الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موضوعات حول الدوغمائية : لا تتوقف عن التساؤل

هشام صالح

2012 / 6 / 2
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


قد بدأت بكتابة هذا المقال تحت عنوان ( في نقد تقديس الماركسية ) , و لكن على غرار المقال السابق , واجهت صراعاً بيني و بين نفسي حول عنوان المقال , فجمل أو عبارات مثل ( تقديس الماركسية ) أو ( الدوغمائية ) أصبحت مكررة , و لهذا رأيت أن أختيار عنوان معبر سيكون جاذباً للقراء في الساحة الفكرية . عندما كنت أطوف في أرجاء عالم الانترنت وجدت مقولة آينشتاين : (( أهم شيء أن لا تتوقف عن التساؤل )) فوجدتها عميقة أكثر مما هي سطحية , فالسؤال هو الشك و الشك يؤدي إلى المعرفة , فالسؤال هو المصدر الحقيقي للمعرفة , فرأيت أن لا يمكن للمرء أن يزيل القشرة الدوغمائية من فكره من دون أن يشك و يسأل , فعنوان هذا المقال يدعو بكل صراحة إلى إزالة الطابع الدوغمائي في الفكر .
تقديس الشخصيات و النظريات وجدناها في مختلف الأطياف الفكرية في العالم , فرأينا من يقدس النازية و هتلر , و من يقدس صدام و البعث , و من يقدس موسوليني و الفاشية .. لكن لا يخطر على المرء بال أن هناك من يقدس "الماركسية " , أو بالأحرى , من الصعب تصديق أن هناك من يقدس الماركسية لأنها نظرية في جوهرها غير قابلة للتقديس , فمن يقدسها ينزع جوهرها الحيوي .
تقديس النظرية و تقديس الشخصيات بالضرورة تؤدي إلى التحليلات المزيفة , فالذي يقدس و يعبد شخصية معينة يدافع عنها بغض النظر مما فعل أو قتل , فتقديس الشخصية هو النظر إلى هذه الشخصية بنظرة عالية بنظرة لا يمكن لأحد الوصول إليها , نظرة إلهيه نوعاً ما , حيث هذه الشخصية لا يمكنها أن ترتكب أي خطأ , بل , من المستحيل أن ترتكب أي خطأ .
يسأل سارتر نفسه : (( أبوح بالحقيقة فأخون البروليتاريا أم أخون الحقيقة دفاعاً عن البروليتاريا ؟ )) , هذا السؤال جوهري , و متعلق بتقديس النظرية , فهل نخون الحقيقة في سبيل الدفاع عن البروليتاريا ؟ , أيّ , هل ننسى كل القتل و كل سفك الدماء الذي حصل في الدول الاشتراكية في سبيل الدفاع عن الماركسية ؟ الماركسية لم تدعو ابداً إلى ذبح و قتل الناس , فهؤلاء القادة مثل , ستالين و ماو تسي تونغ و كيم إل سونغ و بول بوت ألخ .. أزالوا القشرة الإنسانية و الأخلاقية من الماركسية , و قتلوا و سفكوا دماء الناس بأسم الشيوعية و الحرية و العدالة .
و فوق كل القتل و سفك الدماء , ساهموا هؤلاء في تجميد الماركسية , فالمادية الديالكتيكية تحولت من فرضية أو من مجرد نظرية إلى قانون في الحياة مثلها مثل قانون الجاذبية , هذا وهم ما بعده وهم , كيف نقول أن هناك نظرية لم تكن منجزة :هي نظرية صحيحة و هي حقيقة كل الوجود , فالمادية الديالكتيكية تخبرنا أن كل شيء قابل للتطور لا شيء جامد , كيف يجمدها اصحابها و هي تحث على الحيوية ؟
فالذي لا يفهمه بعض مفكرينا , مع الأسف الشديد , الفرق ما بين الفرضية و القانون . القوانين هي الأشياء المفروضة علينا , مثل قانون الجاذبية , فالجاذبية قانون و ليس فرضية , لا يمكننا إفتراض وجود جاذبية بل نستطيع جزم وجودها . أما الفرضية هي الأشياء التي نفترضها , مثل الماركسية و التاريخ , فالماركسية تفترض أن مراحل التاريخ ستؤدي إلى الاشتراكية , المشاعية إلى العبودية إلى الاقطاعية إلى الرأسمالية إلى الاشتراكية , فهذه النظرة اثبتت عدم صحتها – بعد التجربة الاشتراكية – فنفهم أن الماركسية و التاريخ عبارة عن فرضيات و توقعات , فماركس على سبيل المثال , توقع العولمة أو المرحلة الكوسموبولتية , فهذا التوقع صحيح و لكن هذا لا يعني أن ماركس يعلم الغيب , و لا يعني هذا أن يتوجب علينا تقديس ماركس و عبادته .
أن مرحلة ستالين أو عهد الستالينية , هي المرحلة التي تم فيها تجميد الماركسية , مثل اللوحة الخماسية للتاريخ أو مثل التقسيم الثلاثي المبسط لتعريف الماركسية , فالتاريخ أصبح محصوراً في خمس مراحل فقط , و الماركسية أصبحت نظرية متكونه من : المادية الديالكتيكية و المادية التاريخية و الاشتراكية العلمية , فالنواحي الثانية من الحياة تم تجاهلها و تم اختزال الماركسية في هذه التعريفات المبسطة التي من الممكن أن تصنع جيشاً من الموالين لفكر ستالين , فهناك لا وقت للشرح و التأويلات , فأجعلهم يحفظون الماركسية خيراً من أن يفهموها .
فمشكلة بعض مفكرينا أنهم من حفظة الماركسية , فهم حفظوا المادية الجدلية و التاريخية , و حفظوا الاشتراكية العلمية و المراحل الخماسية للتاريخ , فعندما تتحدث إليهم تجدهم جميعاً يقولون مثل الكلام , لأنهم بكل بساطة يحفظون الماركسية و لا يفهمونها , و لا أحد يدعّي هنا أنه يفهم الماركسية , و لكن سبيل المعرفة أفضل من سبيل الحفظ , فهؤلاء حفظة الماركسية يعيشون في القرن الماضي , و يحللون القرن الحالي بمعطيات القرن الماضي , فلا مجال لهم للتطور اذا بقوا على هذه العقلية .
المرحلة الستالينية جعلت الماركسية نظرية صلبة , جامدة , مانعة , و جاهزة , فلا يمكن لأي شخص أن يقول شيئاً ضد الماركسية بشكلها الستاليني , فيصف تروتسكي ( القائد الميداني للثورة الروسية ) المرحلة الستالينية :
(( البلاشفة – بالنسبة إلى غورتر , بانيكويك ,و حفنة معينة من السبارتاسستس الألمان– أستبدلوا دكتاتورية البروليتاريا بدكتاتورية الحزب الواحد , و ستالين أستبدل دكتاتورية الحزب الواحد بدكتاتورية البيروقراطية , البلاشفة اقصوا كل الأحزاب بإستثناء حزبهم . خنق ستالين الحزب البولشفي لمصلحة الزمرة البونبارتية Bonapartist Clique . تعاون البلاشفة مع البرجوازية , لقد أصبح ستالين حليفهم و داعمهم . )) ( الستالينية و البولشفية 1937 )
فيعلل تروتسكي كلام غورتر و بانيكويك و حفنة معينة من السبارتاسستس بأن البلاشفة أستبدلوا مفهوم دكتاتورية البروليتاريا بدكتاتورية الحزب الواحد , و زاد ستالين " الطين بلة " بإستبداله دكتاتورية الحزب الواحد بدكتاتورية البيروقراطية . فنستنتج من كلامه أن ستالين قد رسخ و ثبت السلطة البيروقراطية في الاتحاد السوفييتي , فهناك فئة منتفعة و فئة منحطة , فالمنتفعون ساعدوا على ظهور ستالين كالقائد الأوحد و الأعلى , لأنه يفيدهم " هنا و هناك " , فحفاظاً على مصالحهم الشخصية ساعدوا في تقديس ستالين و الماركسية و الكتب. فلا يوجد مجالاً للشك , و لا مجال للتساؤل حول صحة أفعال الحزب أو مدى الصحة الفكرية التي يمتلكها الحزب , فالحزب لا يمكن أن يخطأ , الحزب هو الذي يفكر عن الأفراد , هو يلقن الناس , الناس تحولوا من بشر إلى مكينات المصانع لا رأي لهم , فقط يعملون و يطيعون .
أي دكتاتورية بروليتاريا هذه ؟ التي تقمع الناس و تحرمهم من التفكير ؟! هل قال ماركس يوماً هكذا ؟ , هل قال يا عمال العالم أقمعوا ؟! , فهو دعا إلى الاتحاد بين العمال لعالم أفضل , للجنة في الأرض , و ليس للجحيم في الأرض ! .
يجب على الزمرة الدوغمائية الموجودة في ساحاتنا الفكرية أن يبدؤوا بالسؤال , لماذا ندعم القتلة ؟ لماذا نلطخ أيدينا بدماء الأبرياء , و من الخطأ أن يعتقد أحد أن هذا الرسالة موجهه إلى الستالينيين فقط , بل هذه الرسالة موجهة إلى كل من يقدس الشخصيات و النظريات . لماذا تقبلون على أنفسكم أن تدعموا أشخاصاً حرموا الناس من حقهم في الحياة , حقهم في الاستمتاع و التفكير الحر ؟ هل لأن لا يوجد بديل ؟ أم لأن التاريخ مزيف ؟ ,هل يعقل أن كل البلاشفة الذين أنتقدوا ستالين كانوا على خطأ ؟ هل يعقل أن رفاق ماو تسي تونغ الذين أنتقدوه كانوا على خطأ ؟ , لا يمكننا أن نقول عنهم خونة أو مرتدين أو تحريفيين لأننا لم نعاني و نقاسي ما عانوه في حياتهم , أنظروا إلى روسيا اليوم , لا يترحمون و لا يتذكرون الماضي , أيعقل دولة الحرية و الاشتراكية و العدالة لا يشتاق إليها أحد ؟ أنظروا إلى الصين اليوم , أصبح الصيني يبيع كليته من أجل آيفون IPHONE و الآيباد IPAD , لا أحد يشتاق إلى ماو تسي تونغ ؟ هذا يعني أن كل الشعارات التي رفعها السوفييت و باقي الدول الاشتراكية مزيفة , لا أشتراكية و لا عدالة و لا حرية , كل هذا الكلام كان كذب من قبل حفنة من البيروقراطيين المنتفعين , و يقول تشارلي تشابلن في فيلم الديكتاتور العظيم THE GREAT DICTATOR :(( أن الدكتاتوريين يحرروهم أنفسهم فقط )) , و هذا ما فعله القادة الديكتاتوريين في العالم ; حرروا أنفسهم فقط و أستعبدوا الناس , يتحدثون بأسم الشعب و لكنهم لا يحبون الشعب , يخافون من الشعب , لا يثقون بالشعب .
الشعارات سمعناها و حفظناها , و لكن لم نر أي تطبيق لها , و يؤسفنا جداً أن نجد إلى اليوم أشخاصاً يدعمون الديكتاتوريين الذين ضحكوا على الجماهير , فالعالم إلى اليوم لم ير الاشتراكية الحقيقية أو دكتاتورية البروليتاريا التي كان يحلم بها البشر , و اذا كان النموذج الستاليني أو الصيني أو الكوري هو النموذج الأصح للدكتاتورية البروليتاريا , فلا نريد هذا الشكل من دكتاتورية البروليتاريا , فهذا الشكل هو الدكتاتورية ضد البروليتاريا , الاشتراكية الحقيقية تسمح بالرأي و الرأي الآخر , تسمح بالتعددية الحزبية , تسمح بالنقد , فالاشتراكية المزيفة البيروقراطية هي التي تقمع و تخاف من الناس .
فالسؤال و الشك هو مصدر المعرفة , من دون الشك لن نتطور و لن نتعلم , فالبكاء على الماضي لن ينفع , و إعادة أحياء المتاحف لن تفلح , فمع بزوغ قرن جديد, ندخل إلى مهمة جديدة , فالحاضر هو المهم و ليس الماضي , صحيح نتعلم من الماضي , و لكن لنعمل في الحاضر و ننجح في المستقبل , فالساحة الفكرية يجب عليها أن تتبنى أمور متعلقة بالعصر أكثر مما متعلقة بالعصور المغبرة , و ما دامت هذه الزمرة الدوغمائية موجودة, يصعب علينا تحليل الحاضر , يصعب علينا التحدث عن الحاضر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يا كومونيوا العالم اتحدوا
فؤاد محمد ( 2012 / 6 / 2 - 22:49 )
الرفيق العزيز هشام
جهد ثوري رائع
المهم ان نفضح الاسباب الحقيقيه التي اوجدت هذه الانحر افات في الماركسيه
ان معالجة النتائج ما هي الا الدوران بحلقه مقرغ
اعانقكم


2 - هذا هو الجمود العقائدي
شامل عبد العزيز ( 2012 / 6 / 3 - 08:27 )
تحياتي لك وللعزيز فؤاد محمد
قد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
أقصد الذين تقصدهم في مقالك بمختلف المسميات
نعم هؤلاء هم السبب - هؤلاء الذين لا يزالون يعيشون في خمسينات القرن الماضي أو بدايات القرن العشرين
كل ما نحن فيه بسبب فشل هؤلاء في تحقيق طموحات الشعوب وهم يدعون انهم يعملون من أجلها
لم نجد خارطة طريق تواكب العصر من قبلهم
لابدّ من العودة للماضي هكذا يقولون
نتمنى استحضار س وص مثل المهدي المنتظر الذي سوف ياتي وينقذ البشرية ؟
لا خلاف الغالبية تنتظر المهدي ولكن بمسميات مختلفة
هذه هي مصيبتنا
الجمود والجدل والعودة للماضي هناك من يريد العودة إلى قبل مائة سنة وهناك 1440 سنة وهناك 2000 سنة
ولكن عندما تسألهم عن حلول للحاضر لا يوجد فقط امنيات
بوركت جهودك في فضح هؤلاء


3 - المراحل التاريخية و النظرية الماركسية!ع
علاء الصفار ( 2012 / 6 / 3 - 13:39 )
اجمل التحية سيد هشام
ان الجاذبية الارضية كمثل صارلها قوانين واستفاد البشر في امور معينة ولو لا الوصول اليها لم يتمكن انشتالين يجد نظريته التي توضح شيء اخرغير هذا. اقصد ان المعارف العلمية تغتني يوميا فحضور الفكر الماركسي افادة رغم كل شيء في فهم التاريخ واذا اراد احد الابداع فاليتفضل ! لكن اخطاء ستالين لم ترتبط بالديالكتيك ابد انه امور تكتيكة و اخطاء سياسية.ممكن الافادة منها وعدم تكرارها مستقبلا في اي تجربة اشتراكية. فكما تعامل البشر مع قانون الجاذبية والان الافادة من نظرية انشتاين. لم يعدم احد باسم الديالكتيك المادي! و لا باسم المراحل الخماسية او السبعاوية! فان خلط امر عبادة الشخصية باراء ماركس في الامرالتاريخي من المشاعيةالى الدولة الطبقية يؤدي الى شبك مبالغ ولا يفيد في فهم وتجاوز الاخطاء.ثم لا فرق كبير بين الانحياز الى الرجل بوش في حربه على العراق او تعاونه مع القاعدة و دعم الامريكي له و انتخابه اليس ذلك شكل من عبادة الشخصية.الم تشن الديمقراطية الفرنسية القتل ضد الشعب الجزائري وقتل مليون انسان اليس ذلك تقديس الديمقراطية الغربية في الدولة الراسمالية,و تحول البشرالى ماكينة للاستعمار!ع

اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم