الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن شبح التغيرات والحلف الأطلسي والإسلام السياسي 1

زكرياء الفاضل

2012 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


عندما انطلقت الانتفاضة الشعبية الجماهيرية في تونس ضد النظام البوليسي، أيدت الجماهير الشعبية في أغلبية البلاد حق الشعب التونسي المشروع في المطالبة بالتغيير، كما ساندت هذه الانتفاضة كل الأقلام الشريفة وأسالت مدادها بما يكفي لإبداع ملحمة تاريخية لشعب مناضل. وكذلك كان الأمر بالنسبة لمصر، ولم يحصل اختلاف، وربما ارتباك، إلا بخصوص ليبيا، حيث تدخلت قوات الحلف الأطلسي عسكريا لحسم الموقف. هذه الواقعة غطّت مشروعية طموح الشعب الليبي للتغيير الديمقراطي بغيم من الشكوك، بل ووضعت المعارضة الليبية موضع تساؤلات عديدة. ولم يختلف الوضع بسوريا عن مثيله الليبي مع فارق أن الأول وجد من يدعمه ويقف إلى جانبه (روسيا، الصين، إيران..).
ما يهمنا هنا ليس هو نجاح الشعوب أو إخفاقها في انتفاضاتها ضد الأنظمة، بل حقيقة ما يجري في البلاد عامة في ارتباط مع تطورات أحداث العالم. فنحن نتابع ونلاحظ كيف يزحف شبح الانتفاضات الشعبية بأوروبا (اليونان، إسبانيا، إيطاليا..) دون الحديث عن فرنسا التي عبرت عن رفضها للسياسة المنتهجة حاليا بانتخابها لفرنسوا هولاند، وهو اختيار معبّر وواضح للكل وليس لأن الرئيس الحالي "إشتراكي"، فهو لاينتسب للاشتراكية إلّا من حيث الإسم، بقدر ما هو رفض الشعب الفرنسي لتحكم المونوبول الرأسمالي في رقاب الشعوب الأوروبية.
إذن موجة التغيير لم تحوي العالم العربي فقط، بل شملت أوروبا بما فيها الدول الغنية والريادية في سياستها. ورغم تشابه الأحداث فإن هناك اختلاف جوهري في انتفاضات الشعوب العربية والأوروبية. فإذا كانت الأولى تستهدف الإطاحة برؤوس الأنظمة دون امتلاك استراتيجية محددة لمرحلة ما بعد الرؤوس المخلوعة، أو التي ستخلع، فإن الثانية تعي كل الوعي بما تريده وتملك نظرة محددة لتطوّرها التاريخي وتحق من عدوّها الفعلي في مسارها. فنحن نرى كيف أن مجتمعاتنا تعتقد أنه يكفي خلع الرئيس وحكومته لحدوث التغيير المنشود، بينما الشعوب الأوروبية واعية بأن العائق لطموحها في بناء دولة القانون والعدالة الاجتماعية ليس الرؤساء وحكوماتهم، بل النظام الرأسمالي ولوبياته الكواليسية، لذلك نلاحظ ريادة التيار اليساري في انتفاضاتها، كما نرى شعاراتها المعادية للرأسمالية.
هناك وجه شبه آخر بين شعوب الإقليمين، على الأقل ظاهريا، يتجلى في عدم نجاح الجماهير المناضلة في التخلص من قبضة الرأسمالية رغم شراسة المعارك. وذلك لأنّ المونوبول الرأسمالي يمتلك عدة مؤسسات اقتصادية وعسكرية ولوجيستيكية.. إلى جانب الخبرة التاريخية التي كسبها من ثورات الشعوب عليه في مناطق مختلفة من العالم (روسيا، الصين، الفيتنام، كوبا، بعض دول أمريكا الجنوبية ودول المعسكر الاشتراكي السابق)، كما أنه يمتلك أخطر سلاح للتأثير في الجماهير وتوجيهها والمقصود هنا الإعلام (المقروؤ والمسموع والمشاهد) و.. السينما، التي لا أحد يشك في مدى تأثيرها على المواطن. وربّ قائل أنّ هذا الكلام قد ينطبق على الدول التي لم تتخلص بعد من الأنظمة العفنة ولا يعمل بالنسبة لتلك التي خلعت رؤوس النظام. لكن ماذا عن تونس ومصر وليبيا ومصر؟ فهي أيضا لم تخرج من قبضة الأخطبوط الرأسمالي، بل وتسير في طريق خوض التجربة مرة أخرى معه أو لنقل مع وجهه الآخر. لماذا؟
إذا كانت الشعوب الأوروبية دخلت في معركة مصيرية وغير متكافئة مع المونوبول الرأسمالي ومع ذلك تملك حظوظا للانتصار عليه، فإن الشعوب العربية، خاصة تلك التي خلعت رأس النظام، مجبولة على الانهزام منذ البداية، وذلك لكونها تعرف ما لا تريده (سياسة التجويع والتفقير والتهميش، الاستبداد، استغلال السلطة لنهب خيرات البلاد، البطالة..)، لكنها لا تملك استراتيجية لآفاق مستقبلها. فهي رفعت شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، لكنها لم تعمل سوى على خلع رأسه الظاهر، بينما بقي النظام قائما. وهذا نتاج للأمية السياسية التي تعم مجتمعاتنا، حيث مفهوم النظام، لدى غالبية الجماهير الشعبية المناضلة، لا يتجاوز السلطة التنفيذية له في حين هو أعمق من فروع سلطه الثلاث. هذا الفهم السطحي للنظام عند طبقات مجتمعاتنا الكادحة يتحمل مسؤوليته يسارنا، الذي لم يستفد من التجارب التاريخية في مجال الدعاية ونشر الفكر، واكتفى بدور يسوع الذي صلّب تكفيرا عن خطايا البشرية حسب العقيدة المسيحية.
إنّ أي تغيير لا يمكن أن يتم إلا بنضال مؤطّر وتحت قيادة تملك برنامجا لمرحلة ما بعد الحصول على السلطة. وهنا تحضرني قولة لفلاديمير أوليانوف: "مهم أن تحصل على السلطة، لكن الأهم أن تحافظ عليها". فجماهيرنا في تونس ومصر وليبيا حصلت على السلطة، لكنها لم تحافظ عليها ولم يكن لها أن تحافظ عليها ما دامت خارج الإطار التنظيمي. فالشعوب يمكنها أن تنتفض، وقد تفلح بالإطاحة بالحاكم، لكنها لن تستطيع تحقيق مرادها إن هي بقية جسما متفكك الأعضاء ومقطوع الرأس. لذلك نرى أن بلدان الربيع العربي لم تحقق طموحات شعوبها، ولن تحققها ما دام الحال على ما هو عليه. فهي لا تزال تتخبط تحت وطأة النظام الاقتصادي الرأسمالي العقم، الذي غيّر شكله كالحرباء من سياسة ليبرالية السوق إلى سياسة الاقتصاد "الشرعي الحلال" وهذه كلها أوصاف وأسماء لعملة واحدة هي الرأسمالية، وما يحصل بالمغرب مع حكومته الملتحية خير دليل على ذلك.
لكن ما علاقت كل هذا بالحلف الأطلسي والإسلام السياسي؟
(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة