الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- نحو رؤية جديدة للمسألة اليهودية - الجزء الثاني

سمير إسماعيل

2005 / 2 / 6
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


و يجعل الجنابي من اغلب فصول كتابه و بالأخص الفصل المتعلق بما اسماه "بالشتات و الغيتو-روافد الشخصية اليهودية " نموذجا لذلك فهو ينطلق من أن لكل شعب مصيره الخاص و ما تصير إليه الشعوب هو نتاج لما فيها و تجل لاستعدادها الذاتي و بالتالي لا تنعزل صفات الشعوب عن صيرورتها التاريخية فعلى مجراها تتبلور الشخصية الواقعية و النموذجية للشعوب و هي شخصية عرضة للتغير و لا تبدل و لكنها تحتوي على بؤرة ثابتة و فاعلة تشكل في الإطار العام ما ندعوه بالنموذج التاريخي و هو نموذج يجري التدليل عليه في الأقوال و الأفعال (الأنا) و كذلك في ما تولده من تصورات و انطباعات و أحكام و تقييمات في وعي الثقافات الأخرى ( الآخر) و أخيرا في فلسفة الجنابي إلى ما يدعوه بثلاثية الملك و الملكوت و الجبروت بوصفها الوحدة الفعالة بالنسبة لصيرورة الأمم تاريخيا و ثقافيا و هي ثلاثية لها تجلياتها المتنوعة المظاهر و المستويات لكنها تركز إلى ما يدعوه الجنابي بوحدة الطبيعي (الملك) و الماوراطبيعي (الملكوت) في إرادة الأمم (الجبروت) و كيفية حلها في مجرى معاناتها حل الإشكاليات الواقعية الكبرى و الذي يشكل تاريخيا مضمون تكاملها الذاتي في امة ثقافية أو أمة عنصرية (أثنية ) من هنا قول الجنابي بأن المسار التاريخي للأمم متوقف على كيفية حل هذه العلاقة و انه على كيفية حلها يتوقف تقييم النفس و الآخرين
ووضع هذه الرؤية المنهجية في موقفه مما أسماه برسم صورة اليهود و اليهودية الصهيونية و انطلق بهذا الصدد من أن تاريخ اليهود لا يشذ عن هذا المسار ووضع ذلك في استنتاجه القائل بان "تصور اليهود عن أنفسهم هو حصيلة متحجرة لبقائهم ضمن قيود و معايير العرقية (العنصرية) الخالصة و ذلك لاستمرار اليهود و اليهودية في مرحلة ما قبل التاريخ الثقافي فالمعيار الحقيقي لتجاوز الأمم لكيانها العرقي يفترض تحررها الداخلي عبر ارتقاء نظراتها عن الملك (الوجود الطبيعي) و الملكوت (الوجود الماوراطبيعي) إلى مستوى الرؤية الأخلاقية المتسامية أي عبر ارتقاء تصوراتها و قيمها و أحكامها عن الوجود الطبيعي و الماوراطبيعي إلى مصاف الفكرة الأخلاقية المتسامية أي عبر ارتقاء تصوراته و قيمها و أحكامها عن الوجود الطبيعي و الماوراطبيعي إلى مصاف الفكرة الأخلاقية العامة (الإنسانية الجامعة) فهو ارتقاء يجعل من الممكن انتقال الشعوب و الأقوام من مضيق العرقية البدائية إلى رحاب الإنسانية الثقافية و الذي يتحدد بكيفية حلهم لإشكالية الطبيعي و الماوراطبيعي في الإنسان و الجماعة (الإنسانية) و كذلك بكيفية وضع هذا الحل في رؤية كونية و بالتالي فان بقاء الرؤية اليهودية ضمن معايير و قيود العرقية العنصرية جعل و يجعل رؤيتها الكونية أسيرة الافتقاد الدائم للبعد الإنساني – الأخلاقي و إذا كانت صورة الأمم و الثقافات عن ذاتها و الآخرين هي التعميم المجرد عن تجاربها التاريخية فان بقاء اليهودية ضمن معايير العرقية قيد رؤيتها للطبيعي و الماوراطبيعي في الإنسان و الجماعة البشرية ضمن حدود ضيقة لذا لم يكن التكوين اليهودي الذي جعلت التوراة منه منطلق رؤيتها عن الآخرين أيضا سوى كتلة عنصرية متراكمة من عناصر عقدة النفس بحيث جعلت من صفاتها صفات للإله نفسه فالإله اليهودي هو جزء من الآلهة الوثنية لا قدسية فيه و عادة ما يبرز من بين أظلاف التيوس و الماعز و صوف الكباش و قرون الثيران و شحم الخراف كما هو جلي في سفر اللاويين و فيه نرى ملامح الذبح و السلخ الدائمين و نشم منه رائحة الشي و الحرق باعتبارها الإثارة المغرية للروح اليهودي في التعامل مع كل ما هو حي و هي إثارة يحددها الادعاء الكبير للإله القومي الذي ما هو في أفضل الأحوال سوى شيطان أمرد و هو اله لا يربي في الإنسان بعدا إنسانيا بسبب خضوعه لنوات عبدته لذا نراه في سفر التكوين يحزن و يتأسف و يرغي و يزبد في رغبته بمحو الإنسان عن وجه الأرض بينما لا معنى "لتأسف" الإله على خلق مخلوقاته لان ذلك فعل يتناقض مع الحكمة العقلية و الوجود الطبيعي و الأخلاق الرفيعة للوجود نفسه إذ ليس تأسف الإله اليهودي سوى هوى اليهود أنفسهم و سدنتهم و ليس مصادفة أن نسمع الآن من علماء اليهود المعاصرين صيغا شبيهه بتأسف الإله اليهودي كما هو الحال بالنسبة لتصريح الرئيس الروحي لحزب ساش عن أن إلههم يأسف لأنه خلق العرب ! و هو تصريح سخيف بحد ذاته لان الإله اليهودي لا يخلق إلا يهودا كما يقول الجنابي
و عندما ناقش الجنابي هذا الجنابي هذا الجانب بإسهاب فانه يتوصل إلى استنتاج يقول بأن " في تطابق الإله اليهودي مع اليهودية تكمن مصادر فكرة "الشعب المختار" فالإله اليهودي يهودي و اختياره منه إليه أي انه اله أنثى كشعبه و من ثم فهو خال من أي بعد أنساني شامل و من أي تجريد قادر على تحرير اليهود من يهوديتهم و ذلك هو سبب تحجر فكرة "الشعب المختار" التي لا تعني ثقافيا سوى تميزهم عن الآخرين بالعجز عن تجاوز العرقية (العنصرية) في حين أدى تحجرها بفعل تداخل الإله الأنثى مع العرقية العنصرية إلى بناء عقيدة تفتقد بالضرورة إلى عناصر الجمعية الإنسانية و من ذلك تكونت سلسلة إنتاج و إعادة إنتاج الانغلاق الذاتي اليهودي و عدم قدرتهم على تذليل هوى الصورة الذاتية و تجاوزها إلى ميدان إبداع صورة المثال
لهذا لا تعرف اليهودية الفضيلة المجردة و لا القيم المجردة و لا الإله المجرد أي أنها ليست قادرة على الارتقاء إلى مصاف السمو المطلق مما أغلق عليها إمكانية التحرر الذاتي من إسار العرقية البدائية "
فالعهد القديم نفسه (التوراة) ما هو إلا "صك غفران" مزيف ابتاعها اليهود لأنفسهم من اله لا يمثل الحق المتسامي مما أدى إلى بلورة تقاليد اليهودية عن "الاصطفاء" التي جسدها اليهود في كيانهم بهيئة أمة لا كالأمم و تاريخ لا كالتواريخ فقد جعلت فكرة "الشعب المختار" منه شعبا محتارا و لكن لا بمعايير الحيرة المعرفية بل بتقاليد التيه الدائم كما يقول الجنابي حتى الأسطورة التوراتية لم يكن بإمكانها التخلص من ثقل الجسد في تعاملها مع التيه اليهودي في سيناء إذ ليست سيناء في الواقع سوى الصحراء التي لا يمكن للنفس اليهودية أن تذللها ما لم تذلل مكونات اليهودية العنصرية (الإله القومي و الاصطفاء المزيف و النفس الغضبية ) بل حتى النموذج الموسوي كما تصوره التوراة ما هو إلا نموذج المكان اليهودي الذي لا زمان فيه فالخلاص اليهودي ليس مبنيا على أساس تطهير النفس باعتباره تجسيدا للتاريخ الحق و لا عدل المجرد بل على أساس تطهير لا مكان من الآخرين و هو تقليد ميز اليهودية بروح الغضب فحيثما يكون اليهودي يكون الغضب هو القوة المحركة للعلاقات كما يستنتج الجنابي و هي روح حددها بقاء اليهود ضمن معايير العرقية "المقدسة" بينما يفترض التقديس الخروج مما دعاه المتصوفة "برق لااغيار" أي التحرر من العبودية لاي شي غير الحق و تجلى هذا البقاء يدور فيما يدعوه الجنابي بوحدة الشتات و الغيتو الذي ميز الاستمرار التاريخي لليهود و اليهودية و هو تاريخ بلا تاريخ و بالتالي لا أصالة فيه لأنه يقع من حيث الجوهر خارج تاريخ الإبداع الإنساني الحق بوصفه مشاركة فعالة في المعاناة الإنسانية الكبرى و كيفية حل إشكالياتها الكبرى
على المستوى القومي و الثقافي (الحضاري) المتنوع بعبارة أخرى إن تحرر اليهود يفترض كما يقول الجنابي التحرر من تقاليد الشتات و الغيتو بوصفها تقاليد الابتعاد عن الحق و الحقيقة لأنه لا حق و لا حقيقة خارج المعاناة الصادقة في معترك المشاكل الإنسانية الكبرى و حلولها و هو ابتعاد يؤدي بالضرورة إلى فقدان الاعتدال و شحه الرؤية الثقافية عن الوجود في مختلف مستوياته و ذلك لان العزلة و العرقية الضيقة لا يصنعان اعتدالا و لا حقيقة بالمعنى الدقيق لهذه الكلمات " و هو الأمر الذي يشير إلى الأسباب التي أدت إلى ترسيخ نموذج تاريخي في أعماق اليهودية "التاريخية" عبر انتزاعها منذ البدء من عبرانيتها القديمة ووضعها في صراع مع أسلافها أولا بحيث جعلها في غربة تامة و غريبة مع الآخرين كما يقول الجنابي .
وعمق هذه الأفكار و طورها في فصل "الصراع العربي – اليهودي" (الفصل ما قبل الأخير "للمسألة اليهودية" ) و انطلق في مواقفه من تحليل ما اسماه بالمعاناة الفعلية للأمم في مجرى حل إشكالياتها الكبرى و اعتبرها المقدمة الضرورية التي تجعل من القيم و المفاهيم و الأحكام الثقافية جزءا من كيانها الذاتي و تضع بالتالي كل خطوة تخطوها على محك هذه القيم و المفاهيم و الأحكام باعتبارها معايير للفعل مما يؤدي بالضرورة إلى تكامل وعيها الذاتي (عقلها النظري و العملي) و منه تتبلور معالم الحكمة القومية (السياسية و الاجتماعية و الأخلاقية) و عندما طبق الجنابي هذه الفكرة على تاريخ اليهود و اليهودية الصهيونية فإنه توصل إلى أن الأقوام الصغيرة (اليهود) عادة ما تبقى بسبب انعزالها الذاتي للأمم مما يجعلها خالية من الحكمة لان أفعالها مرهونة بالنفس الغضبية و متطلباتها من هنا جوهرية المؤامرة و المغامرة في "عقلها النظري و العملي" و هو عقل تخريبي و تجريبي في تعامله مع الآخرين من هنا فقدانه لشعور الانتماء الحقيقي للروح الإنسانية كما يقول الجنابي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سجال إيراني تركي.. من عثر على حطام طائرة رئيسي؟? | #سوشال_سك


.. السعودية وإسرائيل.. تطبيع يصطدم برفض نتنياهو لحل الدولتين وو




.. هل تفتح إيران صفحة جديدة في علاقاتها الخارجية؟ | #غرفة_الأخب


.. غزيون للجنائية الدولية: إن ذهب السنوار وهنية فلن تتوقف الأجي




.. 8 شهداء خلال اقتحام قوات الاحتلال مدينة ومخيم جنين والجيش يش