الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدينة شهربان والذكريات عن الزعيم عبد الكريم قاسم

بهروز الجاف
أكاديمي وكاتب

(Bahrouz Al-jaff)

2012 / 6 / 4
سيرة ذاتية


لقد عانى العراقيون من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب في العهد الملكي من التخلف الذي كان السمة الرئيسية لسواد الناس من المجتمع العراقي، وكانت الظواهر الأكثر سلبية في المجتمع هي المرض والفقر والأمية علاوة على الثراء الفاحش واستملاك الأراضي من قبل العائلة المالكة (وهي ليست عراقية بل من نسل الشريف حسين بن علي شريف مكة الذي نصبت الحكومة البريطانية ابنه فيصل ملكا على العراق وفاء لما قدمه الشريف حسين من خدمة جليلة لبريطانيا في مساعدتها على انهيار الدولة العثمانية) وكذلك من قبل عدد محدود من الاقطاعيين وملاكي الأراضي فيما كان الفقر يأكل المجتمع وكان مايزرعه الفلاح لايكفي قوته، كل ذلك علاوة على الارتباط بحلف بغداد بالضد من ارادة الشعب أثار من الغليان الذي كان سائدا بانتظار الخلاص الى أن أنتفض الجيش من خلال تنظيم الضباط الأحرار بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم وأجهز على النظام الملكي وأقام النظام الجمهوري في يوم الرابع عشر من تموز عام 1958. لم تكن ثورة الجيش مجرد انقلاب بل شعلة اضاءت لتستحيل الى ثورة شعبية ساندها الشعب بكل قواه، اذ مازال العراقيون الى يومنا هذا يعدونها ثورتهم الوحيدة ولايقبلون بغير الرابع عشر من تموز عيدا وطنيا لهم. ولعل واحدا من أهم العوامل التي شدت الجمهور الى الثورة هي الشخصية النزيهة والبسيطة لزعيم الثورة عبد الكريم قاسم الذي لم تكن له أية مصلحة شخصية لا في اشعال الثورة ولا في تسنمه لمنصب رئيس الوزراء. وللزعيم الراحل عبد الكريم قاسم مكانة خاصة عند أهل شهربان، ليس لوجود نسبة كبيرة من الشيوعيين بينهم بل لأن الزعيم كان قريبا الى وجدانهم، اذ كان آمرا لموقع المنصور العسكري في ناحية المنصورية القريبة من شهربان قبل ثورة 14 تموز وكان على علاقة وثيقة بالشهربليين، ومن هناك انطلقت الثورة باتجاه بغداد. تقع شهربان (اسم تأريخي لقضاء مازالت المدينة تعرف به وجرى تعريبه الى –المقدادية- في عام 1930) عند جهة السفح الغربي لسلسلة جبال حمرين ضمن محافظة ديالى وكان فيها خليط من المسلمين واليهود والصابئة وعدد قليل من العوائل المسيحية. ويشكل العرب والأكراد (وخصوصا الفيليون منهم) النسبة الأكبر من المجتمع الشهرباني (أو الشهربلّي) فيما توجد نسبة لابأس بها من التركمان وهم واردون اليها من نواحي قزرباط (جرى تعريبها في عام 1930 الى السعدية) و دلَي عباس والمنصورية. ويتوزع المسلمون منهم بين سنة وشيعة ولم تكن بين أطياف المدينة اية حزازيات قومية أو دينية أو مذهبية على الاطلاق قبل عام 2003. ومن الذكريات التي كان يرويها لنا من خدموا جنودا في معسكر المنصورية بأن الزعيم عبد الكريم قاسم (والزعيم رتبة عميد في الجيش في ذلك الوقت واصبحت لقبا لقاسم يلازمه حتى بعد أن صار لواءا) كان يفتش المعسكر يوميا عند الفجر وفي يوم من الأيام رأى امرأة (معيدية) في داخل المعسكر تصيح (كيمر.. كيمر) أي انها كانت تبيع القيمر الى الجنود عند الفجر فاوقفها الزعيم وسألها: ألا تخافين من الجنود وأنت في المعسكر في هذا الوقت؟ فأجابت: سيدي كلهم أبنائي، فقال لها مازحا: والله أنا أضع يديّ الأثنين على ط... عند دخولي من باب النظام خوفا من الجنود، فضحكت وتركها لشانها. و زرع الزعيم شجرة (أثل) قرب البنزينخانة في قلب شهربان وبقيت لأجيال بعده تسمى شجرة الزعيم. ان من أهم ماميز عهد قاسم في شهربان هو عدم وجود دائرة للأمن فيها، اذ ذكر الأستاذ المرحوم (عبد الحميد جليل) بأن أهالي شهربان قد توسطوا لديه لكي يطلب من أخيه مدير الأمن العام في عهد قاسم (عبد المجيد جليل)-وهو من شهربان- أن يفتح دائرة للأمن فيها فوعدهم المدير برؤيتهم، ولما التقى بهم قال لهم بأنكم اذا أردتم أن تبقوا على شهربان سليمة كريمة ومن دون مشاكل فلا تجلبوا اليها رجال الأمن فانهم اساس كل مفسدة، فاقتنع الأهالي وعدلوا عن مطلبهم. كانت هناك امرأة عجوز وحيدة عمياء لاأهل لها تدعى (أم فقيّر) -بتشديد الياء للتصغير- تعيش على معونة الناس فيما كانت تجيد نظم الشعر فتعتلي المناطق المرتفعة في شهربان وخصوصا بقايا كُوَر-جمع كورة- الطابوق وتُشعر مدحا بالزعيم وفي الختام تنادي (يا يعيش الزعيم عبد الكريم) فيردد كل من يمر بها (يا يعيش) ويعطيها ماتيسر من النقود، وكان الأطفال في ذلك الوقت يتندرون بأم فقيّر ويرددون حين يرونها (أم فقيَر بالحمام نوبة اتنّح نوبة اتنام) وهي واحدة من التعليقات الأعتيادية التي كان الأطفال يرددونها تجاه العربنجي والأعمى والنساء اللاتي يذهبن الى السوق للتسوق وغيرهم. ان واحدة من أهم الذكريات التي ربطت اسم الزعيم قاسم بمدينة شهربان هي نصب الزعيم الذي أراد أهالي شهربان أن يقام بينهم لاعتزازهم بصديقهم العتيد والذي أصبح قائدا للثورة ومؤسسا للجمهورية في العراق ورئيسا للوزراء. لقد اقيم النصب في حديقة في وسط المدينة سميت (حديقة الزعيم)، حيث مازالت الحديقة تحمل هذا الأسم الى يومنا هذا رغم تغييره الى (متنزه 14 رمضان) بعد انقلاب الثامن من شباط (الذي صادف الرابع عشر من رمضان) عام 1963، والنصب عبارة عن تمثال من تصميم النحات المعروف (خالد الرحال) بارتفاع مترين يعتلي مدرجا بارتفاع خمس تدريجات سلم اعتيادية فوقها منصة مربعة بارتفاع نصف متر، ويبدوا الزعيم فيه لابسا بزة العرضات العسكرية ورافعا يده اليمنى محييا الجمهور وهي التحية التي تميز بها. بقي التمثال في مكانه حتى عام 1963 حيث تم رفعه ونقله الى دائرة مديرية البلدية في محلة الرمادية وجرى دفنه في حديقتها لسبب لم يعرف لحد الآن، وفي عام 1970 اخرج التمثال ونقل الى بغداد حيث جرى عرضه في المتحف العسكري ثم اختفى منه في عام 1975. وبعد رفع النصب بقيت المدرجات التي في اسفله الى هذا اليوم، وقد استخدمت تلك المدرجات من قبل نظامي عارف والبعث في (اصطياد) محبي الزعيم ممن كانوا يحنّون اليه فيزورون موقعه، أما الأطفال فكانوا يعتلون منصة النصب وواقفين في موقع التمثال مؤدين التحية وصارخين بصوت عال (أيها الشعب) مقلدين زعيمهم الذي كانوا يسمعون بأسف عن قصة استشهاده، وما أن يروا حارس الحديقة حتى يلوذوا بالفرار هاربين خوفا من الأمساك بهم وبذويهم. وهنالك الكثير والكثير مما يعرفه أهل شهربان عن زعيمهم الذي أحبوه عسكريا بعيدا عن السلطة وأحبوه زعيما لهم بعد الثورة وحزنوا لاستشهاده ومتمنين عودة النصب الى مكانه لعله يمحوا آثار ما نكبوا به بعد استشهاده ولكي يقولوا بان الزعيم كان منا ولنا فليعد الينا مرة أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اهالي شهربان
شيركو ( 2012 / 6 / 6 - 00:35 )
اهالي بلدة شهربان والقرى المحيطة بها خليط من المكون العراقي العرب والاكراد والتركمان وهو العراق المصغر فلذلك فان محبة الزعيم باقية في وجدانهم وقلوبهم ويتوارثوها كالارث تحياتي لهم وللكاتب المحترم

اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة