الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة و اللادولة

خالد قنوت

2012 / 6 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


منذ سنتين, وقف السيد ستيفن هاربر رئيس الحكومة الكندية و قدم اعتذاراً رسمياً من المواطن الكندي من أصل سوري المهندس ماهر عرار و يتعويض و قدره 10,5 مليون دولار كندي على الإهانة و الضرر الذي تعرض له و عائلته من جراء معلومات استخباراتية غير صحيحة أدت لتسفيره من الولايات المتحدة الأمريكية إلى بلده الأم سورية بتهمة الانتساب لتنظيم إرهابي, حيث استقبلته السلطات الأمنية السورية بتحية يتلقاها السوريون الثائرون اليوم حيث بقي في التحقيق و الاعتقال أقل من سنة مع أن السلطات الأمنية السورية لم تكن تمتلك عنه أية معلومات و لكن واجب الاستقبال الحار والروتيني لأي زائر لا يفرق في آلة التعذيب بين نزلائه, فكيف و هناك توصية بحسن الضيافة من النظير الأمني الأمريكي.
عاد المتهم البريء إلى أرض الوطن , كندا بعد نضال مرير لأنصار المجتمع المدني الكندي لإعادته و قد نجحوا بتشكيل رأي عام عن طريق الوسائل الاعلامية و التظاهر أمام المراكز الحكومية, لتبدأ رحلة من المحاكمات و التحقيقات لتصدر محكمة كندية حكماُ ببراءة المواطن ماهر عرار و إلزام الحكومة الكندية بتقديم الاعتذار و التعويض المناسب و قد تم.
هذه الرواية ليست من روايات ألف ليلة و ليلة و لا كليلة و دمنة أو بديع الزمان الهمزاني, أنها حقيقة عرفها الكنديون و العالم و كان من نتائجها استقالة وزير الشرطة الكندي المسؤول عن الأجهزة الأمنية الكندية.
في وطن يتمتع بصفة الدولة و رجال لهم صفات و أخلاق رجال الدولة و في بلد يحفظ الدستورفيه و القوانين, حقوق المواطن الفرد و انسانيته و يعتبر هذا الحق مقدساً كما هي سيادة الدولة و الوطن مقدسة, لا يوجد في قوانينها تهمة إضعاف الشعور القومي و لا تهمة نشر أخبار كاذبة و لا تهمة أوهان و النيل من هيبة الدولة قد يحكم على صاحبها من خمسة سنوات و قد تصل الإعدام. في دولة يتهم فيها مواطنون و معارضون رئيس وزارئها بالكذب و السرقة ولا تنتزع حناجرهم أو تقلع أظافرهم أو تكسر ظهورهم, بل يبتسم رئيس الوزراء و يحاجج معارضيه بالمنطق و الأرقام فينال الأكثرية النيابية. في هذا البلد لا يوجد آلهة سوى آلهة الضمير لا يمكن أن تشاهد مواطن واحد يقطع الشارع من غير المكان المخصص للمشاة و بالاشارة المرورية المناسبة, لا يمكن أن تسمع عن مواطن أو مسؤول كذب أو مارس الغش و سكتت عنه الصحف و المحطات التلفزيونية. لا يستطيع أحد أن يتهرب من الضريبة المالية السنوية. لا يمكن أن يسألك أحد و حتى صاحب عملك عن انتمائك الديني أو الطائفي أو الاثني. في هذا البلد لا ترى عناصر شرطة في الشوارع إلا صدفة و لكنهم متواجدون خلال ثوان عندما تحتاجهم. عناصر شرطة تشعرك بالأمان عندما تراهم و تشعر بقوة القانون في تهذيبهم و حزمهم, يمثلون دولة عظيمة أكبر مساحة من الولايات المتحدة و سكانها خليط عجيب و كبير من قوميات و أديان و ألوان و أفكار من كل أنحاء العالم.
سورية هذا البلد الصغير الجميل لا يمكنك أن تهرب فيه من سؤال الانتماء الديني أو الطائفي أو الإثني, و من سؤال عن الأولاد و الوضع المادي و من الولاء للنظام, لا يمكنك أن تتفرد في فكرك أو أن تخالف الرأي العام الذي يصوغه كتلة سلطوية تتألف من عناصر و أجهزة أبعد ما تكون عن صفات و مبادئ الدولة و رجالاتها. سلطة تعتمد الألوهية للحاكم الفرد و لسلطة مطلقة له و لعائلته ضمن تشابك شيطاني للمصالح و الأجهزة الأمنية و المخابراتية و العسكرية, صاغها عقل لا اعتبار لديه سوى تثبيت و توريث السلطة و الوطن و كأن منطق الانتقام من العصر الاقطاعي و العبودي يمارس بشكل معاكس و بدون قيم أخلاقية أو منطقية.
أن يقف رجل دولة و يعتذر من مواطن أخطأ بحقه أحد أجهزته الأمنية, فهذا تثبيت للدولة و لقيمها و واجب دون منة و لا مكرمة. إنه القانون و سلطة القانون التي لا يعلو سلطتها أي منصب أو شخصية أو اعتبار. إنه الحق و العدل كما هي السيادة الوطنية و حدود الوطن.
قد يتبادر للذهن هنا سؤال, من سيعتذر للآلاف السوريين الشهداء و المعتقلين و المهجرين داخل الوطن و خارجه؟ و لكن السؤال الأهم هل لدينا مفهوم واضح للدولة و للوطن و المواطن؟ و العلاقة بينهما, كيف نعرفها و نصوغها؟
الثورة السورية رفعت شعار الحرية و الكرامة و دفعت من أجل ذلك ثمناً غالياً و مازالت, لكن الأسمى هنا رفع شعار إعادة الدولة و بنائها من جديد حيث يقف رجل الدولة فيها و بقوة القانون ليعتذر لمواطن عن تقصير أو إساءة و يقدم التعويض له و يستقيل من منصبه بسبب ذلك, عندها نكون قد أستعدنا الدولة و الوطن و حافظنا على رسالة شهداء الوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا تقر قانونا لتسهيل طرد مؤيدي الجرائم الإرهابية | الأخ


.. أردوغان لا يستبعد عقد اجتماع مع الأسد: هل اقتربت المصالحة؟




.. قراءة ميدانية.. معارك ضارية وقصف عنيف على حي الشجاعية بمدينة


.. -من الصعب مناقشة كاذب-.. هكذا علق بايدن على -التنحي- | #عاجل




.. -لكمات- بين بايدن وترامب .. والأميركيون في مأزق ! | #التاسعة