الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقل السلطة

حميد المصباحي

2012 / 5 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


يعتقد أن السلطة السياسية,لاتفكر,إنها تفعل,تندفع بدون تفكير لحفظ
وجودها,وهي مدركة لما يهدد هذا الوجود,ولكن ما هي هذه السلطة,إنها امتداد
لقوة الدولة المادية,والتي لايمكن أن تكون إلا عنفها,أو مظاهر القدرة على
استخدامه,وهو ما يعرف بهيبة الدولة وممثليها,الذين يبالغون في الدفاع عن
رمزية القوة,بفخامة المكاتب,كما الألبسة المطرزة بنياشين الخبرة,والتدرج
الوظيفي,من هنا يكون التفكير,ليس تأملا لرجل من رجالات الدولة,بل هو
عبارة عن رسائل مكتوبة باللغة التي تفهمها أغلب فئات المجتمع,بما هي
إيحاءات لاتغيب دلالاتها عن المشاهدين والسامعين,ولأنها كذلك فهي لغة
موروثة,لايمكن التخلي عنها,قديمة لدرجة اعتبارها طقوس أسطورية,أبدعتها
خيالات الشعوب,أثناء حملات عنف السلطة,وسطوتها,المستمدة من الأجداد أو
حتى من الله,هذا هو جوهر عقل السلطة,هو معيار اختيار رجالاتها
الأفياء,القادرين على إيصال دلالات الرموز,لتفهمها الشعوب,وتستوعبها,بل
وتدافع عنها,وبها تتعرف على حريتها وحتى هويتها وتاريخها,فقديما في
بدايات بناء السلطة,كان الكهنة,حماة أسرار الحكم,ومن قبل كان السحرة,سادة
العالم السفلي,من يوقفون زحف الأرواح الشريرة,وبذلك كانت السلطة
السياسية,بسحرتها حامية الوجود البشري,للمجتمعات التي تحكم,فالحاكم إبن
الإلاه أو هو الإلاه نفسه,بالسحرة يدرك الناس أن ملوكهم,يحمون الحياة
الجماعية من هجمات الأرواح الشريرة,وبعد السحرة ظهر الكهنة,لم ينكروا
العالم السفلي,لكنهم أتوا بما يقابله وهو العالم العلوي,حيث الأرواح
الطائعة والطيبة,تصعد إليه لتخلد فيه,وتعيش حياة الأبدية والنعم غير
الزائلة,شريطة التفاني لخدمة الكهنة بالخموع المطلق للسلطة,المدخل الوحيد
لخلود الروح ونجاتها من أرواح الشرور,هذا تاريخ تفكير عقل السلطة,وهو
لايزال يفكر بطقوس غارقة في القدم,تعدلها الدول المتمدنة,باستحضار
المصالح والإعتراف بها,
والتقليص من قداسة السلطة,لتحويل الدولة تدريجيا إلى مؤسسة خالية من
رمزيات الخضوع الإجباري,وتعريفها من خلال وظائفها,بعيدا عن هالات
التجبر,وتعالي رجالاتها عن المجتمعات التي تحكمها,لتبدو في نظر الكل,آلية
حكم وتنظيم لتحقيق التوازن بين الطموحات والقدرات.
أما في المجتمعات,والدول المتخلفة,فإن عقل السلطة,منحصر,في البحث عن
كيفيات دوام السيطرة,خارج رهانات التحضر,ولهذا السبب,عقل السلطة يعادي
الثقافة وينبذها,ومهمته استبعادها من كل المجالات العامة,بل إن حلمه هو
إزاحتها من طريقه كليا,حتى لايصل مفعولها إلى رجالات السلطة,فيفقدون
هيبتهم الأسطورية,أي محتكري معرفة العالم السفلي او العلوي,حسب الحالات
وطبيعة السلط والحضارات.لكن السؤال,أي عقل هذا الذي يفكر بهذه الطريقة؟؟؟
وهل يصح أن نسميه عقل؟؟؟
باختصار,إنه ليس عقلا,بل معقولية عندما تكون موروثة,مفهومة أو مكررة غير
مفهومة,ولا تكون عقلا إلا في الدول التي انخرطت في الحداثة وانتصرت لها.
حميد المصباحي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستارمر يتولى رئاسة وزراء بريطاينا بعد 14 عاما من حكم المحافظ


.. اشتعال النيران في منزل بكريات شمونة شمال إسرائيل إثر سقوط صو




.. ما دلالات تقدم المرشح الإصلاحي بزشكيان على منافسه المحافظ جل


.. هل يرغب نتيناهو بالتوصل لاتفاق بشأن وقف الحرب على غزة؟




.. ما الضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع إسرائيل لقبول الصفقة؟