الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لتلميذ في قبضة الجلاد

علي عبد الكريم حسون

2012 / 6 / 8
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


صورة التلميذ في قبضة الجلاد
على ضوء مقالة الرفيق الصديق أحمد الناصري , بعنوان : صورة المعلم في قبضة الجلاد المنشورة في عدد الحوار المتمدن 9 – 5 – 2012
الكاتب : علي عبد الكريم حسون
كتب أحدهم مقدما ليوليوس فوجيك بوريقاته التي خطها في سجون الغستابو : (( إنني مدين لفوجيك بأثمن الأسرار , سرّ الأعماق البعيدة للثوري الإنسان .... وهو البطل الشيوعي , حتى حينما يبحث في أعماق خائن عن أسباب سقوطه )) .
ترى ما الذي يشد المنتمي لذكريات أيام سود مضى عليها ثلاثة وثلاثون عاما .... ليستعيدها بلحظاتها الرهيبة , كما لو كانت حدثت البارحة ؟ لماذا انطبعت في حجيرات دماغه , وبقيت محفورة بأدقّ دقائقها سوية مع وجوه جلاديه , وأسمائهم التي عرفها لاحقا : الملازم التكريتي زهير عبد الكريم / نقيب الأمن عبد الرزاق أبو عرفان / النقيب توفيق المصلح / النقيب البصري أبو سجاد .... و( الرفيق ) الذي سلّمه لهم لقمة سائغة .
لحظاته وهو في زنزانته الانفرادية مكبلا بــ ( الكلبجة ) صنع كوريا الشمالية أو ألمانيا الديمقراطية , وعيناه تبحثان في الجدران عن أسماء رفاق ورفيقات , حفروا بأظافرهم أسماءهم على الحيطان .... منال عبد الأحد المالح , تذكر اسم والدها المعلم الشهيد في 8 شباط الأسود . وآخرين يقابلونه معهم في محاولة دنيئة منهم لأجبارهم على التشخيص , وسؤال بليد عن ثقل سمع رفيق عضو اللجنة المركزية آنذاك , ليستدلوا منه على معرفة مكانه , وهو المختبيء في (( بيت الناصريين )) ببغداد , الذي آواه مع رفاق محلية الناصرية الذين هجروا مدينتهم , ليقع سكرتيرهم بيد الجلادين , فيهب حياته محافظا على سرّ الوكر ومبيت الرفيق عضو ل . م عندهم .
يوما ما في ساحة الميدان , بداية شارع الرشيد , احتضنني ( شاكر النداف ) ابن مدينتي .... تفاجأ وهو يرى تحفظي بردّ التحية عليه وتمتمتي له : بأنني خارج من زنازين البعث قبل أيام قليلة , وليفهم بعدها بأنه يجب أن يغادرني , فمن المؤكد أنهم سيصطادون من يحييني ... أسرع الرفيق النداف بالانسحاب .... ويتكرر نفس المشهد بعد ذلك مع رفاق آخرين رحلوا من مدينتهم إلى بغداد . فهاهو الشهيد ( داخل فرهود الفندي ) يحييني بحرارة في الشورجة , ولكنه كان أكثر حذرا , فإكتفى بقراءة الملامح ... أعجبت به , إذ يبدو أنه تمرس على النضال السري , اكتفيت بتحذيره من المبيت في الفنادق .
بعدها عملت في ( السوق العربي ) لتأمين مورد رزق لي , وهاهو ذات المشهد يتكرر , فالشاب الوسيم بعيونه الواسعة وسمرته المحببة , يطلّ علي من وراء زجاج الفاترينة . اطمأن لخلو المحل إلا مني ومنه ليجلس على مقعد قبالتي ... صمت صباح طارش وصمتّ أنا , ذهب بعدها مغادرا إياي , ليستشهد في مدينته مع زوجة رائعة , حبلى بابنه الذي سيولد في أقبيتهم , ولتزغرد سحر أمين منشد وهي تصعد المشنقة ... وليحمل بعدها بعشرين عاما ( محمد صباح طارش ) علما أحمر بمنجل ومطرقة , مخترقا شارع الحبوبي مع شيوعييّ مدينة والده الشهيد , ووالدته المضحية بحياتها .
للناصري أحمد قرأت يوما نعيه لأصدقائه الذين رحلوا . ففي قطعة أدبية يرثي بها صديقه وزميله ( علوان الدسم ) أعادني بها لأجواء مدينة نفينا أنفسنا عنها غصباً , لنجد أجسادنا في بغداد الفاغرة فاها , تلتهم عبره كل ثورييّ المحافظات ... تذكرت المرحوم علوان وهو الدسم بفكره اللقاحي ونفسَه الملتحم بهموم الكادحين . تذكرت نائل عبد الجليل بقامته المميزة .. بخجله الدافيء .. بأدبه الجم الذي لم يكن متسقا مع مراهقة تريد من صاحبها أن ينط وينق .. لا أن يلتزم صبية بعمر الورود , لم تستطع شقاوات مايسمى ( بالاتحاد الوطني لطلبة العراق ) أن يرهبوهم . فكان ( بكاؤهم طاهر ومفوضهم عامر وبن الحصونة عبد الواحد ) عاجزين عن فهم مغزى التزام هؤلاء وسر صمودهم أمام المغريات .
# لي عودة للحديث عن مدينة تؤبن أبناءها ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وردة الأمل لك وردة الأمل للجميع
أحمد الناصري ( 2012 / 6 / 8 - 19:28 )
أستاذي ورفيقي وصديقي على عبد الكريم حسون لقد وجدتك من جديد بعد ندائي عن (المعلم ، في قبضة الجلاد) وهاهي كلماتك واضحة ورشيقة كأنك تكتب سيرة وطن وبشر ومدينة، كلمات محملة بالأمل والتحدي والأستمرار، وها انا اصرخ لقد نجحت، بينما يتوارى الخائن تحت أكاذيبه وذنوبه ويكشف حجمه الطبيعي كلما كتبنا جملة واحدة عن المواجهة.
يا صديقي كيف لي أن انسى علوان الدسم وداخل فرهود وصبار نعميم وكل قوافل الشهداء، وام علي كانت تطعم الحلقات والخلايا من صينية العائلة في حي الاسكان الفقير وهو يجتهد في تقديم السمك الجري اللذيذ، كنا اساتذه وطلاب نتطلع الى حياة عقلية ومادية مختلفة بينما مشروعهم يزحف لتحقيق الخراب الذي تحقق على أيدي الفاشست بمساعده اتحادهم السخيف وعناصره الفاشلة!!
لقد هزتني رسالتك أمس وأربكتني وأسعدتني فقد فشل الجلاد في أن ينال منك لنتراسل ونكتب وننشر ونسخر من الجلاد البليد وندافع عن وطن جميل .. تحية صداقية لك وانا أتذكر تللك اللقطة التي تجمع وتوقف العالم فيها!!

اخر الافلام

.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟


.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح




.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا


.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ




.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم