الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيادي متسخة حجارة المنفى وثمار الجنة

ابراهيم زهوري

2012 / 6 / 7
الادب والفن


أيادي متسخة
حجارة المنفى وثمار الجنة
ابراهيم زهوري
هذه المرة لم نستخدم الحجارة ولا أي وسيلة صلبة مثل العصي أو ما شابه , أحمل جسدي الصغير إلى الأعلى ليرفعني كريشة تتهادى , أضع بكل هدوء وحذر قدمي على باطن كتفيه لأرتفع مستقيما إلى أقرب غصن يتدلى من شجرة مشمش جدنا أبو راجي زواهري , شجرة فارعة ساحرة ومسحورة تتوسط صحن دارته الصغيرة وتنشر نعمة ظلالها العليلة في جميع الأرجاء كبساط أندلسي تلونه أطياف أشعة الشمس وترسم على كل شيء تصادفه أجمل الأشكال , نجتمع في كل ظهيرة كفلول عصابة منهكة من تعب طيلة النهار ونهرب من غبار شلل قيظ صيف تواطئ بقليل الإنهاك علينا , نتسامر خلسة تحتها خلف الحائط الواطئ جذعها المدور كرغيف يشتهيه جوع المسافر , نتلو بطيش كلامنا المبعثر خليط حكاياتنا عن غرائب الجن في حفل الطهور وعن سرقاتنا الخفية في الأعراس وفي لحظة تقديم النذور , هكذا كنا نصطاد زادنا من ثمارها نعشق حلاوتها رغما عنا عندما نوزع غلتنا الذهبية فيما بيننا بالعدل , في كل مرة تعطينا أشهى ما عندها في جوف فمنا و لا نتوانى عن مصها ببطئ حتى لا يذهب غمر نشوتنا ويختفي طعم السكر بسرعة, نمضغ ما تيسر من رحيق نسغها إلى أقصى حد ونطمع كلصوص ليل بحبوب لوز بذرتها عندما ندق القشرة الصلبة تحت حجر أملس ونقطعها بين أسناننا كقطع الحلوى , نجتمع عليها في كل يوم كغزاة يتدفقون فقط لأنه قال لنا مرة دون أن يقصد أن كل من يأكل ثمرة من ثمارها تستطيع أن تأخذه دون تردد أو تلكؤ إلى موطن منبتها في فلسطين هكذا ببساطة صدقنا جوهر حديثه لكنه ويا لدهشتنا هو ذاته يحاول مرارا أن يفوّت علينا بهجة احتفالنا ومصير ارتحالنا , يخرج متوعدا بقمبازة المخطط وشرواله الأخضر المنفوخ عندما على أغصانها بالكسر دون قصد منا نجور , مهددا شاهرا عصا عكازه ويلعن أسماء أبائنا واليوم الذي ولدنا فيه نحن صغار أحفاده وأولاد أعمامه , نهرب كل في اتجاه , يسبقنا مهرولا خطف صراخنا المعهود , نتوزع كالفئران على مداخل الزواريب الضيقة نطل برأسنا ونضحك من شر هزيمتنا المستحيلة , في صباح اليوم التالي نراه مشرعا نحو شارع السوق القريب وفي يده سلة من قش , نصّبح عليه كاتزان الكبار ووقارهم وكأن شيئا بيننا لم يكن , يبتسم لنا يعدل قبعته البيضاء ويهز رأسه مرحبا ونحن بدورنا نتمنى له من الله أن يطعمه الحج القريب في الموسم القادم , يغتبط رغم تثاقله ويجيبنا بأنه يتمنى من الله وهو في هذا العمر أن يمد بحياته أكثر ويعود يكحل عينيه بروابي صفد ونسائم وديانها , لا أعرف بالضبط حينها لماذا فضل جدنا الطاعن في السن العودة إلى مكان مسقط أجداده على الذهاب حاجا مكرما يغسل من ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر في رحلة العمر إلى كعبة رب الأرباب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان درويش صيرفي: أعطيت محمد عبده 200 دانة حتى تنتشر


.. بأنامله الذهبية وصوته العذب.. الفنان درويش صيرفي يقدم موال -




.. د. مدحت العدل: فيلم -أمريكا شيكا بيكا- كان فكرتي.. وساعتها ا


.. مين هو أعظم مطرب قام بالتمثيل في السينما المصرية من وجهة نظر




.. عوام في بحر الكلام - مدحت العدل: من حسن الحظ أنك تقابل فنان