الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا جديد تحت الشمس... قاطعوا تصحوا

هانى جرجس عياد

2012 / 6 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لا جديد تحت الشمس، اللهم إلا فى توقيت الإجراءات.
كنت أعتقد أن دور المحكمة الدستورية سوف يأتى بعد انتهاء جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية، لتطويع الحكم حسب النتيجة، لكن يبدو أن جنرالات مبارك ومن يديرون البلد من وراء الستار أصبحوا واثقين من قدرتهم على إنجاح شفيق، وأرادوا تسليمه البلد (مشفى). وهكذا كان.
ليس لدى جديد أضيفه عن عساكر مبارك، سواء هؤلاء الذين يديرون شئون البلاد بتكليف من نزيل سجن طره، أو أولئك الذين يتحركون ويحركون من وراء الستار، وبينهم اللواء عمر سليمان، والفريق أحمد شفيق، وكامل أجهزة النظام الذى لم يسقط منه سوى الواجهة.
كل هؤلاء هم الهيكل الرئيسى لنظام الفساد والاستبداد الذى جثم على قلوبنا ثلاثة عقود من الزمان، وقد نجحوا فى إدارة المرحلة الانتقالية وفق ما أرادوا وخططوا ، لا كانوا مرتكبين ولا عشوائيين ولا يفتقرون إلى الخبرة، بل ها هم يقتربون الآن من العودة إلى حكم البلاد مرة أخرى. ولا أحد يملك أن يلوم من كان يعمل لتحقيق مصالحه، اللوم كل اللوم على من أعطاه الفرصة اللازمة والوقت الكافى ليفعل ذلك.
اللوم كل اللوم على شباب الثورة الذين فشلوا فى الاتفاق على «ماذا بعد إسقاط مبارك»، والذين وثقوا فى العساكر معتقدين أن الجنرال طنطاوى وزير دفاع مبارك كان وحده بين العصابة الحاكمة الذى يتأبط سجادة صلاته، وما أن يجتمع اللصوص لتوزيع الغنائم، ينتحى هو جانبا ليصلى طالبا لهم التوبة والمغفرة. فارق كبير بين أن نوافق على أن يتولى العسكر إدارة شئون البلاد ونحن نعرف أنهم جزء لا يتجزأ من النظام الذى طالبنا بسقوطه، ونضعهم تحت المجهر طوال الوقت، وبين أن نمنحهم ثقة عمياء، ولسوء الحظ فلقد فعلنا هذه الأخيرة، حتى أن أحدا لم ينتبه –على سبيل المثال- لمسرحية التعديلات الدستورية، أول خطوة حقيقية وفعالة فى مسيرة إجهاض الثورة، ذلك أن تعديل دستور 1971 وإعادته للعمل، يعنى أول ما يعنى أن يترك العساكر السلطة، حيث أن ذلك الدستور ينظم انتقال السلطة بطريقة لا مكان فيها لهم على الإطلاق، فهل كان العسكر جادين حقا فى إجراء تلك التعديلات، وإعادة دستور 1971 للعمل، وترك السلطة؟
ولئن كان ممكنا تفهم مبررات وأسباب الشباب الذى دعا إلى الثورة وفجر شرارتها الأولى، فمن المستحيل فهم، فضلا عن تفهم، ما ارتكبه الإسلاميون من جرائم فى حق الثورة والثوار والشهداء، نعم كل الإسلاميين، لا أستثنى منهم أحدا بمن فيهم من يدعى أنه حزب مدنى بمرجعية دينية، وإن كان الإخوان يتحملون الوزر الأكبر، إلا أن هذا لا يعفى أيا منهم، فقد شاركوا جمعيا –بهذا القدر أو ذاك- فى مؤامرة العسكر على الثورة.
بعد سقوط مبارك، واصل العسكر العمل على صفقة عمر سليمان، متجاوزين حكاية علانية الجماعة وإنشاء حزب رسمى لهم، وصولا إلى حد التلويح للإخوان بنصيب فى السلطة، مستفيدين بما هو معروف عنهم من أنانية وانتهازية وضيق أفق، مستفزين فيهم شبق السلطة. وحدث بالفعل ما أراده العسكر، وانسل الإخوان، ومعهم كل الإسلاميين، من قطار الثورة، ليلتحقوا بعربة السبنسة فى قطار الجنرالات، معتقدين أنهم قاب قوسين أو أدنى من عجلة القيادة (رغم أن شبابهم لعبوا دورا سوف يذكره التاريخ فى إنقاذ الثورة، وخاصة فى موقعة الجمل).
والذى حدث أن الإسلاميين أدوا دورهم ببراعة منذ اللحظة الأولى، لحظة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، والتى كان هدفها الحقيقى بث الفرقة فى صفوف الثورة والثوار، فلم يكتفوا بتضليل الناخبين فى أمر الاستفتاء، بأنه استفتاء على إسلامية مصر، ولا بشراء الأصوات، لكنهم راحوا يشنون –منذ ذلك الوقت- هجوما كاسحا على كل من قال لا، ثم صدعوا رؤوسنا باحترام رأى الأغلبية، فى حين صمتوا صمت القبور عندما أطاح العسكر برأى الأغلبية المزعوم، ونحى الدستور وتعديلاته جانبا وأصدر إعلانا دستوريا.
والحاصل أنه بينما كان العسكر يطاردون ويلاحقون شباب الثورة بالاعتقالات والمحاكمات العسكرية، كان الإسلاميون يعدون قائمة اتهام الثوار (بلطجية، يعملون وفق أجندات أجنبية، يتلقون تمويلا خارجيا، يهدفون إلى الوقيعة بين الجيش والشعب، وفوق كل ذلك يساريون ليبراليون علمانيون كفار). كان العسكر يعرون ويسحلون بناتنا، والإسلاميون يتساءلون «أيه اللى وداها هناك»، ويخوضون فى أعراض حرائر مصر، ويسخرون ممن يدافع عنهن «يا واد يا مؤمن»، كان العسكر يلقون بجثث الشهداء فى الزبالة، والإسلاميون ولا هنا... باختصار، وحتى لا نعيد تكرار وقائع مازالت ماثلة فى الأذهان، هل تذكرون شعار «الجيش والشعب أيد واحدة»، لقد أحاله الإسلاميون إلى «العسكر والإسلاميين أيد واحدة... فى مواجهة الثورة».
لا أذكر كم مرة حذرنا الإسلاميين من الهاوية التى ينساقون إليها بسرعة مذهلة، ويسحبون معهم وطن وشعب وثورة، ولا أذكر كم يسارى ليبرالى علمانى كافر فعل ذلك، إلا أننى أعرف تماما أن المناشدات والتحذيرات لم تنقطع، لكن شبق السلطة استبد بهم، وغرور النصر الوهمى أفقدهم توازنهم، وأخذتهم العزة بالإثم، حتى أنهم لم يتوقفوا أمام تحذير المجلس العسكرى (حليفهم اللدود) عندما دعاهم إلى قراءة التاريخ جيدا.
ولأننى أكاد أرى سفاح موقعة الجمل رئيسا، وأظن أن الإسلاميين قد يبادرون بالتظاهر احتجاجا على نتيجة الانتخاب، إلا أننى أعتقد أنه ليس من الحنكة ولا من الحكمة الانجرار وراء تظاهرات عشوائية لا هدف لها، بصرف النظر عما إذا كانت الانتخابات مزورة أو صحيحة، فالثورة لم تكن ولن تكن مجرد تظاهرات فى الميدان، بلا هدف ولا شعار يلتف الناس حوله (اللهم إلا الاحتجاج على «غدر حلفاء الأمس»)، بل ربما يكون رد الفعل العشوائى هذا هو مقتل الثورة.
الثورة فعل منظم، لم تمت ولن تموت، لكنها بحاجة إلى قراءة الواقع جيدا، والأسلوب الأنسب والوقت الأمثل للتحرك. فالموجة الجديدة من ثورة يناير لن تكون استنساخا كربونيا لموجتها الأولى.
نعم لا جديد تحت الشمس، فمازلنا محاصرين (نظريا) بين دولة المرشد الدينية المستبدة ودولة مبارك العسكرية البوليسية الفاسدة، ولست على استعداد أن أمنح صوتى لهذا أو ذاك، ورغم أن المقاطعة ليست حلا لهذا المأزق، الذى من العبث أن نبحث له عن حل فى خطوة واحدة (مشاركة أو مقاطعة)، إلا أن المقاطعة هى الخطوة الأخلاقية الأولى على طريق مواجهة قادمة لا محالة، مواجهة أى من الفائزين وإعادة تجديد شباب الثورة، فالتصويت لأحدهما درءا لشرور الأخر هى إعادة إنتاج (مع الفارق) للخطأ الذى ارتكبه المصريون إبان الحرب العالمية الثانية عندما أيدوا النازى كراهية فى الاحتلال الانجليزى (وفق التشبيه البليغ الذى توصل إليه ابنى)، رغم أن الموقف الصحيح حينئذ كان يفترض مقاومة الاثنين فى آن واحد.
أظن أن إبطال الصوت بوضع علامة خطأ (X) بطول ورقة التصويت وعرضها قد يكون أفضل معنويا، أو على الأقل قاطعوا...
قاطعوا تصحوا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يا كومونيوا العالم اتحدوا
فؤاد محمد محمود ( 2012 / 6 / 14 - 22:56 )
السيد هاني
انا معك في المقاطه لكني ارى ان احدهم سيفوز اذا فاز الاخوان وهم الاسوا
ستنتهي الثوره اما اذا فاز الاخر فالثوره ستستمروستتجاوز الاخوان
تمنياتي بالصمود


2 - الثورة مستمرة
هانى عياد - الكاتب ( 2012 / 6 / 15 - 07:58 )
الأستاذ محمد المقاطعة لا تعنى أن أحدا لن يفوز، بالتأكيد سفوز أحد المتنافسين، لكن المقاطعة أو إبطال الصوت معناه أنه سيفوز بأقل عدد من الأصوات، واسمخ لى أن أحتلف معك فى تقدير ما يعد الانتخابات حيث أرى أن الثورة مستمرة سواء فاز هذا أو ذاك

اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ