الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موضوعات حول الدوغمائية :الجذور الفكرية للدوغمائية في الماركسية ( الجزء الأخير )

هشام صالح

2012 / 6 / 4
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


من خلال هذه السلسلة ( موضوعات حول الدوغمائية ) ناقشت عدة جوانب فكرية للدوغمائية في الماركسية , و أغلب هذه الجوانب الفكرية هي الستالينية ,و في مقال ( في نقد التصنيفات الدوغمائية ) تم نقد التصنيفات التي يطلقها بعض ماركسيونا على الآخرين بشكل دوغمائي و جاف . و في الجزء الأخير من هذه السلسلة الصغيرة , لا بد منا أن نعود إلى الأساس الفكري الذي رسم الماركسية في هيئة دوغمائية , و هذا الأساس يفرض علينا أن ننتقده لكي نفهم ما الخلل الذي حدث. فستالين لم يستيقظ في صباح يوم من الأيام و قال أنني سأقتل شعبي , أو قال أنني سأقمع شعبي بأسلوبي الستاليني الخاص , فلا بد أن نعترف – و بشكل مؤلم – أن من خلق الطابع الستاليني في الاتحاد السوفييتي و في الفلسفة الماركسية أساساً هو لينين أو كما يحب البعض " اللينينية " . فالممارسة اللينينية كانت بلا شك لها نزعات دوغمائية , سواء كانت في الفكر , أو في التطبيق . كان لينين معروفاً بعناده الشديد و مدى حزمه و صرامته في المسألة الفكرية , هذا جميل من المنطق الوجداني أو العاطفي , و لكنه غير عقلاني و غير صحيح حين نناقش الأمور فكرياً , فلينين لا شك بأنه من كبار المفكرين الماركسيين في القرن العشرين و قد ترك بصمة في التاريخ لا يمكن أن يزيحها أحد , و لكن ممارسته سواء قبل الثورة أو بعدها كان لها طابعاً دوغمائياً ساعد في ظهور الستالينية أو شخصية ستالين الدوغمائية.
للينين كتابات ترفض التطرف و الدوغمائية, و لكن في أحيان أخرى , بوعي أو دونه , يعزز الطابع الدوغمائي في الماركسية . كتابات لينين تختلف قليلاً عن التطبيق , فهو – من الناحية التطبيقية – رفض وجود الأحزاب المعارضة و جعل الحزب البولشفي الحزب الرسمي الوحيد , فهو بهذه الحالة حول مفهوم دكتاتورية البروليتاريا إلى دكتاتورية الحزب الواحد , فالقوة للحزب فقط لا للشعب .و ربما يستطيع المرء أن يتفهم لماذا فعل لينين ذلك ( بسبب الحرب الأهلية ) و لكن لا أحد يغفر لهذه الخطيئة , خطيئة لينين , الذي جعل الحزب البولشفي الحزب الحاكم الوحيد , و بهذا تم هناك فصل كبير ما بين الشعب و الحزب.
و هذه الخطيئة لاحقاً أدت إلى صعود ستالين إلى كرسي الحاكم , الذي استشهد بمقولات لينين ليلاً و نهاراً , و جعل من لينين رمزاً إلهياً للناس . فالسيطرة الحزبية , بالضرورة تسعف في ظهور عبادة الفرد , و بالرغم أن لم يعبد أحداً لينين أثناء فترة حكمة , إلا أنه تم تقديسه بصورة إلهيه بعد موته , فمقولاته و أفعاله و كتابته أصبحت مقدسه في أدبيات الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي . فخطيئة لينين أساساً هو السماح بالهيمنة الحزبية في أرجاء الأتحاد السوفييتي , و بهذا قمع الأفكار و الأحزاب الأخرى , و هذا ما جعل أو أدى إلى تكوين حزب أكثر بيروقراطي و أكثر دوغمائي .

تتنبأ روزا لوكسمبورغ : (( من دون إنتخابات عامة , من دون حرية الصحافة و التجمع الغير مقيدة , من دون الصراع و الخلاف الفكري الحر A Free Struggle of Opinion , تموت الحياة في كل المؤسسات العامة , تصبح شيئاً شبيهاً بالحياة , حيث ستصبح البيروقراطية العنصر الوحيد الفاعل . ( ...) هذه ليست دكتاتورية البروليتاريا , بل أنها دكتاتورية حفنة من السياسيين, هذه الدكتاتورية بالمعنى البرجوازي .. )) ( الثورة الروسية , مشكلة الدكتاتورية ) (Marxists Internet Archive )
فهنا بكل ذكاء و بداهة تتنبأ روزا لوكسمبورغ – التي أبديت إعجابي بفكرها في المقالات السابقة – أن موت الحياة في المؤسسات العامة يسببها قمع الأفكار الأخرى , أيّ , بكلمات أخرى الدكتاتورية , و تتنبأ أن مع موت الحياة في المؤسسات العامة ستأخذ البيروقراطية مجراها و ستصبح العنصر الوحيد الفاعل , و تتفوه بعبارات ثورية و صريحة بأن هذا النظام الذي وضعه لينين نظام دكتاتوري بالمعنى البرجوازي و ليس البروليتاري .
و لنلاحظ أن روزا لوكسمبورغ كتبت هذا عام 1918 , أيّ , فترة حكم لينين , أو بدايات حكمه. فلينين – مع الأسف الشديد – وضع التربة الأساسية لبيروقراطية الحزب و بهذا الممارسة الدوغمائية في الفكر , فحين يصبح الحزب بيروقراطياً يريد توسيع نفوذه عملياً و فكرياً , ففي الناحية العملية , نجد قمع الحريات و قمع الأراء , و يتم تبرير هذه الفعلات من الناحية الفكرية , بأن لينين قال " هكذا " و " كذا " و لا بد منا أن نسمع كلامه , و هذا بالضبط ما فعله ستالين , في أغلب مقالاته و خطبه يستشهد بمقولات لينين , فهو بهذا يريد أن يؤسس قاعدة فكرية قوية و صلبة , تنسب إلى شخص واحد إلى القائد , فستالين من جانب لا يريد لينين أن يتفوق عليه في ناحية عبادة الفرد , و من جانب آخر لا يريد ستالين أن يفصل نفسه عن لينين , فهو يستشهد بأفعال لينين و مقولاته و يحث على تطبيقها , فهنا لينين لا علاقة له بأي شيء , فهو تحول إلى أداة أستخدمها ستالين بذكاء ليضمن كرسيه , ففي الأفلام السوفييتية كان ستالين دائماً يظهر بأنه " يد " لينين الأيمن , و لا يستطيع لينين أن يتخلى عنه , و أنه هو المحرك الأساسي و النشط للثورة , بينما في الحقيقة تروتسكي هو القائد الميداني للثورة الروسية , أما ستالين كانت له مهمات أخرى أقل أهمية من أدوار و مهمات تروتسكي . و لينين فوق ذلك , لم يكن له علاقة وثيقة جداً مع ستالين , و لا يمكننا أن ننكر أن كان للينين و ستالين علاقة رفاقية نوعاً ما أو شبه قوية , و لكنها لم تكن قوية جداً , و لكي نثبت هذه الحقيقة , بالرغم أن لا علاقه له بالموضوع الأصلي , أقتبس من رسالة أرسلها لينين إلى ستالين عام 1923 :
(( إلى الرفيق ستالين , أنت كنت وقحاً جداً في تعاملك مع زوجتي بإستخدامك كلمات بذيئة أثناء محادثتك معها. بالرغم أنها أخبرتك أنها مستعدة نسيان ذلك , الحقيقة على أية حال أصبحت معروفة خلالها إلى كامنييف و زينوفييف . أنا لا أملك أي نية في نسيان بكل سهولة ما حصل ضدي , حيث كل ما يحدث ضد زوجتي أعتبره شيء ضدي كذلك . و لهذا أطلب منك أن تفكر ملياً أن كنت مستعداً أن تسحب ما قلته و تعتذر , أو تعتبر أن العلاقة التي تجمعنا يجب عليها أن تنقطع )) (Marxists Internet Archive )
فهنا نجد أن العلاقة ما بين لينين و ستالين متوترة , و كما يعرف الجميع أن لينين أوصى بإقالة ستالين من منصبه لوقاحته , فهنا نجد أن العلاقة ما بين لينين و ستالين في أيام لينين الأخيرة لم تكن تلك العلاقة القوية – كما يزعم البعض - بل كانت مهزوزة و هشة , فستالين بكل وضوح أستخدم لينين كأداة لتعزيز قوته في الحزب . فلولا " خطايا " لينين السياسية لما تمكن ستالين من أن يمارس قوته بهذا الشكل الدكتاتوري , فلينين , بوعي أو دونه , ساهم بشكل ما في تعزيز الدكتاتورية الستالينية و تعزيز الدوغمائية .
فالجذور الفكرية للدوغمائية في الماركسية , لابد أن تنسب إلى أسلوب لينين في تطبيق أفكاره , فهو فوق كل المديح كان يملك نزعات دكتاتورية , سلطوية BOSSY نوعاً ما , فأنشأ دكتاتورية حزب الواحد و عزز قوته , فهذه خطايا لا يمكن أن يغفر لها أحد , و لكن فوق ذلك كله توقع لينين أن ستالين لا يصلح لمنصب " الأمين العام " , و لكن , بعد فات الآوان. و في ذاك الوقت قد عزز ستالين قوته في الحزب , فاللينينية بالضرورة أدت إلى تكوين الستالينية و بهذا الطابع الدوغمائي في الناحية الفكرية , فالبارغم من أن لينين لم يدعو إليها , و لكن أفعاله ساهمت في ذلك و قد أستفاد ستالين منها بطريقة شيطانية عبقرية .

(( الحقيقة معي, و لكن حقيقتي فظيعة ! ))– نيتشة ( هكذا تحدث زرادشت ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي للأستاذ هشام صالح
شامل عبد العزيز ( 2012 / 6 / 4 - 20:26 )
كتب الأستاذ حميد كشكولي مقالاً عن لينين وقال أصبح مجرد أيقونة ..
كتب الأستاذ يعقوب ابراهامي مقالاً وقال أن لينين أصبح مجرد جثة محنطة
لينين حسب أكثر الآراء أراد الثورة فقط وأراد الوصول إليها ولو بمئات الملايين من الضحايا
ستالين استغل هيمنة الحزب وصفى أعضاء الحزب وخصومه وطيلة فنرة حكمه هو بقتل وتشريد
لقد كان لينين متفقاً مع آراء تروتسكي وليس مع ستالين
عندما مات لينين عام 1924 وحدث الصراع بين ستالين وتروتسكي قام ستالين بفظائع لم يرتكبها إنسان عبر التاريخ
الحياة الخانقة في الاتحاد السوفيتي في زمن ستالين كانت جحيم لا يطاق لو اتيحت فرصة للشعب السوفيتي في ذلك الوقت بمغادرة البلاد فسوف لن تجد سوى ستالين وبعض من زمرته
هذه هي الحقيقة
الاتحاد السوفيتي بتجربته التي فشلت وسقطت كانت بسبب وجود ستالين في فترة ما
هذا رأيي
وهناك من يخالفه
شكراً لك


2 - يا كومونيوا العالم اتحدوا
فؤاد محمد ( 2012 / 6 / 4 - 20:29 )
الرفيق هشام تحية
اظم صوتي لصوتكم واحيك على هذه الصراحه الثورية الجريئه والشجاعه
نعم هذا ما اكدته الشهيده المناضله الرفيقه روزا في تحليلاتها التي منعت من الداول
من الضروري كشف الاخطاء والسلبيات والانحرافات
اعانقكم


3 - تحيةً، تقديراً و نقداً
حسن نظام ( 2012 / 6 / 5 - 03:02 )
الأخ الكريم كاتب المقال
تابعتُ هذه السلسلة من مقالاتك حول المسألة الإشكالية الكبرى ألا وهي الدوغما-الجمود العقائدي-.ولكن والحق يُقال، لم أتمكن بعد، او بالأحرى لم أحصل الوقت الكافي للقراءة المستفيضىة لإسهامك البحثي هذا
إلا ان لي ملاحظات أولية حول وُجة نظرك أوأسِّها؛ وهي الفكرة من أن لينين هو المسؤول عن ذلك الجمود العقائدي، الذي أفضى في النهاية إلى التداعيات السلبية في التجربة السوفيتية، والتي أدت في نهاية المطاف (حسب رأيك) إلى تقويض الدولة السوفيتية والمنظومة الإشتراكية برمتها. ومن الممكن أن تتلخص ملاحظاتي في أدناه
أولا: طبيعة استنتاجك يتسم بالإنتقائية، وإقحام الرأي المعنيّ عنوة، بعيدا عن السياق التاريخي، وأيضا بلا حججٍ وبراهين (قرائن) قوية مقنعة
ثانيا:فكرة أوآلية سيادة الحزب الواحد لم تأتِ لسبب ذاتي-إرادوي من لينين-بل فرضتها ظروف إشكالية-موضوعية- مباشرة بعد الإستيلاء على السلطة وفض بقية الأحزاب التقدمية من الإشتراك مع البلاشفة في الحكم،واصطفافها مع الأحزاب الرجعية في محاربة السلطة الجديدة
ثالثا: للشهيدة لوكسنبورج آراء مثالية (مطلقة) حول الديمقراطية، كانت سببا في فشل الثورة الألمانية


4 - الرد على التعليقات
هشام صالح ( 2012 / 9 / 11 - 15:37 )
لا أدري لماذا لم أنتبه لتعليقاتكم على هذا الموضوع , فأنا أعتذر بشدة على التأخير في الرد ..

1 - الأستاذ شامل عبدالعزيز , أتفق معك في مسألة لينين و تروتسكي و ستالين , و لكن لا شك أن لينين أرتكب جرائم , بغض النظر عن عبقريته الفكرية . و لكن لا أستطيع أن أجزم اذا كانت تلك الجرائم هو المسؤول عنها أو لا , و لكن أنا على قناعة أن الرئيس دائماً يعلم ما يحدث في الخارج , على اية حال اشكرك على مرورك و تعليقك , مودتي و احترامي .

2- الاستاذ محمد فؤاد , هكذا أنت , دائماً تنير صفحة التعليقات , أشكرك على مرورك و تعليقك , أعانقكم .

3- الأستاذ حسن نظام , أنا لم أتهم لينين مباشرة بأنه السبب في الدوغمائية في الماركسية , و لكنني أشرت أنه كان له مساهمات - حتى لو كانت بسيطة - في مسألة - التعصب الماركسي - ألخ .. أما مسألة الحزب الواحد , لا أعتقد أنها كانت بشكل غير ارادوي من لينين , بالرغم من المعارضة المسلحة - التي تستطيع أن تبرر لماذا الغى كل الأحزاب - و لكن هناك مقولات للينين يشير بأنه يريد حكم الحزب الواحد ,, يتبع ..


5 - الرد على التعليقات 2
هشام صالح ( 2012 / 9 / 11 - 15:49 )
.. على سبيل المثال , يقول لينين في خاطب له في 30 يوليو 1919

: (( نعم أنها دكتاتورية الحزب الواحد ! , هذا ما سنقف و سندافع من اجله , و لن نتنحى من هذا الموقع لأنه الحزب الذي فاز .. ))

فمقولات كتلك تشير أن ليس الظروف هي التي حكمت على لينين , بل هو مؤمن بدكتاتورية الحزب الواحد , و هذا كان خلافه الأساسي مع لوكسمبورغ .

لينين لا شك ساهم بشكل كبير و ضخم في تنمية الفكر الماركسي , لا يوجد ماركسي واحد يختلف على هذه الحقيقة , و لكن , الحق حق , و عندما ننتقد يجب علينا أن نزيل كل العواطف و الوجدان , لينين أرتكب جرائم و أسس دكتاتورية الحزب الواحد , هذا كله جزء من الماضي و سيبقى في المتاحف , ماذا سيتغير اذا قلنا لينين أسس دكتاتورية الحزب الواحد أم لا ؟ و لكن اذا شخصنا المشكلة , التي أرتكبها لينين و غيره بكل تأكيد سنستفيد .

أما بالنسبة للكسمبورغ , بإعتقادي , أعطت مفهوم أكثر انسانية للماركسية و كانت أكثر تفتحاً من البلاشفة و لينين , بعيدة عن التعصب , و للكل رأيه .

على اية حال , أشكرك على نقدك الأخوي و المفيد لهذا الموضوع ,أتمنى أن أجدك في مقالاتي الاخرى , أكرر شكري , أحترامي و مودتي .

اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم