الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يافخامة الرئيس لم تقدم شعوبنا كل هذه التضحيات لتحصل على ديموقراطية درجة ثالثة

عبد المجيد حمدان

2012 / 6 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


يا فخامة الرئيس:
لم تقدم شعوبنا كل هذه التضحيات لتحصل على ديموقراطية درجة ثالثة

شكرا للرئيس كارتر ، وباقي المراقبين ، وللصحافة الغربية ، الذين نبهونا إلى حقيقة طالما غابت عنا . حقيقة تقول أنه كما أن العالم منقسم إلى شمال وجنوب ، عالم أول وعالم ثالث ، كذلك هو حال الديموقراطية . هناك ديموقراطية شمال وديموقراطية جنوب . ديموقراطية نخب أول وديموقراطية نخب ثالث . ديموقراطية درجة أولى وديموقراطية درجة ثالثة . صحيح أن كارتر والباقين – مراقبون وإعلام – لم يقولوا هذا بالضبط ، أو مباشرة ، ولكنهم قالوه عبر قصائد الغزل والمديح ، التي كالوها عقب انتخابات الرئاسة المصرية ، وعقب انتخابات الرئاسة والمجلس التشريعي الفلسطينية . كارتر وغيره أثنوا على النزاهة والشفافية التي اتسمت بها انتخابات فلسطين وانتخابات مصر . هم حضروا ، وشهدوا العمليتين الختاميتين ، عمليتي التصويت والفرز . والعمليتان ، هنا في فلسطين ، وهناك في مصر ، اتسمتا بالفعل بالشفافية والنزاهة . ولم نكن بحاجة لقصائد كارتر ، أو لقصائد غيره ، كي تبصرنا بحقيقة ما مارسنا وما شهدنا . لكن الأمر الأهم يتمثل في عدم حاجتنا لشهادات الزور ، التي تبرع كارتر وغيره ، غير مشكور ، وغير مشكورين ، بتقديمها ، حين سحبوا ما شاهدوه من الشفافية والنزاهة ، في الجزء الختامي من العملية الانتخابية ، على العملية كلها .
واستند المطبلون ، هنا في فلسطين ، وهناك في مصر ، كما استندت القوى الفائزة في الانتخابات ، ووسائل إعلامها ودعايتها ، إلى شهادات كارتر وصحبه ، وإلى الإعلام الغربي ، لرفع صخب حملات التطبيل للعرس الديموقراطي ، وللروح الديموقراطية ، وللسلوك والفعل الحضاري ، الذي تحلى به جمهور الناخبين ، ولنزاهة وشفافية الجهات التي أدارت ، وجهت ، وأشرفت على هذا العرس ، ليخرج هكذا بهذا الثوب الزاهي ، ولنباهي به الأمم الأخرى . وأكثر ليصل بنا الأمر كي ندعو الأمم الأخرى إلى التعلم منا .
ربما نجد العذر لكارتر ، وباقي المراقبين ، وكيل مدائحهم ، لأن هذا الجزء الختامي ، التصويت والفرز ، هو الذي ظل في الماضي يشهد عمليات التزوير الفظة لإرادة الناخبين ، وما ظل يترتب عليها من وأد للديموقراطية برمتها . لكن مما لاشك فيه أن كارتر ، ومن مقر عمله في الولايات المتحدة ، والأمر ذاته مع باقي المراقبين ، كان يتابع من هناك ، سير مختلف مراحل العملية الانتخابية ، قبل مجيئه للمتابعة عن كثب لجزئها الأخير ، التصويت والفرز . ولا أظنه إلا كان على علم بأن سير هذه المراحل لم يكن على ما يرام ، ولم يكن يتقاطع ، أو يتقابل ، مع أبسط متطلبات ديموقراطية الشمال ، أو الديموقراطية درجة أولى ، أو نخب أول ، التي تسود في بلدان الديموقراطيات العريقة . كان لا بد يعرف عن ما شاب هذه المراحل من سوءات ، تخص : مصادر تمويل الحملات ، سير الدعاية الانتخابية ، ملصقاتها واستباحة الملكيات العامة والخاصة ، تلطيخ البلد بكل هذا القبح وإضراره بالبيئة ، رشوة الناخبين ، الموتى في قوائم الناخبين ، تجميع ونقل الناخبين ....الخ . ولا أظن إلا أن كارتر وغيره يعرفون لو أن واقعة واحدة ، من آلاف الوقائع التي حدثت عندنا ، تحدث في بلد من بلدان ديموقراطيات النخب الأول ، لوقع زلزال سياسي وأخلاقي وديموقراطي ، ليس في ذلك البلد وحده ، ولكن في كل بلدان ديموقراطيات النخب الأول . ولتوضيح ما أذهب إليه ، اسمحوا لي أن أنتقل من التعميم إلى التخصيص .
الديموقراطية لا تفرخ الفساد :
في مصر شكلت الرزمة الغذائية ، زيت ولحمة ورز وسكر وبطاطس ، ثم أنبوبة البوتاغاز ، عنصرا مهما ، من عناصر حملة حزب الحرية والعدالة – الإخوان – الانتخابية . وشكلت هذه الممارسة مادة خصبة لأقلام رسامي الكاريكاتير . وأثناء الاقتراع رصدت عدسات المراقبين ، عمليات شراء الصوت – لم تقتصر على مرشح بعينه - بأسعار تراوحت بين مائة ومائتي جنيه ، نصفها قبل التصويت ونصفها بعده . وفي فلسطين جرت نفس العمليات ، وكما في مصر ، على عينك يا تاجر . وكان الفارق أن سعر الناخب الفلسطيني أعلى من نظيره المصري ، مائة ومائتي دولار ، غير كروت الموبايل .
والآن دعونا نتصور كيف ستكون ردة فعل كارتر ، وباقي المراقبين ، لو أن حدثا واحدا مثل هذا وقع ، ولو مع ناخب واحد ، في إسرائيل أو في قبرص . بالتأكيد لن يشهد كارتر بنزاهة هكذا انتخابات . والأهم موقف اللجنة المشرفة على الانتخابات ، والعقوبة التي يمكن أن تفرضها على المرشح ، أو الكتلة التي مارست فعل الرشوة هذا . لا أظنك ستفاجأ ، عزيزي القارئ ، بالحملة التي سيتعرض لها من يقدم على فعل كهذا ، أو بقرار لجنة الانتخابات القاطع بوقفه ، وربما بإخراجه من العملية كلها ، تمهيدا لمحاكمته . وبما يعني حكم الإعدام على مسيرته السياسية اللاحقة . فتلك هي ديموقراطية النخب الأول .
نحن في العادة لا نتوقف للتبصر في طبيعة ومضمون حكم تفرزه هكذا عملية ديموقراطية ، تشهد وقائع رشوة الناخبين هذه . ولتقريب المسألة من ذهن قارئ بسيط ، سأسرد له حوارا جرى أثناء الانتخابات الفلسطينية ، العام 2006 . دار الحوار حول مرشح ، اشترى صوت الناخب بمائة وبمائتي دولار ، وبكوبونات بنزين ، وكروت موبايل . وقيل أن حملته في محافظة رام الله ، وهي لا تساوي حي شبرا في القاهرة ، بلغت أكثر من مليون دولار- سقف حملة المرشح على المقاعد الفردية 20 ألف دولار - . سألت ذلك المتحمس لحملة هذا المرشح : كيف سيسترد مرشحك ، وهو رجل أعمال ، يسترد ، في العادة ، الدولار دولارا ونصف ، وحتى دولارين وأكثر ، هذا المبلغ الذي صرفه ، ولا تقل لي أنه لن يفعل ذلك ؟ وأضفت : لا بد أنك تعرف أن مجموع رواتبه خلال الدورة كلها لن يصل إلى عشر هذا المبلغ . بعد فترة تفكير قال : أكيد من خلال استغلال موقعه الجديد . قلت إذن ، أنت وغيرك ممن قبلوا ورقة ، أو ورقتي ، المائة دولار ، منحتم هذا النائب ترخيصا ديموقراطيا لممارسة الفساد . وتابعت : ثم أن الجهة التي راقبت ، ورأت ، ثم صمتت ، ليس فقط أقرت ، بل قوننت هذا الفساد . والسؤال : هل مهمة الديموقراطية محاربة الفساد أم استيلاده ، تشريعه وقوننته ؟
ذات الأمر ينطبق على موازنات الحملات الانتخابية . في فلسطين حددت اللجنة العليا سقفا أعلى للحملات الانتخابية . وحدث مثل ذلك في مصر . وفي مجرى العملية ، تجاوز المرشحون والكتل ، باستثناء غير المقتدرين ، هذا السقف بكثير .
حدث أن أنيطت بي مسؤولية الإشراف على مصروفات حملة كتلة البديل ، وهي كتلة لتنظيمات يسارية هي : حزب الشعب ، حزب فدا والجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين . ومن موقعي هذا وقفت على حجم الصعوبات التي واجهت التنظيمات الثلاث ، فقيرة التمويل والإمكانيات ، في توفير حصصها من المصروفات ، بعد أن انزلقت إلى مجاراة بعض أوجه صرف حملات كتل أخرى . وفي النهاية قدمت الكتل الفائزة ، بمقاعد في المجلس التشريعي ، تطبيقا للقانون ، كشوفا بمصروفات حملاتها للجنة الانتخابات . وفوجئنا ، بعد المقارنة بين مختلف الكشوف ، أن كشوف جملة مصروفات كتل فاقت إعلانات حملاتها ، غير الرشاوى المباشرة ، إعلانات حملتنا ، بعشر مرات في حدها الأدنى ، جاءت أقل من نصف ما سجلناه في كشفنا . آنذاك فتحنا حوارا مع من يعنيهم الأمر ، وبينهم منظمات حقوقية ، ولتعليم الديموقراطية ، حول معنى ما حدث ، وأثره على ديموقراطية ننشدها ونعمل لها . وأذكر أنني طرحت السؤال التالي : في رأيكم ما هو المتوقع من نائب ، أو كتلة ، شكل كشف مصروفاته/ها المزور ، عتبة دخوله/ها للمجلس ؟ هل نتوقع من مثل هذا النائب ، هذه الكتلة ، انحيازا للأمانة ؟ رفضا للمحسوبية ؟ محاربة للفساد ؟ انصياعا للقانون ؟ دفاعا عن الحقوق ؟ وقوفا في وجه الظلم والطغيان ؟ انحيازا للمظلومين ؟ احتراما للحريات ؟
ما أثار دهشتي آنذاك ، وحتى يومنا هذا ، أن محاوري لم يروا أية أهمية لما طرحت . واجهوني بشهادة كارتر وغيره عن نزاهة الانتخابات ، وعن نجاحنا الحضاري المذهل ، في عبور تجربتنا الديموقراطية الأولى هذه . ومنهم من عدد نجاحاته في تدريب وتخريج كوادر المراقبين ، ومتابعة ورصد مراحل التصويت والفرز ، وما إذا وقع فيها مخالفات أم لا .
مؤسسة احتقار القانون :
وفي مصر ، وفي انتخابات الرئاسة ، حددت اللجنة العليا ، سقف الحملة بعشرة ملايين جنيه . وتوفرت معطيات تفيد أن حملتي مرشحي الإعادة تجاوزت هذا السقف بكثير . والتقديرات المتحفظة وضعتها بين ثلاثمائة وخمسمائة مليون جنيه . أي بتجاوز للسقف مابين ثلاثين وخمسين ضعفا . وعلى حد علمي لم يُسألْ أي منهما عن ذلك . كما لم يسألا عن مصادر تمويل حملاتهما ، وعما إذا كانت جهات من خارج مصر ، قد ساهمت فيها ، وبمخالفة واضحة للقانون . ومن جديد لم يهتم أولئك الذين اعتمدوا شهادة كارتر بهاتين الجزئيتين . وواصلوا التفاخر بالشفافية والنزاهة التي بهرت العالم .
ولأنني لا أظن أن أحدا يجهل مسؤولية الرئيس في صيانة واحترام القانون أسأل : كيف لرئيس ، من أجل احتلال منصب بهذه الرفعة ، تجاهل القانون بهذه الغلظة ، أن يتقيد بالقانون ، أن يخلص للقانون ، أن يكرس جهدا لحماية القانون ، بعد اعتلائه سدة الرئاسة ؟ وكيف لرئيس وافق على رشوة الناخب بكراتين لحمة وزيت ومكرونة وبطاطس ، أو بالمائة جنيه نقدا ، أن يؤتمن على مصالح الشعب ، كأن يحمي الفقراء من جشع مستغليهم ؟ وما الذي يعنيه سكوت المنظمات المدنية والحقوقية ، وتلك التي تناضل من أجل توفير ديموقراطية حقيقية ؟ ألا يعني هذا السلوك من حضرة الرئيس ، وذلك السكوت من الحقوقيين والمدافعين عن الحريات ومبادئ العدالة ، تفويضا للرئيس باحتقار القانون والضرب به عرض الحائط ؟ وهل هذه هي الديموقراطية التي فقد خيرة شباب الوطن حياتهم من أجلها ؟ وهل نواصل إطراب سمعنا بعبارات كارتر عن نزاهتها ؟ وأخيرا هل يستطيع القارئ تخيل ما الذي يحدث في بلد من بلدان الديموقراطية نخب أول ، لو حدث من مرشح للرئاسة ، تجاوز واحد من التجاوزات المذكورة أعلاه ؟
تعليمات اللجان العليا للانتخابات :
ودأبت اللجان العليا للانتخابات ، في مصر كما في فلسطين ، على إصدار سلسلة من التعليمات المحددة لقواعد وضوابط ، يضمن تطبيقها سلامة وشفافية ونزاهة العملية الانتخابية . كما دأبت على إرفاق هذه القواعد والضوابط بعقوبات تطبق بحق الخارجين عليها ، تتدرج من الغرامات المالية إلى السجن مددا محددة . مثلا حددت سقوفا لقبول التبرعات المالية ، بما فيها حظر تلقي التبرعات من مصادر خارجية ، تُعرض متجاوزها ، لإحدى العقوبتين ، أو كلاهما معا . وتحديد سقف التبرعات ، بألف دولار ، أو عشرة آلاف ... أمر في غاية الأهمية ، تطبيقه يعني منع المال السياسي ، من شراء فالسيطرة وتوجيه النائب أو الرئيس . والأمر ذاته مع سقف الصرف المالي ، وحظر رشوة الناخب . ثم حظر استخدام الدين في الدعاية الانتخابية ، وحظر استخدام دور العبادة ، وفترة الصمت الانتخابي .....وغير ذلك كثير . ومسألة حظر استخدام الدين ، ودور العبادة ، وهي تشكل أحد أهم دعائم نزاهة العملية الانتخابية ، لم تبتدعها الديموقراطية نكاية في هذا الحزب أو ذاك ، أو لمناوأة الإسلام كما يقول البعض . هي جاءت كثمرة طيبة لعملية تطور الديموقراطية ، عبر مسارها الطويل . وهي ، كما أكدت مختلف تجارب الديموقراطيات ، تشكل ضرورة تحول دون تحول العملية الانتخابية ، إلى صراع دامي بين الطوائف ذات المرجعيات الدينية المتعارضة . وللتوضيح أكثر ، ليتصور القارئ ما المحتمل حدوثه لو فرض الهنود دعاية هندوسية متشددة ، على الأقلية الإسلامية – حجمها فقط 180 مليونا - ، أو لو اعتمد كل من الشيعة والسنة في لبنان ، دعاية مستندة إلى معتقداتهم الدينية . هل يضمن أحد أن لا تتحول المعركة الانتخابية في البلدين المذكورين إلى مذابح دامية ؟ وبالعودة للسياق نقول : في فلسطين ، كما في مصر كسر المرشحون كل هذه القواعد ، وبصورة صارخة أحيانا ، دون أن تقدم اللجان ، واضعة القواعد والضوابط ، على مجرد مساءلة واحدة ، ولو لواحد من مرتكبي المخالفات . وظل تبرير هذا النكوص من قبل اللجان واحدا : عدم امتلاك اللجان إمكانيات التحقق من وقوع المخالفة ، وعدم امتلاك الصلاحية فالقدرة لإيقاع العقوبة ، التي هي مناطة بجهة أخرى .
كمثال في انتخابات التشريعي الفلسطينية ، وضح لكل ذي عينين ، تلقي مرشحين ، وكتلا ، تمويلا خارجيا ، وحيث بدا هذا التمويل صارخا يفقأ العين . ووقفت لجنة الانتخابات عاجزة عن فعل شيء . موقفها ، أو عجزها ، مفهوم ومقدر . فهي لا تملك وسائل التحقق ، وفي حال تزويدها بالوقائع ، تعوزها الصلاحية ، والقدرة على إصدار الحكم ، بالعقوبة أو بدونها . ولو أنها فعلت ، فقد يقع لها ما لا يمكن تخيله . ومرة أخرى حالنا في فلسطين معروف ومفهوم ، فنحن قبل كل شيء بلد ليس له دولة ، وسلطته منقوصة السيادة . لكن ما بال مصر ، البلد والدولة كاملة السيادة ، ولجانه العليا تتمتع بالحصانة القضائية ، وبحماية أجهزة للدولة قادرة وفاعلة ؟
هنا ، لا بد لأي مهتم بقضية الديموقراطية ، أن يطرح العديد من الأسئلة ، في مقدمتها : لماذا تكلف اللجان العليا للانتخابات نفسها عناء إصدار تعليمات بقواعد وضوابط ، هي أول من يعلم افتقارها للقدرة على تطبيقها ؟ ثم لماذا تكلف نفسها هذا العناء ، وهي تعرف يقينا أن أيا من المرشحين لن يلتزم بها ؟ هل تفعل ذلك ، رسالة للخارج ، وللمنظمات الحقوقية والمدنية ، عن الالتزام بالمعايير الدولية ؟ وكيف لم ينتبه أحد ، من أعضائها ، أو من غيرهم ، أن الخارج ، وبشهادة متكررة من كارتر والمراقبين الآخرين ، لا يأبه لهذه الضوابط ، ولا ينتبه أو يهتم لخرقها أو الالتزام بها ؟ وألم يتوجب الانتباه إلى مضمون العبرة من كل ذلك ، وهي توطيد وتعميق ثقافة الخروج على القواعد والضوابط ؟ خرق القانون وكسره ؟ عدم احترام سيادة القانون ، أحد أهم مبادئ الديموقراطية المنشودة ؟ ونحن لا نفتري على هذا المضمون ، أو نخرجه كالحاوي من جيوبنا . فهؤلاء الذين يمارسون خرق وكسر القواعد ، في حملاتهم الانتخابية ، ويشي فعلهم عن سلوك متأصل ، هم أنفسهم الذين سيتولون أقدس مهمة ، مهمة تشريع القوانين ، ومهمة الرقابة على تطبيقها . وإذن كيف سيتمكنون من فعل ذلك ، وقد دشنوا مسيرتهم إلى هذا الحصن المقدس ، فالجلوس تحت قبته ، بالخطو على بساط التعديات على القانون ، والتعبير الصارخ بذلك عن عدم احترامه ؟!!!.
وفي مصر ، وسبقناهم إلى ذلك في فلسطين ، جرى حديث كثير ، عن تمويل خارجي ، من أشقاء عرب ومن غيرهم ، لحملات مرشحين للرئاسة ، وصل بعضهم لجولة الإعادة ، وبعد أيام سيجلس أحدهم على كرسيها . ورغم كثرة ما تردد على الألسنة ، وفي وسائل الإعلام ، لم تكلف اللجنة العليا ، أو أي جهة أخرى ، نفسها عناء التحقق من صحة الأمر . ولعل القارئ لا يحتاج إلى التذكير ، بأن مهمة حفظ استقلال البلد ، وصيانة كرامته وكرامة المواطنين ، تتصدر مهام الرئيس . والسؤال كيف لمن هو مدين في وصوله إلى كرسي الرئاسة ، أو حتى لكرسي البرلمان ، إلى هذا الخارج ، أن يصون استقلال وكرامة البلد ، من عبث هذا الخارج ؟ ألا يشي سكوت الجهات المعنية أن الديموقراطية الجاري تطبيقها ، تقنن عبث التدخلات الخارجية وتحميها ؟
خاتمة :
ختاما عزيزي القارئ اسمح لي أن أطرح عليك بعض التساؤلات ، المكلف أنت ، قبل أي أحد غيرك بالإجابة عليها . هل حدث أن سمعت أن حزبا ما ، تكتلا انتخابيا ما ، في بلد من بلدان ديموقراطيات النخب الأول ، بريطانيا ، البرتغال ، اليونان ، النمسا ، استراليا ، كندا ، مالطة ، قبرص وغيرها وغيرها ، استأجر وسائط تنقل الناخبين إلى مراكز الاقتراع ؟ ستجيب : لم أسمع . وأعود لأسألك : في ظنك لماذا لا يحدث هذا هناك؟ ثم : هل حدث وسمعت عن استخدام للدين ، أو لدار من دور العبادة ، في أي من هذه البلدان ، للدعاية الانتخابية ؟ ستجيب : لا لم أسمع . وأعود لأسألك : في ظنك لماذا لا يحدث مثل هذا هناك ويحدث عندنا ؟ وثم أخرى : هل حدث وسمعت عن تدخل لإدارة من الإدارات الحكومية ، أو حتى من المؤسسات غير الحكومية ، في أية عملية انتخابية ، وفي أي واحدة من هذه البلدان ؟ وأسمعك تجيب : لا لم أسمع . وأعاود عليك السؤال : لماذا لا يحدث مثل هناك ، وهو دائم الحدوث عندنا ، ولا نرى فيه ما يشوب نزاهة الانتخابات ، أو مساسا ما بالديموقراطية التي نضحي بزهرة شبابنا من أجلها ؟
عزيزي القارئ : يمكن طرح عشرات الأسئلة كالسابقة وغيرها . والإجابة عليها واحدة وواضحة . هناك وصلوا إلى ديموقراطية متقدمة . وهنا نحاول الوصول إلى ديموقراطية ، تسد الطريق عليها تقاليد بالية وثقافة متخلفة . والأهم أن كارتر وأمثاله ، وأصحاب المصلحة عندنا ، يريدوننا أن نقتنع ، ليس فقط أن ليس بالإمكان أبدع مما كان ، بل ولأننا جزء من العالم الثالث ، لا نستحق غير ديموقراطية من النخب الثالث . فهل نركن إلى ما يقولون ، ونواصل التفاخر بشهاداتهم ، وهذا اللغو بأن العالم يتعلم منا ، أم نواصل الجهد لنرتقي بديموقراطية النخب الثالث ، التي بدأنا طريقنا بها ، إلى ديموقراطية النخب الأول ؟
أخيرا ، إنْ واصلنا هذا الرضا عن الذات ، والقبول بمعايير كارتر وأمثاله ، الأكثر من مزدوجة ، ستحافظ إسرائيل على موقعها ، كالديموقراطية الوحيدة ، كواحة الديموقراطية ، في الشرق الأوسط . ولن يفيدنا الصراخ بأن الواقع ، وبعد توطد ديموقراطية النخب الثالث في مصر وتونس ، وغيرهما من بلدان الثورات العربية ، يقول غير ذلك . فالعالم يرانا على حقيقتنا ، وحقيقة ديموقراطيتنا التي نرضى بها ، ونواصل الزهو بها ، ديموقراطية نخب ثالث ، أمامنا طريق طويل ، تسده معوقات كثيرة ، كي نرتقي بها ، ومعها ، إلى ديموقراطية من النخب الأول .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا: ماذا وراء لقاء رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني


.. صفاقس التونسية: ما المسكوت عنه في أزمة الهجرة غير النظامية؟




.. تونس: ما رد فعل الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بعد فتح تحقيق


.. تبون: -لاتنازل ولا مساومة- في ملف الذاكرة مع فرنسا




.. ما حقيقة فيديو لنزوح هائل من رفح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24