الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى نرى الرواية العراقية فلماً؟

فليحة حسن

2012 / 6 / 3
الادب والفن



نشر أحد الصحفيين العاملين في جريدة نيويورك تايمز في عام 1995 قصة شخص متهم بقتل زوجته الحامل وزعمه إن الجريمة اقترفها رجل اسود مجهول . قائلاً انه باعتباره صحفياً سأل سيدة كانت تقيم بجوار تلك العائلة المنكوبة عن رأيها حول المأساة "هل توافقين على رواية الزوج؟ وهل يبدو لك أنه من الممكن وأنت تعرفين هذا الرجل (الجار) أن يكون قد ألف روايته؟ فكان جواب السيدة أني على أحرّ من الجمر في انتظار الفيلم التلفزيوني الذي سينتج لكي اعرف نهاية هذه القضية " *
القصة التي أوردتها كمقدمة لمقالي هذا لا تقع ضمن الإخبار أو الإبلاغ بحادثة وقعت فعلاً ، كونها فعل محتمل الوقوع تتداوله أو مثيلاته الصحف العالمية بعمومها والأمريكية على وجه الخصوص يومياً ،
غير إن اختياري له هنا يكمن في ردّ السيدة على الصحفي حين سألها عن مدى مصداقية المتهم في قوله خصوصاً وهي الجارة له ، قولها الذي أوجزتْ فيه ما آلت إليه معرفتنا بالآخر حتى وان كان ذلك الآخر قريباً مكانياً منا ، والذي قالت فيه دونما نية في المزاح " إني على أحرّ من الجمر في انتظار الفيلم كي اعرف نهاية القضية "
إذن صرنا نعرف بعضنا بوسيط تقني آخر، وسيط يخترقنا ليرينا العالم الذي نجهله ، حتى وان كان ذلك العالم منسوخاً ،
ليس رغبة منا في تقبل المنسوخ بعيداً عن الأصل ، بل لعدم وضوح الرؤية الحقيقية للأصل، وانعدام قدرتنا على إدراكه لأسباب عدة ، فالمرأة هنا لم تستطع إدراك حقيقة جارها ما لم يتجسد لها عالم ذلك الجار فلماً ،
وحال المرأة هنا ينسحب على الآخر ( العربي والغربي) على حدّ سواء والذي بقيّ جاهلاً بحقيقة العراق ، ولم يعرف منه سوى الجانب المعتم الذي يتناوله الأعلام بشتى أنواعه كخبر يومي لا يخلو من الرعب ،
وبذا تم تقديم الشخصية العراقية بلبوس قان وبإصرار ، ورُفضت طيبة العراقي وشهامته ونخوته وصدقه وحبه للخير والألفة التي بينه وبين أخيه في الإنسانية لأنها تم التعتيم عليها ولم يكشف عنها إلا في قصص وروايات نُشرتْ ولما تزل في العراق ،
وحتى لو تسنى لتلك الروايات أن تُطبع وتوزع في دور نشر عربية فهي لن تكون متاحة إلا للنزر القليل من الناس المتعلمين مقارنة بالغالب الذي تغيب عنه تلك الرواية لأسباب عدة قد يدخل حتى عدم توفر الوقت اللازم لقراءتها ضمن تلك الأسباب ،
فكيف إذن سيتعرف علينا الآخر؟
ولماذا نحن نعرف المجتمعات الأخرى بينما هي لا تعرف منّا سوى حياة ملفقه ؟!
قد تكمن الإجابة عن هذين السؤالين في إننا والى الآن لم نستطع تحويل ما هو خاص الى ما هو عام، ما هو مكتوب الى ما هو مشاهد ومسموع ، وبذا تُحجب صورتنا الحقيقية وتضيع،
نعم الرواية هي مرآة المجتمع الذي ولدت منه ، وهي الوحيدة القادرة على عكس صورة ذلك المجتمع وتقديمها كعالم مصغر عن العالم الذي جاءت منه،
وهي أيضاً الوحيدة القادرة على تعميم تلك الصورة حين يتم تحويلها الى فلم يعرض أمام الملأ ، وهذا عائد ببساطة الى إن الفلم سيُظهر ما هو موجود وواقع فعلاً!
لكن كيف يتم ذلك الأمر ونحن نفتقر الى مؤسسة إنتاجيه تعمد الى هذا الفعل بوعي ،
ولا تضع الربح المادي أساساً لعملها الإنتاجي ذلك متغافلة عن المكاسب المعنوية المتحققة من وراء عملية الإنتاج تلك؟!
مؤسسة يترأسها منتجون يتحلّون بإصرار وعزيمة لا تفتر أمثال المنتج (ستايندروف) الذي أمضى ثلاث سنوات في محاولة لإقناع الروائي العالمي غارسيا ماركيز بالسماح له بتحويل روايته ( حب في زمن الكوليرا ) الى فلم !
مؤسسة يسهم ويساهم فيها أفراد بحجم (دستي هوفمان ) الذي اشترى حقوق تحويل رواية (العطر) الى فلم بعشرة ملايين يورو!
مؤسسة عراقية تعي دور ثقافة الفلم ومدى إسهامها في صنع التغيير المنشود داخل المجتمع أولاً وتصحيح فكرة الآخر عن المجتمع العراقي ثانياً ،
مؤسسة تفترق كلياً عن المؤسسات المؤدلجة التي اختارت من الرواية العراقية مَنْ كانت طبلاً للجلاد وقدمتها في سابقات أفلامها المنتجة في الزمن السالف، فأسهمت بقصدية في الخراب !
وبعيداً أيضاً عن المؤسسات الغربية أمثال مؤسسة ( بارامونت بكتشرز) التي عمدتْ الى السخرية من المجتمع العراقي حين قامت بإنتاج رواية (زبيبة والملك ) - لكاتبها طبعاً- وقدمتها ككوميديا سينمائية في دور العرض السينمائي العالمي .


*************************
*ورد هذا الخبر أيضاً في كتاب (سياسة مابعد الحداثة ) لليندا هتشيون ترجمة دكتور حيدر حاج إسماعيل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد


.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد




.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس