الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(انقلابات عاطفية) لأسامة الخوّاض-انقلاب في ذائقة الشعر*-بكري جابر (1)

أسامة الخوّاض
(Osama Elkhawad)

2012 / 6 / 16
الادب والفن


لا تني اللغة الشعرية عند أسامة الخوّاض تضع حمولتها حتى ينثال الألق شفيفا من بين ثقوب الدهشة.و يمضي النشيد دافعا أمامه جيوش الانبهار إلى حيث القصيدة تستوطن "أعالي الكلام"،فتنفتح كنوز اللغة البكر و يتدفق الجمال شلالا جزلا يغرق الروح و يغسل القول من دنس "اللت و العجِن" و طنين الكلمات.

تدخل القصيدة هنا –وحدها-بهو مغامرتها الفسيح و تمدّ يدها الطويلة إلى سلة الكلمات،فتعبث بقداسة اللغة و تربك طمأنينتها المديدة.و تمضي لكي تؤسِّس دهشتها الخاصة في اتجاه معاكس لمسيرة اللغة-الشعر المنهَك من فرط التداول و التكرار.و منذ مفتتح النشيد تعلن القصيدة صرختها المتمردة ضد السائد و المستقر حتى تؤسِّس لبنيانها الشعري المغاير المستفز:
(لا تشترونا بتلك الوعود،
و لا تجرفوا يأسنا من حقول الأماني
و لا ترجمونا بهذي الحروف العتيقةِ،
إنّا سئمنا نصوص الجدود،
سئمنا وعود الجدود،
دعونا نشاكس أجدادنا،
و نجادلهم،
فسنرمقهم –إنْ أصابوا-بعين الرضا،
و نعلِّقهم من سروايل أوهامهم،
بحبال المتاحف إنْ أخطأوا
دعونا لخبرتنا الأنثوية في الجمع بين الطبيعة،و الربِّ،و الحبِّ،و الموت،
لا توغلوا في الوراء الضبابيِّ،
سوف نصلِّبكم في جذوع الهجاء،
لكم دينكم و الجدال العقيمْ
لكم دينكم،و "عفا الله عمَّا سلفْ"
و لنا ديننا،و النهار بألوانه الدافئةْ
دعونا ندحرج آمالنا في ممرِّ الحياة الفسيح،
نصيب و نخطئ،
ننعم بالارتباك،
و نغمس في الصمت حاستنا الدنيويَّةَ،
ننْثر هجراتنا في المتاحف،
نطردها من هواجس أطفالنا القادمينَ،
و نعطي الرحيل مواطنةً من غبارْ
دعونا نؤثِّث صمت الحياة الفسيح،
فإنا سئمنا الكلام المعاد،
(كلام ركام،
كلام زكام،
منابر تذهب أخرى تجيئ)
ص 60-61

أسامة الخوَّاض شاعر يجلس قرب النبع يغرف منه و يغسل وجه القصائد من بكاء السنين.يربِّت على كتف الإغنيات،و يسند سقف الشعر (بشِعبة) المغامرة.و هي مغامرة تقوم على مستوى الشكل و المضمون.و لم تعد المغامرة تقف عند حدود اقتحام اللغة و تفجيرها،و لكن تمتد حتى تطال شكل القصيدة و معمارها.فسميولوجيا الصفحة الشعرية هنا جزء أصيل من بنية القصيدة ككل:
(و أنادي قبائل ألوانه ،و أخاطبها من وراء غناء،و أهمس "يا نيل صلِّي على ضجة الجنس في ساعديها،و سلِّمْ على شبقٍ ناعس يتبختر في مقلتيها"،و أدعو النبيذ الذي يتسلَّل من شفتيها إلى حفلةٍ في فمي،كي تصير الشفاه الغريقة مزرعةً للجنون المؤقَّت و الهلوسةْ)

نجد في هذا الديوان أطياف محمود درويش (و هل ينجو أحد من سطوة درويش)؟و شيئا من لوركا و بعضا من نيرودا،و لكن القصيدة لها نكهتها (الخوَّاضية) الخاصة.فأسامة هنا قد راكم كل هؤلاء ليغادرهم إلى قصيدته الخاصة،و لكنْ (هل غادر الشعراء من متردم)؟
(أطلقي النار و الياسمين على قلقي،
و اسكبي خمر فوضاكِ في أكؤس العابرين إلى قبلةٍ غامضةْ
أثيري هواء الجنون على غرفتي الباردةْ
انقذيني من الملل المتربِّع فوق شبابيك وقتي،
اذهبي في السحاب الخفيف،
ارسلي وحيكِ الشبقيَّ على نسمةٍ حامضةْ
ها هم الغجر القرويِّون يأتون في الفجر،
من كل دمعٍ هطولٍ،و يُلقونكِ-الأن-فوق سريري الوضيءْ
ها هم الغجر القرويِّون غطّوكِ بالصخب العابث-الصخب المتهتِّكِ،
هم يطلونكِ للرقصِ،
هم يذهبون بكِ،
انتبهي،
انفجري،
و ارقصي،
و اكشفي صدركِ الذهبيَّ،
و قدرتكِ الأنثويَّةَ في صنع معجزةٍ من جهنم ساقيك)
ص 39

تنفتح قصائد هذا الديوان على الوطن،فتضجرها مواجعه،و تؤرِّقها آلامه،و لكنها تأبى أن تنغمس في وحل البيانات السياسية رغم عن أنها لم تغادره كثيرا.و لكن شفافية القول الشعري تقِّل من وطأة تقريريتها،و تلهج القصائد بنوستالجيا شفيفة تدفع بالغنائية إلى مبتغاها:
(ذهب الذين أحبهم،
سيقوا إلى الحرب اللئيمةِ:
لمعة الأبنوس،
طلّاب المدارس،
لذعة العرق البهيجة،
قرْط جارتنا الأنيقة،
لذة الأوهام،
أطيار الحدائق،و السماء الحالمةْ
ذهب الذين أحبهم،
لم يبقَ من شدو الحياة سوى بكاء الآلهةْ
و بقيتُ فردا مثل حلمٍ في مهبِّ العاصفةْ)
ص 50

أسامة الخوَّاض شاعر يبتكر مفرداته و لغته الشعرية و يتحصّن بقلعة المغامرة ليكتب قصائد تتفتَّح شعرا كل صباح.
صدر هذا الديوان في العام الماضي عن مركز الدراسات السودانية بالقاهرة.و قد اشتمل على 14 قصيدة تفاوتت في الطول و القصر،الجدة و القِدم (أقدمها كُتبت في العام 1981 و أحدثها في العام 1999).و قد جاء الديوان في 88 صفحة من القطع الصغير و بإخراج فني للفنان عمر دفع الله.
******************************
*نُشر هذا المقال في جريدة الخرطوم في القاهرة ،العدد رقم 2414 بتاريخ 16 مايو 2000.
(1) كاتب سوداني يقيم في استراليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان