الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقفة على أعتاب الفن ..

عادل علي عبيد

2012 / 6 / 9
الادب والفن


وقفة على أعتاب الفن ..
( محنة الوجود.. لغز الكون)
عادل علي عبيد

لأنك مهووس بالجمال ومجبول بالحب ، فقد طويت سبل المجد ومفازات الخلود ، تبحث عن ذلك السر الذي جعلك موغلا تتحرى الحقائق التي تختبئ خلفها أماني الآخرين .. ستحط رحلتك الأبدية رحالها يوما ، وسيفطر صومك يوما على ذلك الالق البعيد الذي ستصيره جمالا وأنت تتوج طوافك المرير بفكرة لطالما حاصرتك بدهشتها وغرابتها ، وعشت لحظة قلقها وعدم استقرار صورتها ، فراحت تنأى وتجهر وتبرز وتنتهي وتتلاشى ، وبانت من جديد في فضاء روحك المزدحمة بالتوجسات التي تدرأ الصورة وتبعد الملمح وتنأى عن المعلم . ورحت توغل في الهزيمة تارة وتنتشي بالنصر تارة أخرى ، وتعلن استسلامك ، وكدت تشهر رايات نكوصك ، ورفعت تلك الأعلام ناشرا ملوحا في الأفق أصداء خيباتك ، وأنت تردد أناشيد البطولة . . كل ذلك من اجل أن تعلن روحك عن منجز تلك اللوحة او الأغنية او المشهد المسرحي الذي ينفذ إلى أغوار الآخرين ، ليفيض بالبهجة والمتعة ، او يؤنب ضمائر الطغاة ، او تكتمل قطعتك الموسيقية التي تحدتك واستجابت لحتمية مصادفاتك ، او لتؤكد مدى انتشاء الروح التي دغدغت إحساسك الهش .. أي مرحلة من ذلك الصراع الماراثوني تلك التي تشهد فيها روحك منازل الكر والفر والنصر والهزيمة ، وأي مشهد كهنوتي ذلك الذي يجعلك واجما أمام ذلك السيل الغريب الذي يسري فيك ومنك ، وأي مماحكة تلك التي تشهد فيها سيوفك الصديقة ورماحك العدوة وسهامك الرسل التي تعلن عن فوز هزيمتك .. ستغدوا مطولات أناشيدك الملتهبة وحوليات قصائدك العصماء ، وتفرد ملاحمك الملائكية ضربا من فيض الابهام الذي يتلبسك او سياحة في مجرات هائمة في السديم البعيد تعلن عن حوجها وتشكو غربتها وهي تنكمش أمام جموح الإبداع ، ورحت تترنم بأغان الطغاة التي صببتها قسرا على أسماع مؤيديك ، وتتغنى وتتغالى وتحتفي بمراحل مجدك ، وتتحدى كل الحجب التي تجهر تحت الشمس ، وتختفي خلف ذلك الافق المستحيل .. ستقرع أجراس نفسك أوان معاركها ، وتدق طبول المسير الطويل نحو تلك الملاحم التي تنتظر غدك الذي يحمل بطيه علامات التعجب والسؤال التي سيتجلى عنها تاريخ المكان والزمان وحياة الأمم والشعوب ، وهذا العالم الغريب الذي يحكم بتتابع الفصول والقوة الخفية العظمى ، وولادة الدهشة والموت وتوالي المصادفات التي تخرجك من رجاحة وقرارة نفسك ، والموت الذي لطالما قهر جبروتنا وحط من كبريائنا المقيت .. نعم الموت ذلك اللغز المحيّر الذي طالما زاحم الوجود .. كان صومك البدائي يرتهن بتجليات الآلهة وتلك الطقوس الراقصة التي تفصح عن إفشاء عريك الذي يناجز جهلك وأنت تعلن إفلاسك من القناعات التي راحت تتلاعب بمصيرك في هذا الكون المديد .. كانت سلسلة التغيرات والتحولات التي انصبت عليك ونسخت عالمك الغض تثير فيك الفضول تارة والسخط تارة أخرى وأنت تتأرجح بين الإذعان والحث الذي يقودك إلى اعتماد هرطقة الفصول .


وقفة على أعتاب الفن ..
( محنة الوجود.. حيرة الفهم)
( .. كثيرا ما اجلس وحدي في الليل أحملق بعيني عقلي في ظلام الزمن الذي لم يولد بعد .. وأتساءل بأي شكل وصورة ستتطور آخر الأمر تلك الدراما العظيمة وفقا لقدر لا يحيد وهدف لا يتغير .. ) هيجارد

حقا، تلك هي النهاية المفتوحة التي أسقطت أدبيات مخرجها ، وثقفت لتلك الحكمة الغريبة التي صيرت من النص ثورة على صانعها .. بل تمردا على من يمسك خيوط الفكرة ويتحكم بحركاتها ، ويرّقص عالمها وشخوصها .. كان ذلك التحدى العجيب هو انطلاقة تلك الثورة الراديكالية التي نسفت وحدة المهيمنات من دائرة الأحداث ، فعاش الحدث من بعدها كحالة دينامية لا تعرف القرار ، وتجهل الثبوت ، وتنسخ ملاحم الحركية ، وتصرخ بوجه الوجوم .. كانت التحديات التي تشخص أمامنا تسبقنا بالولادة الطبيعية ، حتى فسر البعض منا أن تحديقات التماثيل والأنصاب والرسوم هي ضحك على ذقوننا ، وكشف لبلادتنا المفرطة في التجهم والموغلة بالبلاهة . كنا نجوب الليالي ونقلب سويعات الليل بحثا عن سؤالنا الأزلي المتجدد ، (من نحن ؟) .. لم تضف متغيرات اقراطيليوس واملاءات العقل لابن باجة وشكوك ديكارت وهجائيات شوبنهور ولم تحد ّ من همة تفكيرنا .. لكن العلامات والشواخص والجبال والعيون الأخرى التي يرسمها إحساسنا المتشكك هي انثيالات تبحث عمن يدلها إلى الطريق البعيد .. كنا نسهم بالتأمل حتى أمسينا ملوك الشعر بلا منازع ، وأصبحنا دعاة البيان وأنبياء البلاغة .. كان طوافنا اليوتوبي يوغل بالمسير الطويل وهو ينشد تلك المثابات النائية التي تغيب تارة وتجهر تارة أخرى .. أي لعنة تلك التي جعلتنا لا نهتدي إلى سبلنا ، حتى ضاعت خطواتنا منا ، وغدا واحدنا كالظل الذي يبحث عن صاحبه .. راحت الرسوم تبحث عن مخلّص للتفسير والتأويل والتحقيق والشرح .. جاء الفلاسفة الذين أشبعونا بنظرياتهم التي زادت من حيرتنا ، حتى غدت كل المقارنات والمقاربات والدراسات كضرب من عوالم تبحث عن صورها التائهة ، وأصبحت تلك المقتربات التي تنشد التسليم تتأرجح بين تسميات شبه قريبة انحصرت بين استقصاء الغيب ، وما يعرف بالخيال الجامح او الفنتازيا او خوارق الطبيعة والتخاطر ، بل اقتربت بعض التفسيرات إلى أن تقحم سر الوجود بدلالات قاربت السحر ، وجعلت تلك الروعة الخلقية البديعة العجيبة ضمن عوالم ومملكات الآلهة !!.. الكتب المنزلة والثبوت السماوية أجمعت بطريقة موحدة مسلمة على أنها تحتاج إلى من يفك شفراتها ، فتسابق النساك والزهاد والعلماء ، كل يقرب نار رأيه إلى عجينته الطرية .. وتشرذمت الرؤى وتشتت ، وهي تبحث عن جواب الخلاص الأبدي البعيد .. نعتقد أن غاية الروعة في شرعية هذا الخلاف الإنساني مرتهن بهذه الحيرة التي تؤجج إحساسنا ، وهي رسالة للإنسان لأن يفيض ببحثه ويثور بهمته ويكسر قيوده الجامدة وحجبه الثقيلة .. راحت النظريات والرؤى تتسابق بحثا عن ذلك الجواب الذي يغادرنا إلى تلك الأبدية السرمدية الهائمة في ذلك السديم النائي .. المشكلة أن التشبث الأعمى بهذه الثقافات بات مسلما به ، حتى بعد مرحلة تاريخ التغيرات التي خضع لها عالمنا .. فما زالت ثنائية التحدي التي تكمن بالزمان والمكان تهدد العقل البشري وتجعله منصاعا إلى إرادة خارجة عن دوائره العقلائية .
قد نستحضر رسالة بونافنتورا وهو يرجع بالفنون إلى اللاهوت ، لكن الفن راح يسقط مرحلة التآمر على العقل وهالة المهيمنات على دائرة الفكر ، بعد أن غلّب ووظّف الجمال ، وقدّمه أمام جيوشه الراقصة .. لم يعبأ الفن بدروب الشوك ومضامير الردع وحقول الألغام .. راح يشق عباب تلك السبل ، يحرق خبيثها ، ويجتاز خنادقها المتوارية ، ويفتق حجب الشرانق الغليظة ، مترنما بقصيدة الحياة ، ومنشدا للكون ملحمة لن تموت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا