الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة المدنية

عائشة خليل

2012 / 6 / 7
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


حبس العالم أنفاسه على مدار ثمانية عشر يومًا وهو يشاهد جموع الشعب المصري في الميادين تنادي بإسقاط النظام. ولم ينتبه الكثيرون إلى الدور المحوري للجيش في صناعة الأحداث. فأركان الدولة كما تعلمنا في مادة “مقدمة إلى علم السياسة” هي حكومة، وأرض، وشعب، وجيش، وعلم. وقد رفع الشعب المصري العلم عاليًا واحتل الميادين مناديًا بإسقاط النظام، وانحاز إليه الجيش، فوجب على الحكومة أن ترحل. ولأن رأس النظام رفض بعناده المعهود الرحيل، فقد أجبره الجيش على تنفيذ إرادة الشعب. فمبارك (الأب والابن) أصبحا أوراقا غير رابحة على الساحة الدولية، فقد تخطاهما الزمن، حيث بدأت الشعوب العربية ترسم ربيعها وتحاول رؤية النور بعد ظلام دام عقودا، فكان على العالم أن يستجيب.
وقد كثر اللغط حول دور الجيش في الثورة، حيث ردد بعض جنرالات المجلس العسكري الحاكم في مصر القول بأن الجيش قد حمى الثورة. ولكنهم لم يفسروا مقولتهم تلك، والتي أخذها البعض على أن مبارك قد أصدر أوامره للجيش بإطلاق النار على المتظاهرين، وهو الأمر الذي نفاه من شهد من قادته في محاكمة القرن كما أطلق عليها. وهكذا ظل دور الجيش "في حماية" الثورة غامضًا مبهمًا، إلى أن طالعتنا جريدة التلجراف البريطانية في عددها الصادر على الإنترنت بتاريخ ٥ يونيو ٢٠١٢ بمقولة تدعي أن الجيش قد عزل مبارك بناء على طلب من الإدارة الأمريكية. وحيث أن العالمين ببواطن الأمور لم يصرحوا بمثل ذلك الأمر ولم ينفوه فتبقى هذه الاحتمالية محل نقاش إلى أن تثبت بالأدلة والشهادات التي ستتوالى في غضون سنوات قلائل.
ولكن الأمر الأهم لدينا هو الحوار حول شكل الدولة. فعقب بيان التنحي اشتعل النقاش والجدال بين الثوار على مطالب الثورة، لتفسير مطلب الدولة المدنية التي رفعه الثوار. فلقد ادعت التيارات الدينية أن الدولة المدنية هي عكس الدولة العسكرية، وأن الصبغة الدينية للدولة لا تلغي جوهرها المدني. ولم تستطع القوى الثورية أن تستقطب العامة حول مفهوم الدولة المدنية، حيث انخرطوا في تنازلات حول المفهوم، وقدموا خطابا اعتذاريا مائعا يمسك العصا من المنتصف ولا يحسم الأمر. خوفًا منهم على فقدان قواعدهم الشعبية، وكسبًا لأصوات المؤيدين في معارك ثانوية.
وهكذا نصل اليوم إلى موضع يجب علينا فيه حسم القضية:"ماهية الدولة المدنية". فالجماهير الغاضبة التي تخرج كل يوم اعتراضًا على الأحكام الصادرة في محاكمة القرن، هي أيضًا جماهير غاضبة على الخيارين المتاحين في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية. فلقد أثبت الزخم السياسي منذ أوائل هذا الأسبوع والحراك الدائر في ميادين مصر أن الشعب معني بسؤال عن ماهية الدولة، ومنحاز في أغلبه إلى خيار الدولة المدنية. فرفض الخيارين المتاحين هو رفض لفكرة الدولة الدينية، والدولة العسكرية معًا. وإلا لِمَ كل هذه المظاهرات، ودعوات المقاطعة، ودعوات الإبطال التي تتردد على مسامعنا في كل مكان؟ فرفض الأشكال غير المدنية للدولة بما يعني الدولة العسكرية (ذات الصبغة المدنية) والدولة الدينية (ذات الصبغة المدنية أيضًا) هو لب الإشكالية اليوم. ويخطئ من لا يقرأ الدعوة إلى مجلس رئاسي على أنها هم واهتمام بشكل الدولة الجديدة. ولعل القوى الثورية تقرأ انحياز الجماهير لها بشكل متعقل، وتتعلم قراءة المزاج العام، وتنأى بنفسها عن التنازلات التي تعزلها عن قواعدها الجماهيرية، وتخسرها الأصوات.
أعلم أن هناك العديد من العوامل التي تقاطعت لتنتج المأزق الذي نعيشه اليوم. فالانخراط في عملية انتخابية مسرحية في جوهرها كما نبهنا الدكتور البرادعي ولم يلتفت إليه الكثيرون، والتكالب على السلطة من قبل بعض الأطراف، وفشل القوى الثورية في التوحد حول رمز واحد، والحراك السياسي للفلول بعيدًا عن أعين الناظرين، وسوء إدارة المرحلة الانتخابية تكاتفت كلها لترسم لنا الإشكالية التي نعيشها اليوم. ولكنني أرى أننا قد تناسينا مطلبا أساسيا وهو التأكيد على مدنية الدولة وتحديد ماهيتها بشكل حاسم، مما أدى بنا إلى الموقف الذي نحن عليه اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني


.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ




.. لماذا تشكل جباليا منطقة صعبة في الحرب بين الفصائل الفلسطينية