الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيام الجامعة في عهد الأخوين عارف

علي عبد الكريم حسون

2012 / 6 / 14
مواضيع وابحاث سياسية



كتابات عن الناصرية

في خريف العام 1963 , تركت مدينتي الناصرية هربا من وحوش الحرس القومي , وجاء قبولي في الجامعة فرصة للأستقرار ببغداد .... في المحاضرة الأولى , وكان يلقيها رئيس القسم علينا بمادة جغرافية العراق , أعجبت بطريقة إستدراجه لنا بسؤال بسيط عن اللواء / المحافظة , التي أتينا منها ... عندما يبادر أحد الطلبة بذكر ديالى التي أتى منها , يبدأ الدكتور بسرد رائع لجغرافيتها وأهم معالمها وبم تمتاز : زراعة , صناعة , آثار . فكان ذلك أطلس سمعي شنفّ آذاننا . ويسترسل على الكوت والبصرة والموصل والرمادي . وعندما وصل السؤال لي , وذكرت الناصرية , متوقعا أن يتحدث الدكتور عنها جغرافيا , إذا به يسألني بإستفزاز واضح : هل صحيح أنكم تدّعون بأن أصلكم من أسلاف السومريين ؟؟ لم تكن لي فرصة لأبداء رأي واضح , فأنا من شريحة العراقيين الذين إن فاجأهم سؤال إستفزازي هجومي , يحاولون إسترجاع أنفاسهم أولا للحديث ثانيا . عندها لم ينتظر مني الجواب , بل بادر بطرح السؤال الكيدي الآخر : وهل لازلتم تأكلون السمك ( الجايف ) المعفن الذي تسمونه ( المسموطة ) ؟؟
كان ذلك أول حدث يجابهه إبن الثامنة عشر عاما , والقادم من مدينة تسبح بدم شهدائها وقصص أبنائها الذين دفنوا أحياء في تل اللحم والخميسية وقرب الحامية . وصرخات الآخرين في موقف الخيالة , ماثلة أمامه .
في داخلي , وبفضل الشيوعية التي تبينتها فكرا وتنظيما , تعاملت مع تحامل الدكتور , الآتي من بلاد العام سام , بإطروحة دكتوراه عن برتقالهم / برتقال كاليفورنيا / وليس عن برتقال البحر المتوسط أو برتقال (بهرز) الحبيبة ... ربما شمّ مني رائحة فهد وفكره , ربما عرف بحسه الطبقي ووعيه المتزمت , إنني من طينة ( غالي زويد ) المدافع الأمين عن ( المصاليخ ) , وأن دم بن مدينتي ( سيد وليد ) لم يجف بعد , وإن إبنا مهاجرا منها لبغداد , قد فقد أثره من دون جثة , كانوا يدعونه ( إبراهيم دوبارة ) .
قدمت لي هذه الحادثة أعلاه عذرا وفرصة سانحة لأتحدث عن تأريخ مدينتي , التي مضى على تشييدها آنذاك مايقرب المائة عام , هي ورديفتها ( الرمادي ) وأنها لم تكن نسيا منسيا قبل ذلك , بل كانت موطنا لعشائر أسفل الفرات , وهو يشق طريقه إلى ( الطار ) ومن ثم إلى هور الحمار , ليلتقي مع دجلته في ( كرمة علي ) بعد أن هجر قرنته .
ولكن هل يستطيع من هو مصاب برهاب الشيوعية أن يستوعب , أن مدينة تحفها بساتين النخيل والرمان والمشمش , وتتصل بأربع محافظات أخرى , كانت في العشرينات من القرن الماضي , تحتضن أحزاب وطنية عراقية صرف هي : الحزب الوطني والحزب اللاديني وحلقة ماركسية هي واحدة من ثلاث فقط , بجوار حلقتي البصرة وبغداد . وأن معمل ثلج (داود سلمان يوسف ) كان يؤوي يوسف أخيه فيه . وأن ( بيونر فاسيلي ) الخياط القادم من أصقاع الشمال الروسي , كان يتجول بين فلاحي الناصرية , وأن محل الخياطة خاصته كان ينشر الفكر الأممي , الذي جعل قادة ثورة العشرين , يخاطبون به ثوار أكتوبر في روسيا .. . . هل يستطيع من كان يعمل لمؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر وتحت إشراف السي أي أي , أن يعرف معنى الزهو ببستان يدعى بستان زامل . وأن الأصوات التي غردت في الناصرية كحضيري أبو عزيز وداخل حسن وجبار ونيسة , تعلمت الشدو من بلابل البستان ... وأن شابا في دار المعلمين , له من الصنايع أكثر من سبع , وأن بخته ليس ( بالضايع ) , سيكون له شأوا في الغناء , وسيرتبط إسم المدينة به , يدعى حسين نعمة , رافضا أن يكون له أسما فنيا كحسني نعيم مثلا , قائلا : ( أنا بن سيد نعمة الكصاب وجدي سيد فريح وأمي نجية ) . وسيرد لاحقا على ( أرشد ياسين ) مرافق صدام بجرأة عندما طالبه وهو منتشي بزق الويسكي أمامه : ( عد إلى مدينتك مادمت تغني لها ) ردّ عليه : وأنت عد إليها .... بالتأكيد كان يريد القول عد إلى (عوجتك ) عد أيها المتريفّ فأنت حتى لست بريفي .. فأنت وسيدك لاتحمل من أخلاق الريف وطيبتهم شيء يذكر . وأن هناك في مدينة مجاورة لها لاتبعد الا كيلو مترات معدودة , تدعى سوق الشيوخ , خرج الى سوقها , صبيحة الرابع عشر من تموز 1958 , شيوعيا يدعى ( طعمة مرداس ) وهو يذبح ديكا أحمر بعرف أحمر , فرحا بالثورة وهو الخارج لتوه من سجون سعيد قزاز وبهجت العطية , التي قلعت أظافره وما تبقى من شعيرات رأسه , ولم تترك له فرصة للزواج آنذاك .
إلى بغداد وجامعتها , جئت وثلة طيبة من أبناء المدينة , متعلمين من ثانويتها , العلوم جميعا ممتزجة بأفكار مدرسيها التقدميين المتنورين , الذين مزجوا بين فكرهم وممارستهم اليومية الحياتية , فجاءت كوكتيلا رائعا من المثل والتضحية والأيثار . فذهبت كلمة مدرس الرياضيات الكردي ( موسى خليل ) مثلا للصمود في أقبية حرس (عباس حمادي وغازي سيف ) وهو يصرخ ويصدح بها ... الحديد يلين , موسى خليل لايلين .
في ممرات كلية الآداب , شاهدنا إنهيار البعث الأول بعد تشرين 1963 , وخوار بقرتهم ( هناء العمري ) مذيعة البيان الأول لأنقلابهم الفاشي والمتزوجة من جلادهم علي صالح السعدي ومن ثم بصباح المدني . وهي تصرخ ( برفاقها ) معنفة إياهم لكي لايشمت الشيوعيين بهم . بعدها إستعاد الحزب قوته وبنى تنظيماته من جديد وخاض الأنتخابات الطلابية في 1965 وفاز فيها في معاقلهم الطلابية ألا وهي كلية الآداب . وأثناءها سنحت لي الفرصة أن أرى بلطجيهم المدعو صدام التكريتي , في مبنى كليتي التجارة والحقوق المقابلة لنا , بقامته الطويلة وبشرته الصفراء المزرقة لؤما وشراسة والمنتمية لعصابات العالم السفلي , متأبطا غدارته تحت سترته التي طواها على ذراعه . وفي كلية التربية كان ناظم كزار الطالب في معهد الهندسة يصول بسكينه ومسدسه على الطلبة التقدميين .
هناك جو من الحريات النسبية , ساد عهد عارف الثاني ( عبد الرحمن ) قياسا لعهد أخيه ( عبد السلام ) مع ملاحظة أن الهجمة الشرسة على الحزب الشيوعي , إستمرت . وملاحقة كوادره وإعتقالهم بقيت وتيرتها على ماهي عليه . وحتى إطلاق سراح وجبات من السجناء السياسيين والمنتهية محكومياتهم , زمن توزر ( صبحي عبد الحميد ) وزارة الداخلية , لم يكن بمنة من النظام , وإنما لتأثير الحملة العالمية والأممية ومطالبات الحزب بذلك . ولرغبة النظام العارفي بتبييض صفحته , وفي محاولة بائسة للأنفتاح على القوى الوطنية . وقد كانت متلازمة مع حملة إغتيالات سقط على أثرها المناضل الشهيد الدكتور عبد الرزاق مسلم الماجد أستاذ الفلسفة في جامعة البصرة . ودكتورفي جامعة الموصل من أهالي الشطرة .

# لي عودة للحديث عن : (( معلمون في الأهوار ))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إعتذار للأخ ئاراس
علي عبد الكريم حسون ( 2012 / 6 / 14 - 15:21 )
الأخ العزيز ئاراس / تحية طيبة
لي ظروفي الخاصة والشخصية التي أخذرت كتاباتي ومع ذلك فلقد جاءت أخيرا بعد نداء الأخ والرفيق أحمد الناصري عبر مقالته ( صورة المعلم في قبضة الجلاد ) والتي كانت حافزا لي على الكتابة . في هذه المواضيع التي تؤرخ مايشبه السيرة الذاتية الممزوجة بهموم الحزب والمدينة ( الناصرية ) . ومع ذلك فلقد جاءت متأخرة , خيرا من أن لاتأتي أبدا .
مع الود والتقدير للسيد ئاراس


2 - لماذا الحجب ؟!
ئاراس ( 2012 / 6 / 14 - 18:09 )
لم اذكر ايى حرف للاخ الكاتب ولا التعرض لاي انسان او جماعة اوهيئة ..ربما يسيْ الكاتب الظن بي ولا اعرف كيفية تقديم الشكوى الاصولية لهذه الاساءة لي والحا لديكم ايها الحوار...المتمدن ...لذلك اني اتقدم بالشكوى وليس الشكر ..ولكم التوفيق .


3 - لابد من الكتابة والمواصلة الرائعة
أحمد الناصري ( 2012 / 6 / 14 - 20:06 )
شكراً للرفيق والأستاذ علي وأرجو المواصلة والوصول إالى تفاصيل الاعتقال والحرب العراقية الإيرانية والحصار عسى أن يكتب أصحاب التجارب الأخرى لملأ فراغات جدية تعاني منها الذاكرة الوطنية والأجيال الجديدة التي حرمتها الظروف القاسية من الإطلاع على هذا السفر الطويل!
شكراً لك يا رفيق ومع الكتابة ستسمع ملاحظات وآراء متنوعة.


4 - التاريخ يجب ان يكتب باعصاب هادئه ولدي عل
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2012 / 6 / 14 - 20:28 )
تحيه طيبه اليك ابني ابو حسين-يجب ان نكتب تاريخ شعبنا الدامي والحزين ولكن المملوء ايضا بالبطولات بل وحتى بالافراح
حينما دخلت انت الجامعه عام 63 كنت انا احضر للدكتورا في بلد اوربي
وحينما عدت نهاية عام 66 دكتورا تجمعنا في بغداد 1300 من حملة الدكتورا والماجستير وكانوا يسموننا وجبة 14 تموز لذالك فالفاشست امثال عدو العزيز الكلب المكلوب الدوري وقف ضد تعيينا بجامعة بغداد ولحسن الحظ كانت هنالك فرعين في البصرة والموصل استقلتا عام 67 فتعينا فيهما وهنا اردت القول انه ليس اساتذة الجغرافيا او غيرها كانوا المجرمين ولكن البعث والقوميين العرب
كانوا المجرمين والرجاء ذكر اسم هذا الاستاذ اللاجغرافي-الم يكن رشيد الفيل
لان غالبية العاملين في التعليم في العراقي وحتى الجامعي كانوا اناسا طيبين وابناء عوائل كادحه وحتى مناطقيا كانت لنا الغلبه نحن الشراكوة المعدان
ولان المرحوم د عبد الرزاق مسلم كان صديقي وعين معي بجامعة البصرة
واعرف عائلته حتى الرائعه ام سلام وانا الذي اوصلت خبر اغتياله لال عيال
وانا الذي نظمت مسيرة جنازته اقول انه اغتيل من قبل المخابرات الايرانية
وقبل اغتياله بنصف ساعه كنا نتغدى سوية


5 - التاريخ يجب ان يكتب باعصاب هادئه ولدي عل
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2012 / 6 / 14 - 20:28 )
تحيه طيبه اليك ابني ابو حسين-يجب ان نكتب تاريخ شعبنا الدامي والحزين ولكن المملوء ايضا بالبطولات بل وحتى بالافراح
حينما دخلت انت الجامعه عام 63 كنت انا احضر للدكتورا في بلد اوربي
وحينما عدت نهاية عام 66 دكتورا تجمعنا في بغداد 1300 من حملة الدكتورا والماجستير وكانوا يسموننا وجبة 14 تموز لذالك فالفاشست امثال عدو العزيز الكلب المكلوب الدوري وقف ضد تعيينا بجامعة بغداد ولحسن الحظ كانت هنالك فرعين في البصرة والموصل استقلتا عام 67 فتعينا فيهما وهنا اردت القول انه ليس اساتذة الجغرافيا او غيرها كانوا المجرمين ولكن البعث والقوميين العرب
كانوا المجرمين والرجاء ذكر اسم هذا الاستاذ اللاجغرافي-الم يكن رشيد الفيل
لان غالبية العاملين في التعليم في العراقي وحتى الجامعي كانوا اناسا طيبين وابناء عوائل كادحه وحتى مناطقيا كانت لنا الغلبه نحن الشراكوة المعدان
ولان المرحوم د عبد الرزاق مسلم كان صديقي وعين معي بجامعة البصرة
واعرف عائلته حتى الرائعه ام سلام وانا الذي اوصلت خبر اغتياله لال عيال
وانا الذي نظمت مسيرة جنازته اقول انه اغتيل من قبل المخابرات الايرانية
وقبل اغتياله بنصف ساعه كنا نتغدى سوية


6 - التاريخ يجب ان يكتب باعصاب هادئه ولدي عل
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2012 / 6 / 14 - 20:30 )
تحيه طيبه اليك ابني ابو حسين-يجب ان نكتب تاريخ شعبنا الدامي والحزين ولكن المملوء ايضا بالبطولات بل وحتى بالافراح
حينما دخلت انت الجامعه عام 63 كنت انا احضر للدكتورا في بلد اوربي
وحينما عدت نهاية عام 66 دكتورا تجمعنا في بغداد 1300 من حملة الدكتورا والماجستير وكانوا يسموننا وجبة 14 تموز لذالك فالفاشست امثال عدو العزيز الكلب المكلوب الدوري وقف ضد تعيينا بجامعة بغداد ولحسن الحظ كانت هنالك فرعين في البصرة والموصل استقلتا عام 67 فتعينا فيهما وهنا اردت القول انه ليس اساتذة الجغرافيا او غيرها كانوا المجرمين ولكن البعث والقوميين العرب
كانوا المجرمين والرجاء ذكر اسم هذا الاستاذ اللاجغرافي-الم يكن رشيد الفيل
لان غالبية العاملين في التعليم في العراقي وحتى الجامعي كانوا اناسا طيبين وابناء عوائل كادحه وحتى مناطقيا كانت لنا الغلبه نحن الشراكوة المعدان
ولان المرحوم د عبد الرزاق مسلم كان صديقي وعين معي بجامعة البصرة
واعرف عائلته حتى الرائعه ام سلام وانا الذي اوصلت خبر اغتياله لال عيال
وانا الذي نظمت مسيرة جنازته اقول انه اغتيل من قبل المخابرات الايرانية
وقبل اغتياله بنصف ساعه كنا نتغدى سوية


7 - جواب للأخ ئاراس
علي عبد الكريم حسون ( 2012 / 6 / 14 - 21:52 )
الأخ العزيز ئاراس / تحية طيبة
لايتحمل الحوار المتمدن أي تقصير . فأنا من ضغطت على الزر الخاطي فبدلا من اضغط على إختيار اليمين : نشر التعليق مع الموضوع ضغطت على إختيار اليسار حذف التعليق مع عدم النشر . وبشكل غير مقصود . آمل أن تكون هذه الهفوة التكنولوجية بداية لحوار استرسالي معك ومع كل الطيبين .
علي عبد الكريم حسون
بغداد / الكرخ / الصالحية
14 - 6 - 2012


8 - إنه التأريخ لايرحم عندما يسرد
علي عبد الكريم حسون ( 2012 / 6 / 15 - 05:28 )
الى الدكتور صادق الكحلاوي / عنبار عذوبة وطيب المنى بصحة وفيرة وذاكرة متجددة
أتمنى أن يكون هذا الأختراع الكومبيوتر نعمة علينا نحن المتباعدون مسافات وشطآنا . الدكتور المعني هو محمد حامد الطائي . أما الدكتور محمد رشيد الفيل فهو صنوه وإن إختلف عنه بإسلوبه المداهن ولكنهما يلتقيان بمحاربة كل فكر تقدمي نير .
دمت لنا جميعا واى لقاء قادم
علي عبد الكريم حسون
بغداد / الكرخ / الصالحية
15 - 6 - 2012


9 - الاستاذ علي عبد الكريم حسون المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 6 / 15 - 07:34 )
تحيه وتقدير
اخذتنا برحله في عمق مدينه وحركه وحياة فشكرا
نتمنى ان تتفضلوا علينا بما تكنزون من كلام حول تاثير المعلمين والمدرسين المبعدين الى الناصريه من مدن اخرى لاسباب سياسيه واتمنى ان تتواصل في هذا التذكير وكما قال الغالي احمد الناصري لنصل الى ما اشار اليه
شكرا ايها الكريم

اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس