الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملاتٌ في حَيرةِ نَصير

غالب محسن

2012 / 6 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


أثارت مقالة الأخ نصير عواد ، المنشورة في الحوار المتمدن بتأريخ 9 حزيران 2012 ، مشاعر الكثير من الأنصار والأصدقاء . هذه واحدة منها .

وحيداً
نادى القمر ،
حُراسَهُ ولياليه ،
من وَراءِ السحابِ ،
والشجر .
يومَ كانَ بدراً
والنذور تدور ،
كالطيور ،
مثل عاشقٍ هوى من السماء
كان مطر
وطفلةٌ
تمسح فوق رؤوسٍ
تبحث عن ظلالٍ
وحجر
لبيك لبيك لبيك
كان الصوت يرتجف
وحيداً ،
من غيرِشموعٍ
ولا قدر

فيما مضى ، رغم القسر في أحيان كثيرة ، كان هدف الأنصار المقاتلين واضحاً ، لكن ليس الآن . كان حلماً جميلاً ، وإنتهى . وبلغة الوقائع ، منذ غزو نظام صدام للكويت ، ثم طرده منها ، مثل جرذ ، وأستقلال كردستان ، عملياً ، في ظل الحماية الدولية . و كان الأنصار ، في وقتها ، تغمرهم العواطف وحماس الثوار حتى منتهى القرار . العواطف بقيت ، وعندنا الكثير منها ، جماعة وأفراد ، ما شاء الله . أما الحماس الثوري فلا يبدو أن هذا زمانه .

ليس عيباً أن كان للحركة فيما مضى دوراً مميزاً ، بل ورائداً من جوانب عدة ، لكنه أنقضى . وإذا شئتم ، لمن يشعر بالحزن ، لا بأس في أن ذلك الدور قد تبدل ليس في الممارسة السياسية عموماً ، الكفاح المسلح ، بل وأيضاً في العلاقة مع حاضنتها ، الحزب الشيوعي . وإذا كانت الأولى تعود لتغيير في الوضع السياسي على الأرض ، فإن الثانية هي تحصيل حاصل لذلك الوضع المتغير و ايضاً لنجاحت التجربة الأنصارية واخفاقاتها .

وليس عيباً أن تبحث الحركة عن دور جديد ، منظمة مجتمع مدني ، أم جناح سياسي يساري ، أو حركة ديمقراطية ، أو ما شابه . لكن مثل هذا الدور يجب أن ينبع عن حاجة وحركة الواقع وليست أمنيات مهما كانت نبيلة . فالعواطف ستثير حتماً المزيد من الشجون وربما الحزن أيضاً لكنها لن تمنح دوراً حقيقياً . ماهي الإمكانيات ثانياً ؟ *

وليس عيباً أن يكون الهدف الآن ، عند الكثيرين ، هو الذاكرة الأنصارية ، تأرخة الحركة ، إقرار دورها ومكانتها ، وتوثيقها بأعتبارها جزءاً مهماً من التأريخ السياسي العراقي المعاصر وتحديداً الشيوعي منه . قد يبدو ، للبعض ، أن هذا الهدف صغيراً ، مقارنة بما مضى ، وهذا ربما حق ، لكن من يستطيع الزعم أن هذا ليس هدفاً نبيلاً سيحتاج الى الكثير من الجهد ، بل والكفاح ، لإتمامه ، ومن يظن أن هناك غيرنا من سيؤدي هذه المهمة ما هو إلا طيب القلب مثل طفل . ف " الفتية الصوفيون " ليسوا بحاجة للأنبياء بعد أن أدركوا الحق بأنفسهم . وإذا لم ننجح في هذه المهمة " الصغيرة " فكيف يمكن لنا أن نتحدث عن دور جديد وربما كبير ؟

إذن ، وهكذا كما أعتقد ، ومن غير ما أقصد أحداً بعينه ، لا في البكاء على ما مضى ، وإقامة المناحات لمن رحل ، بل تبجيلهم وتكريمهم بما يليق ، من غير نسيان ، بل تثبيتهم كنجوم لامعة في تأريخ بلادنا ، للأبد .

الأنصار ليسوا كتلة متجانسة ، ما كانوا ولن يكونوا حتى وإن وحّدتهم الهموم و مشاكساتهم في الحزب والسياسة . وعلى الرغم من كل ذاك التنوع ، المذهل ، حد التناحر في أحيان كثيرة ، أسست حركة الأنصار تقاليد جديدة ، كانت في جوهرها الكثير من الثقافة والأخلاق والأحلام والقليل القليل من السياسة .

وفي الجانب الآخر ، ثقافة السياسة التقليدية عند أصحابنا ، فهي تنمو وتسرح وتطفح بل وتصفع أحياناً ، وقد تضطر لتغير جلبابها عند المنعطفات الحادة أو الساخنة ، وليس في هذا عجب ، فهذه هي السياسة ، عشق وغرام بعد خصام ، مما يثير الحيرة عند الكثير من الأنصار ومن العوام . وغيرها كثير رغم النوايا الحسنة ، فالديمقراطية وتيارها ، مثلاً آخراً ، رغم أنها تبدو في بريق يخلب الألباب ، لكنه ، للاسف مثل لمعان السراب . هكذا صار الخطاب .

وفي هذا يكمن ، يا أصدقائي سر الخصام . ففي السياسة ، كما قلتم عن حق ، ليس غير المصالح مهما تفننا او تفلسفنا في تسميتها . وهنا تكثر الأسئلة .

والأسئلة مدارات ، الخيار فيها يكشف الأسرار . في الفلسفة ، سرّ المعرفة ، يكمن في صيغة السؤال : لماذا ، والجواب على لماذا يقود الى لماذا جديدة ، فأجابة جديدة .... وتأمل . إنها أسلوب عميد الحكماء سقراط ، بها كشف بعض معاني الحياة . لكن للأسف لا يسري هذا في السياسة ، مهما تعففت . أو قل على العكس من المعرفة ، يكمن سر السياسة في السؤال : كيف ، وعلى الأرجح يكون متبوعاً ب : كيف تحافظ على الحكم ، على السلطة ، الكرسي ، المنصب ، والمصلحة طبعاً . إنها نصائح عميد السياسة نيكولو دي ميكافيلي . وتطورت تلك النصائح لتصبح تعاليم شاملة ليس للحاكم فحسب بل والسياسي المعارض ، الطامح للحكم . إذن التبرير في السياسة ، أيضاً ثقافة ، لكنها معوجة ، والتأريخ ملئ بالدروس .

إما أن يتخلص الأصحاب من عقدة الماضي وعبادة الأسلاف وإما خيارغلق الأبواب . تلك هي الثقافة التي عبر عنها أصدق تعبير ماركس في مقدمة رأس المال ، من أننا لا نعاني من الأحياء فقط بل والأموات أيضاً ، فالميت يمسك بتلابيب الحي .

للأسف لم يبق من ثقافة الأنصار سوى الذاكرة ، و محاولات فردية من المتحمسين لأبقاء جذوتها متّقدة . وليس الأدب الأنصاري إلا أحد إشراقاتها . تلك الذكرى على الأرجح مصحوبة بفيض من المشاعر والعواطف قد تدفع للمغالاة ، أحياناً ، وربما تخلق أحلاماً جديدة وحنيناً لتجربة مكانها التأريخ .

لكن تأرخة التجربة الأنصارية لا يتعارض مع محاولة أنعاش كل ما هو جميل في تلك الثقافة ، وأهمها على الأطلاق ، ثقافة الحرية والأنفتاح ، والجرأة في نقد السياسة بما فيها سياسة الأصحاب حتى وأن لم يلقى الترحاب فهو على أية حال خير من العتاب .


د . غالب محسن (أبو شاكر)


-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
* كنت قد نشرت ، في حلقتين ، في الحوار المتمدن منذ عام تقريباً (2-6-2011) تأملات للمؤتمر السادس لرابطة الأنصار وتحديداً في موضوعة الحفاظ على تأريخ الحركة وما هو دورها الآن ضمن الأمكانيات المتاحة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فخر المطعم اليوناني.. هذه أسرار لفة الجيرو ! | يوروماكس


.. السليمانية.. قتلى ومصابين في الهجوم على حقل كورمور الغازي




.. طالب يؤدي الصلاة مكبل اليدين في كاليفورنيا


.. غارات إسرائيلية شمال وشرق مخيم النصيرات




.. نائب بالكونغرس ينضم للحراك الطلابي المؤيد لغزة