الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضرب والتقسيم على الوتر السوري

نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)

2012 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


تسير الأحداث في سوريا نحو هاوية جهنمية واضحة المعالم. فلا النظام استطاع أن يحسم الأمور لصالحه من خلال تبني الحل الأمني إلى أقصى حدوده العنفية الدموية ولا المعارضة استطاعت أن تنهض وترتقي إلى مستوى الحدث وفهم أن تقبل الآخر المختلف هو أصل المشكلة ومفتاح الحل وبداية الخلاص. وبانتظار المجهول، يقوم النظام باللعب في الوقت الضائع والإيغال في هتك الخطوط الحمراء الواحد تلو الآخر مستهترا ً بسبب الكارثة الوطنية الأساس المتمثل، برأيي، بالفساد الهائل في كل قطاعات الدولة والغياب شبه المطلق للعدل والمساواة في حقوق الناس وأرزاقهم وسحق كراماتهم تحت الغطاء الأخلاقي المتمثل في ممانعة المؤامرة ومقاومة المخططات الاستعمارية الإمبريالية وضرورات التحرير ... هذه الأسطوانة المشروخة التي لم تعد تقنع أحدا ً إلا بعضا ً من المستفيدين وشريحة هامة من الهلعين المرعوبين حتى الشلل من مخاطر الحراك الثوري الشرعي الحالي.
إذا ً ... نحن مازلنا في مرحلة الضرب من الأزمة السورية. النظام مازال يتعامل مع الثورة السورية من خلال ضرب الناشطين جميعا ً بيد حمراء من حديد غير مميز في ذلك بين ناشط سلمي وآخر مسلح وثالث إرهابي أو طائفي أو مندس أو عميل! الكل بالنسبة له عدو ٌ زنيم ٌ يجب أن يقتل ويصلب على خشبة العنف الدائر في أرجاء البلاد. ومانفي المفكر اليساري سلامة كيلة وتعذيبه إلا نقطة صغيرة في بحر العنف الأعمى الذي يقوم به النظام حاليا ً.
أما عن القسمة والتقسيم والتشظي فحدث ولاحرج. النظام ورغم صلابته التي يحب أن يظهرها للخارج، أي خارج كل ماهو ومن هو من غير دائرة النظام المغلقة، ليس إلا عملاق جبار مصنوع من الفخار. عملاق قائم على على قاعدتين أو قدمين من الأمن والمال. وقد أسس هذا التوازن اللين جدا ً والقاسي جدا ً في آن معا ً الأسد الأب الذي عقد صفقات ولاء وتبعية مع تجار سوريا الكبار لدعمه في الحكم. وقد منح، بسخاء، هؤلاء الناس من أموال الوطن بغية منعهم من اتخاذ أي موقف معارض طوال فترة حكمه. لا بل إنه ضمن دعمهم المادي والمعنوي في كل الأزمات التي ألمت به خلال سنوات حكمه المكيافيللي الطويلة وهو ماحصل بالفعل أثناء زلزال حماه وحلب وسواها في الثمانينات. من جهة أخرى، شدد حافظ الأب قبضته الأمنية على الجميع وفرغ كل المؤسسات الحكومية المدنية من معانيها ومحتواها بدء ً من مجلس الشعب إلى التعليم والرياضة والقضاء والجيش والشرطة إلخ ... ونجح في أن يخضعها كلها للقبضة المخابراتية شديدة القسوة والبطش والغباء والإجرام والوقاحة ...
اليوم، وبعد مرور قرابة العام ونصف على بدء الثورة السورية، بات واضحا ً للجميع أن القاعدة الأولى أو القدم الأولى لعملاق الفخار باتت في أزمة وجودية حقيقية. فقد زج بشار "الصغير" بأقوى مالديه من الفوهات النارية منذ بداية الأحداث وباتت قوى الجيش والأمن في حيرة من أمرها. تخرج من بلدة لتدخل أخرى ثم تخرج من مدينة لتدخل في أخرى لتعود وتدخل في البلدة الأولى وهكذا دواليك في حلقات مفرغة متتالية متوالية. علما ً بأن الجيش لا يستطيع القتال على الجبهة الخارجية كل هذه المدة فكيف الحال بجبهة داخلية متشعبة متداخلة معقدة وحساسة للغاية تحمل كل عوامل الانقسام والانشقاق ... أما القدم الأخرى لعملاق الفخار أي القدم الاقتصادية ... فقد بدأت هي الأخرى بالتهلهل والوهن الواضح وأخذ حلف المصالح والتواطؤ والدعم المالي يتفكك تحت ضربات انعدام الأمن وغياب إمكانية جمع المال والحفاظ على المكاسب. وغني عن القول إن رأس المال جبان، لادين له ولا أخلاق ولاعقيدة ولاطائفة. إذا ً ... لقد أخذ النظام العملاق الفخاري بالتأرجح ... وسيكون انهياره ولا شك، مدويا ً مفاجئا ً مروعا ً سريعا ً وحاسما ً كانهيار سد زيزون السوري المفاجئ الذي تفتت جراء الفساد وسرقة مواد تسليحه في العام 2002.
طبيعي أن القوى الخارجية ستجد في هذه الأجواء المناخ المناسب للتدخل في شؤون البلاد والعباد. وبدهي أيضا ً أن نجد كل أجهزة مخابرات العالم تعمل بجد ونشاط وتؤدة وإجرام لاستشراف آفاق المستقبل وإيجاد البدائل الممكنة جراء الضرورة والحساسية الجيوسياسية لهذه المنطقة من العالم. وعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر المخابرات الروسية والأمريكية والإيرانية والتركية والسعودية والكندية والأسترالية والقطرية ... وطبعا ً الإسرائيلية ! كلهم هدفهم واحد هو منع نجاح الثورة من تحقيق مطالبها العادلة بالعدل والمساواة والديمقراطية ... الأمر عظيم الأهمية بالنسبة للجميع دون استثناء. لقد باتت الساحة السورية مستباحة لكل من هب ودب وأخبار المجازر والقتل والدمار ودخان الحرائق باتت تعمي البصر والبصائر ... وبات من غير المستبعد بالفعل وجود عنصر ثالث ورابع وخامس على حد تعبير كوفي عنان مؤخرا ً ...
إن تفجير البعد الطائفي للأزمة السورية هو خشبة الخلاص للنظام السوري كي يظهر بصورة المخلص ويثبت ضرورة وجوده وشرعية قمعه ووحشيته. لكنها ... أي هذه الخشبة، عفنة مؤذية كريهة حمالة للموت والمرض رائحتها تزكم الأنفاس. فإذا فقد النظام السيطرة عليها، انقلب السحر على الساحر وخرج الغول الطائفي من قمقمه وبدأ بالفتك بالجميع وأولهم النظام ومن والاه وشاركه في إجرامه وصولا ً إلى كل أطياف المجتمع السوري التي سيغرق حتما ً في موجات تسونامي مدمرة من العنف والعنف المضاد والقتل والقتل الثأري.
إن الخطر الأول على السلم الأهلي حاليا ً هو النظام المجرم الحالي من خلال ممارساته القمعية والطائفية الغبية. لكن هذا الخطر يبقى تكتيكيا ً، لأن النظام زائل وإن طالت فترة احتضاره. أما الخطر الاستراتيجي الأهم وبعيد الأمد فهو خطر الاقتتال الطائفي الذي إن وقعنا به ... لن نخرج منه لزمن طويل جدا ً وسيتحول البيدر السوري الجميل الذي نقتتل عليه إلى حريق يأخذنا جميعا ً بغض النظر عن طائفة فلان وعرق فلان. الكل سيحترق... والتاريخ شاهد. في كل حروب العالم ذات البعد الطائفي العنصري، لم تنجح طائفة في إفناء الطائفة الأخرى أو نفيها ... ولنا في لبنان المثال الأهم والأقرب لنا جذرا ً وقرابة فكرية وتاريخية. لبنان الذي خاض الحرب الطائفية بامتياز وخرج دون نتيجة تذكر بعد سنوات طويلة من القتل والموت المتبادل. لابل كانت نتيجة معركته الوحيدة هي بقاء كل الطوائف مسلحة وجاهزة للدخول في حرب جديدة في أي وقت جديد آخر... وما هو إلا موت ٌ مؤجل !
على الرغم من كل ممارسات النظام الطائفية الدموية... وعلى الرغم من بشاعة الدمار والقتل المتولد عن هذه الممارسات ماقبل المدنية المتخلفة، يبقى واجبنا جميعا ً محاربة غول الطائفية وعيا ً منا بمخاطره المريعة وحرصا ً منا على بقاء سوريا الواحدة الموحدة التي نعرفها اليوم والتي خلفها لنا الأجداد الأماجد ... أبطال الاستقلال الذين وصلوا بحكمتهم ورجاحة عقلهم إلى رفع شعار الدين لله والوطن للجميع في وجه محاولات فرنسا التقسيمية. النظام زائل رغم قسوته، لكن الطائفية ستبقى معنا لأجيال قادمة مالم ننجح بترجيح عقل الحياة على جنون الدم ومالم نرتفع بسوريا فوق الانتماءات الضيقة. وليعلم كل من يتبنى الخطاب الطائفي، وبوضوح شديد، أنه يعمل على تقسيم سوريا، واعيا ً أو غير واعي ولن يغفر له التاريخ ذلك !
المرحلة اليوم هي مرحلة حياة أو موت وكلنا مسؤول ... سقوط النظام لا يعني بالضرروة نجاح الثورة بل قد يعني سقوط كل شيء كما أنه قد يكون علامة فجر جميل لسوريا الحديثة العادلة الجميلة. الأمر بيدنا نحن السوريين وليس بيد أحد آخر ... فهل نحن على مستوى هذا التحدي ؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المارد السوري
ماجدة منصور ( 2012 / 6 / 8 - 04:27 )
المارد ..وحين يخرج من القمقم..لا يهمه كم من الأواني قد كسّر
لك احترامي

اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم