الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وردة الجزائرية

رحمن خضير عباس

2012 / 5 / 30
الادب والفن


وردة الجزائرية
رحمن خضير عباس
ماتت وردة , وبموتها انطفا الألق لفن اصيل امتد ردحا من الزمن . ماتت وردة لتترك ساحة فنية خاوية لاروح فيها . كانت آخر عمالقة الغناء النسوي العربي .وخاتمة المبدعات للطرب الأصيل . كانت مزيجا رائعا من قوة الشخصية ورقتها , صفاء الصوت وتمكن في الأداء ,ثقافة عامة واحساس فني .
كانت باريس هي الحاضنة لوردة . تلك الطفلة الفاحمة الشعر وذات الملامح العربية . عاشت وترعرعت في الحي اللاتيني من اب جزائري يحترف الفن , حيث يمتلك ناديا فنيا , ومن امّ لبنانية لذالك فقد كانت تسبح في بحر لغتين , من اعرق لغات العالم وهما العربية والفرنسية . ومع ان مساحة صوتها تتسع للغناء بالفرنسية , لكنها مالت الى الغناء العربي , الذي اختارته عشقا صوفيا حتى لحظة الموت . لقد كانت القاهرة هيكلا شامخا من الفن تتربع على عرشه السيدة ام كلثوم وتليها سيدات الطرب الأصيل من فائزة احمد ونجاة الصغيرة اضافة الى كبار المطربين والفنانين من امثال محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ الى عشرات الملحنين والموسيقيين ومنتجي الفن السينمائي .. ادركت وردة صعوبة ان تصبح القاهرة محطة هيّنة للشهرة , بل انها ستصبح ساحة للتحدي ,والمواجهة وربما الفشل. ولكن هذه الفنانة الطارئة على ذالك المجتمع اثبتت انها قادرة على التحدي , قادرة ان تسجل اسمها في المراتب الأولى من الفنانين المشهورين ,لقد رفضت ان تتخذ لها اسما مستعارا , واصرت على الأحتفاظ باسم وردة مع اضافة بلدها الجزائر .
في ستينات القرن الماضي , حيث قدمت وردة الى القاهرة , تعرفت بمحض الصدفة على المشير عبد الحكيم عامر . كان المشير انذاك اميرا ثوريا , لديه السلطة والجاه , في ظل سيطرة المرحلة الناصرية على المجتمع , لذالك فمن الطبيعي ان تتخذ من معرفته عنصر حماية لها , ولكن المخابرات المصرية اتهمتها بانها عشيقة المشير مما جعلها هدفا لمخابرات النظام الناصري الذي اتخذ قرارا بايقافها عن الغناء في القاهرة وطردها من مصر . ولاشك ان مثل هذه القرارات هي اهانة لرغبات الجماهير التي ترى ان المطرب كالطير لاتمنعه الحدود ولا القوانين الصارمة للوصول الى المتلقي .
عادت وردة في عهد السادات الى القاهرة , وقد انجزت احلى اغانيها . تلك الأغاني التي تفجر في الأنسان مكامن عواطفه ونبل مشاعره , كما انجزت اغنية ( اوقاتي بتحلو ) التي من المفترض ان تغنيها الراحلة ام كلثوم وكان ادائها في هذه الأغنية لايقل عن أداء الراحلة كوكب الشرق . وقد تبعتها باغنيات مطولة وسهرات عديدة اعادت للطرب العربي ألقه الذي اختفى بغياب نجومه . ولكن السياسة تكبلها من جديد وتحجبها عن فنها حينما تزوجها جمال قصيري وكيل وزارة الأقتصاد الجزائرية مما جعلها تعتزل الغناء وتغيب عن جمهورها . ولكن قفص الزواج السياسي لم يستطع ان يكبلها من جديد . لأنّ صوتها الرائع قد تمرد على اغلاله , فابحرت من جديد في القاهرة مع فيض الحان المبدع بليغ حمدي .
في عام 1976رأيناها في مطار الشام . كانت متوثبة الخطى , عميقة الملامح . جعلت المطار ينتفض بفرح وهي تخطو مسرعة ثم تغرق في الزحام . كنا ننوي ان نهجر وطنا احببناه ., ونذهب للعمل في ارض الله الواسعة , تاركين الأهل يعانون مرارة النأي , كانت اغنية وردة ( الفراق ) تعويذتنا التي ابكتنا . كنّا نمسد مشاعرنا الحزينة بوهج كلماتها وعذوبة الحانها . لم يكن يعنينا من وردة ان تكون مصرية او جزائرية . الذي يعنينا انها كانت تترجم اوجاعنا الحانا . كان لأبناء جلدتها الجزائريين موقف غير ايجابي نحوها . حتى انهم حينما يتكلمون عن ابداعهم الغنائي , لايضعونها في حيز الأغاني الجزائرية كأغاني الراي) مثلا التي يفتخرون بها. لأنها تغني بلهجة مصرية .بعكس الكيبيكيين - المتعصبين للغة الفرنسية ضد الأنجليزية - الذين افتخروا بمطربتهم (سيلون ديون ) رغم انها اشتهرت باغانيها الأنجليزية . لأن فهمهم ينطلق من ان مضمون الفن ينبغي أن يتخطى عوائق اللغة المحكية , ليكون لغة للمشاعر الأنسانية الشاملة .
لقد اختارت وردة ان تدفن في الجزائر . ارادت ان يمتزج جسدها في ثرى الوطن وان تذوب روحها في مياهه . تمة اكثر من مغزى لتشييعها , فقد اقتصر على الفنانين والأصدقاء . وهو يختلف عن تشييع الراحلة ام كلثوم او عبد الحليم حافظ الذي شهد تشييعهما مدّا مليونيا , ولاادري هل لأنّ وردة تنتمي الى بلد آخر ؟ ام ان ّحساسية الوضع السياسي وحالة عدم الأستقرار هي التي حالت دون ذالك ؟ . وحسنا فعل الفنانون المصريون الذين احاطوا جثمانها بالعلم المصري والجزائري . لقد تعانقت الرايتان وتصالحتا لأصلاح الصدع الذي احدثته غوغاء كرة القدم , وما احدثته من شرخ في العلاقات الأخوية بين البلدين . وقد تكون هذه اللمسة آخر ابداع تؤديه الفنانة الراحلة من اجل بلديها .
اوتاوة في 28 /05/2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو


.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا




.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر


.. حكاية بكاء أحمد السبكي بعد نجاح ابنه كريم السبكي في فيلم #شق




.. خناقة الدخان.. مشهد حصري من فيلم #شقو ??