الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الحب فقط- مدن الحب

حسين سليمان- هيوستن

2005 / 2 / 6
الادب والفن


الخ...غناء و ريح. محمل يمر على المدينة يبعثر الأرض والبادية الممتدة التي هي غير مزروعة تلوْث وتلوح في مشيتها والمدينة سكران آخر الليل. من يدخل المدينة في نهاية الليل؟ نوافذ مغلقة وفي بيوتها نوم. تحضير لسوق اليوم القادم. لكنني لا أمشي في دروبها بقدمين بل وكأنني بأربعين قدما أغامر كي أمر في شوارعها مرة واحدة. أمر كما تمر الرياح وهي تدوي بحثا عن لحن!
يصير بضربة حظ أن تفتح امرأة ما نافذتها. في غمرة الليل وأنا مرور. مشي. يمشي الشارع في بدني يغني ابحث عن سمراء. أيام الصيف في قرى الفرات من العشارة والشويط... اخضر أزرق فيه البحر البعيد لا يبلله فرات أو خابور يستحم عنده ملك آشور بعظمته مع بناته يغنن: ورموش عينيك الحلوين دلالي..صاروا بقلبي سكيكين... فتفتح النافذة بطرقة خشب زان كي تريني كلها معلقة مثل جسر الدير تحته كان فراتا لن يغنيه اليوم شاعر. والطرب العراقي عند الجسر يرفعه بائع أشرطة الكاسيت قليلا كي يصل الغناء الى العلوة القديمة: مالي شغل بالسوق!
رائحة الدخول الى شوارع الدير من جانب حلب. بعد نهاية فحوص الجامعة قادمون انا وزميلي شيخموس من حلب في باص الكرنك للنقل والسياحة يضع الشفير بالجكارة أغنية لا نستسيغها فنقول له ماهذا البطيخ الذي يغني: بطة وحمامة يوم اتكاونوا بارض الدار! نستهل الشوارع التي رائحتها كأنها بخار صاعد من أجساد لا تموت تشهد زمان المدينة. ول حط مالي شغل بالسوق! لكنه ابن مدينة تادف السائق الذي لا يستسيغ غناء اهل العراق يرّقص رأسه على البطة والحمامة في أرض الدار. حتى جعلنا نتأمل الأغنية ثم جعلنا نرقص مع رقصه. بالفعل أغنية جميلة. هكذا راح ذوقنا ينحدر.
لكن لا يهم. تفتح النافذة على غرفة نومها في ثوبها الشفاف فيهز زميلي رأسه هزة جزراوية وهو ينظر نحوها: قربان عينك انا! وحياة الله..ثم يغني يقلد أشور: وإزا قالوا من هو دلالي. ويدبك بقدميه وساقيه دبك البغال عند النافذة دبك عرس وحصاد فأنه سيتزوج من بنت الدير. والله لن يخرج من الدير إلا مع ابنة الدير لأنه كما قال لنا: رأسي هو "تنا تنا" يعني خلص "لا لا" لن اذهب من دونها... إلا معها كزوجة الى الجزيرة السورية. عند تقريبا حدود قرية نصيبين وهي تتاخم القامشلي فقسموها في البدء الى نصيب سوريا ونصيب تركيا لكن تركيا بعد حين أخذت النصيبين. والسائق الجزراوي يسأل صديقي الكردي وهو يدل حبيبته الفراتية إلى السيارة يسأله قامشلوكي فيهز رأسه إي والله قامشلوكي! كي يذهب معها ركبة واحدة الى مدينة نراها من بعد ستين كيلومترا القامشلي مدينة لا تسكن أرض الكرة فهي على أرض مستوية نراها ونرى أناسها وكنوزها مخفية عند سفح الجبل من بعيد. فهي قلب سوريا. القلب الذي أبعده الله عن الوسط والجبهة والصدر فأصبحت في الخلف في القدمين مثل جذور الأجداد.
حين وقفنا عند الحدود ورأينا نصيبين كانت هناك سكة القطار تميل عند أقدام الجبل الذي كنا نظن بأن أسمه طوروس. جبل طوروس حتى إن لم يكن هذا بالاسم الصحيح فهو طوروس. عال يحجب عنا كل شيء. وقفنا عند الجبل كي نحضر العرس الكردي.
يخترقنا القطار على مهل. نراه قادما يمشي شرقيا محملا بالبضائع وبالناس الذين هم من حلب ومن بغداد ومن اسطنبول يشق طريقه عند عتبة العرس والطبل والمزمار يخلقان بلبلة في نظامه. ولأن العرس يظل. يقرع الطبل والمزمار حتى نهاية متأخرة من الليل. يمر القطار على صوت مرينا بكم!
فنرجوا السائق قائلين: حط غير بطة وحمامة. الياس خضر أغنيته من مكبرات الصوت والسرعة 120 كم وهناك اهتزاز باص وميلان وتلحين. فنتمنى من الله أن لا نصل، أن لا تنتهي الأغنية، وان يظل الطريق فقط طريق ونحن نبقى على سفر.
هي لحظة اسمها مائة عام. نظل نذكرها.
وأقول لصديقي: ها لقد أخذت حبيبتك وذهبت الى حدودك. وإنما الذي عنيته هو أين المرأة الحبيبة التي ستفتح لي النافذة على حين غرة. أمر في المدينة وهناك ليل من دون نوافذ. فلو أظل أربعين عاما في المدينة. انا ضائع يا يونس، ضياع الحاج في متاهته. فلا تفتح. حتى يصيبني الضجر من تنظيم مسائل الحب بين البشر فوق هذه الأرض في هذا العصر الذي هو صناعة وتقنية الكترونية وظل منحدر للإنترنيت على طريقة حب الماسنجر نوافذ إلهية انفتحت لظلال وأشباح كنت أظنهم تحت الأرض لكنهم الآن يحيطونني من كل ناحية. وجوم الحرف وفي بداية القول تكوين أو IPTPI لا أعرف! أو subnet مسافر فوق حزمة ترددية مقدارها 1 ميغا هرتز سترتفع في المستقبل وتصبح غيغا ثم تيتا تيتانك التي لا يحملها محيط. كل ذلك من أجل مالي شغل بالسوق. هل تحبينني؟! أكح وانا أدخل الدار بحثا عنها. لكنها لا تفتح النافذة لأن البدن الذي نزل أول الأمر على شكل اسم غير مكشوف هي ابنة مشاغبة وشاعرة في الأصل- تقول أنها شاعرة! كان يجب أن يخص الخالق الأوحد قصة حب عظيمة لكل فرد في هذه الدنيا. الجسر المعلق ذلك إن مرت بنا فتيات الدير بينما نحن في الباص نرمق الحياة ونطبق قوانين النسبية.... ذلك الحب كي يرفع النهر فوق الجسر. اقرأ التاريخ وأتعلم منه: من هنا مرّ. دعامات الحب وعضادات عمارة النهر قائمة قبل رامة والتنين منذ زمن محمد علي مثلا وابنه ابراهيم باشا الذي مر من هنا في العام 1848 كي يذهب مشوار حب إلى اضنة. قال يريد قصة حب اسطنبولية مع بناتها. فحشد جيوشه من أجل ذلك. إنها الحرب شبيهة الحب. المرض. السحر والدين. إنه الحب الذي كلما قبضت عليه يفلت. قائما في ثناياي لا أعرف اين موضعه. والمرأة لا تفعل أن تفتح. يلزمها سيف. تنصت على الحرف الذي يدقه قلبي. لكنها لاتفتح. عن قصد. عن قصد بطة وحمامة. فلا يستجيب للكلام. يظل يطبل على المقود ويهز على كرسي القيادة- ويترنح، وامامه الطريق مازال طويلا. وشريط التسجيل ينتهي فيقلبه والبطة تصالح الحمامة فيزجرها لبداية غناء... وانا واجم في هذا القدر من الحياة بين بطة وسائق ونافذة مدينة والى جانبي صديقي شيخموس يجب ان نذهب معك وحياة الله الى الدير... أريد أن آخذها!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??


.. فيلم -لا غزة تعيش بالأمل- رشيد مشهراوي مع منى الشاذلي




.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط