الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إذا فسد الملح فكيف سنملح الملح؟!

شوقية عروق منصور

2012 / 6 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


إذا فسد الملح فكيف سنملح الملح؟!
شوقية عروق منصور

قال الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، صاحب فضيحة ووترغيت الشهيرة، في مذكراته ان "السياسة لا تنفصل عن النزاهة، والعمل السياسي أخلاق. وقد كنت أنا احد الذين أخطأوا في فهم مقاييس الأخلاق الكاملة فدفعت الثمن"، في إشارة إلى ان نيكسون استقال بعد هذه الفضيحة.
وأمام كتل الفساد المتدحرجة من أعالي جبال الثورات العربية، إلى الثروات التي تحولت أرقامها الرهيبة، إلى ذهول يسقط في مستنقعات الأسئلة، كيف تجرأ هؤلاء الساسة، ومن لف لفهم وأحاط بهم من زعانف، على الاستخفاف بمقدرات الشعوب وسرقة ثرواتها "عينك عينك"؟! وكيف أوصلهم استهتارهم إلى حالات الترهل المادي والتمتع في فن اللصوصية على حساب معاناة شعوبهم؟! مليون "كيف" تبكي ولا نعرف الإجابة. قد تخرج مقولة "لا أحد يركب ظهرك إلا إذا أنت انحنيت وقبلت الركوب". فهل الشعوب بصمتها شاركت في تغلغل الفساد؟!
من حسنات الربيع العربي - رغم أن هناك من يسخر من توصيف "الربيع العربي" - انه كشف الوجوه على حقيقتها ونزع القوة عن هؤلاء، فتبين أنهم دمى محشوة بالقش، وان المال لم يحصنهم من السجون والهرب والقتل. فلم يعد هناك من يتجرأ على التمادي في خداع الشعوب وسرقة الثروات. طبعا نعترف ان هناك الكثير من الأصابع ما زالت تسرق الثروات، لكن قضية الانكشاف، آجلاً أم عاجلاً، لا بد ان تخرج وينزل السؤال الخالد إلى الشارع ويصيح: من أين لك هذا؟!! عندها على اللص السياسي ان يواجه غضب الجماهير.
وقد أثبتت الأحداث على مر التاريخ انه يا ويل من الغضب الصامت، ومن رضوخ الشعوب الذي أرخى الحبال لكن بقي يمسكها ليحولها بعد ذلك إلى مشانق. هل نقول ان الشعوب العربية مصدومة من أرقام الثروات التي تفرزها وسائل الإعلام، والتي تظهر مدى تغلغل الفساد الذي حولها إلى طبقات لا تكاد تجد رغيف الخبز إلا بالمعاناة، وان أولادهم رهائن لمستقبل غامض؟! كانت الخلفيات تشير إلى البذخ والسرقات وشراء العقارات وتخزين الأموال والذهب في البنوك، لكن الشعوب بطبيعتها تمهل ولا تهمل. وهي أمهلت حتى تمرد الشاب التونسي بوعزيزي على جسده، الذي حوله إلى بقايا إنسان منكسر، لا يملك إلا عربة خضار تحولت في نظره إلى قلعته الأخيرة. وأصبح تحطيمها من قبل شرطة النظام غزوا لآخر قلاع صمود فقره، فكان الحل حرق الجسد الذي كرهه، لأنه لا يشكل قيمة أمام الحاكم الذي يملك الأجساد والأرواح..!
لا نريد هنا فتح صفحات الفساد المالي في الدول العربية، التي يعرفها القاصي والداني ويعرف لصوصها الذين يرتدون ثياب الزعامة والمصالح الوطنية ، ويعرف حجم الثروات التي تدفع حتى الغرب إلى نسيان فلسفاتهم الإنسانية وجرهم إلى التواطؤ معهم. ولو حاول احد زعماء الغرب إمساك طرف إصبع الفساد لقامت القيامة، لكن عندما يكون الأمر مقصورا على الشعوب العربية فلا يهم ، ما داموا ينعمون معهم في هذه الثروات ويستفيدون منها. أما إذا كانت الشعوب القابعة تحت رايات دولها، مع استقلالهم الاقتصادي ومواردهم الطبيعية وجيوشهم ومصانعهم وحكوماتهم ووزرائهم..الخ، لا تستطيع ان تهضم الفساد وتحاسب من تسول له نفسه الاستغلال، فكيف إذن يتصرف الشعب الفلسطيني، الذي مازال نصفه في المنافي والشتات والمخيمات ونصفه الآخر رهبن الاحتلال والمصادرة والجدار والحواجز وتفشي المستوطنات والزنازين وقوائم القمع طويلة؟! دائماً على السطح تبرز أسماء من يعبثون وتصل أصابعهم إلى جيوب الفساد، والشعب يتكلم ويسأل، قد يكون في الهمس، لكن تحت السطح تثرثر الأعماق، وتسأل: هل ستحاسب السلطة الوطنية الفلسطينية هؤلاء؟! هل ستقوم بالكشف عن الأرقام والعقارات التي يملكونها بشجاعة وقوة المسؤولية وعدم خداع الشعب؟!
من الذين تكشفت أوراق فسادهم محمد دحلان، الذي تسلم مناصب عديدة في حركة فتح، وكان له الباع الطولى في المفاوضات في مرحلة ما بعد توقيع اتفاق أوسلو. وقد نشرت الصحف والمواقع الفلسطينية مؤخرا تفاصيل مذهلة عن الممتلكات والعقارات وشركات الاستثمار التي يملكها دحلان، عدا عن الأراضي في أريحا والأغوار وفي جنين وقيمتها تقدر بـ 350 مليون دولار..!! وقد قامت السلطة الفلسطينية بمصادرة سياراته المصفحة. وأيضاً على قائمة الفساد خالد سلام، الشهير بـ"محمد رشيد"، المستشار الاقتصادي لرئيس السلطة الفلسطينية، وكاتم أسرار أموال ياسر عرفات. وقد اتهم رشيد بالاختلاس والعلاقات المشبوهة في صفقات الأسلحة، آخرها تزويد الجيش السوري الحر بالأسلحة، مع اعتراض الشعب الفلسطيني على التدخل في الشأن السوري. وقد أدان الجميع هذا التصرف الذي لا يمثل الفلسطينيين. فإذا كانت السلطة الفلسطينية تريد حماية وجودها وتظهر مدى طهارة تصرفاتها أمام الشعب، فان عليها وضع العيون على المشبوهين، وتؤكد ان الذي مر سابقاً لن يمر غداً، لأن لا شيء فوق التساؤل، ولن يدع الشعب أحلامه وطموحه تحت أحذية الفاسدين.
ان مكافحة الفساد مهمة وطنية من الدرجة الأولى ، لكي نحمي مشروع الدولة ونبض المقاومة، ونرفع روح التفاؤل لدى الشعب، ولكي لا يصاب الشعب بتصلب شرايين الفساد. في الزمن المفتوح على جميع الجهات لم يعد "حكي السرايا مثل حكي القرايا". اليوم ألحكي يجب أن يكون واضحاً، شفافاً، مكشوفاً، لأن الذي لا يفضح اليوم يفضح غداً. وان لم يكن بأيدينا فبأيدي دول أخرى أو رجال أو نساء أو.. أو..!
المهم انه "لا تبات بصقة تحت حجر"- على رأي المثل الفلسطيني..!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا