الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرحيل-قصة قصيرة

سماح عادل

2005 / 2 / 3
الادب والفن


ينهد الجدار, تحدث الزلزلة, تعود تصوراتي عن نفسي كما السابق, ونكران الأنوثة, رغم أنني وبشهادة البعض امتلك أنوثة حقيقية, أعود من الرحلة بأكثر الخسائر, لا أجد أحد حولي, أتكاسل عن البحث عنهم, أو على الأدق, أخاف, يبقى الأخير – الذي اعجز دوما عن التخلص منه بسهولة – أفرح لبعض لحظات القوة الخاطفة, لكني أتمسح فيه كالقطة, ليفسر ذلك برغبتي فيه, وبسبب فحولته التي لا تستطيع النساء نسيانها أبدا, فيصل إلى حد أنهن لا يستمتعن بالجنس من بعده. انظر لملامحه بكراهية شديدة, وتنقلب معدتي في عجز عن التقيؤ- تفصيلة التقيؤ تلبستني من كثرة قراءتي للروايات, فلم يكن التقيؤ هو ردة فعلي الطبيعية على إحساسي بأني ضللت.وقد أفسر التقيؤ عمليا بكثرة تدخيني لسجائر اكره طعمها ولا أعلم حتى الآن لماذا أصر على تدخينها – لكن الأخير فاقت قسوته كل التوقعات. ربما لأنه لا يتأثر حتى بدموع انهياراتي التي لا أتعمد إهدارها لجلب مشاعره. لا أفيق سريعا, أؤجل النهاية لأقصى ما أستطيع. في السابق كان الإهمال كفيل بإسراعي بالهروب, الآن انقلبت الموازيين وأصبحت القسوة هي ردة فعله على عنفي, الذي يدعي أنه أقض مضجعه, ولم ينس أن يشير إلى أني كائن يصعب احتماله, وأني مزعجة وبليدة. تتطاير تفاصيلنا المفرحة في ذهني حين أقرر التماسك [أنا حاسة انك أبويا.............وليه ما تخلينيش رجلك ]
كانت عينيه التي لازلت أراها جميلة تتأملني في حنان, تراخت أعصابي في خدر لذيذ, حتى أني دون أن أدري أسندت راسي على الأريكة, وأغمضت عيني, عرف جيدا كيف يمتلكني, ربما لأنه – كما يقول – معتاد على اصطياد النساء من الجلسة الأولى. يحلو لي أن أتصور أنه كان مختلفا معي. قبل خدي, بعد أن احتوى وجهي, كان أجمل وأرق مما يمكن أن أتخيل, لمساته الرقيقة في يومنا الأول, كانت تبعث في جسدي رعشات, لا أتحملها, فأهرب سريعا من أمامه, لأغمض عيني مأخوذة. كتب لي شعرا, احتضني في لهفة, كان يحتويني أكثر من بحر, يتخلل أجزائي في بطء ونعومة ودفء, يلتهم شفتي, يحتفي بجسدي بكل أجزائه, وبقدرتي على الاستمتاع بكل لمسة, يستطيع أن يأخذني في حضنه, ويسكن بيتي, كلما اقتربت منه, يردد أني أشبه أمه, تلك المرأة التي لا يمل من الحديث عنها, يتذكرها في كل موقف, وقد سرحت عيناه بنظرة حانية, امتلئت بأمان لم أعرفه, كان يحلو لي أن أبقيه في حضني كثيرا, رغم ثقله على جسدي. تشابهنا التام حتى في تواريخ ميلادنا, لم يمنع التصادم, أنه التشابه ربما هو السبب الأساسي في حدوثه. لم استخدم ذكاء الأنثى في إغواءه ربما لأني لا أجيده أو لأني ملك جرأة طفلة وفجاجة بدائية تمنعني دوما من الاحتفاظ بأحلامي سريعا طالب بضريبة الأمان ضغط على جنوني الذي أفشل دوما في إخفاء وطأته, يغضب سريعا لأقل فعل, يرفع صوته بالشتائم الجارحة , وقد يمد يده, يجن من انفعالاتي المفاجئة فيصعد الموقف إلى ذروته, وأنا طبعا لا استسلم حتى النهاية, لأجد نفسي مجبرة على الصمت, لكن أحمل عيني بنظرة متحدية, تستفزه أيضا, أخاف أن استسلم حتى لا استعذب ضعفي تجاهه, وهو يصر على أن يراني خاضعة مطيعة, يسارع دوما بالأحكام السلبية ويردد عيوبي, ويتعمد ألا يعترف بكل جديد أنجزه, رفض تعاملي مع الآخرين إلا من خلاله , يثور لساعات إذا تكلمت مع رجل أعرفه ويتوهم الكثير بيننا, يظن دوما أني اخدعه, رغم الحصار الأمني الذي فرضه علي, يجن من فكرة خروجي بمفردي إلى أي مكان , بالإضافة إلى النصائح الملزمة حول نمط ملابسي, التي يجب أن تكون واسعة , وتناسب امرأة في الأربعين, وملاحظاته حول تفاهتي إذا تكلمت عن شيء لا يهمه , وخصامه الذي يمتد لأيام إذا لم اهرع بملاطفته عند الغضب ...
حتى الآن ارفض العيش بمقاييس مجتمع خرب.. أعزل نفسي في شرنقة التمرد.. أنسى تماما كل تأثيرات تمردي السلبية علي.. اتركها لتظهر عند أول تراشق لفظي – أمراضي التي لن يتحملها احد ولا حتى أنا – التصالح مع المجتمع الضاغط بكل ثقله نتيجة يتوصل إليها كل من مشى في طريقي المشئوم, وأنا بعنادي التي تردد أمي أني ورثته عن أبي أرفض التسليم بهذه النتيجة .أسكن وحدي في شقة من ثلاثة غرف رغم خوفي من الظلام والعفاريت أبقى بالأيام لا اخرج لأرى احد.. اقضي الأعياد وحيدة وتنتابني نوبات وحدة لا تنفع معها القراءة ,أو متابعة أفلام تافهة.. تصبح تسليتي الوحيدة تذكر اللحظات الحميمة, وتوهم حضور أشخاص.. بجانبي أشعل شمعة في الظلام المتكرر لمنطقة فقيرة.. أملأ قلبي بحس الاستقلال السحري لفتاة لم تصل لسن النضج .. ولم تتعلم من عذابات الحب في مجتمع ذكوري .. ولم تستطع أن تصل لاستقلال اقتصادي كاف.. ولم تمتلك ذكاء مهني يمنعها من التشرد المتكرر... كل شيء في بداياته الشيء الوحيد الذي انتهى هو وهم الاستقلال .. احلم بالرجل الأمان ويتملكني وهم الاختباء في آخر – ككائن طفيلي ملتصق - على حد تعبيره – لأعود بفكرة ثابتة حول وجوب تغيير ارتهان وجودي بآخر ..انسج لنفسي أحلام متسقة تخدم فكرة الاستقلال, تلك اللعنة الحياتية التي تتراقص حولي كسراب ..اكرر أني لن أتزوج.. ولن انتظر من أتماهى فيه.. ولن أنجب أبدا طفل يشبهني .. الاختلاف الوحيد هذه المرة هو الرحيل دون السخط المعتاد.. وبراحة نفسية لم أعهدها .. وبفهم مختلف لإمكانية أحلام وهمية, في ظل مجتمع لا يتركني ارتدي ما أريد.. ولا أن اختار سريري الذي ارتاح عليه....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر


.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع


.. عوام في بحر الكلام - د. أحمد رامي حفيد الشاعر أحمد راي يتحدث




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح