الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراقيون، هذا هو خيارنا- سوف لن نخدع لمرة رابعة

كامل كاظم العضاض

2012 / 6 / 11
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لا يكاد يخلو مجتمع أو بلد معين في العالم من وجود هويات فرعية متنوعه لمواطنيه، فكيف هي الحال بالنسبة للمجتمع أو الوطن العراقي الذي يتمتع بتأريخ سحيق، ومرّ بكل عصور الحضارات، بل هو كان المسرح الأول لنشؤها، ومثّل، خصوصا في أطوره الحضارية الأولى، حاضنة ومفرّغة للحضارات اللاحقة في العالم، إبتداءا من العصر السومري والأكدي والبابلي والآشوري، ولاحقا بالعصر الإسلامي العربي العباسي! وبالنظر لموقعه الجغرافي المتاخم لبلدان تتحصن وراء مرتفعات عالية، كما في إيران وتركية من الشرق والشمال، وبصحاري شاسعة ومفتوحة، تفصله عن البلدان العربية الأخرى من الغرب والجنوب، إمتزج بشعوب، وفدت كغازية من الشرق والشمال، أو وفدت في مراحل معينة من الشمال والشمال الشرقي، كاقوام متوحشة تلتمس مصادرا لعيشها وكلأها، وهي أقوام مختلفة عرقيا وحضاريأ، وإن جمعها لاحقا إعتناقها للدين الإسلامي، بعامل حضاري مشترك مع الشعب العراقي العريق، مما سهل إندماج من إستوطن منهم في المجتمع العراقي الذي استوطنه كثير من مواطنيها على مراحل. ولكن الشعب العراقي وجد مشتركات أكبر مع الأقوام السامية الوافدة من الشرق والجنوب العربي، بسبب غلبة الأصل العرقي، ولاحقا اللغوي الذي أضحى طاغيا بعد الفتح الإسلامي، لاسيما بعد إنتقال الخليفة الرابع، علي إبن أبي طالب، رض، الى العراق، حيث جعل مركز خلافته في الكوفة، وما تلى ذلك من الفتوحات الإسلامية. وبعد قيام الدولة العباسية، ومركزها في العراق، أدى إنتشار الدين الإسلامي بين أقوام من آسيا وأفريقيا، وحتى جنوب وشرق أوربا، وإمتداد الخلافة العباسية جغرفيا، كل ذلك، أدى الى الإختلاط بقوميات من أثنيات وثقافات مختلفة. في حالة تأريخية كهذه، لابد وأن تمتزج الأعراق وتتنوع، حتى ولو إنصهرت في دين غالب إسلامي، وثقافة لغوية عربية، إلا أنه كان لا بد من نشؤ مجموعات بشرية، شكّلت أقليات مندمجة بالحضارة العربية الإسلامية، فصارت من حيث الأعداد، أقليات، اما اثنية عرقية، كالكردية والتركمانية والآشورية او أقليات دينية، كالمسيحية واليهودية والصابئية والشبكية واليزيدية، او إنقسمت الى مذاهب دينية، كالشيعية والسنية، وربما البهائية والإسماعلية، على ندرة الطائفتين الأخيرتين في العراق. ولكن مثل هذه الحالة وُجدت أيضا وتكررت بدرجات أقل أو أكثر حدةً أو تنّوعا الى حدما في جميع الحضارات والبلدان والمجتمعات الأخرى. بيد ان هذه الظاهرة المتكررة، بشكل أو آخر، في بلدان ومجتمعات أخرى، لم تتحول الى إنقسامات أو إنشطارات كبيرة أو نهائية إلا في حالات نادرة، فالدول الأوربية بعد عصور التنوير و قبيل الثورة الصناعية في بريطانية، إجتاحتها نزاعات وحروب، بل وحتى مجازر بين الكاثوليك والبروتستانت، والهوكونت والأقليات اليهودية، ولكنها في حقيقة الأمر كانت تمثل مخاضات لتوليد مجتمعات متحدة، خصوصا بعد إستبعاد وتحييد الدين عن الدولة، مع المحافظة على حرمة الدين وإستقلالية وحرية المتدينين. لقد أضحى العامل الحقيقي الموّحد هو عامل مصالح العيش المشترك؛ فطالما أن هناك مشتركات ثقافية، وربما لغوية ايضا في بعض الحالات، وهناك تقارب في العادات والتقاليد، مقابل وجود موارد طبيعية متاحة للإستغلال والإستثمار المشترك، تستلزم تظافر جهود القوى العاملة المتاحة، كما يفرض المحيط الجغرافي والبيئي تكامل وتلازم نشاطات السكان القائم ضمن حدود البلد، حيث إعتادت مكونات السكان على التعايش فيه، ربما من مئات، إن لم نقل آلاف السنين. فالولايات المتحدة التي لايتجاوز عمرها، كنظام سياسي، الثلاثمائة سنة، هي خليط بشري لا مثيل له، إذ قد تجد سكانها ينتمون الى جميع أعراق العالم، وذلك على الرغم من طغيان عدد البيض فيهم، لكن الزنوج واليهود والشرق أوسطيين والآسيويين وغيرهم يشكلون نسبا مختلفة، وبعضها مهمة، كنسبة الزنج الذي نقلوا الى الولايات المتحدة بالأصل كرقيق مستعبدين. ان الولايات المتحدة المقسمة الى ما يزيد على خمسين ولاية، كان يمكن أن تنقسم الى بضعة عشر دولة مختلفة، ولكن مواردها الطبيعية والمعدنية والبشرية الموزعة على سائر الولايات العديدة، إقتضت بالضرورة والعقل والحكمة أن تتوحد، لأن ذلك هو السبيل الأكيد لإستغلال وإستثمار الموارد الهائلة المتاحة لمصلحة الجميع، وهذا بالضرورة ما جعل الهويات الخاصة، الأثنية واللغوية وحتى الثقافية تصبح خصوصيات ثانوية أمام الهوية الكبرى المشتركة، وهي هوية الإنتماء الأمريكي، فجميع المواطنين يؤمنون أنهم أمريكان أولا، وشيء آخر ثانيا. ولولا هذا المنظور الواقعي والعقلاني لتلاشت الولايات المتحدة أثناء حربها الأهلية المشهورة في القرن الثامن عشر. فكيف نقارن الحال في العراق الضارب في الجذور والسحيق في وجوده التكاملي، في ضؤ المشتركات الهائلة التي تربط أبنائه. ان العراقيين حتى أقدم من دياناتهم ومذاهبهم، وان التعايش لمئات السنين أذاب كل الإختلافات الثانوية الأثنية والدينية والمذهبية والثقافية. هذا الى جانب أثر الطبيعة والبيئة الجغرافية وأنتشار الموارد الطبيعية ما بين الشمال والوسط والجنوب، فضلا عن وجود النهرين العظيمين اللذين يوحدان نمط الزراعة والتحضر والإنتشار المكاني، وغير ذلك. نخرج من كل هذا بأن الخصوصية العراقية يجب، عقلانيا وواقعيا، ان تأتي أولا. وعليه فكل الدعوات التقسيمية، سواء كانت دينية أو مذهبية أو حتى أثنية لا تصب في مصالح الجميع، فالرخاء المنتظر من إستثمار موارد العراق لا يتأتى إلا من وحدة سكانه على أساس عراقيتهم أولا. أما الخصوصيات المحلية والأثنية والجغرافية، فيمكن حلها بنظام لامركزي ديمقراطي واسع؛ آخذين بالإعتبار خصوصية الكرد الأثنية والجغرافية واللغوية، فيمكن عن طريق الترتيب الفدرالي أن يتمتعوا بخصوصياتهم هذه بكاملها، دونما تعارض مع وحدة العراق الجغرافية، ومع حسن إستغلال موارد العراق الطبيعية، خصوصا وإن النفط يتوفر بإحتياطياته الهائلة بشكل أكبر وأهم في وسط وجنوب العراق، منه في شمال العراق، فالكرد حفاظا على ما قد يصيبهم من هذه الموارد عليهم، عقلانيا، أن يحرصوا على وحدة العراق. نخلص من كل هذا أن عراقية العراقيين اصيلة وليست مفتعلة أو حادثة، لإنها لاحقة لإنتماءآتهم الدينية، كما أن حقيقتها تتناغم مع العقل الذي ينظم اسلوب إستغلال موارد العراق لمصلحة رخاء كل العراقيين، إينما كانوا. فالعراقيون هم عراقيين قبل أن يكونوا سنة أوشيعة أو مسيحيين، أوعرب أو كرد أو تركمان، أو غيرهم من الأثنيات والمذاهب المختلفة، لاسيما وان تأريخهم الحافل بوحدتهم عبر العصور يشهد لعطاءتهم الحضارية عبر التأريخ. ولعلها خديعة كبرى، تجسدت بعد سقوط النظام السابق، فاللعب على المذاهب والأديان والأثنيات هو لعب تقسيمي متخفي، حيث تُستغل مظلوميات أجزاء من الشعب العراقي، سواء كانوا أغلبية أو أقلية للترويج ولتفعيل حالات الإنقسام والتشظي، وبالتالي تؤدي الى ضياع الموراد، بإضعاف البلاد وتدمير قدرتها للدفاع عن مصالح جميع العراقيين. إنها لعبة خطيرة وقذرة، يقودها تأثير أجنبي، صمم نظام الحكم، بعد الغزو على هذا الأساس، وينفذها منتفعون، بوعي أو بدون وعي، بتوجية أو بدون توجيه. ولننظر اليوم الى مقدار الدمار والخراب الذي حل بالعراق خلال التسع سنوات الماضية، أنه لا يمكن مقارنته حتى بأسوء الأنظمة السابقة؛ انها لعبة كبيرة ولا تتقبلها إلا عقول صغيرة، فالعراقيون يعرفون في أعماقهم أنهم عراقيون أولا، وهذا سيكون خيارهم النهائي.
منذ سقوط النظام السابق في نيسان من عام 2003، أقام الغزاة بقيادة الولايات المتحدة نظام حكم يقوم على أساس تقسيم العراق الى مكونات، أما دينية/مذهبية او عرقية، وهكذا أنشأوا مجلس الحكم الإنتقالي, ولكن هذا التقسيم القائم على الخصوصيات الثانوية على حساب الخصوصية الكلية العراقية للشعب العراقي، لم يكن مقصودا فقط من قبل الغزاة، إنما هم وجدوا أدوات تنفيذه جاهزة، في التجمعات والأحزاب الدينية والأثنية التي وفدت الى العراق مع الغزاة، دون أن تكون لها، حقيقةً، جذور تنظيمية مهمة في العراق قبل الغزو. وهكذا ومنذ عام 2003، حتى الوقت الحاضر أجريت ثلاث إنتخابات عامة، وإستفتاء دستوري واحد. وجرت خلال جميع الإنتخابات العامة الماضية خديعة الشعب العراقي والناخبين، وذلك بأن صوروا لهم بأن الخيار الوحيد المتاح لهم هو أن يصوتوا على وفق إنتمائهم الديني/ المذهبي أو الإثني. وهكذا إستغلت القوى السياسية التي إستحوذت على اللعبة السياسية هذه الحالة الإستلابية، وخدعت الشعب العراقي لثلاث مرات؛ هذا الشعب الذي لم يجن منها سوى الموت والخراب وهدر وسرقة الأموال، مع تقهقر الإقتصاد والمجتمع العراقيين الى أوضاع لم ولن يبلغها في أي نظام سابق. وعليه، يصح التساؤل، أنه بعد كل هذه التجارب المفتّحة للأذهان والبصائر، هل سيُخدع الشعب العراقي للمرة الرابعة في الإنتخابات القادمة؟ ان القول الحكيم المعروف، هو ان المرء لا يلدغ من جحر مرتين، فكيف أذا كان ذلك لثلاث مرات!؟ نحن نعلم ان شباب العراق بدأ يستفيق، وأن حركة المثقفين الديمقراطية بدأت تتسع، وأن الوعي المعمد بالتجريب الفعلي، اصبح يصرخ، وماذا بعد، نحن عراقيون وسوف لن ننتخب الإ من ينتمي للعراق وحده!! وأن غدا لناظره قريب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تخرب محتويات منزل عقب اقتحامه بالقدس المحتلة


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل إلى صفقة ونتنياهو يقول:




.. محتجون أمريكيون: الأحداث الجارية تشكل نقطة تحول في تاريخ الح


.. مقارنة بالأرقام بين حربي غزة وأوكرانيا




.. اندلاع حريق هائل بمستودع البريد في أوديسا جراء هجوم صاروخي ر