الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع مصر الشعب ..ضد الثنائية

مهند عبد الحميد

2012 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


عانت "مصر الشعب" طويلاً من ثنائية "البيروقراطية الأمنية من جهة، والأصولية الدينية في الجهة الأخرى". وكانت حدة الاستقطاب لا تسمح بوجود جهة ثالثة تشكل خياراً ثالثاً. وكانت الحرب الداخلية المستعرة حيناً والصفقات المبرمة خلف الأبواب بين القطبين وامتداداتهما الإقليمية، تقوّض كل الهوامش الناشئة والمستجدة لقطب ثالث. وفي لحظة تاريخية فارقة كسرت الانتفاضة الشعبية الكبرى احتكار قطبي الصراع اللذين ينتميان للرأسمالية التابعة. خرج المارد الشعبي من القمقم فاتحاً الأبواب على مصاريعها للتغيير ولبناء نظام ديمقراطي مستقل ومنتج، يضع مصر على سكة التطور الاقتصادي والاجتماعي، ويمكنها من استعادة عافيتها الداخلية والخارجية في مدى زمني متوسط. كانت فرحة الشعب المصري لا توصف، وكذلك الشعوب العربية وكل أصدقاء ومحبي مصر الحضارة. مقابل ذلك ارتعدت فرائص كل القوى التي أوقعت مصر في علاقات التبعية والتخلف والظلام.
اكتفى المنتفضون بإسقاط العائلة الحاكمة والحلقة الضيقة المحيطة بها، وتناسوا حقيقة أن الطبقة الحاكمة ومؤسستها العسكرية ومافيا الاقتصاد وكبار الرأسماليين ومؤسساتهم لن يرفعوا راية الاستسلام رغم انحنائهم أمام العاصفة، كذلك الحال فإن حلفاءهم في الخارج لن يسلموا بالأمر الواقع. اكتفى المنتفضون بتضامن الشعوب العربية الوجداني، ووقعت بعض النخب من داخل الانتفاضة فريسة لتدخلات خارجية وإقليمية تحت بند دعم الانتفاضة والمنتفضين. وشيئاً فشيئاً اختل ميزان القوى داخل مصر. وكان العنصر الحاسم في الاختلال هو التحالف بين قطبي الثنائية (البيروقراطية – والأصولية الدينية). فالإخوان المسلمون الذين التحقوا بالانتفاضة متأخرين ومترددين، سرعان ما وضعوا قدماً على أرض الانتفاضة ووضعوا القدم الأخرى على أرض النظام. ولم يمض وقت طويل قبل أن ينتقلوا بالكامل إلى أرض النظام. وخاض القطبان الحليفان (المجلس العسكري والإخوان) المعركة المشتركة "التعديلات الدستورية"، ورفضوا وقاوموا مطالب المنتفضين الثورية في إسقاط "وصاية العسكر" لمصلحة حكومة انتقالية تعبر عن الانتفاضة وتهيئ الظروف للانتقال إلى المرحلة الجديدة، إلى الجمهورية الثانية الديمقراطية. بل لقد شكل الإخوان المسلمين رأس الحربة ضد الوضع الثوري الجديد. ودفعوا الأمور نحو الانتخابات البرلمانية المتسرعة التي كانت بحاجة إلى المزيد من التحضير الكافي لوضع حدود فاصلة بين الوضع القديم والوضع الجديد، الانتفاضة والنظام، الديمقراطية والإقصاء، مافيا الاقتصاد ورجال الأعمال والفقراء والمعدمين، الحرية وأعداء الحرية. وكل ذلك من أجل الانتقال السلمي للسلطة وإعادة بناء النظام الجديد.
حصدت الأصولية الدينية أكثرية الأصوات في البرلمان، تبعه تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور من لون واحد تقريباً، ثم جرى الانتقال للانتخابات الرئاسية، وهنا وقع الخلاف بين الحليفين. خلاف على الحجوم التمثيلية والاستئثار بالحكم. غير أن نتيجة الانتخابات الرئاسية وفوز رمزي الثنائية شفيق ومرسي (بيروقراطية وأصولية) أعاد الشعب المصري إلى المربع الأول، إلى ثنائية ما قبل الانتفاضة، إلى الأزمة الشائكة، لأن القطبين جزء من المشكلة وليس الحل. عاد الشعب المصري إلى المفاضلة السلبية بين سيئ وأسوأ، بين خطر وأكثر خطورة. في الوقت الذي طرحت فيه الانتفاضة حلولاً إيجابيةً بعيداً عن الثنائية وفي مواجهتها.
ثم جاءت محاكمة مبارك والعدلي بالسجن المؤبد وتبرئة نظام كامل من مسؤوليته عن إيصال مصر إلى الحضيض. ليطبق الخناق على الشعب المصري. المحاكمة لَخَّصَت الوضع برمته، وكشفت عن ميزان القوى الداخلي الحقيقي. لقد قدم النظام كبش فداء بطريقة مفرطة اللين وأغلق الستارة على مرحلة تاريخية كاملة، وعن أبطالها الفعليين. أغلق ملف فقر الشعب المصري وتدهور مكانة مصر الاقتصادية وتبعيتها السياسية والاقتصادية، وعن دور النظام في اعتماد الحلول الإسرائيلية الأميركية للقضية الفلسطينية، عن النهب والناهبين والفساد والفاسدين، عن تدهور التعليم والثقافة، وعن امتهان الحرية والكرامة. جرى وضع كل هذه القضايا جانباً، ولم يجد النائب العام والقضاء المصري في ملف القضية غير مسؤولية مبارك والعدلي - فقط لا غير - عن موت مئات المنتفضين. كان المطلوب محاكمة نظام وإدارة، وفتح ملفات الاقتصاد، وملفات الفساد والحريات، والدور السياسي والتبعية. لم تكن المشكلة أبداً في حكم أقسى أو أقل قسوة.
ما حدث لم يكن مفاجئاً، لأن الخصم والحكم واحد. كان من المفترض أن تتولى لجنة تحقيق مهنية مستقلة تختارها قوى الانتفاضة بالاستناد لمعايير مهنية ووطنية صارمة، لمحاكمة نظام ومرحلة تاريخية. كان ينبغي لحكومة وطنية مدنية أن تقود المرحلة الانتقالية، تكون مهمتها الإعداد للمرحلة الجديدة بما في ذلك تشكيل لجنة تضم أهم الكفاءات لوضع مسودة دستور. كل ذلك لم يحدث وجرت محاربة الداعين إليه من قبل تحالف العسكر والإخوان.
الآن كل ما يهم الإخوان المسلمين هو تجيير المحاكمة الهزلية لإضافة أصوات جديدة ولإبرام صفقات هدفها فوز مرسي مرشح الإخوان للرئاسة. ليس أدل على ذلك من الكرنفال الذي أقامه الإخوان في ميدان التحرير لاستقبال مرسي في سياق الاحتجاج على المحاكمة. وعندئذ وفي حالة فوزه، سيتم تجديد الصفقة مع المجلس العسكري المترافقة مع صفقة مع الأميركيين يحتل الالتزام باتفاق (كامب ديفيد) مركزها. كل ما يهم الإخوان هو حسم السيطرة على السلطة والمجتمع مقابل صفقات بأبخس الأثمان، ولا يهم مصلحة وحرية مصر والمصريين. كل وعود وتعهدات وخطابات قيادة الإخوان السابقة ذهبت هباء منثوراً.
خياران كلاهما مر، أظن أن أي تصويت لمرسي أو لشفيق، يعني المساهمة في عودة مصر إلى المربع الأول، وإعادة تجديد النظام القديم بمستوى عال من التشوهات، والأخطر من ذلك هو إحباط الجماهير المنتفضة. أما مقاطعة الانتخابات فهي تصب لمصلحة الثنائية السلبية أيضاً. غير أن التصويت بورقة بيضاء والسعي ليكون أصحابها الكتلة الأكبر، هو الموقف الأقرب للصحة. التصويت بورقة بيضاء يعني رفض الثنائية واستمرار الانتفاضة واستمرار السعي لتحقيق أهدافها، بعد سقوط كل الأقنعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل