الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش كارثة -تسونامي-: الجشع الرأسمالي يمنع الإنسانية من تطوير تحكمها في الطبيعة

حزب العمال التونسي

2005 / 2 / 3
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


ما لا يقل عن 250000 ألف قتيل وعن 5 ملايين نسمة مشردين و1,5 مليون نسمة لا يصلهم الغذاء، هذا عدا الأضرار المادية التي لحقت بالممتلكات والبنى التحتية والتي تقدر بحوالي المليارين من الدولارات!! هذه هي النتيجة الظرفية وبالتالي القابلة للارتفاع، للكارثة الطبيعية التي حلت بعدد من بلدان جنوب شرقي آسيا (أندونيسيا، الهند، سريلانكا، تايلاندا، جزر المالديف، بيرمانيا، ماليزيا، بنغلاديش…) إثر الزلزال البحري الذي حصل يوم 26 ديسمبر 2004 بالمحيط الهندي قبالة جزيرة سومترا الأندونيسية، والذي سبب مدا بحريا (تسونامي) هائلا بلغت أمواجه العاتية التي جرفت سواحل تلك البلدان، ما بين 5 و10 أمتار، مع العلم أن آثار هذا الزلزال الكارثي امتدت حتى شرقي إفريقيا (الصومال، طنزانيا، بوتلاند…) الذي يبعد حوالي 6 آلاف كلم عن مركز الزلزال وحتى سواحل اليمن…

ولقد أثارت مرة أخرى هذه الكارثة الطبيعية إشكالية علاقة الإنسان بالطبيعة وتحديدا مدى بذل المجموعة الدولية المجهودات اللازمة لمواجهة الكوارث. ومما يزيد في إلحاحية إثارة هذه الإشكالية ما يتوفر اليوم من إمكانات علمية وتكنولوجية قادرة مبدئيا إن لم يكن على التحكم في أسباب تلك الكوارث فعلى الأقل، على التخفيف من وطأتها وخصوصا من حدة الخسائر البشرية التي تسببها. فلقد صرّح أكثر من اختصاصي أنه وإن ليس بالإمكان إلى حد الآن التنبؤ بمكان حدوث الزلازل وتوقيته فإنه بالإمكان وضع أنظمة إنذار مبكر لتنبيه السكان ساعة حدوثها وتجنيبهم انعكاساتها الخطيرة على حياتهم. فعلى سبيل المثال، يقول هؤلاء الاختصاصيون إنه لو وجدت في سواحل المحيط الهندي أنظمة إنذار مبكّر على غرار الأنظمة الموجودة في سواحل كاليفورنيا الأمريكية أو في اليابان لأمكن إنقاذ حياة الآلاف ممن قضوا نحبهم في البلدان المنكوبة لأنه كان من الممكن إطلاق الإنذار ساعات قبل وصول المد البحري خصوصا بالنسبة إلى بلدان مثل تايلاندا وسريلانكا والهند.

ولكن المشكل كل المشكل يكمن في أن الوسائل التكنولوجية والمال الضروري لإنتاجها واستخدامها وتعهدها وصيانتها تحتكرها حفنة من الدول والشركات الاحتكارية الرأسمالية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وشركاتها المتعددة الجنسيات. وهذه الدول والشركات ليس همها استخدام التكنولوجيا الحديثة لمساعدة الإنسانية وخاصة منها في البلدان الصغيرة والفقيرة والمتخلفة على حل مشاكلها وتحقيق تقدمها، وإنما استخدامها لكسب أقصى معدلات الربح. كما أنها تخصص أضخم الميزانيات لتطوير الأسلحة الفتاكة وشن الحروب على الدول والشعوب الضعيفة. فالميزانية الحربية للامبريالية الأمريكية لعام 2004 مثلا تجاوزت 350 مليار دولار وهي ميزانية أكبر من الميزانيات العسكرية لأكبر دول العالم الأخرى مجمعة. وقد صرفت نفس الامبريالية إلى حد الآن عشرات المليارات من الدولارات على الحرب التي شنتها على العراق وعلى تغطية مصاريف احتلاله ومواجهة مقاومة شعبه بينما هي لم تقدم للبلدان المنكوبة وتحت ضغط الرأي العام الأمريكي والدولي سوى 350 مليون دولار وهو مبلغ لا يتجاوز واحد من ألف 1/1000 من ميزانيتها العسكرية.

ومما يبرز نفاق الدول الامبريالية محدودية المساعدات التي قدمتها إلى حد الآن للبلدان المنكوبة. فهذه المساعدات لم تتجاوز المليار دولار ونيف وهو مبلغ محدود جدا مقارنة بما تصرفه هذه الدول على التسلح وعلى اعتداءاتها على الشعوب الأخرى. والأخطر من ذلك أن هذه المساعدات قد لا تشمل أموالا جديدة بل قد تقتطع من الأموال المخصصة لمساعدة السودان في التخلص من آثار حرب أهلية دامت 21 عاما، وهو ما نبهت إليه وزيرة التنمية النرويجية ورئيسة إحدى المنظمات المانحة السيدة هيلدا فرافيورد جونسون التي صرحت:" أخشى من احتمال أن تؤخذ المعونة من إفريقيا (…) إذا كان يفترض أن فقراء آخرين سيدفعون تكاليف مساعدة المعوزين بعد كارثة موجات المد (…) فإن هذا غير أخلاقي". وإلى ذلك فإن الدول الامبريالية وعوض أن تلغي مديونية البلدان المنكوبة اكتفت بتعليق وقتي لتسديد تلك المديونية.

وبطبيعة الحال فإن الحكومات البورجوازية للبلدان المنكوبة تتحمل جزء من المسؤولية أيضا في ما حصل. فهذه الحكومات تصرف بدورها مليارات الدولارات على التسلح وتغدق مثلها على أصحاب رأس المال المحليين والأجانب لتوفر لهم ظروفا مناسبة لاستغلال شعوب بلدانها التي لا يجد الملايين منها سوى النزوح إلى المناطق الساحلية التي تجلب السواح بحثا عن مورد رزق. وقد هلك العديد منهم في الكارثة الأخيرة. وما من شك أن الناس تفطنوا إلى ما تحاول ترويجه بعض الأوساط الرجعية في البلدان المنكوبة من أن الكارثة التي حصلت "قدر محتوم لا يمكن تجنبه" في ما ذهب آخرون إلى القول إن "الكارثة عقاب من الله لتلك المناطق السياحية التي يكثر فيها الفساد". وهي طريقة لإلقاء المسؤولية على المنكوبين أنفسهم وتبرئة ساحة الحكومات التي لم تتحمل مسؤوليتها في حماية مواطنيها.

ولا نشك في أن معظم الشعب التونسي قد شعر بغبن كبير وهو يراقب عبر الفضائيات هبة التضامن العالمية مع المنكوبين. فالمجتمع المدني في أوروبا وأمريكا وآسيا تعبأ بصورة مستقلة عن الحكومات من أجل تنظيم المساعدة التي هي وسيلة لتقريب الشعوب بعضها من بعض وتخفيف وطأة الفوارق العرقية والثقافية والدينية القائمة بينها ودفعها نحو الشعور بانتمائها إلى جنس بشري واحد. ولكن تونس التي تحكمها دكتاتورية بوليسية غاشمة يُمنع فيها على المجتمع المدني القيام بمثل ذلك العمل التضامني، لأن هذه الدكتاتورية التي عملت على تدمير ذلك المجتمع وعلى ضرب روح التضامن بين التونسيات والتونسيين وعلى احتكار "العمل التضامني" لتوظيفه سياسيا وتقديمه على أنه "منة من سيادة الرئيس"، لا تقبل بأن يقوم المجتمع المدني بحملة تضامن مع شعوب أخرى من العالم خوفا من أن تفقد السيطرة على المجتمع التونسي ومن أن تتطور حركات تضامنية مستقلة داخله.

لقد شهدت جهات عدة من بلادنا خلال السنوات الماضية كوارث طبيعية في شكل فيضانات (بوسالم، الجديدة…) كشفت مدى استهتار نظام بن علي بحماية سكان تلك الجهات. فالحكومة حاولت بكل الوسائل إخفاء الحقيقة على الشعب التونسي وأحجمت عن إعلان المناطق المتضررة مناطق منكوبة ومنعت وسائل الإعلام من دخولها وإجراء التحقيقات وبثها ونشرها. كما أنهـا منعت مكونات المجتمع المدني من تنظيم المساعدة لتلك المناطق التي لا تزال تعاني من آثار الفيضانات.

إن الدكتاتورية النوفمبرية تحكم في الحقيقة على الشعب التونسي بالجمود حتى تستمر في السيطرة عليه. وهو أمر لا يمكن القبول به. فمن العار على شعبنا الآن أن نرى شعوب الدنيا تهب لنجدة منكوبي بلدان شرقي آسيا، مترجمة عن شعور إنساني نبيل، وهو يتفرج وكأن الأمر لا يهمه. فهذا دليل على أن بن علي ونظامه قد أفلحا في زرع اللامبالاة في النفوس.

وخلاصة القول إن كارثة جنوب شرقي آسيا قد بينت مرة أخرى أن الرأسمالية تمثل في هذه المرحلة التاريخية أكبر كارثة على الإنسانية لأنها تحول دون توجيه جهدها إلى استخدام مكتسبات الثورة العلمية والتكنولوجية إلى مزيد التحكم في الطبيعة لتوفير أسباب العيش الكريم والأمن والطمأنينة لكافة أفرادها، وهي تبدد الأموال الطائلة في التسلح والحروب العدوانية. كما أنها بينت مرة أخرى المهانة التي نعيش فيها كتونسيات وتونسيين حيث يمنع علينا أن نتضامن مع بعضنا البعض ومع أشقائنا في فلسطين والعراق ومع كل شعوب الدنيا. وكما أنه لا خلاص للإنسانية إلا بالتخلص من وحشية الرأسمالية فإنه لا خلاص لشعبنا إلا بالتخلص من الدكتاتورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيون من غير العرب ينتقدون تعريب التعليم في البلاد


.. حذاء ملك الروك إلفيس بريسلي يباع في مزاد علني • فرانس 24




.. كلمة للرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد ساعات من مناظرة جمعته 


.. اتهامات وحوار أشبه بالشجار..بايدن وترامب يسدلان الستار على ا




.. إيران.. بدء عملية فرز الأصوات وتوقعات بجولة ثانية