الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


.........ديمقراطية السجون

ثائر دوري

2005 / 2 / 4
الادب والفن


قصة قصيرة
تحلق عدد من الشبان من مختلف الاتجاهات السياسية حول رجل في العقد الخامس يتصف بجسده الصغير و بالتجاعيد الظاهرة على وجهه بشكل لا يتناسب مع عمره فقد جعلته أقرب إلى الكهولة . كان هذا الشيخ منهمكاً بالحديث و بان على وجوه الشبان الإعجاب بما كانوا يسمعونه حتى أنهم كانوا ينصتون له باهتمام . و مع ذلك يمكننا أن نلاحظ شاباً نحيلاً ، لونه أميل إلى الصفرة ، ساهماً يبدو أنه يفكر بأمور أخرى لا علاقة لها بكلام الشيخ .
كانوا جميعاً معتقلين سياسيين اعتقلوا في فترات مختلفة ولانتماءات سياسية مختلفة . أما الشيخ المتحدث فقد اعتقل لمحاولته تشكيل حزب ديمقراطي . يؤمن الديمقراطية منهجا و فكراً و سبيلاً لنهوض الأمة . و ها هو يشرح أفكاره للشباب المتحلقين حوله . يقول :
- لقد مضى عصر إلغاء الآخر و عدم الاعتراف برأيه . البشر متساوون و هذا ما أكدت عليه مباديء الثورة الفرنسية .......
و يسهب بشرح أفكاره بسلاسة تأخذ بلب الشباب حتى يقاطعه شاب كان يكنس المهجع . يسأله :
- معلمي . ماذا تحب أن تشرب ؟ شاي أم قهوة ؟
يرد عليه المعلم :
- كم مرة قلت لك اعمل ما تشتهيه نفسك . لا أريد أن أفرض رأيي عليك . اعمل ما تريده .
- إذا سأعمل القهوة .
يجيبه المعلم :
- يا الله كم تحب القهوة ؟!! ألم نشرب القهوة منذ قليل . أ تريدنا أن نقلق ليلاً ؟ اعمل شاياً .
- أمرك يا معلمي .
ذهب الشاب ، الذي تتلبسه حالة صوفية حقيقية . إذ يعتبر أن خدمة أمينه العام في هذا المجلس هي مساهمة عظيمة منه في تاريخ البشرية . لم يكن يفقه شيئاً في السياسة، لكنه كان معجبا بكل ما يتفوه به أمينه العام حتى و إن كان لا يفهمه لذلك كان ملازماً له و عندما تمت المداهمة اعتقلا معاً . فهو يشعر أن كلمات أمينه العام تخترق وجدانه و تستقر في قلبه ، فيشعر بلذة عظيمة عندما يسمعه يتكلم .
عاد المعلم يتحدث عن الديمقراطية :
- الخيار الديمقراطي ، الذي اخترناه و ندفع اليوم ثمنه اعتقالاً ، هو خيار نهائي لا رجعة عنه و إن مصير أمتنا متوقف عليه .
عاد الشاب ليسأل أمينه العام :
- معلم هل ترغب بالسكر مع الشاي أم أتركه خارجاً ؟
يجيبه المعلم :
- يا بني افعل ما تراه مناسباً . لا أريدك أن تسألني عن كل الأمور .
قال الشاب :
- إذاً سأضع السكر بداخله و أتركه يغلي . بهذه الطريقة يصبح الشاي ألذ مذاقاً .
لم تعجب هذه الفكرة المعلم . فقال :
- غلط يا بني . بهذه الطريقة ستهدر كمية كبيرة من السكر . قد لا يشرب الشباب الإبريق كاملاً . ثم إن أذواق الناس فيما يخص درجة حلاوة الشاي مختلفة . اترك السكر خارجاً .
هز الشاب رأسه و قال :
- أمرك يا معلمي .

و ذهب ليكمل إعداد الشاي بينما عاد المعلم ، الأمين العام ، للحديث عن المجتمع المدني و الديمقراطية و أسهب بنقد التجربة الشيوعية التقليدية . و هكذا نرى أن دكتاتورية البروليتاريا تتميز بالمركزية الشديدة باتخاذ القرارات . في حين أننا ، نحن الديمقراطيون ، نشجع أن يأخذ كل فرد قراراته بنفسه . نشجع أن يتحول كل فرد إلى مفكر لا أن يصادر الحزب المجتمع و تصادر اللجنة المركزية الحزب ، ثم يصادر المكتب السياسي اللجنة المركزية ، و بعدها يصادر الأمين العام المكتب السياسي ، و بالتالي يتلخص الحزب و المجتمع بشخص واحد .
يًحضر الحواري الشاي و يجلس على الأرض قبالة أمينه العام و يبدأ بوضع السكر في الكاسات ليسكب الشاي فوقها لاحقاً .
- معلم كيف تحب حلاوة الشاي ؟
يجيبه المعلم :
- كما تريد .
- إذاً سأضع ملعقتي سكر في كل كأس .
- يا بني قلت لك افعل ما تريد . أنا لا أعترض على شيء . اجتهد بنفسك .
يسكب الحواري الشاي و يتابع المعلم كلامه :
- كوارث بلدنا نتجت عن تجربة الحزب الواحد و غياب الديمقراطية داخل هذا الحزب .
يقدم الشاب الشاي دون أن يقاطع معلمه . و يضع كأساً أمام معلمه . فيتوقف المعلم عن كلامه و يتذوق الشاي .
- ما هذا ؟ يا بني الشاي حلوها كثير . كم ملعقة وضعت ؟
- ملعقتين يا معلم .
- ملعقتي سكر بكأس شاي متوسط الحجم !! هل هذا معقول ؟! هل تريد أن يأكل الشباب آخر الليل وجبة مربى ؟‍
يضحك المعلم وحده لم اعتبر أنه نكتة صدرت عنه . يناوله الكأس قائلاً
- أعدها إلى الإبريق و ضع لي نصف ملعقة فقط .
يتابع حديثه مع الشباب :
- يجب أن نتعلم احترام الرأي الآخر و أن نحترم التعدد في الكون .
يبدأ الشباب بتذوق الشاي . فيقول لهم المعلم بعد أن تذوق الشاي أيضاً :
- كيف هي الشاي ؟
يجيبه أحد الشباب الذين يستمعون له :
- معقولة أنا أحبها هكذا .
- لا لا أبداً سكرها زائد . و كما تعلم يعتبر السكر و الملح اليوم قاتلين . تقول النصائح الصحية احذروا الأبيضين ، أي السكر و الملح . أعيدوا الشاي إلى الإبريق . يا محمود .......
يأمر حواريه أن يجمع أكواب الشاي و يعيدها إلى الإبريق ليعيد غليه بعد إضافة الماء إليه كي يخفف حلاوته .
يهم الحواري بإبداء رأي مفاده أن مذاق الشاي يفسد إن أعدنا غليه بهذه الطريقة . فيفحمه الأمين العام بجوابه :
- ليخرب مذاقه أفضل من أن تخرب أجسام الشباب الذين يحتاج الوطن إلى قوتهم .
يذهب الحواري لينفذ أوامر معلمه بعد أن أعاد سكب كاسات الشاي في الإبريق .
استغل الشاب الذي كان ساهماً منذ بداية الجلسة فرصة توقف سيل المعلم الكلامي و خطر له أن يطرح الفكرة التي تؤرقه ، فسأل :
- هل تظن أن كل المجتمعات تستطيع تطبيق الديمقراطية .
ابتسم المعلم ابتسامة استخفاف لهذا السؤال الذي يعتبر إجابته من البديهيات . لكن الشاب عاجله بسؤال آخر و يبدو أنه كان السؤال الحقيقي الذي يشغل فكره :
- هل تعتقد أن بإمكاننا بناء نظام ديمقراطي و نحن سجناء داخل هذا السجن ؟
للحظة ارتبك المعلم . لكن بسرعة استعاد وروعه و أجاب بعبارة جاهزة ربما كانت عنواناً لعمل روائي أو أشبه بذلك :
- يا بني الديمقراطية أبداً الديمقراطية دائماً .
و بسرعة صرخ بمحمود أن يحضر الشاي كي يقطع أية إمكانية للمناقشة من قبل هذا الشاب . لكن الشاب عاد يؤكد سؤاله :
- هل تعتقد أن يمكن أن نقيم نظاماً ديمقراطياً داخل هذا المهجع . و هل تستطيع الديمقراطية حل كل مشاكلنا داخل هذا المهجع ؟ ثم ما الفائدة من إقامة ديمقراطية داخل المهجع ؟
لكن قبل أن يجيب المعلم و قبل أن يحضر محمود الشاي الذي أعاد غليه سمعوا صوت حارس السجن يصرخ بهم :
- ولك ........ألم تناموا بعد ؟ هيا إلى النوم قبل أن أعمل لكم حفلة تدوم حتى الصباح .
نهض كل فرد بسرعة إلى مكان نومه و ترك الحواري إبريق الشاي جانباً متجها إلى مكان نومه جانب أمينه العام . أطفئت أنوار المهجع . و قبل أن يناما همس الحواري بأذن أمينه العام ، كما اعتاد أن يفعل منذ عشرة أعوام هي تاريخ إعتقالهما :
- ماذا تريد أن تأكل يا معلم غداً؟
أجابه أمينه العام كما اعتاد أن يفعل كل يوم منذ عشر سنوات
- كما تريد اعمل ما تشتهيه نفسك .
قال الحواري كالعادة :
- لدينا بيض. هل تفضله مقلياً أم مسلوقاً ؟
- قلت لك اعمل ما تشتهيه نفسك .
- إذا سأقليه .
- تقليه . ألم نأكله البارحة مقلياً ؟ ألا تمل البيض المقلي ؟ يجب أن تغير البرنامج قليلاً . اسلقه سلقاً .
- حاضر معلم سأسلقه
و في مرات يقول الحواري أنه سيسلقه ، فيرد المعلم :
- تسلقه ؟! ألم نأكله البارحة مسلوقاً ؟ ألا تمل البيض المسلوق ؟ يجب ان تغير البرنامج قليلاً دعنا نأكله مقلياً .
علا صوت السجان من جديد :
- ولك اخرسوا . ما زلت أسمع صوتاً . اندفثوا قبل أن أؤدبكم ..........
شد كل واحد منهم البطانية العسكرية فوق رأسه و وضع الطماشات على عينيه ، و نام الشباب بهدوء يحلمون بجنة النظام الديمقراطي التي رسمها لهم المعلم وحده الشاب النحيل ذي اللون المائل إلى الصفرة كان يفكر أن كسر أسوار السجن أو حفر نفق للهرب هو الحل الوحيد كي تنتظم حياته . لكن الفكرة التي تؤرقه انه لا يملك أية أداة تساعده على حفر النفق فقد جردوهم من كل الأدوات المعدنية . غفا و هو يفكر بطريقة لإدخال أداة تساعده على حفر النفق .......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-