الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خياران ... لا ثالث لهما

حميد غني جعفر

2012 / 6 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


خياران ... لا ثالث لهما
كل الكتل النيابية الكبرى الذين تتوالى اجتماعاتهم في اربيل والنجف – ثم اربيل – ومحاولاتهم جمع أكبر عدد من تواقيع النواب باتجاه سحب الثقة عن رئيس الحكومة يدركون تمام الإدراك بأن سحب الثقة ليس هو الحل الجذري المطلوب للأزمة المستعصية الذي يمكن أن يعيد للشعب والبلاد الأمن والاستقرار والعيش الكريم ، لأن الأزمة هي ليست بشخص المالكي بل بالأسس الخاطئة التي قامت عليها الحكومة الحالية – والسابقة – والتي بنيت عليها العملية السياسية – أصلا – وهي المحاصصة الطائفية المقيتة والقومية والعشائرية واعتماد المحسوبية والمنسوبية والشهادات المزورة لكبار المسؤولين ، نقول أن هؤلاء السادة – الفرسان – يدركون جيدا أن سحب الثقة ليس هو الحل ... لكنهم بذالك يهدفون إلى تبرير مواقفهم والتنصل عن مسؤوليتهم في إدخال البلاد بهذا النفق المظلم ... وبالتالي إعادة تقسيم الكعكة الدسمة باقتسام المناصب والمغانم ... تلك هي الحقيقة التي بات يدركها الشعب العراقي – لا غير – فليس من مصلحة للشعب في هذه الصراعات والمهاترات – كما وليس من المنطقي أن يتحمل المالكي – بمفرده – مسؤولية سوء وتدهور الأوضاع العامة في البلاد – لا نقول هذا دفاعا عن المالكي – لكنه المنطق السليم – فقد يتحمل المالكي الجزء الأكبر من المسؤولية في تدهور الوضع الأمني كونه القائد العام للقوات المسلحة ويشغل وزارتي الدفاع والداخلية وكالة ، لكن المفاصل الأخرى مثل الخدمات الأساسية – سوء الأداء الحكومي – الفساد المالي والإداري – بكل أشكاله وفي كل مفاصل الدولة – السعي لعرقلة وتعطيل تشريع القوانين المهمة لمجلس النواب التي تخدم مصالح الشعب – فهذه أمور يتحمل مسؤوليتها الجميع – بلا استثناء – خصوصا الكتل الكبيرة مسؤولون عن كل ما يعانيه الشعب العراقي من أوضاع مأساوية مزرية ، وليس من مجال لتبرير المواقف والتنصل من المسؤولية ... وإلا ما هو موقف وواجب الكتل الكبرى في الحكومة والبرلمان ؟ وهل أن واجبهم هو التفرج والصمت على أداء شخص المالكي والتصيد لاخطاءه ولكل كتلة منهم عدة وزارات وعدد من النواب في البرلمان .
فلقد سعى الجميع – وبلا استثناء أيضا – إلى تسييس كل شيء حتى الخدمات البلدية التي هي حاجة أساسية وضرورة حياتية ملحة لا غنى عنها مثل الكهرباء – الماء الصالح للشرب – شبكات الصرف الصحي – التعليم – الصحة – وغيرها الكثير منها إيجاد فرص عمل للشباب العاطلين عن العمل ... وكل هذه حاجات أساسية للمواطن ... فما هو ذنب المواطن في أن يحتمل تداعيات ونتائج صراعاتهم التي لا نهاية لها كما يبدو ... وليتصارع المتصارعون على المال والجاه والنفوذ ... وليغتنوا أكثر فأكثر ويزدادوا ثراءا ... وكفى الله المواطن شرهم وشرورهم ... لكن ليس على حساب معانات الناس وحاجاتهم الحياتية اليومية وتعطيل هذه الخدمات وتسييسها وهذه الكتل – الساعية لسحب الثقة – ذاتها تقيم الدنيا ولا تقعدها على أن المالكي يتفرد في الحكم وأنه دكتاتور جديد وهم يخشون عودة الديكتاتورية وأن الحكومة ليست حكومة شراكة وطنية وبأن المالكي يخرق الدستور ... الخ ، وواقع الحال أن الجميع يخرق الدستور ويتجاوز عليه ، والتجاوز على الدستور هو تجاوز على الشعب الذي صوت على الدستور واستهتار بإرادته وكل منهم يستقوي بدولة – إقليمية أو أجنبية لتنفيذ أجندتها بالضد من إرادة الشعب ومصالح الوطن المبتلى بهذه الجوقة من ساسة الصدفة ... وإلا فأي دستور هذا الذي يمنح السيد علاوي دعوته لأمريكا – وبشكل صريح – إلى التدخل لحماية التعددية في العراق ... وأي دستور هذا الذي يجيز له الوقوف إلى جانب متهم بالإرهاب هرب إلى كردستان ويحتمي بتركيا الآن والسيد علاوي يدافع عنه بقوة دفاعا باطلا لا يستند إلى قانون ، والغريب أنه صرح مؤخرا – وأمام الملأ – وبلا حياء – فقد بات ساستنا لا يستحون من الفضائح - بدفع خمسة دفاتر إلى هيئة المساءلة والعدالة لقاء شطب اسم النائبة عالية نصيف من قائمة الاجتثاث وهذا ما صرح به – بعضمة لسانه كما يقال 00000 فأين هو الدستور بل وأين هي الأخلاق ، وآخرون يرسلون رسالة إلى الأمم المتحدة ودعوتها للتدخل لحل المشكلات في العراق ، أليس هذا تجاوز على الدستور ... فالدستور والمبادئ الديمقراطية توجب الاستناد لإرادة الشعب فهو صاحب المصلحة الحقيقية في تقرير مصيره ومستقبل بلاده وينبغي الاستناد لإرادته وهو يرفض قطعا أية وصاية عليه من دولة أجنبية وهو قادر بوحدة قواه الوطنية الحريصة والمخلصة على حل كل المشكلات والأزمات مهما استعصى حلها على هؤلاء الساسة ، لكنه مغلوب على أمره ومهمش وعلى هؤلاء الساسة أن يحترموا إرادة الشعب ولا يستهينوا بالشعب فهو الأقوى دائما ، لكن هؤلاء المتشدقين بالديمقراطية والعدالة وبناء دولة المواطنة لم يلمس منهم الشارع العراقي – إلى اليوم – أية مصداقية لهذه الشعارات التي يتنادى بها الجميع – كذبا ونفاقا – وما يلمسه الشعب هو العكس تماما
قد يتصور البعض بأننا عندما ننتقد علاوي وغيره ، بأننا ندافع عن المالكي كلا قطعا ، لكننا نرى بأن هذه الكتل تتحمل هي الأخرى المسؤولية كاملة عن كل ما يعانيه الشعب لأن معاناته هي من تداعيات صراعاتهم ... فالديمقراطية وبناء دولة المواطنة تتقاطع تماما مع وجود المليشيات المسلحة ...لكن الجميع لديهم مليشيات مسلحة وتتخذ منها الذراع الأيمن للدفاع عن وجودها ومصالحها منها ما هو مستور يسخر عند الحاجة بعملية تفجير أو ضربات هاون أو بعمليات اغتيال بكاتم الصوت ومنها ما هو ظاهر ومعلن وبتشجيع ومباركة الحكومة ذاتها ... وها هو الدليل يأتي ونحن نتحدث عن المليشيات – المستورة – والمسخرة عند الحاجة – كما قلنا – اليوم بالذات – هزت بغداد وعدد من المحافظات تفجيرات إرهابية جبانة راح ضحيتها ما لا يقل عن – 300 – مواطن بين شهيد وجريح فما ذنب هؤلاء الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ يدفعون ثمن صراعات هؤلاء الساسة المحصنين في المنطقة الخضراء ، ويقينا أنهم سوف يستنكرون ويشجبون تلك الهجمات الإرهابية – لكنهم وكما قال الطالباني قبل عامين – بأنهم ديمقراطيون في النهار – وإرهابيون في الليل – ولا يمكن للشعب تصديقهم - أما الظاهر من هذه المليشيات والمعلن فقد جرى قبل فترة وجيزة استعراض مسلح في النجف من قبل كتلة برلمانية كبيرة الذي – سبق الإشارة إليه في مقالة سابقة – وقبل أيام أيضا جرى استعراض مسلح في الكاظمية لمجموعة مسلحة انضمت توا إلى مشروع ما يسمى – المصالحة الوطنية – وبحضور ممثل عن دولة القانون تحديدا وألقى كلمة في الاستعراض ... فكيف يمكن بناء دولة مدنية ديمقراطية دستورية ؟ بوجود هذه المليشيات المسلحة ... وكيف يمكن للشعب أن يطمئن لبناء مستقبله وأن يثق بحكومة المليشيات ؟ وكيف يمكن للقوى السياسية الوطنية المناضلة التعامل مع حكومة مليشيات لا تفهم غير لغة السلاح ، وهذا ما ذكرناه في مقالة سابقة – المصالحة الوطنية كيف وإلى أين - هذا إلى جانب التوجهات الأخرى المعادية للديمقراطية ومحاولات فرض الهيمنة على منظمات المجتمع المدني والمنظمات المهنية ومحاولات إخضاعها فسريا لتوجهات الحكومة ومنها النقابات العمالية ، تماما كما فعل الطاغية المقبور بالهيمنة على النقابات وإخضاعها لحزب البعث وجعل الشغل الشاغل للجان النقابية في المصانع هو مراقبة ومتابعة العمال الناشطين ثم أصدر قرار – 150 – بتحويل العمال إلى موظفين عام 1987 ثم إلغاء العمل النقابي في القطاع العام – والذي لا زال ساري المفعول في العهد الديمقراطي الجديد ..! ، وكان المفترض بالديمقراطيين الجدد – إن كانوا صادقين إلغاء هذا القرار الجائر .. وتشريع قانون عمل جديد عادل ومنصف للعمال وقانون للضمان الاجتماعي وإطلاق حرية العمل النقابي في القطاع العام وهذه من أولويات الديمقراطية ... فهل طالبت إحدى تلك الكتل – الكبرى – بذالك أو بأية قوانين تخدم مصالح الشعب خصوصا الشرائح الكادحة الفقيرة ؟ . ولا زالت حكومة – الشراكة الوطنية – تسعى جهدها لفرض الهيمنة على الإتحاد العام لنقابات العمال وإخضاعه لمشيئتها وتوجهاتها وتستخدم الأساليب الملتوية لإعاقة الانتخابات العمالية ، وقامت بتشكيل لجان تحضيرية من عناصر لا صلة لها بالعمل النقابي وغير معروفة في ساحة العمل النقابي كونهم من الموالين لحكومة المالكي وذالك خلافا لكل الأعراف والقوانين السارية والمعروفة في العمل النقابي في العراق أو الاتحادات النقابية العربية والدولية ، وقد واجهت الرفض والاستنكار من الاتحادات النقابية العربية والدولية كما وعمدت إلى تأجيل الانتخابات لمرات عديدة لتخدير يقظة العمال ومحاولة فرض العناصر الموالين لها .
هذه لمحات موجزة عن مجمل أداء الحكومة والبرلمان وتوجهاتهما البعيدة عن مصالح الشعب والبلاد ، ولا نريد هنا التوسع أكثر ... فلقد ذكرنا الكثير منها في مقالات عديدة – سابقة – منها على مواقع الإنترنت أو في الصحف الوطنية ، لكننا نتوجه بالقول إلى الفرسان المتصارعين – أولا – كونهم صناع القرار وبالتالي إلى جماهير شعبنا كي تعي جوهر الأزمة المستعصية والحل الجذري المطلوب فنقول : أن أمام السادة خيارين فقط لحل الأزمة بصورة جوهرية ... وما يطرح من حلول – عدا هذين الخيارين – فهي حلول ترقيعية لن تحل الأزمة ... وهذان الخياران بمثابة الامتحان العسير لمدى حسن النوايا وصدق الوطنية وتفترض أولا وقبل أي شيء الترفع عن الصغائر ونبذ المصالح الأنانية والذاتية – شخصية أو حزبية أو طائفية – ونبذ المحاصصة الطائفية المقيتة والتخلي عنها فكرا ونهجا وسلوكا ... فهي أساس البلاء ... كما ويجب محاسبة المزورين وإحالتهم إلى القضاء – لا بتشريع قانون بالعفو عنهم - ونبذ كل الخلافات الثانوية الجزئية جانبا بوضع مصلحة الشعب والوطن فوق أي اعتبار آخر، وعلى هذا الأساس يتوجب الاستجابة لدعوة رئيس الجمهورية بعقد المؤتمر الوطني الشامل لكل القوى السياسية الوطنية المعارضة للديكتاتورية المشاركة منها في الحكومة والبرلمان أو التي خارجهما والجلوس إلى طاولة الحوار البناء الجدي والمخلص في طرح كل نقاط الخلاف بكل صراحة وصدق ومن خلال مراجعة نقدية لمجمل مسار العملية السياسية والوقوف على مواطن الضعف أو الخلل ... مع إبداء المرونة والتنازلات المتقابلة ... وبالتالي الوصول إلى توصيات وقرارات تكون ملزمة لجميع الأطراف ، هذا هو الخيار الأول الذي يعيد للعملية السياسية المسار الصحيح ويعيد ثقة المواطن بممثليه في الحكومة والبرلمان ، أما الخيار الثاني يكمن في إجراء انتخابات مبكرة على أن تسبقها تشريع قانون جديد للانتخابات أو تعديله وفقا لقرار المحكمة الاتحادية وأن يكون العراق دائرة واحدة – كما هو واحد فعلا - وانتخاب مفوضية جديدة ومستقلة للانتخابات تلتزم الأمانة والمصداقية والحيادية في واجبها ، وتشريع قانون الأحزاب الوطنية ، وإجراء التعداد السكاني ، وتلك هي الاستحقاقات الضرورية المطلوبة لإجراء الانتخابات .
أحد هذين الخيارين – لا ثالث لهما – هو الحل الجذري المطلوب لإخراج البلاد من أزمتها المستعصية وإعادة المسار الصحيح للعملية السياسية وبناء دولة المواطنة الحقة ليستعيد الشعب ثقته بممثليه ويعيش حياة كريمة وآمنة مستقرة تفتح أمامه آفاق المستقبل الأفضل .
ومهما حاول المتصارعون التفنن بابتكار الحلول – غير هذين الخيارين – لن تكون إلا حلول ترقيعية لا تخدم مصالح الشعب بأي حال من الأحوال .

حميد غني جعفر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك


.. إسرائيل -مستعدة- لتأجيل اجتياح رفح بحال التوصل -لاتفاق أسرى-




.. محمود عباس يطالب بوقف القتال وتزويد غزة بالمساعدات| #عاجل


.. ماكرون يدعو إلى نقاش حول الدفاع الأوروبي يشمل السلاح النووي




.. مسؤولون في الخارجية الأميركية يشككون في انتهاك إسرائيل للقان