الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمال غزة بين الاحتلال وفوضى السلطة

اساف اديب

2002 / 9 / 24
الحركة العمالية والنقابية


الطبقة العاملة الفلسطينية يجب ان تطرح مطلبها الواضح على العالم كله: على اسرائيل ان تختار، اما الرحيل عن المناطق المحتلة واما فتح الحدود امام العمال الفلسطينيين؛ حق العامل بالعمل هو حق اساسي لا يتعارض مع حق الشعب في تقرير مصيره؛ وجود قوة اجتماعية عمالية هو شرط اساسي لا غنى عنه لاعادة الزخم الشعبي لحركة المقاومة للاحتلال.
  

اساف اديب

 

في حزيران (يونيو) الماضي نصب عمال غزة خيمة اعتصام في مخيم جباليا، ونظموا عدة مسيرات عمالية احتجاجا على وضع البطالة والفقر. منذ ذلك الحين نُصبت سبع خيم عمالية تحولت الى مركز لتجمع العاطلين عن العمل. لا شك ان تحرك العمال المستقل وطرح مطالبهم على الملأ سدد ضربة لمصداقية السلطة الفلسطينية اولا ولطروحات حماس المغامرة كذلك، وسلّط الاضواء على وضع العمال المأساوي.

بعد سبع سنوات على تأسيس السلطة الفلسطينية وعامين على اندلاع الانتفاضة وصل الاقتصاد الفلسطيني الى وضع الشلل التام وازداد تبعية لقرارات اسرائيل، في حين ان اسرائيل اعفت نفسها بموجب اتفاقي اوسلو وباريس (الاقتصادي) من المسؤولية المباشرة عن مصير 3.5 مليون فلسطيني في غزة والضفة الغربية، وأوكلت هذه المسؤولية للسلطة الفلسطينية. غير ان السلطة لم تستطع ابدا بناء اقتصاد مستقل ومتطور يوفر اماكن عمل لمئات آلاف العمال، وكانت النتيجة تجريد الطبقة العاملة الفلسطينية من مصدر الرزق.

فايز العمري، نشيط في خيمة العمال في غزة، افادنا انه: "عندما كان هناك احتلال كانت الامور صعبة ولكن السلطات الاسرائيلية كانت الجهة المسؤولة عن توفير فرص العمل. مع وصول السلطة وقعت المسؤولية عليها، الا انها لا تستطيع توفير الحلول لانها متعلقة تماما بما تقرره اسرائيل. هكذا وقع العمال بين مطرقة الاحتلال وسندان السلطة".

وعلمت الصبار ان نشاط الخيم قد جمد مؤخرا بسبب الوضع الامني. النشيطون في الخيم يؤكدون من جانبهم استمرار عملها، الا انهم يعترفون بعدم وجود بديل حقيقي يوفر للعمال فرص العمل.  

 

اين البرنامج العمالي؟

خروج الطبقة العاملة الفلسطينية الى الشوارع للتعبير عن سخطها لم يترجم الى برنامج عمل مناسب. وما يدل على فقدان الاستراتيجية العمالية السياسية او النقابية، هو تركيز خيم الاعتصام على مطالبة السلطة بتوزيع التبرعات التي تصلها من الدول المانحة والدول العربية، بدل المطالبة بتوفير اماكن عمل.

ان الخيار الماثل امام سكان غزة هو الحصول على عمل لدى السلطة بمعاش زهيد. حسب مقال نشر في موقع "مريا" (MERIA) في ايلول 2002 للباحث بن يشاي، ارتفع عدد الموظفين في اجهزة السلطة من 31.140  في عام 1994 الى 110.000 في عام 1999. والواقع ان السلطة اصبحت المشغل الاكبر للشعب. هذا الوضع الذي هو نتيجة ترتيبات اوسلو، سدد ضربة قاصمة للطبقة العاملة الفلسطينية التي كان عليها ان تخضع للسلطة واحتكاراتها وتعطيها الضوء الاخضر لتقديم التنازلات السياسية.

ولكن ليس هذا ما حصل، بل العكس. فقد ازداد الشعور الشعبي بالغضب والاستياء تجاه السلطة، تطور للانتفاضة التي بدأت كهبة شعبية معارضة، غير ان عدم وجود قيادة نضالية عمالية لهذه الانتفاضة افسح المجال للتنظيمات الاسلامية وتنظيم فتح للسيطرة عليها واعطائها خطا مغامرا ووهميا بعيدا عن الواقع.

دعاية الحركات الاسلامية المدعومة بالعمليات الانتحارية، تقترح على الشعب الانتظار خمس سنوات حتى تزول دولة اسرائيل. وقد اوضح نشيط صحافي يساري للصبار ان مطالبة اسرائيل بتوفير اماكن عمل يعتبر مطلبا غير مناسب سياسيا ما دام الاحتلال الاسرائيلي مستمرا، خاصة ان الشعب ينتظر اقامة دولته المستقلة التي ستوفر له اماكن العمل. الا ان هذه الفلسفة لا تقنع العمال كما يبدو ولا تطعم اطفالهم خبزا.

في حين يعاني العالم العربي اجمع من بطالة تزيد عن 30% بسبب الاوضاع الاقتصادية العالمية وطبيعة الانظمة الاستبدادية الفاسدة، فما المنطق وراء بناء نظام عربي اسلامي، فلسطيني هذه المرة، بدعم من السعودية (حماس)؟ ولا نريد هنا اكثار الحديث عن ان وعد حماس بالقضاء على اسرائيل خلال خمس سنوات هو اصلا ادعاء فارغ من اي منطق وواقعية.

الانجرار وراء شعارات حماس او حصر المطالب في التقسيم المتساوي لتبرعات الدول المانحة والعربية، يقودان الى طريق مسدود لا يخدم العمال. اسرائيل نفسها كقوة محتلة وجدت نفسها في الشهرين الاخيرين في ورطة، يشير الى ذلك قرار الحكومة الاسرائيلية القاضي بفتح الفرصة من جديد ل15 الف عامل فلسطيني، ويعتبر هذا ثغرة يجب استغلالها بكل القوة وتوسيعها قدر الامكان.

فايز العمري اوضح موقفه حين قال: "نحن كعمال كل ما نريده هو توفير القوت لاولادنا. نتمنى ان تفتح امام العمال من جديد امكانية العمل في اسرائيل، علما انه في داخل غزة لا توجد امكانية لتشغيل العمال". عمال غزة الذين يخرجون من بيوتهم في ساعات الليل كي يضمنوا لانفسهم العمل رغم الصعوبات والاهانات يفتحون اليوم الطريق لاخوتهم.

الطبقة العاملة الفلسطينية يجب ان تطرح مطلبها الواضح على العالم كله: على اسرائيل ان تختار: اما الرحيل عن المناطق المحتلة، وإما فتح الحدود امام العمال الفلسطينيين. حق العمال بالعمل هو حق اساسي لا يتعارض مع حق الشعب في تقرير مصيره. وجود قوة اجتماعية عمالية هو شرط اساسي لا غنى عنه لاعادة الزخم الشعبي لحركة المقاومة للاحتلال.  

 

عمال غزة يتعرضون لاهانات فظيعة

في آب الماضي قررت اسرائيل كبادرة حسن نية السماح بدخول عشرة آلاف عامل من غزة في المرحلة الاولى، للعمل لدى اصحاب عمل كانت لهم علاقة قديمة بهم، شرط ان يعود العمال يوميا الى غزة. هذا ما اتضح في مكالمة مع المتحدثة باسم مصلحة الاستخدام، باتيا كوريس. في منطقة الضفة الغربية وافقت اسرائيل حتى اليوم على منح 2000 تصريح للعمل في البناء والزراعة، اضافة الى 3000 تصريح للعمل الموسمي في قطف الزيتون.

الصعوبات التي يواجهها عمال غزة الذين حصلوا على ترخيص للعمل، تجعل امكانية العمل شبه مستحيلة. عشرة آلاف عامل غزي يجتمعون يوميا في الساعة العاشرة مساء بالقرب من حاجز ايرز بانتظار دورهم للدخول الى اماكن عملهم. ساعة او اثنتين من الليل ينتهزها العمال ليناموا على فراش من كرتون في العراء، بانتظار فتح ابواب الحاجز في الساعة الرابعة صباحا. في الساعة المحددة يفتح الجانب الاسرائيلي خمسة من اصل 30 بوابة في الحاجز وتبدأ عملية التفتيش والتدقيق في الهويات.

الباصات التي تنقل العمال بطريقة جماعية الى مراكز توزيعهم، تنتظرهم في الطرف الاسرائيلي من الحاجز حتى الساعة الخامسة، وكل من يتأخر في العبور يخسر يوم عمل ويضطر للعودة الى بيته بعد مشقة الليل.

الصبار آب 2002 عدد 155

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عيد العمال بفرنسا: -يجب وضع حد لسياسة تدمير المكاسب الاجتماع


.. تونس.. مئات العمال يحيون عيدهم بمظاهرة في شوارع العاصمة




.. أصوات من غزة| في يومهم العالمي.. العمال يعانون البطالة وقسوة


.. لمن ستذهب أصوات العمال الأميركيين في الانتخابات المقبلة؟




.. كل يوم -د. أحمد غنيم لـ خالد أبو بكر: قانون التأمين الصحي ال