الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب : -في الثورة و القابلية للثورة- لعزمي بشارة الثورات العربية نموذج لم يكتمل بعد

حسام هاب

2012 / 6 / 10
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


متى تحدث الثورة؟ و كيف يتطور الحراك الشعبي من الاحتجاج إلى ثورة تستهدف الأنظمة؟ و هل ينطبق تاريخ التنظير الثوري على الثورات العربية؟ على ضوء هذه الأسئلة فضلا عن آفاق الثورات العربية، و ما يزخر به الكتاب من معلومات و مقارنات تتعلق بالتنظير الثوري و محطاته التاريخية ، يتمحور موضوع كتاب "في الثورة و القابلية للثورة" للمفكر العربي عزمي بشارة الصادر حديثا عن المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات بالدوحة .
ينطلق الكتاب من اعتقاد مفاده أن أي محاولة لتأسيس نظرية عن الثورة ليست مفيدة دائما، على اعتبار أن الكتابات النظرية عن الثورة غالبا ما تتأصل بثورات تاريخية سابقة، و بالتالي فهي استقراء يقبل النقد كما يقبل التطوير بالنظر إلى العوامل التاريخية و الثقافية و المجتمعية الخاصة التي تتحكم في انتفاض الشعوب ضد الظلم . و إذ يفهم أن أي تنظير للثورة هو في نفس الوقت قابل للمساءلة و الدحض، لا ينكر المؤلف الأهمية العلمية في تحليل بنية ثورة ما، ذلك أن استخلاص استنتاجات نظرية عنها يبقى أمرا ممكنا .
من بين المراجعات التي يتوقف عندها الكتاب مرورا بأهم تعريفات "الحالة الثورية" في تاريخ الفكر الغربي، ما وصفه المؤلف بالتعريف الدائري الحامل لمغالطات منطقية كما هو في تعريف لينين للثورة، بكونها لا تنشأ عن حالة الطبقة العاملة المضطهدة وحدها فقط، بل من الضروري أن تدخل الطبقة الحاكمة في حالة أزمة ... و يرى عزمي بشارة أن هذا التعريف ليس كاملا أو أنه لا ينطبق على جل الحالات الثورية مثلما انطبق على الثورة الروسية. فبالإضافة إلى ما حدده لينين يضيف بشارة في تحليله، أن القابلية للثورة مسألة متعلقة بوعي الجماهير، أي الوعي بكون المعاناة ناتجة عن ظلم لا عن ظروف طبيعية ، كما في حالة الجفاف و المجاعات أو الأزمات الاقتصادية الحادة ، و حالات ما بعد الحروب، أو ما يعبر عنه لينين في "بيان الأممية الثانية" بازدياد معاناة الطبقة المضطهدة بشكل استثنائي. فعلى خلاف ذلك يرى بشارة في تجربة الثورات العربية أنها أثبتت بالأساس ارتباط المعاناة بالوعي بها سياسيا و ليس فقط بالعوامل الاقتصادية و الاجتماعية التي ارتكز عليها تنظير لينين.
يلاحظ بشارة أنه بالرغم من توفر الوعي السياسي، فإن الثورات العربية لم تنشب بواسطة حزب سياسي أو جماعة سرية أو علنية تسعى إلى حل التناقض القائم بين الحاكمين و المحكومين لصالحها، و إنما نشبت انتفاضات تحولت بوعيها السياسي إلى ثورات شعبية على النظام، تدعو إلى إسقاطه من دون أن تحل محله كقوة سياسية منظمة، في حين فسحت المجال للتنظيمات السياسية كي تتنافس على السلطة، و هذا ما يجعل الحالة الثورية العربية في نظره تقدم "نموذجا جديدا لم يكتمل بعد" .
جوابا على ما قد يكون سؤالا ضمنيا عن النقص الحاصل أو ما يعيق استشراف تعريف مكتمل للحالة الثورية العربية الراهنة، و هو ما عبر عنه المؤلف بالنموذج الذي لم يكتمل بعد، يسجل عزمي بشارة أنه قد ثبت في حالة الثورات العربية صعوبة الاستيلاء على الحكم من دون انشقاق الطبقة الحاكمة، و انضمام الجيش أو قسم منه على الأقل إلى صفوف الثوار، و إذ يطرح علينا هذا السيناريو بشكل ضمني إمكانية اعتباره قاسما مشتركا، فإن نسبيته تتضح في التفاصيل التي يخلص إليها بشارة . ذلك أن الخيارات التي واجهتها الثورات العربية تحددت مصيريا و زمنيا بطبيعة السلطة و تركيبتها ، فحيث ظلت السلطة مسلحة و عصية على الاختراق أدى ذلك إلى تحول الثورة إلى حركة مسلحة تستنجد بالتدخل الخارجي كما في الحالة الليبية .
انطلاقا من حالة النموذج الثوري العربي الموصوف بعدم اكتماله، أو بتباينه من حيث مسار التحقق، يخلص المؤلف إلى محددات يكمن لنا اعتبارها تعريفات للحالة الثورية العربية، ذلك أن الخيارات التي تحدد قابلية التعريف تتراوح أولا، بين "شق الطبقة الحاكمة و اختراق النظام، فإما أن ينهار حينها أو يبدأ الإصلاح، و يصح هذا بشكل خاص في الدول ذات المؤسسات التي يمكن فيها الفصل بين الولاء للدولة و الولاء للنظام"، و ثانيا "الدخول في مساومة طويلة المدى، تؤدي إلى إصلاح متدرج بضغط مستمر من ثورة الشارع"، و أخيرا "الاستعانة بالتدخل الأجنبي، و هي استعانة محفوفة بمخاطر كبيرة جدا على مستقبل البلد و سيادته و وحدة شعبه". أما ما يمكن اعتباره قاسما مشتركا خاصا بالحالة الثورية العربية فهو اندلاع انتفاضات تحولت إلى ثورات شعبية خاصة في تونس و مصر، حيث رفع النظام يديه مستسلما و مضحيا برأس النظام تحت ضغط الشارع، و ذلك دون قوة سياسية منظمة علنية أو سرية تتسلم الحكم بالقوة . كما أن قاسما مشتركا آخر يمكن استنتاجه في هذا السياق، و هو المشترك الذي قامت من أجله الانتفاضات أساسا، و المتمثل في المطالبة الموحدة بإصلاح سياسي يتخذ التحول الديمقراطي مسارا له.
عطفا على ما سبق فإن ما يبرر بشكل إجرائي القواسم المشتركة في الحالة الثورية العربية و قابليتها، و هو ما يصفه الكتاب باستلهام نموذج التحرك، إذ بمجرد نجاح النموذج تصبح جاذبيته قابلة للانتشار بما تطرحه من إمكانات التغيير. حالة المحاكاة هاته ليس جديدة، و إنما كانت قائمة في العديد من الأقطار العربية غداة ثورة 23 يوليوز 1952 في مصر. مرة أخرى يتأكد بحسب رأي عزمي بشارة أن الجسم العربي "جسم موصل للثورات"، و الحال كذلك برأيه فيما حدث في ثورات 2011 باعتباره استجابة ثورية عربية قامت في العديد من الدول استلهمت النموذج المصري الذي قدمه الثوار فيي ميدان التحرير.
تطرق عزمي بشارة في كتابه إلى آفاق الثورات العربية و سؤال الديمقراطية في ظل التحديات المطروحة حاليا، و يؤكد على ضرورة أن يطور الديمقراطيون العرب نموذجهم القائم على المواطنة و الديمقراطية و تعدد الهويات بدلا من تأجيج الصراعات الإثنية، منبها إلى أنه إذا كانت الفكرة الديمقراطية قد ارتبطت تاريخيا بفكرة الدولة الوطنية، فإن هذا الارتباط و تحوله إلى شرط للديمقراطية كان محفوفا بخطر أن يصبح الانفصال و إقامة التجانس على مستوى الهوية شرطا لتنفيذ الديمقراطية، فإذا كان هذا الشرط قد نجح في بلجيكا و كندا و إسبانيا و البرازيل و جنوب إفريقيا، و في حال الموجات الديمقراطية الأخيرة في شرق أوبا، فإنه قد أدى إلى كوارث و تطهير إثني في حالة البلقان. لذلك فإن "ثورة تقوم على تجييش طائفي أو هوياتي لن تقود إلى تعددية سياسية و فكرية و لا تلبث أن تتحول إلى شرذمة من المجتمعات السياسية ثم إلى انقسام، فإلى كيانات اجتماعية متناحرة و هي معضلة التكامل الاجتماعي أو بناء الأمة الني نحن العرب دونها".
من نافلة القول يختم الكتاب، "إن الثورات لا تهدف كلها إلى تحقيق الديمقراطية، لكن الثورات العربية الراهنة رفعت جميعها شعار الديمقراطية و الدولة المدنية". حول هذا الشعار الذي لم يشأ عزمي بشارة التفصيل فيه، مكتفيا بالإشارة إلى الصراع المشتد حاليا في مفترق طرق الثورة المصرية من خلال احتمالات و تأويلات غير واضحة لمفهوم الدولة الاسلامية المدنية، و التي يعلق عليها عزمي بشارة بكون الدولة المدنية في مقاصدها هي دولة تحقق بالمعنى الجوهري للمقاصد الشرعية مصالح الناس، و هي مقاصد مدنية برمتها، و بما أنها كذلك فإن الدولة المدنية هي دولة إسلامية من دون أن تعرف نفسها كذلك، "و هذه هي مفارقة الأستاذ الإمام محمد عبده الفاجعة، حين اكتشف في فرنسا إسلاما من دون مسلمين، و في مصر مسلمين من دون إسلام".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية


.. الشرطة الأميركية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين وتفكك مخيما ت




.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام


.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف




.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام