري لـ(اوك)، فهاجم القوة القادمة في منطقة حكاري التركية واشتبك الطرفان في معركة شرسة وقاسية وطويلة ابيد فيها قسم كبير من قوات (اوك) وسلم البعض الاخر نفسه الى الجيش العراقي لظنهم انهم ارسلوا عمدا الى هذا المصير. واسر في المعركة (علي العسكري) والدكتور (خالد سعيد) واعدما مع آخرين. وقيل ان امر اعدامهما جاء مباشرة من الملا (مصطفى البارزاني) الذي كان على فراش الموت في واشنطن. وكان الامر محددا وواضحا ولايخلوا من نفس حقد وقسوة فظيعين:

المسؤول الكبير يعدم بسلاح كبير.

وعليه اعدم هؤلاء القادة بقاذفات الـ(ار بي جي 7).

واسدلت صفحة ماساوية من تاريخ الشعب الكردي. لكن تبقى اسئلة المرحلة الحارقة مشرعة ويبقى السؤال المهم: هل اراد (الطالباني) التخلص من منافسيه في التنظيم، (لكفائتهم القيادية وحسن سيرتهم) فارسلهم الى مصيرهم الذي رسم بعض ملامحه بتسريب ورقة التعليمات التي يعرف انها ستستفز قيادات (حدك) حينما تعلم بها؟.هل قتلهم بيد خصومهم؟.
***
حين يتصفح المرء صفحة الانصار الشيوعيين على الفيسبوك تمر عليه وجوه شهداء (عرفت شخصيا كثيرين منهم وعايشتهم) يكتشف ان كثير منهم قد قتلوا على يد تنظيم (الطالباني) بمناسبات ودواعي مختلفة. المؤذي ان قيادات الحزب الشيوعي العراقي لاتفوت فرصة، او مناسبة الا وتقدم فيها التحايا والتبجيلات لشخص وتنظيم (الطالباني)، ( فخامة الرئيس مام...الخ) هكذا ينعتونه في رسائل التحية اليه.

بعض من هؤلاء القادة كان له اصدقاء من بين الشهداء الذين قتلهم (فخامة الرئيس). امر محير، الم تمر في مخيلتهم وجوه اصدقائهم الشهداء وهم يحدقون مبتسمين في وجه الـ(مام) العابس؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصويب
طلال شاكر ( 2012 / 5 / 28 - 19:34 )
لقد حدثت معركة هندرين عام 1966 بين الجيش العراقي وبيشمركة اغلبها تابعة للحزب الشيوعي العراقي بقيادة العسكري الرئيس الاول كمال والذي كان من الشيوعيين العسكريين الذين التحقوا بالثورة الكردية اثر انقلاب شباط 1963 وكان عضواً في المجلس العسكري للثورة الكردية بقيادة الملا مصطفى البارزاني طبعاً كثيراً مايجري طمس هذه الحقائق من قبل القوى القومية الكردية المقالة تعيد تأملات قديمة جديدة عن ذلك النهج المتواصل الذي يفضل طوي صفحات التاريخ المحرجة في ظل التبعية والضعف التي تنتهج حالياً ازاء الكثير من المواضيع والاحداث المتعلق بالحركة القومية الكردية ومواقفها واجرامها وانتهاكاتها المهم ياأخ صبيح ان الامور لاتطوى عندما تكون هنالك ضمائر حية يحملها اناس من طينتك الوفية لابناء شعبنا تحياتي وتقديري الى الكاتب


2 - شكرا جزيلا
خالد صبيح ( 2012 / 5 / 28 - 21:53 )
شكرا جزيلا للصديق العزيز طلال شاكر على هذه الانتباهة والتصحيح لهذا الهفوة غير المقصودة. فعلا المعركة وقعت في عام 1966 وكان الى جانب الرئيس كمال ايضا نعمان علوان سهيل(ملازم خضر) وهو قائد انصاري مخضرم بالاضافة الى الشهيد نصر الدين هورامي..

اوافقك الراي في اننا بحاجة حقيقية لتدوين الجوانب الخفية والمنسية من تاريخ العراق السياسي الذي يغطى عليه لدوافع مختلفة واحيانا كثيرة بسبب الاهمال..
تقبل تحياتي


3 - هندرين
امين يونس ( 2012 / 5 / 29 - 09:48 )
عزيزي خالد
من أشهر القادة الميدانيين في تلك المعركة .. -فاخر محمد ميركسوري-.. الشيوعي حينذاك والذي لعب دوراً بارزاً في المعركة العتيدة
ومن الشهداء الذين حاربوا ببسالة تحت قيادة فاخر ميركسوري .. - كمال - الشاب المسيحي البطل .. من أهالي قرية - كوماني - في العمادية
مع خالص الود


4 - اهمية التارخة للحوادث
خالد صبيح ( 2012 / 5 / 29 - 18:51 )
بالتاكيد اخي العزيز امين يونس ان الشهيد (فاخر ميركه سوري) هو من القادة الشجعان الذين ساهموا بقيادة المعركة، ولكن انت بالتاكيد قد لاحظت اني مررت مرورا عابرا على اسم المعركة، وكم امل في ان يؤرخ لها من هو على اطلاع بمجرياتها، وفعلا كان هذا الموضوع واحدا من دوافع ملازم خضر ( نعمان حمدان) في الاحاديث الشخصية، لكي يكتب مذكراته. هذه المعركة وغيرها الكثير من الوقائع الجانبية في تاريخ العراق المعاصر مغفلة، بل وتشوه دوافعها ومسبباتها بين حين واخر، لذا فان امر تدوين وتارخة هذه الاحداث هي ، برايي، مسالة ثقافية ووطنية ملحة
شكرا على الاضافة.


5 - علي العسکري
دلێر زنگنة ( 2012 / 5 / 30 - 04:37 )
اعتقد ان الاخ الکاتب لا يقدم معلومات بالقدر الکافي عن علي العسکري.. وکان الافضل سوال قيادات الحزب الشيوعي او کوادره في کردستان العراق لمعرفة قضايا اخری عن المذکور.. علي العسکري کان من قيادات المکتب السياسي للحزب الديمقراطي(جماعة ابراهيم احمد) الذين انشقوا عن او انشق عنهم الملا مصطفی البارزانی في عام 1964 ، و کان من الاعداء الاشداء للحزب الشيوعي في ذڵك الوقت.. بل انه قد اشترك بنفسه في قتل العديدين منهم، خصوصا بعد انقلاب 1963 البعثي و البيان رقم 13، .. في مقالة امجد شاکلي عن تاريخ اليسار الکردي يذکرالعديد من ‌ حوادث القتل و الاسر و الارهاب و اخذ الاتاوات من الفلاحين الشيوعيين و قتل تنظيمات الداخل بل حتی حادثةقتل و ثم حرق اثنين من اسری الحزب الشيوعي بايدی هولاء ،کامثلة:هاجم جماعة البارتي الشيوعيين بعد هروبهم من بطش النظام البعثي و قتلوا العديدين منهم، و قد قتل علي العسکري بنفسه اثنين من اسری الحزب الذين اسروا في معرکة به‌مو ... و يقول ايضا ان قوات البارتی بقيادة علي العسکري هاجموا مقر وه‌ڵه‌سمت و قتلوا العديدين من الشيوعيون و اسروا اخرين منهم اثنين من النساء سلموهن الی السلطات البعثية


6 - العزيز دلير
خالد صبيح ( 2012 / 5 / 30 - 22:45 )
العزيز دلير
علي ان اعترف باني لم اعرف هذه المعلومات التفصيلية عن دور علي العسكري في قتل واضطهاد الشيوعيين، وكل مااعرفه عنه في هذا الصدد هو في الاطار العام لما اعرفه عن دور البارتي وممارساته ضد الشيوعيين العراقيين. لكن بحدود اطلاعي على سيرته استنتجت انه من المخلصين لقضيته الوطنية وانه قد ذهب ضحية غدر صديقه ورفيقه الطالباني.

بالتاكيد ان القاء الضوء على هذه الوقائع وغيرها من شانه ان يعيد للتاريخ اعتباره وياخذ المساهمين فيه استحقاقهم دون مبالغات سلطوية او تشويهات. لذا ارى ان كشف ادوار الطالباني وغيره ممن يتشدقون الان بقيم الديمقراطية والانسانية واجب وطني واخلاقي.. ولايحق لمن يعرف اي جانب من جوانب الحقيقة ان يصمت عن الجهر بها مجاملة او تجنبا للتوترات او غيرها من التبريرات.
.
شكرا على اضافتك المهمة وتنبيهاتك الذكية

اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب