الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعترافات امرأة أمام محكمة رمزية للانصاف

حليمة زين العابدين

2012 / 6 / 17
الادب والفن


كان صعبا عليها، استعادة تجربة موغلة في القدم ، تجربة مؤلمة ودامية أيضا، كما أن بعد الذكرى جعل صعبا استحضارها بتفاصيلها الدقيقة لما أحدثه الزمن من ثقوب بذاكرتها. ولأن الذكريات فقدت تلك الحرارة التي كانت تجعلها تتدفق من غير توقف، فحكيها لم يعد ذا جدوى بالنسبة لها، فما الفائدة في ان تقول إنها عاشت مرحلة الاعتقال السياسي أو ما يصطلح عليه بسنوات الجمر والرصاص كواحدة من عائلات المعتقلين السياسيين ولكن من الدرجة الثانية، لأنها لم تكن أم معتقل سياسي بل زوجته، ولم تعاني من السجن باعتباره قباء محدود المساحة. وإن كان الفضاء الواسع، كله بالنسبة لزوجة المعتقل سجنا متعدد الأبعاد والمساحات، متنوعا في أشكال التعذيب، ليس الجسدي ولكنه التعذيب المعنوي والرمزي، هذا بالإضافة إلى الخوف الذي يأخذ طابع الديمومة والاستمرارية من غير اقتراف أي جرم يستدعي حالة الخوف الهستيري التي كانت تعيشها زوجة المعتقل لا لذنب، سوى أنها زوجة لمعتقل سياسي، ومتهمة بذلك مع وقف التنفيذ، تنتظر في كل لحظة وحين ان تؤخذ للاستنطاق أو أن يقتحم عليها زوار الليل مسكنها إن بقي لها مسكن، وهي لم تختر ان تكون هذه الزوجة، فاغلب زوجات المعتقلين لم يكن يعلمن أنهن سيصبحن زوجات معتقلين سياسيين. فهن لم يكن يعرفن أن أزواجهن يمارسون ما كان محظورا آنذاك، أي أنهم يفكرون بالثورة، وهذا اللاعلم هو أول وأقسى اعتداء على زوجة المعتقل، لاغتصاب حقها في أن تعرف من هو الرجل الذي ستقرن به حياتها، ومنعها من أن تقرر برغبة وإرادة أن تكون زوجة لرجل ينتظره الاختفاء ثم السجن بمدد محصورة بين الخمس سنوات والمؤبد، لتجد نفسها مناضلة في لبوس المرأة التقليدية، لا دور لها سوى تلبية رغبات زوجها المعتقل والوفاء بحاجياته من غير نقاش أو اعتراض، وإذا حدث وحصل لها تحول في شخصيتها ولم تعد تلك المرأة البسيطة والتي لا حول لها ولا قوة بحكم محدودية معرفتها وصغر سنها، أي تلك المرأة التي كانتها ، حين ارتبطت بزوجها المناضل، فإنها لا تجد في نفسها القدرة لإعلان، أنها كائن قابل للتطور والتحول، وبوسعها إدراك أن زوجها بالسجن لأنه آمن بحق الإنسان في حرية الرأي والتعبير، وهي إنسان، لها قناعات امتلكتها بحكم التجربة والخبرة من العالم الذي خرجت إليه بحثا عن زوجها، بحث أقحمها قسرا في السياسة تفكيرا وممارسة، لتجد نفسها تبدع وتمارس مختلف الأشكال النضالية لتختصر مسافة السجن أو لتخفف معاناته عن زوجها ومعه كل المعتقلين السياسيين، وهذه القناعات لم يكن لها حق في أن تتبناها مختلفة عن قناعات زوجها، أو تلتقي مع قناعات سياسيين آخرين لا ينتمون لتياره أو تنظيمه، وإن حدث ذلك، فتلك هي المأساة وهي الحرب الباردة التي تتصرف عدوانية من طرف زوج لا يستسيغ أن يكون لامرأته رأي آخر أو موقف مغاير، حتى إذا تعمق الشرخ وكان الانفصال، تدان وتحاسب وتدفع لتختفي عن الأنظار. وهذا اعتداء ثان ولكنه اشد على زوجة المعتقل.
ثالث اعتداء وهو الأكثر إيلاما أنها لا إمكانية لها لتعلن أنها إنسان لها رغباتها الخاصة والنوعية، تتغير مشاعرها وقد تتبدل تجاه رجل تفصله عنها أسوار وقضبان وآلاف الأيام والليالي، لأنها إن فعلت تلحقها لعنة المحيط الذي توجد به وتعزل كالبهيمة الجرباء، بل ويشوه عرضها وسمعتها، فلا تملك سوى الخضوع ليرضى عنها محيطها. تنتزع عن شكلها اختيارا كل وصف جميل حتى لا تنعت بالتفسخ، تمنع عنها الضحك لأنه لا يصح منها، ذلك أن زوجها يحاصره السجن والمنع من الحرية وعليها أن تتمثل ظروفه، وتعيشها بكل أمانة لتكون تلك الصورة النمطية لكل امرأة نموذج للإخلاص والاستماتة في الوفاء، والتي يرضى عنها المجتمع ويؤشر لها على صك العفة والشرف، ويعترف لها بامتياز، أنها مناضلة طالما استمرت تمثالا محنطا. إنه المجتمع ذاته الذي يعطي هذا المعتقل حق ترك هذه المرأة ، إذا ما نال سراحه مع ما تركه من أشياء تذكره بزمن الاعتقال، فلا يحاسب أو يطالب بالإنصاف وتعويضها عن سنوات من عمرها ارغمت على قضائها بسجن واسع ولا محدود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب


.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي




.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت


.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري




.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض