الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤشرات ودلالات(5)

حميد غني جعفر

2012 / 6 / 1
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


مؤشرات ... ودلالات – 5 – الأخيرة
وأخيرا ومن كل ما تقدم فإن الصراعات المحتدمة اليوم بين الأقطاب المتصارعين هي صراعات لا وطنية ( لأنها لم تكون مثلا حول برامج كل منهم لتقديم ما هو الأفضل لخدمة مصالح الشعب والبلاد ) إنها صراعات على الزعامة والسلطة والتسلط ، وتتمحور هذه الصراعات – كما نرى – بين اتجاهين متضادين ومتعارضين وخطيرين على مستقبل الشعب والبلاد ، فالأول هو البعث المهزوم المتمثل بالقائمة العراقية وأقطابها الكبار في محاولة للعودة إلى السلطة – من الشباك – بوجوه وطرائق جديدة وبآليات جديدة والعودة بالبلاد إلى ديكتاتورية جديدة تحت واجهة الديمقراطية والانتخابات الصورية ، والاتجاه الثاني هو الطائفية المقيتة المتمثلة بالأحزاب الدينية ، وكلاهما يلهثان وراء الحصول على التمويل و الدعم الإقليمي أو الأجنبي لتثبيت زعامته على الضد من إرادة الشعب العراقي .
وحقيقة الواقع فإن كلاهما يرفضهما الشعب العراقي قطعا – وهو على حق – فالشعب قد خبر البعث جيدا – فكرا ونهجا وسلوكا وأخلاقا – على مدى أربعة عقود من الزمن فهولم يجلب للشعب والبلاد غير الدم والدمار والخراب والحروب الطائشة المجنونة ، وبأساليب القمع البوليسي الرهيب من - كم الأفواه والبطش والتنكيل والإعدامات بالجملة لكل خصومه السياسيين وحتى المستقلين الذين لا ينتمون لأي حزب سياسي لمجرد أنهم غير موالين للبعث وهذا ما تجسد في ذبح أبناء شعبه من الشمال إلى الجنوب بأسلحة كيماوية وجرثومية وغاز الخردل وكلها محرمة دوليا وجسدته المقابر الجماعية – سيئة الصيت – ولسنا من حاجة لتعداد جرائمه الوحشية التي فاقت جرائم – هتلر وموسوليني – كما سبق وأن نشرنا مقالة على موقع الحوار المتمدن بعنوان – لتكف غرابين البعث عن النعيق – عشرة حلقات – أوضحنا فيها نهج وسياسات البعث منذ عام – 1958 - وكيف أن البعث قد فقد هويته كحزب سياسي ، بانتهاجه الاغتيال السياسي كوسيلة لتحقيق غاياته وهو طريق العصابات الإرهابية ، و يكفي أن الدستور العراقي قد أقر بأن فكر البعث فكر إرهابي عنصري وحظر نشاطه .
أما الاتجاه الثاني فهو الطائفية المقيتة المتمثل بالأحزاب الإسلامية ودولة القانون – تحديدا – لأنها تمزق وحدة المجتمع وتفكيك نسيجه الاجتماعي وبسببها كان الاحتقان الطائفي والقتل على الهوية الذي خلف الآلاف من الأمهات الثكالى والنساء الأرامل والأيتام ، والتهجير ألقسري والتشرد ولا زالت آثارها قائمة إلى اليوم ،ولا زالت احتمالات عودتها من جديد قائمة ، لبقاء أسبابها دون معالجة وهي الطائفية التي تعمقت وتجذرت إذ لا زالت المليشيات المسلحة – من الجانبين – لم تنزع سلاحها ، و أثبتت – على مدى تسع سنوات فشلها وعدم جدارتها وقدرتها في قيادة الدولة والمجتمع ... وتركت الأبواب مفتوحة على مصاريعها أمام المزورين والمختلسين واللصوص وفي كل مفاصل الدولة وبات من النادر جدا من بين كل المسؤولين – على اختلاف مستوياتهم - الكبار منهم والصغار – من لم يشترك بجرائم الفساد – تزوير واختلاس وهدر للمال العام ، ولم يقدم أي من هؤلاء الفاسدين والمفسدين أمام القضاء ، بل جرى التستر والتغطية على جرائمهم لأنهم من هذه الكتلة أو تلك أو من هذا الحزب أو ذاك كما جرى فعلا التستر على وزير التجارة السابق لأته من أتباع المالكي وغيره الكثيرين ، هذا إضافة إلى أن الطائفية المقيتة تتعارض ولا تنسجم مع طموحات الشعب وتطلعات الشبيبة بصفة خاصة إلى حياة رغيدة ومرفهة ينعم في ظلها بالبسمة المتفائلة الجميلة على محياه وبالفرح والبهجة وأن ينعم بالحرية الشخصية في إطار الدستور ويغتني بالعلم والمعرفة والتنوع الثقافي والأدب والفن والشعر والموسيقى والمسرح والسينما ، ويطمح إلى تحرر المرأة ومساواتها مع أخيها الرجل في الحقوق والواجبات ، فالشعب لا يريد أن تكون بغداد قندهار ثانية كما أعلنها بصوته المدوي في ساحة التحرير .
وإزاء المحنة التي تمر بها بلادنا اليوم وحالة التذمر والاستياء والقلق التي تسود الشارع العراقي والمخاطر المحدقة بمستقبل ومصير شعبنا وبلادنا بفعل صراعات هؤلاء الفرسان ومهاتراتهم وتشبثهم بالكراسي التي بلغت ذروتها ووصلت إلى طريق مسدود ، وقد يقودوا البلاد إلى المجهول ، لذا من واجبنا كمواطنين عراقيين نرى ضرورة أن يراجع كل مواطن نفسه وموقفه مما يجري لأننا أيضا مسؤولون عن مستقبلنا ومستقبل أبناءنا والأجيال اللاحقة ، فنحن الذين دفعنا بهؤلاء الفرسان إلى مواقع المسؤولية عن غير كفاءة ولا نزاهة ولا إخلاص كما أثبتت التجربة الملموسة فلابد من مراجعة أنفسنا والإقرار بالخطأ في أننا لم نصوت بوعي وقناعة ، والعواطف الدينية والمذهبية والقومية والعشائرية لعبت دورها في سوء اختيارنا وخصوصا الطبقات الفقيرة الكادحة فهي الأكثر تأثرا بهذه العاطفة ، فلابد والحال هذه من تصحيح اختيارنا سيما وأنه ما عاد يفصلنا عن الانتخابات المقبلة إلا فترة قصيرة ، لكن وقبل ذالك ينبغي بل ويجب أن يدرك المواطن حقيقة هامة وأساسية وهي أن الدين والمذهب لم يكن يوما هو الحل المطلوب لمشكلات ومعاناة شعبنا – لكن هؤلاء جعلوا من الدين الوسيلة لكسب عواطف الناس للصعود إلى دست الحكم - لكنهم أثبتوا – كما أسلفنا – فشلهم وعدم كفاءتهم وعدم نزاهتهم ، وعلى هذا لابد من وحدة الشعب في الإرادة والموقف ليختار من هو الأفضل والأكثر كفاءة ونزاهة وإخلاص لقضية الشعب والوطن ، وتأريخ شعبنا النضالي الطويل يزخر بالكفاءات والطاقات المبدعة من كل قوى شعبنا الوطنية الديمقراطية واليسارية ذات التأريخ العريق في مقارعة كل الأنظمة الرجعية والديكتاتورية المستبدة وقدمت التضحيات الجسام من أجل خير الشعب وسعادته والمتمثلة اليوم بقوى التيار الديمقراطي التي تضم خيرة الأحزاب الوطنية وخيرة الشخصيات الوطنية ذات الكفاءة والنزاهة وهذه القوى هي الوريث الشرعي لثورة – 14 – تموز – 1958 – الديمقراطية التحررية ثورة الإنجازات الكبرى والمكاسب العظيمة للشعب التي تحققت عبر وحدة وتماسك كل هذه القوى وتحالفها مع حكومة الثورة بقيادة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم ، فما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه الوحدة والإرادة في الموقف ، والعمل بإخلاص ونكران ذات – من أجل حرية ورفاهية الشعب بعيدا عن الأنا المقيتة وحب الذات والمحاصصة الطائفية فهي كانت السبب في كل ما نحن فيه من معاناة ، وينبغي استخلاص العبرة والدرس ، وأن نتجرد من العواطف نحو الدين والمذهب فالدين والمذهب بخير وليس هناك من خطر أو عداء ومحاربة للدين ، ويجب أن يكون المنطلق الأساس هو الوطن فنحن وطنيون عراقيون قبل أي شيء ... وقبل كل هذه المسميات أو الهويات الفرعية ... مسلمون شيعة وسنة – مسيحيون – صابئة – إيزيديون – عرب وأكراد وتركمان وكل الأقليات والمكونات الأخرى جميعنا أبناء وطن واحد هو العراق الحبيب وإن كل ما أنعم به الله على هذا البلد من خيرات وثروات هي ملكنا جميعا ملك كل العراقيين ، وعندما نضع نصب أعيننا العراق لابد أن نختار الحاكم العادل الذي يسعى بإخلاص لخدمة الشعب دون تفريق أو تمييز على أساس الدين أو المذهب أو القومية والعشيرة .
هذا هو الحل السليم والمطلوب ، أما إذا ظل العراقيون على ذات الموقف – في الانتخابات السابقة – دون تصحيح وتغيير ... فالنقرأ على العراق السلام ... وسوف لن يكون بأفضل حال من ثورات بلدان ما يسمى – بالربيع العربي – التي ثارت شعوبها المقهورة والمستعبدة ضد حكامها الطغاة المستبدين من أجل الحرية والخبز وقدمت التضحيات الجسام من دماء أبناءها البررة ... حتى تصدر المشهد من ليس لهم صلة بالثورة من المتسكعين المتربصين بالثورة من السلفيين والوهابيين والإسلاميين المتشددين وتنظيم القاعدة ... تصدروا المشهد وتحالفوا مع الأجنبي للإلتفاف على تلك الثورات الشعبية – على أنهم المنقذون لشعوبهم – لحرفها عن مسارها الصحيح الذي ثارت من أجله الشعوب ... وتضليلها باسم الحرية والديمقراطية المزعومة ... وسوف لن تستقر أوضاعها ... ولن يتوقف نزيف الدم .
ونرجو أن لا يظن البعض من الأخوة القراء بأننا ضد الأحزاب الإسلامية ، بل أننا مع أي جهد ومسعى وطني لخدمة مصالح الشعب والبلاد فنحن عونا لها لكننا ضد التوجهات الطائفية لأنها تمزق وحدة المجتمع ولا تخدم مصالح الشعب في كل الأحوال ولذا نرفضها قطعا .
وسنتناول في مقالة لاحقة قوى التيار الديمقراطي .







حميد غني جعفر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -