الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين رومانسية الثورة وغلظة المصلحة

مجدي مهني أمين

2012 / 6 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


انتفضت مصر يوم 25 يناير 2011، انتفض شبابها المتهم - اللي كان متهم- باللامبالاة، خرج شبابها كي يستردوا بلادهم من أيدي حكامها.. تعْرِف الناس في بعض الأحياء تعديات البلطجية عندما يخرجون ليقفوا في منتصف الطريق، وإن أمعنوا في البلطجة يخلعون بعض ملابسهم ويطلقون صيحاتهم الماجنة " يا بلد مافيهاش راجل.."، "لو فيكوا راجل يطلعلي، يا ..."، تنظر للناس الآمنين بشفقة، فهذا عامل مكدود، وذاك "عنده عيال عايز يربيهم"، وتنتهي صيحات البلطجي بانتصار مزيف، ما فيش حد نزل له، ولا طلع له، لبس قميصه، وراح في حال سبيله يردد: "أنا بحسب يا...".

هذا الحدث المأسوي كانت تعيشه مصر في نوع من البلطجة السياسية في بلد تعد للتوريث، واقتصاد ينهار بسرعة الصاروخ، والإعلام يتداول حديث التوريث كأمر واقع، خرجت حركة كفاية، خرج قضاة مصر الشرفاء، ولم يأبه لهم البلطجي، كأن لسان حاله يقول: "ما حدش يقدر عليّ". من خرجوا عليه في هذه الانتفاضات كانوا يخرجون بأسلوب متحضر، بتظاهرات ونداءات توقظ ضمير الوطن، وتبرهن أن به أناس شجعان لا يخشون البلطجي، كانوا يخرجون كي يقولوا له "شايفينك"، "لا نخشى بأسك"؛ فما يزلزل البلطجي هو أن يدرك أنك لاتخشاه؛ فالبلطجي لا يريد قتالا حقيقيا، فقط يريد تخويف الناس، لأنه في أعماقه جبان وخائف وصاحب مصلحة، البلطجي لو شاهد بلطجي أقوى منه يرتكب جرما ها يتصرف كأنه مش شايف، أو يمكن يجامل ويساعده، الفارس لو شاف هذا البلطجي بيرتكب جرمه ها يرمي نفسه في المعمعة غير عابئ بالأذى الذي قد يلحق به.

خرج الشباب يوم 25 يناير كي يقولوا "مش عايزين النظام"، وكي يعلنوا أنهم لا يخشون هذا النظام، الشباب خرج دون حسابات، إلا حسابات الشهامة والمروءة وروح ولاد البلد، خرجوا يردوا لمصر اعتبارها، في أنها بلد لا تثور، وشعبها بليد وعاجز، و"زمارة تجمعه وعصايا تفرقه"، لم تفرقه العصا في هذا اليوم، ولا الرصاص، ولا الغازات المسيلة للدموع، ولا خراطيم المياه في برد يناير، ولا المولوتوف، ولا كسر الرخام، ولا رصاص القناصة، ولا دهس السيارات المصفحة.

خرجوا بنداءاتهم "يا أهالينا ضموا علينا" كان نداء يخلع القلوب، يخرج من هذه الحناجر البريئة، وصدقّهم أهاليهم يومها وانضموا إليهم، مش علشان يضربوا البلطجي لكن لكي يتقاسموا مع شبابهم تلقي ضربات البلطجي، وسقطت يد البلطجي إلى جواره وسقط النظام، وانطلقت في السماء أرواح الشهداء في أجمل ثوب تحلق في السماء وكأنها بالونات الفرح معلنة سقوط النظام الجاثم فوق صدور الناس.

- سقط النظام ياسادة، سقطت أهم أدواته، سقط الخوف وإن بقت المصلحة تقاوم السقوط.

لقد أصبح البلطجي رجل عادي، سقط البلطجي سواء خالع قميصه أو لابسه، معاه سلاح أو ما معاهش؛ سقط البلطجي كأروع ما يكون سقوطه في حرافيش نجيب محفوظ، سقط وبقى فراغ، يسعى هذا وذاك كي يملأه، ويحقق مصلحته ورؤيته الضيقة، بالضبط كما حدث بعد موت السلطان الصالح نجم الدين أيوب، وشجرة الدر من بعده، أن تكالب المماليك -أصحاب المصلحة- واحد تلو الآخرعلى حكم مصر، الفارق أن الشعب في قصة المماليك لم يكن موجودا، كان غائبا تماما إلا من الحرث والزرع كي يطعم هؤلاء الطغاة فيتقوتوا ويتقووا ويحكموه بالحديد والنار.

هذه المرة الشعب موجود بكامله، الشعب حاضر، أرواح الشهداء حاضرة، لن يفقد المشهد رومانسيته، فقد عاد عصر الفرسان من جديد، عاد سيل لا ينقطع من الفرسان الشباب كي يزف بلاده للحرية، لن يقووا عليها هذه المرة ، ستسقط المصلحة أمام الشهامة ، ستسقط أمام الطوابير الطويلة التي وقفت لأول مرة في تاريخ مصر أمام صندوق الانتخابات، هذه الطوابير التي خرجت بشبابها وشيوخها وكهولها، خرجت، بنسائها ورجالها، تحية لأرواح الشهداء، خرجوا كي لا يخذلوا هذه الأرواح الطاهرة في قيادة السفينة نحو الحرية والكرامة والعدالة.

صبرت مصر على النظام السابق طويلا، لأنها كانت تعلم أن رحيله يعني أن تتولى التيارات الدينية المتطرفة شئون البلاد، والحدس يقول: إن كانت مصر قد خرجت اليوم، فلا شك أنها في خروجها هذا كانت تستشعر أنها قادرة على إسقاط النظام دون أن تسقط في مشروع الدولة الدينية ذات الأيديولوجيا المتطرف الضيقة.

ستنتصر مصرعلى كافة مؤامرات المصلحة، فمصر ليست ملكا لأحد أو لحزب أو لفرقة أو جماعة، مصر مع وحدة شعبها كي يؤكد ثورته، ويتقدم الصفوف، ويحتل مكانته اللائقة بين شعوب العامل المتحضر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في