الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
دور جماعات الضغط في صناعة القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية
محمد صالح
2012 / 6 / 11مواضيع وابحاث سياسية
يتحدد موضوع هذه الدراسة ببحث دور جماعات المصالح كأحد القوى السياسية الفاعلة والمحورية فى صنع وتوجيه السياسة الخارجية الأمريكية. ونظراً للارتباط والتداخل بين السياستين الداخلية والخارجية، فإن الدراسة فى اهتمامها بدور جماعات المصالح فى مجال السياسة الخارجية، إنما تتجاوز مجرد استكشاف أبعاد هذا الدور، إلى بيان محدداته وآفاقه، وتحديد معايير تقييمه.
واتساقا مع الطبيعة العامة لهذا الهدف واتساع نطاقه الزمنى، فإن الدراسة لم تبتغ التركيز على نوع بعينه من جماعات المصالح، أو قطاع محدد من بين قطاعات المجتمع الأمريكى، أوحتى على قضية بذاتها من بين مجالات المصالح والاهتمامات العامة للأمريكيين ذاتهم. ومـن ثم، تهتم الدراسة بإثارة عدة أسئلة جوهرية حول ماهية تلك الجماعات، ووظائفها الأساسية التى يمكنها القيام بها فى مجال السياسة الخارجيةالأمريكية، وطبيعة الآليات التى تستخدمها فى هذا الصدد، وإلى أى حد حققت تلك الجماعات نجاحا فى تلك الأدوار، وماهى المعوقات أو القيود التى ترد على هذا الدور أو تحد من فاعليته
فجماعات الضغط هى نوع من الجماعات التى يلجأ إلى تكوينها أو الانضمام إليها بعض أفراد أو مجموعات من أفراد مجتمع ما بهدف التأثير على سياسته العامة بشأن موضوع أو قضية محددة، تمثل بالنسبة إلى هؤلاء الأفراد أو تلك الجماعات مصلحة جوهرية مشتركة تربط بينهم. لذلك، عادة ما تعرفـها الأدبيات السياسية بأنها "تنظيمات تستهدف التأثير فى صانعى القرار". فى هذا السياق، يأتى تعريف الرئيس الأمريكى ترومان بأنها "جماعة تشترك فى الاتجاه نحو مطالبة جماعات المجتمع الأخرى بمجموعة مطالب محددة، ويتم ذلك من خلال التأثير على مؤسـسات الحكومة"، وأيضا تعريف روى مكريدس بأنها "جماعات تجمعها مصلحة مشتركة، دائمة أو مستقرة تناضل باستمرار من أجل تعظيم مصالحها ومنافعها من خلال الضغط على الحكومة للحصول على المزايا والتنازلات والمساعدات، بل وعلى الدعم المباشر أو غير المباشر من قبل الحكومة". فـى نفس الاتجاه، يجئ التأكيد على عنصر "استمرارية المصلحة" كشرط لقيام جماعة المصالح، فتعرف بأنها "مجموعة من الأفراد تسعى إلى تحقيق أهداف تتعلق بمصالح خاصة، عادة ما يكون لها صفة الاستمرار". يضافُ إلى ذلك، أن تلك الجماعات “تستخدم من الوسائل ما يمكنها من التأثير على الرأى العام والحكومة، وعلى عملية صنع القرار السياسى بوجه عام فى إطار سعيها لتحقيق مصالحها الخاصة. أما دولبير وأدلمان فهما يتجهان إلى التركيز بوجه خاص على عنصرى قوة المصلحة، واستمراريتها كشرطين أساسيين لقيام "جماعة المصالح"، وطبقاً لمفهومهما فإن الأفراد عادة "ما يتجهون للانضمام إلى تلك الجماعة للتعبير عـن مصالح مستقرة وقوية بدرجة كافية".
التمييز بين استخدامات كل من هـذه المصطلحات ُيظهرُ أن البعض مثل جان دانيل يذهب إلى استخدام تعبير "الجماعة الضاغطة Pressure Group " عندما تعمل "جماعة المصالح على الصعيد السياسى"، بينما يذهب برايس إلى إطلاق لفظ "اللوبـى" عندما يكون هدف جماعة المصالح متمثلا فى "إغراء البرلمان للتصويت مع أو ضد مشروع قانون ما"، أو كما يضيف بلانو وجرين برج تقديم المعلومات والحقائق الهامة حول المقترحات التشريعية، أو الإدلاء بالشهادة من قبل أعضاء وممثلى اللوبى أمام اللجان أو الهيئات التشريعية، ومن هنا كان إطلاق "المجلس الثالث “The Third House” على أعضاء ومؤسسات اللوبى. أما إدجار لانى فيضيف أن اللوبى "إنما يهتم بالتركيز على امتداد أعمال اللوبى إلى المؤسسات الحكومية تشريعية وتنفيذية، بينما يقصر برايس إطلاق تسمية اللوبى عندما يتعلق النشاط "بالأعمال التشريعية فقط". من هنا ان تفضيل بعض الأدبيات استخدام تسمية "جماعة المصالح" باعتبار أنه "لا توجد جماعة بدون مصلحة"، ومن ثم "فالمصلحة ملازمة للجماعة، بينما الضغط/اللوبى إنما يعبر عن "أحد ألوان النشاط الذى تمارسه الجماعة فى سبيل تحقيق مصلحة ما"، فضلا عن كونه- أى اللوبى- "نتاجا للثقافة الأمريكية ويمثل ميكانيزما خاصا بالنظام السياسى الأمريكى قد لا تعرفه بالضرورة الثقافات والمجتمعات الأخرى"
وفى النظم السياسية المعاصرة، فإن وجود جماعات المصالح على تنوعها وتباين توجهاتها يُعدُ من أهم خصائصها. فجماعات المصالح تُعدُ من بين أبرز مؤسسات المجتمع المدنى أو المؤسسات غير الحكومية فيها، وتتزايد فرصتها فى وجود مؤثر وفعال بتوافر مناخ أكثر ديموقراطية. وعادة ما يتجه عددها إلى الاضطراد بتزايد معدلات ومستوى التنمية. من هنا كان نموها وتقدمها أكثر وضوحاً فى المجتمعات الديموقراطية والصناعية أكثر من غيرها بوجه عام. ومع ذلك، فلا ينبغى أن ُيستنتج من ذلك اقتصار وجود جماعات المصالح على تلك المجتمعات الديموقراطية والصناعية، فتلك الجماعات توجد فى كل الدول ونظم الحكم: ديموقراطية أو ديكتاتورية، متقدمة أو نامية. أما القول بتزايد فرصة تواجد جماعات المصالح ونموها فى المجتمعات الديموقراطية، فإنه يرتبط بآفاق التنوع والاتساع التى يتيحها امتداد المصالح فى تلك المجتمعات من جانب، إضافة إلى مناخ حرية العمل ومرونة الحركة التى يتيحها المجتمع ذاته، خاصة وأنه عادة ما لا يتمتع حيالها بقدر مماثل من التحكم والسيطرة على نحو ما يحدث مع الأحزاب السياسية. هذا فضلا عن تميز المجتمعات الديموقراطية بتوافر كثير من المتطلبات الضرورية لقيام جماعات المصالح وتطورها، والتى تتضمن:
وجود حكومات قوية تستوجب محاولة التأثير عليها: ذلك أن وجود الحكومة يعنى تنوعاً فى مضمون ومجالات السياسات والبرامج العامة المتنوعة. ومن ثم إتاحة الفرصة لوجود جماعات مصالح متنوعة، إن لم تكن أحيانا متباينة، فى تلك المجالات. وبالتالى فإن الدفاع عن مصلحة بذاتها أو سياسة بعينها يتطلب قيام جماعة مصالح تتولى الدفاع عنها والترويج لها. ومن هنا، يجىء الارتباط بين إنشاء جماعات المصالح وتعدد البرامج والأنشطة الحكومية.
مستوى عال من التنظيم والقدرة على الاتصال بمراكز صنع واتخاذ القرارات السياسية والتأثير على الرأى العام.
ج- توافر بيئة مجتمعية مواتية تتصف بالحرية، والتنوع، والاستجابة التلقائية، والتطوعية، والاستقلال حيث تمثلُ تلك المقومات شروطاً ضرورية لقيام تلك الجماعات. الحريـة Freedom: تعنى توافر مناخ عام ييسر عمليات التنظيم والدعاية والإعلان من وجهات النظر الخاصة؛ التنـوع Diversity يفترض أن تلك الجماعات تمثل المصالح والقوى الاجتماعية المختلفة؛ قدرة الاستجابة Responsiveness بمعنى أن تلك الجماعات تنشأ لتستجيب تلقائيا لحاجات المجتمع، ولتعبر عن اهتماماته ومشكلاته المطلوب إيجاد حلول مناسبة لها؛ التطوعية Volunteerism حيث نشأة وتطور هذه الجماعات تعتمد وإلى حد كبير على الجهود التطوعية غير مدفوعة الأجر، وبمبادرة من الأفراد ذاتهم خارج الإطار الرسمى للحكومة؛ الاستقلال Independence ويعنى تمتع تلك الجماعات بالاستقلال عن بعضها البعض فى نشأتها وتطورها، كما أنها تكون أيضاً مستقلة عن الدولة.
وأخيراً، فإن نشأة تلك الجماعات تكتسب وضعاً خاصا فى دول العالم الثالث: فهى تتأثر بقوة المصلحة واستمراريتها، كما أنها تتأثر بالخصائص العامة لتلك المجتمعات وعادة ما تتجه نحو التمركز حول العديد من المتغيرات مثل السن، والنوع، والعرف، والقرابة الاجتماعية، والتقاليد، إلخ. أهمية ذلك تتضح عندما يُؤخذُ فى الاعتبار الوزن النسبى المتزايد لهذه المتغيرات فى تحديد مفهوم المصلحة من جانب، ومن ثم درجة قوتها واستمراريتها من جانب آخر.
وعلى تعدد أنواعها، فإن الأهداف العامة التى تنشأ من أجلها جماعات المصالح عادة ما تندرج تحت أحد هدفين عامين؛ أولهما يختص بحفظ وحماية وتطوير وتعزيز مصالح الجماعة من خلال السعى نحو وضع اللوائح وصياغة القوانين والتشريعات المتعلقة بها، ووضعها موضع التطبيق الفعلى، وتحويل الحكومة سواءً بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى شريك فى تحمل مسئولية ذلك. أما الهدف الثانى، فيتمثل فى دعم وتعزيز التعديلات المطلوبة فى السياسات العامة موضع اهتمام الجماعة، وإزالة ما يعترضها من عوائق، والاحتفاظ بالوضع الراهن حالة كونه مواتياً ومناسباً لمصالح الجماعة.
أما فيما يتعلق بوظائف جماعات المصالح، فإن تلك الجماعات تُعدُ بداية من أهم الفاعلين فى النظم السياسية. ذلك أن الفرد المهتم سياسيا يميل إلى المشاركة فى النشاط الجماعى الذى تزاوله جماعات المصالح بهدف التأثير على عملية صنع السياسات والقرارات الحكومية. وفى مجملها، تتضمن وظائف جماعات المصالح كلا من:
- صياغة المطالب والتعبير عن الاتجاهات السياسية؛
- الضغط للحصول على مكاسب مادية لأعضائها؛
- معارضة قرار أو سياسة ترى فيها إضراراً بمصالح أعضائها؛
- التعبير عن رأى قطاع معين من الرأى العام حيال القضايا العامة؛
- عمل دعاية لسياسة معينة.
أما نجاح جماعات المصالح فى تحقيق أهدافها وزيادة فعالية وظائفها فإنه يتحدد بدوره على ضوء توافر خمس مجموعات من المقومات الذاتية للجماعة تتعلق بكل من:
- الخصائص الذاتية للجماعة مثل حجم العضوية، ومدى تماسك الجماعة، ودرجة اهتمام أعضائها بقضاياهم، وحجم مواردها المالية، وطبيعة الجهاز الفنى والإدارى للجماعة، ومدى تجانس النخبة القائدة؛
- الثقافة السياسية السائدة فى المجتمع، حيث ينعكس تجانس الثقافة السياسية السائدة على أسلوب عمل الجماعات فتتجه إلى العمل والتفكير من منظور قومى واسع. أما الثقافة السياسية المجزأة فتؤدى إلى قيام الجماعات بتمثيل تلك الانقـسامات أو التجزئة، وبالتالى تكريس الاختلافات السياسية؛
- طبيعة القضايا أوالسياسات المثارة، حيث تنشط الجماعات الأكثر اقترابا وارتباطا بقضاياها وموضوعاتها السياسية؛
- درجة استقلالية الجماعة عن الحكومة والقوى السياسية الأخرى: فالجماعات القريبة من الدولة أو الأسيرة كما تسمى تتحول إلى أداة فى يدها ووسيلة تعبئة للجماهير؛
- الإطار السياسى: ومدى مرونته في تيسيرعملية المشاركة السياسة فى، أو إعاقة الوصول إلى عملية صنع السياسة العامة.
توصيف جماعات المصالح فى مجموعات تحظى بالإجماع حولها يُعدُ أمراً تحول دونه أسباب عديدة كاتساع مجال المصالح، وتعدد أنواعها، والتباين فى خلفيات واهتمامات أعضاء تلك الجماعات..الخ. من هنا كان تفضيل الاتجاه لاستخدام بعض المعايير التى تحظى بالاتفاق العام مثل التنظيم، والدوام، وطبيعة المصلحة، وتوظيفها كأساس يمكن على ضوئه التمييز بين أنواع جماعات المصالح على النحو التالى:
أولا: من منظور التنظيم الرسمى: تقسم الجماعات إلى جماعات مصالح رسمية، وأخرى غير رسمية. الأولى تتميز وتسود فى تنظيم معترف به كالنقابات، بينما تنتشر الثانية فى خارج الإطار غير الرسمى، مثل المافيا.
ثانيا: أما معيار الدوام والتأقيت: فيقسم الجماعات مصالح إلى جماعات دائمة، وأخرى مؤقتة أو غير دائمة. الجماعات الدائمة تتكون دفاعا عن مصلحة أو قضية ذات وجود مستمر، بينما الجماعات غير الدائمة فتنشأ لأداء غرض محدد ثم تنحل بعد ذلك.
ثالثا: فيما يتعلق بنوع المصلحة العامة: فيتم التمييز بين أنواع أربعة لجماعات المصالح: النوع الأول ويسمى جماعات المصالح الترابطية Associational Interest Groups: وتتكون من أجل مصالح أعضائها، ووظيفتها الأساسية هى التعبير عن المصالح وتوصيل المطالب إلى جهاز صنع القرار. ومن أمثلتها نقابات العمال، الجمعيات المهنية، تنظيمات الفلاحين، الغرف التجارية. أما النوع الثانى فيسمى جماعات المصالح المؤسـسـية Institutional Interest Groups: وهى لا تتكون بهدف التعبير عن المصالح، بل لتحقـيق أهداف أخرى. فالافتراض الرئيسى أنها لا توجد أساساً لتقدم مطالب أو التأثير على السياسات العامة، بالشكل الذى يحقق مصالحها الخاصة. أهم أمثلة هذه النوعية من جماعات المصالح تتضمن الجيش، البيروقراطية المدنية، البرلمان، الكنيسة، المسجد... وكما يبدو واضحا، فإن بعضا من هذه الجماعات له طبيعة حكومية رسمية، بل والمفترض فيها أنها تقوم على صنع وإدارة السياسة العامة، وليس لتعظيم منافعها الذاتية من هذه السياسات. وعلى الرغم من هذه الخصوصية، فإن هذه الجماعات تقوم على خدمة مصالحها الذاتية، كما أنها أحيانا ما تحاول التأثير على السياسة العامة بما يخدم هذه المصالح، وعلى سبيل المثال عند مناقشة الميزانية العامة/ العسكرية). وبدوره، فإن النوع الثالث فيطلق عليه جماعات المصالح غير الترابطية Non- Associational Interest Groups: وهى تتكون من مجموعة كبيرة من الأفراد الذين يشتركون فى سمة أو أكثر مثل الموقع الجغرافى أو الطبقة الاجتماعية، أو الديانة والأصل العرقى، واللغة أو السن. وتتشكل هذه الجماعات أساسا على أساس من الانتماءات والثقافات الفرعية المتميزة داخل المجتمع الواحد، وعلى نحو ما تنتشر هذه الثقافات الفرعية فى بلدان آسيا وإفريقيا، كما أن لها نظائرها فى الدول المتقدمة مثل كندا وفرنسا والولايات المتحدة. وعلى ذلك، وعند ممارسة نشاطها السياسى، يكون من المتوقع أن يترتب على ذلك نوع من التهديد للاستقرار السياسى، ذلك أن الاشتراك فى الأصل الاجتماعى يعتبر ركيزة تفوق فى قوتها المهنة التى يزاولها المرء. وأخيرا، فإن النوع الرابع يسمى جماعات المصالح الأنومية Anomic Interest Groups : وهى جماعات تظهر فجأة عندما تثور مشكلة معينة أو حينما يعانى الأفراد المطالبون بسياسة ما أو المعارضون لها إحباطا شديدا. من أبرز أمثلة تلك الجماعات تأتى المظاهرات وأعمال الشغب والتى ليس لها تنظيم دائم، وقد تعبر عن مطالب متناقضة وغالبا ما تلجأ إلى العنف. وعلى الرغم من قصر عمر تلك الجماعات، فإنها عادة ما تكون شديدة الخطورة، ويمكن أن تؤدى وبسهولة إلى انتشار العنف وتزايد القمع السلطوى. وعلى ذلك، فإن هذه الجماعات تختلف عن الجماعات الترابطية المصلحية من جوانب ثلاثة تتضمن أنها ترفض القيم الأساسية، وتتسم تكتيكاتها بالتلقائية والعنف، كما يميل نشاطها إلى السلبية، بينما تقبل الجماعات الترابطية المصلحية بالقواعد الأساسية للنظام السياسى، وبقيمه وبقواعد اللعبة السياسية فيها، ويندر أن تسعى لتغيير النظام، كما يتصف نشاطها بالإيجابية.
بوجه عام، يمكن التمييز فى تلك الآليات بين كل مما يلى:
أ) التمثيل المباشر: فى أجهزة صنع القرار وخاصة البرلمان والأجهزة التنفيذية؛
ب) المساندة الانتخابية: وتهدف إلى مساعدة مرشح ما على الفوز وإسقاط مرشح آخر، وقد تكون المساندة بالمال أو الرجال أو الدعاية أو الثلاثة معا؛
ج) الدعاية والمعلومات: ولها أهمية خاصة، فهى متاحة أمام كل أنواع الجماعات خاصة فى النظم الديموقراطية لإقناع الجماهير واستثارة اهتمامها بفكرة أو سياسة ما. ويُعُد إعداد وتقديم المعلومات لصانعى القرار أمر يساعدهم فى اتخاذ قرار يخدم مصالح الجماعة؛
د) إقامة علاقات خاصة مع الأحزاب؛ وهى علاقات تعرفها النظم الديموقراطية، وأهم صورها خلق كتل تشريعية داخل حزب أو أكثر لتدافع عن مصالح الجماعة؛
هـ) المساومات المستترة: ويتبع هذا الأسلوب فى شتى النظم السياسية، ويتطلب تنفيذه امتلاك إمكانية الوصول إلى مراكز صنع القرار، وتفضله اتحادات العمال ضمانا لسرية التفاوض حول النشاط الاقتصادى وكنوع من صمام الأمان لتجنب التناقضات الاجتماعية؛
و) استخدام العـنـف: وقد تلجأ إليه الجماعة كوسيلة للتعبير عن المطالب خصوصا إذا لم تستطع أن تفعل ذلك من خلال القنوات الشرعية.
على ضوء ما سبق، ومن منظور المشاركة السياسية، فإن جماعات المصالح،-وبما تمثله من مجالات اهتمام، وبما توظفه من آليات-، تُـتيحُ أطراً بديلة أكثر مرونة وقدرة على استيعاب قطاعات متسعة، سواءً من الأفراد أو المؤسسات، غير الراغبة فى أو غير القادرة على المشاركة السياسية الحزبية، كما توفر، وعلى الأقل نظريا، آليات لها أهميتها وفعاليتها المباشرة فى التأثير على صنع القرار، هذا فضلا عن مما تتسم به من براجماتية وجرأة فى التعامل لا تضطر معها للالتزام دائما بالقواعد الأخلاقية والمعنوية.
وفى السياق العام للنظام السياسى الأمريكى، وفى توجهاته المتزايدة نحو تبوأ دور القيادة الدولية ومسؤوليتها، تبرز خصوصية وضع جماعات الضغط الأمريكية وتفرد دورها كأحد المدخلات الرئيسية الفاعلة فى العملية السياسية عامة، وفى مجال السياسة الخارجية لهذا النظام على وجه الخصوص. فجماعات الضغط تعبر فى مجملها عن "قطاعات منظمة من السكان، لديهم قيم ومعتقدات مشتركة يؤمنون بها وبشدة حول الموضوعات والقضايا السياسية، ولا يستطيعون تحقيقها بمفردهم. من هنا تبرز أهمية نشأة جماعات الضغط كاستجابة لاتجاه عام لدى الأمريكيين نحو الاتحاد وتشكيل جماعات أو أطر تنظيمية من أجل العمل الجماعي. كما أنها، وإن كانت لا تقدم وبشكل مباشر مرشحين عنها فى عملية الاقتراع، إلا أنها تلعب أدواراً هامة ومتزايدة في التأثير على نتائج تلك الانتخابات تأييداً أو معارضةً لأولئك الذين يسعون إلى شغل المناصب العامة، وتشكيلاً وتوجيها للرأى العام، واستحواذاً على منافذ الوصول إلى صانعي القرار في الحكومة. كذلك تلتقي جماعات الضغط، وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، مع قطاعات الرأي العام الأمريكي فى مواجهته للتطورات والتحديات الدولية التي تتطلب استجابات سريعة ومتواصلة، وضرورة أن تتسق هذه التطورات مع قـيم ومعتقدات الجمهور الأمريكي على اتساعه، وفى مواجهة انعكاسات ذلك على موضوعاتها المتنوعة وكيفية تأثيرها على صنع القرار السياسي الخاص بها، على هذا النحو، تكتسب جماعات ومنظمات الضغط الأمريكية أهمية خاصة باعتبار طبيعتها التمثيلية التي "تسمح بالتفاعل بين الشعب والإدارة، واستخدام القوة السياسية في تنفيذ العملية السياسية، أو التأثير فيها"، مستهدفة، وعلى نحو ما يذكر إلويتز، "التأثير على السياسة العامة بطريقتين رئيسيتين: الأولى من خلال مقابلة المشرعـين والموظفين العموميين؛ والثانية بممارسة الضغط على صانعي السياسة باستخدام أساليب غـير مباشرة بـما في ذلك وسائل الإعلام" فيما يلي مناقشة لأبعاد هذه الخصوصية المتميزة لجماعات المصالح فى النظام السياسي الأمريكي.
بوجه عام، يتميز المجتمع الأمريكي بالوجود المكثف والفعال لجماعات الضغط، والتي تشهد خلال السنوات الأخيرة تزايداً ملحوظا في نموها كماً ونوعاً، كما يبدو حرصها واضحاً في اتخاذ مقارها الرئيسية بالقرب من دوائر صنع القرار في العاصمة واشنطون من جانب، وبالقرب من كبريات مؤسسات الأعمال الكبرى والاتحادات وشركات الأعمال والتجارة، خاصة وأن أكثر من نصف جماعات الضغط الرئيسية تتمركز مقارها في العاصمة الأمريكية. هذا النمو العام لجماعات الضغط، وتزايد تأثيرها في العملية السياسة الأمريكية يجد جذوره في مصادر متعددة من أهمها ما يلي:
تجعل من الولايات المتحدة، وعلى حد وصف بعض الأدبيات "مجتمعاً من المهاجرين والمنضمين الجدد" بما يعنيه ذلك من تنوع إثنى وديني وثقافي للمجتمع الأمريكي، ومن ثم تنوع وتباين، بل واختلاف المصالح والاهتمامات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لشرائح السكان والمواطنين الأمريكيين. ومن ثم، فإن الاستجابة المجتمعية التلقائية لهذه الحاجات تجيء، وفى جزء هام منها، متمثلة في إنشاء وتكوين الاتحادات والجمعيات المتنوعة كقنوات أكثر ملائمة للتعبير عـن تلك الاهتمامات والمصالح، وكآليات للمشاركة الفاعلة في الحياة العامة، والتأثير في السياسات الحكومية الخارجية والداخلية، عبر الضغط على مسؤولين فيها، أو التأثير على الرأي العام عبر وسائل الإعلام المتنوعة كقنوات للتأثير الجماهيري الفعال، إضافة إلى تقديم الدعم المادي والمعنوي للمرشحين إلى المناصب المختلفة المهمة بدءً بالمناصب الحكومية الكبرى، ومروراً بعضوية مجلسي النواب والشيوخ، ووصولاً إلى رئاسة البلديات، وعادة ما يرتبط هذا الدعم بمواقف ورؤى المرشحين للقضايا التي تهتم بها وتعمل من أجلها جماعات المصالح أو الضغط وما يكفله من ضمانات دستورية وحقوق وحريات سياسية يتمتع بها الأفراد والجماعات على حد سواء، كحرية التعبير والاجتماع والاعتقاد وحق التقدم بالالتماسات وما إلى ذلك من حقوق سياسية وضمانات دستورية شكلت الأساس القانوني والسياسي لقيام تلك الجماعات طبقا لقانون تنظيم جماعات الضغط الصادر عام 1946، والذي أصبح بموجبه ولكل جماعة بشرية أو مؤسـسة أو دولة أجنبية أن تنشئ جماعات ضغط محلية مسجلة باسمها في الكونجرس، وتتدخل نيابة عنها في أي سياسات عامة أو قرارات متعلقة بها، الأمر الذي أسهم بدوره في إفساح المجال أمام جماعات الضغط لتمارس وبشكل قانوني وعلني أدوارها ووظائفها في العملية السياسية الأمريكية في بعديها الداخلي والخارجي، وما يستند إليه من توزيع للسلطات والموارد بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات والمحليات، أوجد بدوره حاجة لوجود آليات مؤسسية ذات تنظيم جيد، ومعترف بها، تستطيع من خلالها الجماعات المتنوعة على مستوى الولايات والمحليات، وبصفة خاصة، عندما تفشل فى تحقيق أهدافها على مستوى الولاية، أن تلجأ من خلالها إلى واشنطون في محاولة للتأثير على أجهزة صنع القرار في الحكومة الفيدرالية (التنفيذية والتشريعية والقضائية) أملا في أن ُيكتب لها النجاحُ فيما لم تستطع تحقيقه على مستوى الولاية. من الأمثلة ذات الدلالة هنا حالة جماعات الحقوق المدنية، وحكم المحكمة العليا بعدم دستورية الفصل العنصري عام 1954، فاتساع مجال وأنواع البرامج والأنشطة الحكومية وما يرتبط بذلك من تزايد الحاجة لإنشاء جماعات جديدة تتولى تنظيم الاستفادة من تلك البرامج والمخصصات ومقاومة ما قد يرتبط بها من تغييرات على مصالح بعض الفئات الخاصة. من أمثلة ذلك مجالات مثل تشريعات الأجور والتأمينات والمعاشات وخدمات الرعاية الصحية والاجتماعية وما شابهها.
ففي المجتمع الأمريكي اجتماعيا واقتصاديا وما صاحبها وترتب عليها من عمليات إعادة صياغة علاقات القوى والتوازنات بين فئات وشرائح المجتمع الأمريكي، والآثار المترتبة على الثورة التكنولوجية في تيسير عملية الاتصالات، وسرعة تداول المعلومات، وإنشاء وتمويل ومتابعة أنشطة جماعات المصالح المختلفة كاستجابة للحاجات الجديدة التي تنشأ مرتبطة بتلك التطورات (على سبيل المثال قضايا المرأة، والعلاقات بالمجتمعات الأم للجماعات العرقية الأمريكية) في نطاق الممارسة الحزبية ارتبط هذا الشعور بالفراغ الإيديولوجى وغياب تنوع إيديولوجى جوهري بين الحزبين الكبيرين، والانخفاض العام لمعدلات التصويت، والتضخم الرهيب في تكاليف الحملات الانتخابية، وغيرها من مشكلات وأوجه قصور متزايدة، أسهمت مجتمعة في دفع التحول باتجاه جماعات الضغط كمنظمات تمثيلية يمكن أن تلعب دورا سياسيا بديلا يعوض بعضا من قصور الممارسات الحزبية. ومن ثم لا يمكن إغفال تأثير هذا في إتاحة الفرصة لجماعات الضغط لتمارس دوراً سياسياً فعالاً يملأ قدراً من الفراغ في الحياة السياسية22، خاصة وأن نشأة تلك الجماعات قد ارتبطت بداية وفى جانب كبير منها بقضايا تلك الجماعات العرقية، والحاجة إلى رعاية مصالحها بالوطن الأم أو غيره من الدول التي يرتبطون بها بروابط نفسية وإيديولوجية. من بين أهم أمثلة هذا النوع، حالات اللوبي الصهيوني، ولوبي المصالح الأيرلندية، ومنظمات اللوبي الممثلة لدول شرق أوربا وغيرها في الولايات الأمريكية المتعددة .
وتشير إلى حالة الاضطراب والجدل الفكري للتوصل إلى تحديد ماهية المصالح الأمريكية لفترة ما بعد الحرب الباردة، وبناء إجماع قومي لمواجهة تداعيات تفكك الاتحاد السوفيتي واختفاء الخطر الشيوعي، وما تبع ذلك من تفجر النزاعات والمشكلات الدولية المتعددة. في ظل هذا المناخ -والذي شخصه صامويل هانتينجتون بأنه "تآكل المصالح القومية الأمريكية"-، والذي ساد تلك الفترة بالغة التعقيد في السياسة الأمريكية 24، جاءت الفرصة مواتية لجماعات الضغط لتلج وبقوة إلى مجال السياسة الخارجية في محاولة للإسهام في وضع جدول أعمل للسياسة الخارجية الأمريكية، والتعامل مع الأبعاد الجديدة للتعدية الثقافية والأيديولوجية، وقضايا التجارة الدولية، والمشكلات العرقية، وإعادة تحديد مفهوم المصلحة الوطنية، وهكذا، وعلى ضوء تلك الخصائص المميزة لبيئة جماعات الضغط الأمريكية، يتحدد إطار وجودها في النظام السياسي، وتتنوع نماذجها وتتبلور حركتها فيه، وتنطلق طاقاتها إلى مقدمة الفاعلين الرئيسيين في السياسة الأمريكية بمجالاتها الداخلية والخارجية، كما يتواصل تفاعلها السياسي من خلال منظومة وظيفية عامة خماسية المجالات تتضمن وظائف التعبير عن المصالح؛ وضبط السلوك؛ وخدمة أعضاء الجماعات؛ والمشاركة في صنع السياسة العامة؛ ووظائف التنشئة السياسية، فضلا عن مهام التجنيد السياسي وإعداد الكوادر والقادة"؛ وتقديم أطر الانتماء والولاء لأعضائها؛ واستقطاب غير الراضين عن الأحزاب السياسية، أو عن أداء موظفي الحكومة عامة.
وتقدم جماعات الضغط الأمريكية، وعلى اختلاف مسمياتها، نموذجا متفردا باعتبارها أحد قوى المدخلات الرئيسية للعملية السياسية في الولايات المتحدة. ففي مجملها تعكس بنية وتركيبة هذه الجماعات التنوع الديموغرافى الذي يميز المجتمع الأمريكي كمجتمع من المهاجرين؛ يمثلون خصائصه الاجتماعية والاقتصادية، كما تربطهم جماعات الضغط بكل ما تتميز به من تنوع هيكلي ووظيفي بوجه عام، فمحاولة التمييز داخل هذه التوليفة أو الصيغة المركبة والمعقدة لبنية جماعات الضغط الأمريكية توضح أنها تضم عشرات الآلاف من هذه الجماعات متضمنة أمثلة لكافة النماذج والثنائيات الهيكلية والوظيفية المتنوعة لجماعات المصالح: دائمة ومؤقتة، وجماعات الضغط العامة بكافة أنواعها، إضافة إلى جماعات الضغط الاتجاهية، وجماعات الضغط بين المؤسسات والهيئات الحكومية.
مما لاشك فيه أن دور ومكانة جماعات الضغط الاقتصادية في النظام الأمريكي لها خصوصيتها وأهميتها التي تحظى باتفاق واهتمام جميع القوى داخل النظام السياسي الأمريكي وخارجه. بالإضافة إلى إمكانياتها ومواردها الاقتصادية، وبالتالي أهميتها وقدراتها السياسية، فإن هذه الجماعات تتميز، ومن منظور السياسة الخارجية، بضخامة عددها وتنوعها الكبيرين، فهي تضم ممثلين لكل مجالات النشاط الاقتصادي بلا استثناء مثل الشركات والاحتكارات البترولية الكبرى، كبريات شركات الطيران العالمية، مؤسسات الخدمات والرعاية الصحية، المؤسـسات المالية والبنوك، شركات الأسلحة، المجالات الزراعية، مقاولات مشروعات ومنظومات الدفاع والتسلح والاتصالات،…إلخ.
كذلك، فإن جماعات الضغط الاقتصادية، وما يرتبط بها من تداخل في المصالح، وتشابك في الأطراف، وتناقض في المواقف والتوجهات، إنما يفتح الباب واسعا أما الأطراف المعنية لممارسة كل أنواع التحالفات، واستخدام وتوظيف كل آليات الضغط المادي والمعنوي لعقد الصفقات وتبادل المصالح والمواقف في منظومة أداء معقدة يصعب الوقوف على أبعادها الحقيقة دون معلومات كافية وقدرة على التخيل والتحليل، وعلى نحو ما تبرزه خبرة الصفقة الشهيرة بصفقة الأواكس، والتي تم إقرارها لصالح المملكة العربية السعودية بفارق ضئيل في الأصوات 52-48 سيناتور.
صفقة الأواكس السعودية: ترتبط هذه الصفقة بإدارة الرئيس ريجان التي خططت عام 1981 لعقد صفقة قيمتها 5, 8 بلـيـون دولاراً من مبيعات الأسلحة للملكة العربية السعودية. وقد تضمنت الصفقة خمس طائرات أواكس بخزانات الوقود لطائراتها المقاتلة من طراز F-15، وطائرات إعادة الإمداد بالوقود، وأكثر من ألف صاروخ جو/جو. وفى ظل قانون ضبط صادرات السلاح الصادر 1976، فإن للكونجرس الحق في عدم الموافقة على أي صفقة سلاح تبلغ قيمتها أكثر من 25 مليون دولار.
وإزاء المعارضة المؤكدة من قبل الكونجرس، فقد اضطرت المملكة العربية السعودية أن تدخل معركة فعلية واستخدمت فيها كل القنوات الممكنة والمتصورة والتي يتيحها النظام الأمريكي لتأمين الموافقة على هذه الصفقة (قنوات العلاقات الرسمية وغير الرسمية، الصلات بدوائر الأعمال والمال وكل شركات الأعمال صاحبة المصالح مع المملكة، وشركاء الأعمال الذين يتعاملون معهم، وأعضاء الكونجرس في مقار دوائرهم ومكاتبهم، وحملات الاتصالات, وإرسال العرائض والالتماسات، ..بمضمون واحد ووحيد يطالب بالموافقة على الصفقة استنادا على مبررات من أن الصفقة أمر اقتصادي بحت، وأنها تدعم الاستقرار في إقليم الشرق الأوسط لأهميته لمصالح للولايات المتحدة، والحفاظ على علاقات الصداقة والتعاون مع المملكة، حفاظا على المصالح الذاتية للأطراف المشاركة في الحملة، استجابة لضغوط شركاء الأعمال،……).
من هنا كان النظر إلى صفقة طائرات الأواكس للملكة العربية السعودية كنموذج أداء متفرد شاركت فيه منظومة متكاملة من جماعات المصالح وممثلي اللوبي المعتمدين ورموز سعودية، بالإضافة إلى الاستخدام الفعال والتوظيف الكفء للعديد من آليات الاتصال والتأثير والضغط والابتزاز والتهديد تأمينا للحصول على موافقة الكونجرس على الصفقة، والتي تمت موافقة مجلس الشيوخ عليها في الثامن والعشرين من أكتوبر 1981 بأغلبية 52 صوتا ضد48 صوتا.
من منظور السياسة الخارجية، فإن للبعد الإثنى وجهين؛ إيجابي وسلبي. البعد الإيجابي للتنوع الإثنى يتعلق بكونه مصدراً دائما لإثراء التنوع فى الحياة والثقافة الأمريكيتين. فهذا التنوع يمثل نبعاً متجددا دائم التدفق يضخ مصادر وطاقات الإبداع فى بنية النظام السياسي الأمريكي، ويعيد نشرها بما يحافظ على تميز وخصوصية النموذج الأمريكي39. أما الجانب السلبي فيرتبط بما يثار حول تأثر دور هذه الجماعات في السياسة الخارجية بمشكلتي الولاء بالنسبة لأعضائها، وفقدان التماسك والتضافر أو اختلال التوازن بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية. مشكلة الولاء والانتماء تشير إلى صورة محتملة من ثنائية أو ازدواج الولاء والانتماء لدى الأقليات العرقية؛ فـهم كمواطنين أمريكيين من المفترض أنهم يدينون بالولاء والانتماء لوطنهم الجديد الولايات المتحدة، بينما استمرار تمسكهم بخصائصهم وروابطهم الإثنية والعرقية مع أوطانهم الأم التي هاجروا منها، وتواصل اهتماماتهم بمشكلاتها وقضاياها، يولد لديهم نوعا من التطلعات والتوقعات، وخاصة فى أوقات الأزمات، بأن تقوم السياسة الأمريكية بدور إيجابي لمساعدة تلك المجتمعات وإحداث نوع ما من التغيير فيها. وفى أفضل الأحوال، فقـد تقتصر تداعيات ذلك إلى فرض أعباء جديدة، أو حدوث نوع من التوريط غير مرغوب فيه للسياسة الخارجية الأمريكية.
وبصورة ما، فقد ساعدت طبيعة المجتمع السياسي الأمريكي على استمرار هذا التوتر أو التشتت في مشاعر انتماء مواطنيها من المهاجرين الجدد. فالمنظومة الأمريكية تقوم على إعلاء قيم الحرية والتعددية واحترام المبادرة الفردية ..، وهى فى مجملها تساعد ليس فقط على استمرار احتفاظ أعضاء مواطنيها من المهاجرين الجدد بمقومات هويتهم العرقية الأصلية (كاللغة والمعتقدات الدينية والتقاليد، وغيرها) بل أنها تدفعهم أيضا- وللصعوبات التى تواجه اندماجهم فى وطنهم الجديد (قلة الخبرة، حاجز اللغة، نظم وظروف العمل، أنماط الحياة الجديدة، ارتفاع الأعباء الاقتصادية، ..)- باتجاه تقوية هذا الوعى الإثنى لدى أعضاء تلك المجتمعات (ظهور التجمعات والأحياء السكانية العرقية بالعديد من ولايات المهجر الأمريكية، والنمو التدريجى لمصادر قوتها الاقتصادية الاجتماعية داخل وخارج هذه المجتمعات، ومع إدراك هذه المجتمعات لحقوقها وفرصها السياسية فى المجتمع الأمريكى الجديد، تنمو مصادر وأشكال القوة السياسية الذاتية لهذه الجماعات، وتصبح بما لها من قوة تصويتية هدفا للتنافس بين القيادات السياسة الحزبية وغيرها للاستفادة من أصواتها ومواردها. وفى المقابل تثار قضايا ومشكلات الأوطان الأم، ويتم إقحامها فى سياق البرامج والحملات الانتخابات والمنافسة السياسية، بصرف النظر عما يترتب على ذلك من التزامات وانعكاسات على المصالح القومية الأمريكية، بالإضافة إلى تزايد الفرصة لاختلال التوازن بين الجماعات الإثنية ذات النصيب الأكبر من مصادر القوة العددية والتنظيمية على حساب غيرها من الجماعات.
نموذج الجماعات اليونانية والتركية والأزمة القبرصية:
لهذه الحالة أهميتها الخاصة فيما تبرزه من تعدد أطراف جماعات المصالح واللوبى التى اشتركت فيها. حيث لعب تداخل المصالح المشتركة بين كل من اليونان وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة دورا بارزا فى تشكيل توجهات جماعات المصالح الأمريكية تجاه هذا النزاع، وبالتالى على الطريقة التى تمت إدارته بها.
يتميز المجتمع اليوناني الأمريكي بامتلاكه للعديد من صفات التنظيم الجيدة ومقومات النجاح الأساسية لجماعات الضغط. فالجماعة الإثنية اليونانية تتصف بالتنظيم الجيد، والتركز في المناطق الحضرية بحيث يمثلون فيها تجمعات تصويتية هامة ومؤئرة، والتماسك الداخلي الشديد بين أعضائه، والنشاط السياسي الملموس في كل من الحزبين الجمهوري والديموقراطى، إضافة إلى التمثيل الجيد في دوائر الأعمال. كما أن أفراد هذه الجماعة تتميز بوجود مشاعر قوية وحقيقية تجاه مشكلاتهم المجتمعية، وخاصة مشكلاتهم مع تركيا في جزيرة قبرص.
ولليونانيين الأمريكيين لوبي إثنى قوى يستطيع أن يقوم بعملية التعبئة من أجل قضيتهم، ومن ثم كان لهم اليد العليا فى واشنطون حيث نجح فى استغلال انتهاك الأتراك لقانون المساعدات العسكرية الأمريكية، وقيامهم باستخدام الأسلحة الأمريكية فى غزوهم للجزيرة القبرصية عام 1974، وقد استغل اللوبي اليوناني فرصة تأسيس "المعهد الهلينى الأمريكي" ليدير حملة ناجحة استطاعت استصدار قرار من الكونجرس بفرض حظر على تصدير الأسلحة إلى تركيا أصبح ساريا اعتباراً من 5/2/1975، وقد تمثلت أبرز الوسائل التي لجأ إليها اللوبي اليوناني الأمريكي فى تعبئة الجماهير والرأي العام؛ ممارسة الضغط على نوابهم في الكونجرس لإرسال البرقيات والرسائل وإجراء المكالمات والاتصالات والقيام بالزيارات الشخصية للنواب وممثليهم. وعموما، فإن هذا النجاح لم يدم طويلا، فقد نجحت جماعات المصالح الإثنية التركية بدورها، ومن خلال استثمارها للعلاقات التركية الأمريكية في إطار الأطلنطي، وبالتعاون والتنسيق مع اللوبي الإسرائيلي في واشنطون، نجحت في تكثيف الضغوط على الإدارة الأمريكية حتى تم إلغاء الحظر بشكل جزئي في أكتوبر 1975، ثم إلغائه كليا في صيف 1978.
أما الجماعة الأمريكية ذات الأصول الإثنية التركية فإنها تتفوق عدديا على نظيرتها اليونانية، إلا أنها لا تماثلها في امتلاك باقي خصائص القوة والتفرد المتعلقة بها كإحدى الجماعات الإثنية الأمريكية. ومع أن اليونان عضو بالناتو مثل تركيا، إلا أن تركيا وبكل المقاييس المادية تمثل أهمية إستراتيجية جوهرية للمصالح القومية الأمريكية وللناتو فيما يتعلق بإستراتيجية احتواء الخطر السوفيتي (آنذاك)، ومنه امتداد نفوذه إلى جنوب المتوسط، ودور الجيش التركي بعدده قرابة نصف المليون جندي، والقواعد العسكرية والتي تمكنها من الحصول على المعلومات المخابراتية الحساسة عن القوة والأنشطة العسكرية السوفيتية.
وقد ترتب على حدوث انقلاب 1974 العسكري في جزيرة قبرص، والمدبر بمساندة الحكومة اليونانية، تدخل الحكومة التركية عسكريا في الجزيرة، مما أدى إلى انفجار الموقف في السياسة الداخلية للولايات المتحدة، خاصة مع الاستغلال الناتج لهذا الحدث من قبل اللوبي اليوناني الأمريكي، مركزا على خرق تركيا لمقتضيات قانون المساعدات العسكرية الأمريكية باستخدامها لتلك الأسلحة في غزوها للجزيرة القبرصية. وقد تصاعدت حملات اللوبي اليوناني الأمريكي في الضغط على الكونجرس، مستغلة في ذلك تأييد ومساندة اللوبي الأرمنى، مما حدا بالكونجرس إلى إصدار قراره السابق الإشارة إليه بفرض الحظر على تصدير الأسلحة الأمريكية لتركيا، والذي أصبح ساري المفعول اعتبارا من الخامس من فبراير 1975، وجاء الرد التركي في اليوم التالي متمثلا في قرارها بإغلاق (26) قاعدة وموقع للتصنت على أراضيها، وهنا يجيء دور جماعات المصالح الإسرائيلية واللوبي اليهودي الأمريكي ليقوم، وبالتنسيق الهادئ والمنظم، مع لوبي جماعات المصالح التركية لتأييد إدارة الرئيس فورد لتستمر في جهودها لتأييد إزالة أو تعديل شروط الحظر على تركيا، والتي حققت نجاحا في أكتوبر عام 1975 حيث صوت الكونجرس بالموافقة على رفع جزئي للحظر عن بيع الأسلحة لتركيا. ثم تواصلت جهود التنسيق بينهما، اللوبي اليهودي واللوبي التركي، باتجاه دوائر الكونجرس حتى تم التخفيف من إجراءات الحظر خلال العامين التاليين (75/1977)، إلى أن قام الكونجرس بإلغائها تماما في صيف 1978. الروابط والمصالح الإسرائيلية بهذه الحالة ترتبط بالآثار السلبية التى عانت منها إسرائيل من إغلاق قواعد ومراكز التصنت بالأراضي التركية، خاصة وأن تلك المراكز كانت قد أثبتت قيمتها المرتفعة لإسرائيل خلال حرب أكتوبر 1973، ومن ثم كان إغلاقها خسارة كبيرة لإسرائيل، ومن ثم لم يكن فى مصلحتها استمرار هذا الوضع.
وبوجه عام، فقد كان لقرار الحظر أثره السلبي على العلاقات الأمريكية التركية لفترة غير قصيرة، وإلى أن أعلن الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في مؤتمر صحفي يوم 14 يونيو 1978 "أن رفع الحظر كان القرار الأكثر إلحاحا في السياسة الخارجية الأمريكية أمام الكونجرس".
وهو في مجمله، يشير إلى منظومة جماعات الضغط اليهودية المتعددة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تنضوي تحتها عشرات، إن لم تكن مئات، الجماعات بمجالات اهتمامها المتعددة والمتنوعة، والتي تتميز في مجموعها عن غيرها من جماعات الضغط بامتلاكها للمقومات الأساسية المطلوبة لنجاح جهود ومبادرات أي جماعة ضغط. ومن ثم، ُيتخذُ اللوبي اليهودي نموذجا يُـقتدى به في حسن التخطيط، وتميز الأداء، وبلوغ الأهداف، وفى مجملهم، فإن اليهود الأمريكيين لا يتجاوز عددهم ستة ملايين نسمة، وهم على ارتباط شديد بدولة إسرائيل منذ قيامها عام 1948، ولا يدخرون جهدا في دعم وتعزيز المصالح الإسرائيلية في أي بقعة من العالم، وبصفة خاصة في الشرق الأوسط، بل وفى الولايات المتحدة ذاتها. فالمجتمع اليهودي الأمريكي وكجماعة ضغط متعددة الأبعاد، يعد من أنشط المجتمعات سياسيا واجتماعيا في الولايات المتحدة، وهم يتمتعون بعمق التأثير على السياستين الداخلية والخارجية، كما يتميز مجتمعهم بالتنظيم الجيد، والتماسك الداخلي، وقوة الدافعية، وحسن التمثيل في الدوائر المهنية ودوائر الأعمال، بالإضافة إلى نشاطه السياسي، وحضوره البارز والمؤثر في كل من الحزبين الجمهوري والديموقراطى. وتتعدد الأطر المؤسسية الممثلة لجماعات المصالح اليهودية الأمريكية لتضم وعلى سبيل المثال "مؤتمر المنظمات اليهودية الأمريكية" والذي تكون بصورة غير رسمية عام 1955 من أجل الدفاع عن المصالح الإسرائيلية في أمريكا، وهو معروف باسم "مؤتمر الرؤساء"، واللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة، والمعروفة اختصارا باسم الأيباك AIPAC، وكذلك لجان العمل السياسية والمعروفة أيضا PACS
نموذج اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة
يعد اللوبي الصهيوني "إيباك" من أبرز جماعات الضغط المعروفة في الولايات المتحدة والتي تلعب دوراً مهماً في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ويتودد لها المرشحون كثيراً مثلما يفعل كذلك أعضاء مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس. ولقد صار طبيعياً أن يتردد يها الحاخامات بصورة منتظمة على أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، وبالطبع ذاك التردد له مقاصده وأهدافه ويدركها العضو الذي لا يتردد في العمل من أجل تحقيقها قدر المستطاع رغبة وطمعاً في استمراره على ما هو عليه، وتتضمن أهم الوسائل التي توظفها الإيباك، باعتبارها اللوبي المسجل رسميا للتحدث نيابة عن إسرائيل وباسمها، من أجل تحقيق أهدافها كلا مما يلي: 1) السيطرة على أجهزة الدعاية الأمريكية مثل الصحافة والإذاعة والتلفزيون؛ 2) إنشاء أو تأسيس العديد من المؤسسات التنظيمية التي تتعامل مع كل قطاعات الشعب الأمريكي كرابطة العمل الصهيونية، مؤسسة هاداسا العاملة في مجال الصحة؛ 3) تشجيع انخراط أعداد ضخمة من المهنيين والمثقفين من اليهود الأمريكيين في منظمات الدفاع عن مصالح مجموعات اجتماعية مختلفة (مجموعات الدفاع عن الحقوق المدنية)؛ 4) إخضاع السياسيين لعملية تقييم متواصل لأدائهم وبالتالي مكافئتهم أو الضغط عليهم : تجميع الأموال الانتخابية للمرشح، إرسال برقيات التأييد ووسائل المدح، ممارسة الضغوط الإعلامية وتوجيه حملات التشهير في الصحف، التلويح باستخدام الاتهام بمعاداة السامية، حجب الموارد المالية عن عمليات الدعاية، وإصدار المنشورات والدراسات.
إضافة إلى ما سبق، فإن أبرز ما يميز أساليب الإيباك هو اعتمادها على التفاعل والتواجد الدائم مع المشرعين بمجلسي الكونجرس، والاعتماد على تقديم الدراسات والمعلومات الموثقة والدقيقة التي تساعدهم على اتخاذ القرار، إن لم تقترحه عليهم بشكل أو آخر دراساتها وتحليلاتها، ويعد تقرير الشرق الأدنى، والذي تصدره الجماعة كل أسبوعين، أحد أهم أسلحتها المعلوماتية. وكما يذكر موقعها على شبكة المعلومات الدولية، فإن "مندوبيها قد ساعدوا، وعلى مدى ما يربو على 200 جلسة، في تمرير "أكثر من مائة تشريع لصالح إسرائيل، وعملوا على تأمين حصولها على نحو ثلاثة بـلايـيـن دولار سنويا، .. باختصار فإن أعضاء إيباك منغمسون في كل القضايا الهامة التي تمس إسرائيل"، جماعات الضغط العربية ذات نشأة حديثة نسبيا، وترجع إلى موجات الهجرة الأولى قبل 1948، والتي وفدت آنذاك من مناطق المشرق العربي في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن. وفيما بعد 1948، فإن موجات الهجرة العربية قد تميزت بارتفاع مستوى كل من الوعي القومي العربي، والتعليم. ومع بداية الستينيات، بدأت أعداد الطلبة العرب القادمين للدراسة في الولايات المتحدة في التزايد، مما أتاح فرصة أكبر للاحتكاك بالمجتمع وبالثقافة الأمريكيتين، وخلال تلك الفترات، فقد تضمنت التشكيلات المؤسسية لجماعات المصالح العربية عدة منظمات مثل رابطة العرب الأمريكيين والتي أنشئت عام 1967، والربطة القومية للعرب الأمريكيين 1972، واللجنة الأمريكية العربية لمكافحة العنصرية 1980. وقد تبلورت الأهداف العامة لتلك المنظمات حول توحيد صفوف الجماعة العربية الأمريكية، والتأثير على السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وتصحيح صورة العرب لدى الرأي العام الأمريكي، ودعم العمل الإعلامي وإصدار النشرات والدراسات.
نموذج اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة العنصرية :
أنشأها عام 1980 عضو مجلس الشيوخ الأسبق، جيمس أبو رزق. وتتضمن أهدافها: 1) الدفاع عن الحقوق المدنية للعرب الأمريكيين؛ 2) تقديم الميراث الحضاري العربي لغير العرب. وتضم اللجنة ثلاث إدارات فرعية: قانونية وتعليمية وإعلامية. إلى جانب ذلك، تقوم اللجنة بعدة أنشطة ذات صلة ببيوت الخبرة التشريعية، وإصدار تقرير نصف شهري، وتقارير وأوراق بحثية. بالإضافة إلى ذلك، تصدر اللجنة ملخصا للأحداث الراهنة والتصريحات الصحفية.
ومن أهم أنشطة هذه اللجنة السعي الدائم لتأسيس شبكة من الاتصالات بالمشرعين. وفى محاولة لتثقيف الرأي العام والشرائح المهمة فيه، تقدم اللجنة ومن خلال موقعها على شبكة المعلومات الدولية، مجموعة من الدراسات والمصادر حول العرب وتاريخهم وحضارتهم في محاولة لتثقيف القراء والمهتمين بالمعرفة، فالمقارنة بين جماعات المصالح على الجانبين العربي واليهودي توضح بعض الحقائق ذات الدلالة الهامة بصدد تقييم أداء الجانبين. فالخبرة العربية بجماعات الضغط لا تعكس عمقا ولا امتدادا زمنيا مماثل للحالة اليهودية: فهناك، وعلى الجانب اليهودي، تاريخ طويل من الخبرة المؤسسية والتنظيمية، والتمرس مع آليات ومؤسسات صنع القرار الأمريكي. بينما مؤسسات الجالية والمصالح العربية تعدُ نسبيا أكثر حداثة، وإن كانت أكثر استعدادا لاكتساب الخبرة والممارسة عن ذي قبل. على الجانب اليهودي أيضا، هناك أسلوب وإستراتيجية التعامل مع المعلومات والقيم: إعدادها، وتشكيلها، وإعادة تقديمها وتوظيفها بشكل يتفق مع منظومة قيم واحتياجات المواطن الأمريكي، وبما يدعم الثقة والمصداقية مع الأطراف الأمريكية المتعاملة مع هذه المعلومات، وبصفة خاصة فى المجال التشريعي، بينما على الجانب العربي، فإن الشكوى دائما ما تثور بسبب نقص أو قلة المعلومات، وعدم دقتها فى حالة تواجدها، وندرة وجود الدراسات والمقترحات التي يتطلبها عمل المشرعين في الكونجرس. إضافة إلى ذلك، فإن الجانب اليهودي أيضا، وهو يركز اهتمامه على المصالح والقضايا ذات الصلة بإسرائيل إنما يتمتع بميزة نسبية على نظيره العربي، الذي يتعامل مع قضايا الدول العربية ككل، مما يشتت الاهتمام ويهدر الموارد. وأخيراً، فإن اهتمام اللوبي اليهودي المتواصل بالمواطن الأمريكي وبقضاياه وموضوعات اهتمامه يعكس سعى أجهزة اللوبي اليهودي لإيجاد شكل من الارتباط القيمي والمعنوي بين المواطن الأمريكي، ومواقف وقضايا اللوبي الإسرائيلي مما يزيد التعاطف والتماهي معها.
لاشك أن كل من يساهم في بلورة القرار العام، يعد فاعلا سياسيا، فالأحزاب، النقابات، اللوبيات...إلخ، تدخل ضمن دائرة الفاعلين السياسيين، سواء كان هؤلاء داخل الجهاز الحكومي أو خارجه، فالمشكل يكمن في ضبط الحدود الفاصلة بين الفاعلين الرسميين وغير الرسميين، أي أولئك الذين يوجدون داخل الجهاز الحكومي وأولئك الذين يوجدون خارجه. فالفاعلون السياسيون، حسب Vincent lemieux، ينقسمون إلى أربعة عينات كبرى، وهم المسؤولون، الوكلاء، المعنيون والخواص، فمثلا أعضاء اللوبيات والمتخصصين، في احتكاك دائم مع المسؤولين والوكلاء، علما أن اللوبيات إلى جانب الخبراء ووسائل الإعلام، باعتبارهم يندرجون ضمن فئة المعنيين، هم فاعلون كثيرو الحضور في مسلسل بروز السياسات العامة. ومادامت هذه الأخيرة تأتي كإجابة على المشاكل والمتطلبات الوافدة على صانع القرار، فإنها ترتبط بالوضع الداخلي للدولة، كما يمكن أن ترتبط بالوضع الخارجي لها، الذي يعد امتدادا لما هو داخلي.
والسياسية العامة الخارجية تتحدد بطبيعة العلاقات الناظمة بين الفاعلين السياسيين المحليين بالفاعلين الخارجيين المعنيين بهذه السياسة، من جانب آخر. وعلى هذه الأرضية، تتأسس السياسة العامة الخارجية الولايات المتحدة الأمريكية، ويتشكل معها اللوبي الصهيوني في شخص اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة، التي اعتمدناها كنموذج ذلك أن هذا اللوبي، الذي يعد امتدادا موضوعيا لليهود ونوعيا لإيديولوجيتهم الصهيونية، أصبح قادرا، بفضل إمكانياته المعلوماتية والتأثيرية والمالية، على توجيه القرار العام الخارجي الأمريكي لما يخدم مصلحة إسرائيل وليس أمريكا. وهذا ما يتضح من خلال:
أن الصلاحيات الدستورية والسياسية التي يتوفر عليها الرئيس في النظام الرئاسي الأمريكي، والتي تخوله لعب أدوار رئيسية في توجيه القرار العام، جعلته عرضة لأنظار اللوبي الصهيوني، الذي يسعى إلى إغراق إسرائيل بالموارد المادية الأمريكية، عبر قناة السياسة العامة الخارجية.
وهذا ما يتضح من خلال تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فالرئيس "ترومان" صرح أمام مجموعة من الدبلوماسيين سنة 1946م، قائلا: "أيها السادة إني آسف، ولكن علي أن أستجيب لنداء مئات الآلاف من الناس، الذين ينتظرون انتصار الصهيونية، في حين ليس لي من بين منتخبي ألف عربي"، وفي ذات السياق، أكد الوزير الإنجليزي "كليمنت اتلي": "لقد صيغت سياسة الولايات المتحدة في فلسطين تبعا للصوت اليهودي"، وعلى نفس المنوال، درج "ج.كنيدي"، الذي حصل على 500.000 دولار من شخصيات يهودية كدعم لحملته الانتخابية، حينما قال في لقاء له سنة 1961 بنيويورك: "أعرف أنني فزت في الانتخابات بفضل أصوات اليهود الأمريكيين، إنني مدين لهم بهذا الفوز، إذن أشر علي بما يجب القيام به لصالح الشعب اليهودي"، هذه التصريحات المعترفة بالوزن اليهودي المؤيد لإسرائيل، تحت يافطة AIPAC، هي التي دفعت الرئيس "جونسون" إلى تسليم طائرات الفانتوم لإسرائيل، ونفس الشيء قام به "نيكسون"، الذي بعث بـ45 طائرة فانتوم إضافية، و20 مدمرة لنفس الكيان، وفي سنة 1980م، انهزم الرئيس "كارتر" أمام "ريغن"، لكونه قام ببيع طائرات حربية لمصر والسعودية، أما غريمه "ريغن"، فقد فاز مقابل تخصيصه 600 مليون دولار كقروض عسكرية لفائدة إسرائيل. والمثير للجدل أن AIPACأصبح مهددا للمصلحة الوطنية الأمريكية، لكونه يرتكز على المعطى الديني- الإثني، أكثر من استناده على المصلحة المشتركة، فقد صرح بهذا الصدد "جولدمان"، أحد النشطاء السابقين في اللوبي الصهيوني بما يلي: "اللوبي أصبح قوة مخربة بل عائقا أساسيا أمام السلام في الشرق الأوسط"، وتأكيدا على هذا الكلام، قال سيزور فانس، أحد النشطاء البارزين في AIPAC: "وقد اقترح علينا "جولدمان" القضاء على اللوبي، ولكن الرئيس وكاتب الدولة أجابا بكونهما لا يملكان السلطة لفعل ذلك، وربما قد يؤدي ذلك إلى فتح الباب على مصراعيه أمام مناهضة السامية".
نخلص مما سبق إلى أن نجاح أو إخفاق الرؤساء الأمريكيين يبقى مرهونا بأموال وأصوات اللوبي الصهيوني. وعلى هذا الأساس، يمكن الجزم بأن AIPAC قد حسم الدائرة القرارية الأولى، والتي هي الرئيس ومحيطه، كما هو الحال بشكل جلي مع الرئيس بوش الابن، الذي كان يوجد في دائرته الضيقة كل من "ريتشارد بيرل" و"بول ولفوويتز" و"دوغلاس فيث" وغيرهم، من الذين ينتمون للوبي الصهيوني، بل منهم من كان من مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "بن يمين نتنياهو"، مما يعني بالضرورة ديمومة الدعم المادي والسياسي لإسرائيل، يستطيع المرء في الولايات المتحدة الأمريكية أن يتقدم للانتخابات البرلمانية. لكنه حتما لن يحقق النجاح ما لم تتوفر له الأموال الطائلة لتمويل حملته الانتخابية، من هذا الباب يتدخل AIPACليقدم الدعم المشروط، فيغرق المرشح للانتخابات بالأموال ووسائل وتقنيات الدعاية والتشهير السياسيين، هذه الخطة تتكثف في اجتماعين أساسيين، يعقدهما AIPACمع المرشحين، اجتماع قبل الفوز وفيه تقدم شروط الدعم والمساعدة، واجتماع بعد الفوز، وفيه يقدم برنامج AIPAC، ورغم أن المؤسسة التشريعية، تحتل المرتبة الرابعة على صعيد دائرة القرارات، مما يحكم على دورها بالمحدودية، حيث لا تتدخل إلا في نهاية مسلسل القرار، وبالتالي تبقى تعديلاتها سطحية، إلا أنها بالنسبة لفاعلي AIPAC، تعد بمثابة مورد أساسي و حيوي، لكون أهداف اللوبي أهدافا خارجية، يسهل على الكونغرس رفضها أو قبولها، دون أن يؤثر ذلك بشكل مباشر على الكتلة الناخبة، في هذا الاتجاه، صرح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور فولبرايت في مقابلة مع برنامج "أمام الأمة" الذي تبثه شبكة C.B.S، وذلك بتاريخ 7 أكتوبر 1973م، حيث قال: "إن الإسرائيليين يراقبون سياسة الكونغرس ومجلس الشيوخ، بل إن سبعين في المائة من زملائنا في مجلس الشيوخ يتخذون مواقفهم تحت ضغط اللوبي". وبعد هذا التصريح، وتحديدا في الانتخابات الموالية، فقد "فولبرايت"منصبه كعضو في مجلس الشيوخ، وفي كتاب "لقد تجرؤوا على الكلام"، الصادر عن لورانس هير وشركاؤه سنة 1985م، وصف "بول فين لي" العضو في الكونغرس الصهيوني الأمريكي لمدة 22 سنة، النشاط الحالي للوبي الصهيوني وكذا قوته، قائلا: "هذا فرع للحكومة الإسرائيلية يراقب الكونغرس ومجلس الشيوخ ورئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية والبنتاغون (وزارة الدفاع) ووسائل الإعلام نفسها، إضافة إلى التأثير الذي يمارسه على الجامعات والكنائس"، وفي سنة 1984م، ألغى مجلس النواب، بأغلبية، كل تقنين للتبادل التجاري بين إسرائيل والولايات المتحدة، رغم سلبية التقرير الصادر عن وزارة التجارة وكافة النقابات، أكثر من هذا، استطاع النفوذ الإسرائيلي أن يصل إلى التقنوقراط العسكري في شخص الأميرال الأمريكي "طوماس مورير"، رئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الأمريكية، الذي صرح سنة 1973م، بخصوص علاقته مع الملحق العسكري الإسرائيلي "موردخاي غور"، حيث طلب هذا الأخير من الولايات المتحدة الأمريكية طائرات حربية مزودة بصاروخ جد متطور، يسمى مافريك"، فرد عليه الأميرال: "لا يمكنني أن أسلمكم هذه الطائرات، ليس لنا إلا سربا واحدا، وقد أقسمنا أمام الكونغرس بأننا في حاجة إليها"، فرد عليه "غور": "سلمنا الطائرات، أما فيما يخص الكونغرس، فأنا سأتكلف به"، وهكذا يضيف الأميرال: "أرسل السرب الوحيد المجهز بمايفريك إلى إسرائيل"، هذا التأثير المباشر الذي يستهدف المقررين السياسيين، الحكومة، البرلمان، والإدارة، وخاصة التقنوقراط العسكري، يجد دعمه في القوة النوعية، التي يتوفر عليها AIPAC، والمتمثلة في سيطرة جل أعضائه على الملكية الخاصة أي الرأسمال المادي، كالشركات والبنوك ووسائل الإعلام، وكذا وحدة رأسماله الرمزي على مستوى المعتقدات الأساسية، والتي تحدد من خلالها الأولويات المختارة من بين القيم الأساسية، وتأتي من بعدها المعتقدات السياسية، التي يكون موضوعها العلاقات بين الفاعلين، لتمرير القيم الأساسية داخل دوائر السياسات المعنية، والتي هي السياسة الخارجية في حالتنا هاته، ثم بعد ذلك يأتي المستوى الثانوي، وهو الذي يهم القرارات الضرورية لتحقيق المعتقدات السياسية، على هذه الأرضية، يلجأ AIPAC إلى تعبئة الرأي العام، كآلية للضغط غير المباشر على المقررين السياسيين، فالرأي العام هو القاعدة الخلفية التي غالبا ما تؤثر على صانع القرار العام في الدول الديمقراطية.
أما فيما يخص الرأي العام، يلعب في الدول الديمقراطية دورا لا يستهان به، وذلك بسبب منطق المنافسات الانتخابية، فمن خلال الجدل العام وحملات الاتصال، يمكن التأثير على صانع القرار العام بواسطة الدعاية الإعلانية، التي يتم تمريرها عبر وسائل الإعلام، كالصحف والقنوات التلفزيونية، وكذلك توظيف دور النشر والسينما، فهذه الممارسات تبقى شيء أساسي وناجع في أسلوب التعبئة الذي تعتمده اللوبيات بشكل عام وAIPAC بشكل خاص، من أجل فرض أهدافها على المقررين الرئيسيين.
فمن وراء استهدافه الرأي العام، يسعى AIPAC إلى تشكيل اعتقاد لدى أغلب مكونات المجتمع، بأن المسألة المرفوعة من طرفه، تهم الجميع، كتصوير المسلمين مثلا بأنهم خطر يهدد المسيحيين واليهود على السواء، وبالتالي تتم صياغة التحالفات على أساس معادلة صديق صديقي هو صديقي، وعدو عدوي هو صديقي، يبرز هذا المنطق بشكل قوي في التحالف القائم اليوم بين صفوف الإدارة الأمريكية، من ذوي المرجعية اليمينية المحافظة واللوبي الصهيوني، باعتباره تعبيرا عن النظام السياسي المنفذ في إسرائيل، نفوذ AIPAC هذا، جاء نتيجة للحرية الكبيرة التي تتمتع بها اللوبيات في الولايات المتحدة الأمريكية، عكس فرنسا التي تعمل فيها بشكل غير مؤثر بشكل كبير، ما يلفت الانتباه هو أن AIPAC ليس له لون سياسي واضح، حيث يمارس ضغوطه على كل من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، رغم أن أوجه التلاقي الإيديولوجي بينهما أكثر من أوجه الاختلاف، نتيجة علاقاته الخاصة وتغلغله داخل أوساط الرأي العام، وقد توفرت له هذه الإمكانية، لكون القاعدة اليهودية التي يرتكز عليها، تتشكل منها ما يطلق عليهم اسم الصفوة من مجموع النخبة، بمعدل 25% من صفوة الصحافة والنشر، وأكثر من 17% من رؤساء المنظمات التطوعية والعامة، وأكثر من 15% من المناصب الرسمية الهامة.
وقد أورد "ستيفن شتاينلات"، المدير السابق للشؤون القومية باللجنة اليهودية الأمريكية،أن لليهود قوة سياسية لا تتناسب مع عددهم، وهي أعظم من قوة أي مجموعة عرقية أو ثقافية في أمريكا، ويضيف أن النفوذ الاقتصادي لليهود وقوتهم يتمركزان بصورة غير متناسبة في هوليود والتلفزيون، وفي مجال الأخبار، كما أن مسألة معاداة السامية، تعد الشعار القديم الجديد الذي يكسب به اللوبي الصهيوني الرأي العام في أمريكا وفرنسا، وغيرهما من الدول التي يحظى بنفوذ فيها، فيستخدم"الهولوكست" في كل ما يتعلق بإسرائيل لوقف النقد السياسي وكبت النقاش، فالهولوكست يدعم الشعور بأن اليهود قوم محاصرون إلى الأبد، لا يمكن لهم إلا الاعتماد على النفس لكي يدافعوا عن الهجمات ضدهم، فعادة ما تحل استثارة المعاناة التي تحملها اليهود تحت ظل الحكم النازي محل النقاش المتزن، فيكون متوقعا أن يقتنع بذلك من لديه شك في شرعية السياسية الحالية للحكومة الإسرائيلية، هذه المكانة التي يحتلها AIPAC، جعلته يوجه تهمة معاداة السامية لكل من لا يشاطره نفس الآراء المؤيدة لإسرائيل. وما الحملات الإعلامية التي تعرض لها البروفسوران "ستيفن والت" من جامعة هارفرد و"جون ميرشايمر" من جامعة شيكاكو الأمريكيتين، إثر عرضهما لورقة تقر بأن الدعم الأمريكي لإسرائيل، يتناقض مع المصالح القومية الأمريكية، ولا ينبع من اعتبارات أمريكية إستراتيجية أو أخلاقية، بل من تغلغل اللوبي الإسرائيلي في أمريكا، إلا دليل على قوة هذا اللوبي، الذي جعل الدكتور"ستيفن والت"، عميد كلية كنيدي للسياسة في جامعة هارفرد، أحد مقدمي هذه الورقة، يتعهد بتقديم استقالته اعتبارا من نهاية العام الدراسي 2006م.
نستشف مما سبق ذكره، أن قوة اللوبي الصهيوني، ترجع إلى ملكيته الضخمة لوسائل الإنتاج ونفوذه بالسينما والصحافة والراديو والحكومة والكونغرس، هذه القوة لا تتلخص فقط في AIPAC (اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة)، لكونها مجرد جزء من الأجزاء في ظاهرة أكبر بكثير، هي ظاهرة القوة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية، بيد أن هذه القوة ليست مقتصرة على وسائل الإعلام والترفيه فحسب، فالمال اليهودي تركز تقليديا في القطاعات غير المنتجة لا في الصناعات الثقيلة، مثل صناعة الفولاذ والسيارات أو البناء، بل في المصاريف والتمويل والأسهم والمستندات والعملات الصعبة، وبعد أن فك الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ارتباط الدولار بالذهب عام 1973م، ازدهر رأس المال المضارب، مما دفع بالمصالح الصهيونية إلى الأمام، وبالتالي أصبح هذا الرأسمال الصهيوني جزءا عضويا من البنية الاقتصادية الاجتماعية للرأسمال الإمبريالي المالي المضارب والمرابي، أي الرأسمالية في عصر العولمة. لذلك فإسرائيل هي امتداد موضوعي ونوعي للبنية الرأسمالية العالمية، وليست مجرد امتداد سياسي أو ظرفي في المنطقة، هذا الوزن الذي شهد تحولا نوعيا في المرحلة، يتضح من خلال جرأة بعض المخططات الإستراتيجية في الشرق الأوسط، كاحتلال العراق والسعي إلى تقسيمه، وكذلك ما يجري في السودان، خاصة أزمة دارفور وغيرها.
وختاما، استهدفت هذه الدراسة التعرف على أبعاد وماهية الدور العام الذي تقوم به جماعات الضغط في السياسة الخارجية الأمريكية. وقد توضح أن تعددية جماعات الضغط الأمريكية تجعل منها كيانات أو قوى متعددة تجمع بينها وعلى المستوى النظري خصائص بنيوية ووظيفية مشتركة، إلا أنها وعلى صعيد الممارسة العملية تفرق بينها الأهداف والغايات والوسائل والآليات، وتحكم علاقاتها وفى كثير من الأحيان قواعد التنافس والصراع. وعلى ذلك، يمكن الانتهاء إلى تأكيد النتائج التالية:
1-أن القاعدة الحقيقية لقوة جماعة الضغط، وبالتالي قدرتها على الوفاء بمتطلبات دورها (أو أدوارها) إنما تستمد من مصادر قوتها الداخلية: أولا قاعدة صلبة من التأييد الجماهيري، المقومات التنظيمية وهيكل صنع القرار والسياسة العامة للجماعة، الموارد المادية والمعنوية وعلاقتها بالقوى الأخرى، ومنظومة القيم التي تؤمن بها والقضايا والموضوعات التي تتعامل فيها، وتسعى إلى تحقيقها، وأنماط علاقتها بغيرها من القوى الأخرى في بيئتها.
2- تحقيق التوازن في اهتمامات وعلاقات جماعة الضغط بين التزامها بالمصلحة القومية الأمريكية، وبين مصالحها الذاتية أو الفئوية. وهنا، فإن أحد أهم عوامل القدرة على تحقيق أهداف الجماعة (التأثير على المشرع، توجيه القرار السياسي، الفوز بصفقة ما، عقد تحالف أو التوصل إلى صيغة توفيقية مع المنافسين أو الشركاء.. ) يرتبط بالقدرة على تحقيق التماهي بين أهداف الجماعة والسياق العام للأهداف القومية. وهنا، فإن للمعلومات (نوعية، وتوقيت، وصورة إتاحتها..)، بالإضافة إلى القدرة على توظيفها في الاتجاه الصحيح، مع حشد التأييد الكافي لها، كل ذلك يعضد قدرة جماعة الضغط على دفع صانع القرار للقبول بوجهة نظر الجماعة وتبنى مطالبها باعتبارها_أي هذه المطالب- جزءً من صميم الوظيفة التمثيلية للجماعة، وتعبيراً عن مطالب أعضائها واهتماماتهم. كما أن فشل جماعات الضغط في تحقيق هذا التوازن سوف يؤدى إلى إضعاف درجة تماسك السياسة الخارجية وقوتها الداخلية.
3- يرتبط بما سبق، ويترتب عليه أن توافر الموارد قد لا يصلح عوضا عن التأييد الجماهيري ( حالة العرب وإسرائيل)، وبالتالي فإن تأثير جماعات اللوبي على الدول الأجنبية التي تفتقر إلى قاعدة قوية من التأييد الداخلي سوف يصبح محدودا للغاية على السياسة الخارجية الأمريكية، وربما أقل محدودية مما هو متصور، بل إنها سوف تخرج وبسرعة من حلبة المنافسة إذا افتقدت مثل هذا التأييد.
4- إن مرونة جماعة الضغط في اختيار الوسائل والبدائل السياسية المحققة لأهدافها من بين الآليات المتنوعة المتاحة (التعامل مع السلطة التشريعية، الرئاسة، أعضاء اللوبي المعتمدين،..)، وكذلك قدرتها على التعاون والتنسيق مع جماعات الضغط والقوى الأخرى، وتعظيم سبل الاستفادة من قدراتهم وموارد القوة لديهم، يمثل مصدرا إضافيا لدفع جماعة الضغط باتجاه تحقيق أهدافها.
5- إن فرصة تحقق الهدف الذي تسعى إليه جماعة الضغط تكون أكبر في النجاح كلما تعلق أمرها بالكونجرس، حيث فرص ومجالات المناورة والتحالفات وممارسة كافة أشكال الضغوط واللوبي تكون أكبر مما يجعل المجال أوسع لتأمين التصويت المطلوب.
6- وأخيراً، فإن خبرة الحالات التي تم التعرض لها بشكل أو آخر أثناء العرض توضح أن الفرصة لنجاح جماعة لمصالح في تحقيق أهدافها ترتفع بتزايد درجة اهتمام أو تورط الولايات المتحدة بالشئون الخارجية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. جيني اسبر واعترافات لاول مرة
.. عاجل | مظاهرات وأحكام عرفية وإغلاق مبنى البرلمان في كوريا ال
.. فضائح جديدة تلاحق تسلا ومالكها إيلون ماسك.. ما القصة؟
.. قراءة عسكرية.. كمين للقسام في رفح وتقدم للمعارضة السورية تجا
.. سياق | هل انتهى النفوذ الفرنسي في إفريقيا؟