الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من هو المثقف؟

داود روفائيل خشبة

2012 / 6 / 16
الادب والفن


إن الشجاعة فى القلوب كثيرة
ووجدت شجعان العقول قليلا
أحمد شوقى

من هو المثقف؟ المثقف هو من لا يعرف شيئا، أبدا لا يعرف شيئا. حين يواجه المثقف مشكلة أو حين تطرح عليه سؤالا، حتى إن كان قد واجه المشكلة مرات ومرات من قبل، حتى إن كان السؤال قد طـُرح عليه مرات ومرات من قبل، فإنه لا يجد عنده حلا جاهزا ولا يجد عنده إجابة جاهزة، بل يبدأ يفكر فى المشكلة، يبدأ يتمعّن السؤال.
هذا المثقف ينقصنا. آفة ‘ثقافتنا’ أن عندنا حلولا جاهزة لكل المشاكل وإجابات جاهزة عن كل الأسئلة. نحن لا نعرف أن نفس المشكلة لا تبقى هى نفس المشكلة حين تعود فى آن جديد وفى مكان جديد ولا بدّ لها من فكر جديد، ونفس السؤال لا يبقى هو نفس السؤال حين يُطرح فى سياق جديد ويطلب أن يؤخذ مأخذا جديدا. ولماذا نحن لا نعرف هذا؟ لأن تربيتنا رعوية سلطوية تعطينا الحلول والإجابات جاهزة ولا تبيح لنا أن نجهد أنفسنا سعيا لحلول وإجابات نأتى بها لأنفسنا، ولأن نظم تعليمنا تتخم عقولنا بمعلومات جاهزة ولا تطالبنا بأن نبحث ولا تسمح لنا بأن نفكر، ولأن عقيدتنا تسقينا علما يقينيا يأثم من يضعه موضع المساءلة.
مرة أخرى: من هو المثقف؟ أعِد القارئ، بعد نزق السطور السابقة، أن أكون أكثر رزانة، لا أقول أكثر صدقا. عندنا أشخاص واسعو الاطلاع، راجحو الفكر، صادقو القصد، بل قد يكون لهم فى الإبداع باع، ومع ذلك تصدمك مواقفهم. لماذا؟ مرة أخرى، إنها آفة ‘ثقافتنا’. إنهم لا يستطيعون أن يتجاوزوا المسَلـَّمات الفكرية التى أرضِعوها صغارا، بل إنهم حتى لا يملكون الوعى بأنهم محكومون بهذه المسَلـَّمات – معتقدات دينية وأعراف اجتماعية وقناعات تقليدية وأحكام قيمية متوارثة، ليس خطرها الأكبر فى مضمونها حتى حين يكون المضمون فاسدا بل خطرها الأكبر فى أنها مصونة عن المساءلة وممتنعة على التمحيص. يعود بنا هذا إلى إجابات ليست جاهزة فحسب بل وتحيط بها هالة من القداسة تجعل الاقتراب منها منكرا مستنكرا.
لذا فإن دائرة الـ "تابو" فى بلادنا واسعة كثيفة، فكيف لنا أن نفكر؟ وإذا لم نفكر فكيف لنا أن نتحرر؟ وإذا لم نتحرر فكيف لنا أن نتقدم؟
إذا كان البعض منا يريدون أن يحطموا التماثيل التى أبدعها فنانونا إذ يرونها أصناما، فإن أوجب واجبات مثقفينا اليوم أن يحطموا الأصنام التى تسكن عقولنا. ليس أهم ولا أول واجبات مثقفينا اليوم أن يقدموا لنا حلولا ولا إجابات بل أن يسائلونا وأن يدفعونا لأن نسائل أنفسنا، أن يثيروا فينا الحيرة السقراطية الخلاقة التى تجعلنا ننظر فى داخلنا، نستكشف دخيلتنا ونتعرف على ذاتنا.
ليسمح لى القارئ، بعد أن وفيت بوعدى وأعطيته بعض القول الرزين، أن أعود إلى نزقى فأورد كلمات كتبتها من زمان بعيد فى بعض وريقات متناثرة. كتبت:
شىءٌ واحد يجعلنى
لا أرفض نفسى كل الرفض
ذلك أنـّى
أعرف فى نفسى بعض جنون
وكل الجهل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. مهرجان موازين للموسيقى يعود بعد غياب 4 سنوات بسبب ج


.. نون النضال | خديجة الحباشنة - الباحثة والسينمائية الأردنية |




.. شطب فنانين من نقابة الممثلين بسبب التطبيع مع إسرائيل


.. تونس.. مهرجان السيرك وفنون الشارع.. إقبال جماهيري وأنشطة في




.. دارفور.. تراث ثقافي من الموسيقى والرقص