الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار بين الإصلاح والمغامرة

حميد المصباحي

2012 / 6 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


اليسار بين الإصلاح والمغامرة
فكر اليسار,مر بمراحل تاريخية,كانت طوباوية كما أسماها الدارسون لتاريخ
الفكر,والبعض ربطها بفكر العدالة الذي عرفته أروبا قبل القرن التاسع
عشر,لكن الحقيقة تبدو غير ذلك,ففكرة العدالة كانت أقدم مما يتصوره
الباحثون في التاريخ والفكر,مادامت المظالم قديمة فحتما فكرة العدالة
كذلك,لكن تصورها كان مختلفا باختلاف الحضارات والثقافات والقيم
والدول,لكن بعد ظهور الفكر الماركسي,سوف يعتبر ذلك بداية للفكر الإشتراكي
العلمي,لأنه حول الإشتراكية,من مجرد فكرة عادلة,إلى نظام للحكم,مناقض
للرأسمالية,رمز الجشع,والظلم,والتي قبلت بالديمقراطية,حفاظا على
وجودها,وتفاديا لخوض صراعات مهددة لمصالحها,وبذلك وجدت نظرية علمية,سميت
بالماركسية,كمرجع نظري ومعرفي وإيديولوجي للطبقات المستغلة,وصارت هذه
النظرية مؤطرا للصراع الطبقي ضد البورجوازية,التي لايمكن أن تتحقق
الإشتراكية كعدالة بدون زوالها,والقضاء على المؤسسة الحافظة والصامنة
لاستمرايتها وهيمنتها الإقتصادية,التي لايمكن أن تكون إلا هيمنة سياسية.
في خضم هذه الصراعات السياسية ضد البورجوازية,ظهرت حركات ماركسية غير
لينينية,مثل الماوية والتروتسكية,وحتى الجيفارية,التي أولت أهمية قصوى
للفعل المباشر والعسكري,وبعد صراعات مريرة,سوف ينتقد الإشتراكيون فكرة
الثورة,وعدم اعتبارها ثابتا نظريا في الفكر الماركسي,بحيث أن المهم هو
تحقيق غاية الثورة,من خلال تخليص الدولة من سيطرة البورجوازية عن طريق
الإنتخابات,وقد كانت هذه الفكرة حصيلة صراعات نظرية,بين اتجاهين نظريين.
1الإرادية
وهي النزعة التي تزعم,بأن تحقيق الثورة رهين بمدى قدرة الحزب أو التحالف
على خلق شروط الثورة,بما هي استعداد,وتأهيل القوى ذات المصلحة في
التغيير,وعدم اشتراط تطور الرأسمالية لأقصى درجات نموها الذي هو
زوالها,مما يعني التمهيد لذلك بالفكر والإيديولوجيا,مع ما يقتضيه ذلك من
استراتيجية لبناء الحزب الثوري,وخوض كل أشكال الصراع ضد الخصوم,سواء كانت
نقابية أو سياسية وإيديولوجية,وقد اعتمد هذا الإتجاه على تأويلات نظرية
للفكر الماركسي,وبعض الإجتهادات,التي انطلقت من كون التاريخ ضرورة,غير أن
هذه الضرورة محكومة بالفعل البشري,وإلا تم الوقوع في فكر هيجل,الذي يعتبر
التاريخ استجابة لإرادة العقل المطلق المتحكم في التاريخ والطبيعة.
2الإنتظارية
وهي الفكرة القائمة,على كون الثورات,محكومة بنضج الشروط,الإجتماعية
والإقتصادية والسياسية,وكل فعل لايأخذ بعين الإعتبار هذه المحددات يعتبر
فعلا فاشلا,يعمل على إضعاف الحركة الإشتراكية,وتقوية دولة الرأسمالية,فهو
يكشف عن قوته التي تحتاج إلى التأطير وحسن تدبير خطوات القوى
الثورية,وقبل ذلك لابد من إعادة قراءة الحسابات وترتيب الأولويات قبل
الشروع في الفعل,الذي هو أخر النظر وليس أوله.
لكن هذه الإختلافات النظرية,سوف تمتد سياسيا,لتشكل تقاطبا بين تيارين
متنافسين,كلاهما يتهم الأخر بالتحريف,فالإرادوي سوف يعتبر مغامرا,لأنه
يتجاهل متطلبات المرحلة,وسوف يرد على المنافس,بأنه تيار إصلاحي,غايته
إصلاح الدولة وليس تقويض دعائمها الطبقية كأداة للسيطرة والتحكم في
المجتمع وقواه العاملة.
لكن في الأخير,وبعد أن أدركت قوى اليسار عجزها على تحمل تكلفة
الثورات,وكذا قوة الخصوم وجبروت السلطة السياسية,وكذا كثرة الإختلافات في
صفوف الإشتراكيين,ابتدعت فكرة اليسار الديمقراطي,وهو نموذج أروبي
بامتياز,وخاضت صراع التنافس الإنتخابي الديمقراطي,بعد صراعات مريرة ضد
الرأسمال وحماته في السلطة السياسية العربية,ولا أحد ينكر أهمية المشاركة
الإنتخابية,لكن السؤال من المستفيد أكثر منها؟؟؟؟
السلطة السياسية,أم النخب اليسارية,أم الطبقة العاملة ومجموع كادحي
الشعوب العربية؟؟؟
إن تحديد الحصيلة,فيه الكثير من الإختلافات حتى بين المشاركين في تجارب
المشاركة,التي وصلت من خلالها في بعض الدول العربية إلى سلطة القرار,أو
ما يشبه القرار,لكن المتضرر حتما هو اليسار نفسه,فقد عجل باليأس منه بدل
اليأس من أنظمة الحكم العربية,وهنا فقط كانت أقوى الضربات التي
تلقاها,وقوت خصومه الجدد من السلفيين وأشباه الإقطاعيين,وحتى
الرأسماليين.
ترى هل الإختلاف مبرر لهذا التعدد اليساري؟وهل يستطيع بفعل هذه
الإنقسامات الحفاظ على وجوده واستمراره؟
أعتقد أن العالم العربي,في حاجة ليسار موحد,يعيش الإختلافات
داخله,اختلافات حول النظرية والمعرفة,وكيفيات الصمود في وجوه الخصوم
والأعداء,وأن يتجنب الإختلافات القائمة حول الزعامات,وتمايز الشعارات
التي تتحول إلى مزايدات في سوق التصعيد الخطابي,والتخلص من الرهانات التي
لايستطيع تحقيقها بالصراخات,العالم العربي يسحق يسارا قويا باقتراحاته
وتجديداته في المعرفة والعلم وكذلك الإيديولوجيا,ليحسن موقعه في
المجتمعات العربية,ويحيي نخبه المستاءة من جهلته,وحملة الأعلام
المتزاحمين على الخطوط الأمامية في التظاهرات والمسيرات,اليسار
العربي,يحتاج في هذه اللحظات إلى الكثير من الصمت وتعلم الإنصات أكثر من
الكلمات.
حميد المصباحي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رسالة تعزية من الجزائر بوفاة والدة ملك المغرب، تثير الجدل!!


.. فيديو كليب بوسي والليثي ضمن قاي?مة ا?سوء فيديو كليبات ????




.. الهند: انتشار -مرعب- لكاميرات المراقبة في كل أرجاء البلاد


.. فرنسا: ما الذي سيحدث في اليوم التالي لجولة التشريعيات الثاني




.. إسرائيل تقتل فلسطينيين بغارة جوية في مخيم نور شمس قرب طولكرم