الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيدرالية والديمقراطية..

جاسم المطير

2012 / 6 / 19
مواضيع وابحاث سياسية



كثيرة هي الأشكال والمدارات الحضارية في تطبيقات الإدارة الفيدرالية وأنماطها اللامركزية في أمريكا والهند وألمانيا وروسيا وسويسرا وغيرها من دولٍ حققت خلالها تقدما مذهلا على مستوى بلدانها وتجاربها ، منذ أكثر من قرنين من الزمان . لكن الفيدرالية في بلادنا مادة جديدة نريد لها نحن الديمقراطيين العراقيين أن تكون (مادة متميزة) في الإدارة الحكومية ، شكلا وموضوعا، بما يحقق حركة المجتمع إلى أمام ، دائما ، عاما بعد عام وخطوة بعد خطوة ، في مجرى العلاقة بين العمل الحكومي والعمل الشعبي، بين الأعلى والأدنى من مؤسسات الحكم، بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية وهي تحاول اجتياز الحواجز والقيود الإدارية والسياسية التي أصبحت منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 عاملا أساسيا في رخص الديمقراطية الإدارية وعدم انتشارها بين مؤسساتها ودوائرها رغم ادعاءات كل الحكومات المتعاقبة على دست الحكم العراقي بأنها تستند إلى المبادئ الديمقراطية.
إلى جانب هذا يوجد ، في الزمان الحاضر ، من يريد أن يجعل الفيدرالية من الناحية العملية أداة من أدوات تمتع (الطائفية السياسية) بالاستقلال الإداري عن المجتمع الديمقراطي الموحد لجعل هذه أو تلك من المحافظات مسرحا لتنمية السيكولوجيا الطائفية، السنية والشيعية، وهي ، من دون شك، سيكولوجيا خطيرة تحفز المجتمع العراقي على انعزال كل طائفة في حدود محافظة أو إقليم .
تحوّل العراق – دستوريا - بعد نيسان عام 2003 من دولة مركزية، بل من دولة شديدة المركزية في عهد الرئيس الدكتاتور صدام حسين، إلى (دولة اتحادية ) كما نص الدستور الجديد . علماً أن انتفاضة عام 1991 كانت قد أجبرت، بمساعدة أمريكية ودولية ، نظام صدام حسين على التنازل من بعض سلطاته المركزية إلى كردستان العراق التي نشأت فيها حكومة كردية بصيغة أولية ( سلطة حزبية ثورية ) تحولت الى (سلطة دستورية منتخبة) بعد التغيير 2003 لكنها لا تزال تحتاج إلى بنية معرفية لعلم السياسة والإدارة من حيث مفاهيمها ومناهجها وقضاياها الديمقراطية لتحقيق مزيد من التطور ولتكون إشعاعا تجريبيا جذابا لجميع الكرد المناضلين من اجل حقوق الإنسان الكردي في إيران وتركيا وسوريا .
في سياق التطور بعد التغيير في نيسان 2003 جاءت سلسلة من الإجراءات المتتالية لبناء الدولة العراقية الجديدة بعد انهيار أهم أركان دولة صدام حسين وسلطته الدكتاتورية، الفردية ، المعتمدة على توظيفات وممارسات الحزب الواحد وعلى عصابات الأجهزة الأمنية القمعية . لقد قام بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي الذي نصبته قوات الاحتلال مستعينا بالأخضر الإبراهيمي الجزائري الجنسية والخبرة ، بوضع أسس المعمار الهندسي لبناء الدولة العراقية. وقد قيل – في ذلك الوقت - أن هذا المعمار خطط لبناء الديمقراطية في العراق تمهيدا لبناء شرق أوسطي جديد يقوم على أسس الديمقراطية . لكن هذا المعمار الأمريكي لم يحقق غير ظهور مبررات وأسس الطائفية السياسية من جهة، وتراجع شامل واضح في سن القوانين الضرورية من جهة ثانية ، ونشوء جيش كبير من العاطلين على العمل مما اوجد معاناة إنسانية قصوى ، متواصلة حتى الآن ، في بلد يعوم على بحار من الثروة النفطية.
كما هو معروف للجميع أن فقرا مطلقا ومركبا وحرمان الشباب من كل مقومات الحياة الكريمة الفاضلة قد أدى إلى نشوء ظرف تاريخي في البيئة السياسية – الاجتماعية المتحولة إلى بيئة ذات عوامل مساعدة للتدهور الأمني إلى الحد الأقصى حيث واجه الإنسان العراقي الفرد اضطهادا وظلما وضعفا متزايدا تحت سيطرة القوى الإرهابية الدولية، مثل تنظيم القاعدة والميليشيا المحلية، المتمثلة بسيطرة عصابات مسلحة على الشارع العراقي سيطرة عسكرية تامة. هذا الوضع جعل الإنسان العراقي وحتى القوى الوطنية والقيادات السياسية الجديدة التي وضعها بول بريمر والأخضر الإبراهيمي على رأس الدولة مسلوبي الإرادة جميعا في ظل قوى إرهابية قمعية أجبرت غالبية القادة الجدد على الإقامة والعيش في منطقة ضيقة محصورة ومنعزلة عن الشعب ومكابداته ( المنطقة الخضراء) أو الإقامة والعيش في دول الجوار ( الأردن ولبنان وإيران وغيرها) تحسبا من الوقوع ضحايا للعنف والإرهاب. ما زال بعض القادة العراقيين الجدد يمارسون واجباتهم في أجهزة الدولة (تلفونيا) بعد اتساع وتطور تكنولوجيا الموبايل . البعض الآخر يمارسها بالظهور على (شاشة التلفزيون الفضائية) متحركا بحماية مسلحة هائلة و بسيارات أمريكية مصفحة مستوردة بملايين الدولارات من المال العام. بهذا وذاك غدت الحكومة المركزية والحكومات المحلية والبرلمان سلطة مقهورة أمام الإرهابيين، كما غدت قاهرة لأبناء شعبها المحتجين. بل غدت عاجزة تماما عن تحقيق (وعودها الانتخابية) و(تمنياتها التلفزيونية) في تحسين ظروف معيشة الشعب وتوفير الخدمات الاجتماعية له ، بعد أن نخرت لوبيات الفساد المالي والإداري غالبية أجهزة الدولة من دون مكافحة حقيقية مما زاد في سوء أداء الدولة والحكومة طيلة تسع سنوات مضت في ظل أزمات سياسية فوقية عارمة مصحوبة بانفجار المفخخات الإرهابية القاتلة في معظم مدن العراق ، عدا المدن الكردستانية التي وجدتها آمنة خلال زيارتي الأخيرة للإقليم قضيت فيها شهر مايس / أيار الماضي في اربيل .
يتضح لكل ذي عينين ثاقبتين أن أصول الأزمة السياسية الراهنة في بلادنا ليست ناتجة أو مستمدة من وجود القهر السياسي للشارع العراقي حسب، ليس من ضعف استخدام القرار الصحيح في الاقتصاد والاستثمار حسب، ليس في هيمنة الثقافة الطائفية حسب، ليس في سيطرة سيناريو المحاصصة بديلا عن الشراكة الوطنية في صنع القرار حسب، بل أن هناك نوعية سلبية من العلاقة بين مركز الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية كافة وحكومة إقليم كردستان أيضا. إذ أننا نجد التجربة اللامركزية والفيدرالية كانت ولا تزال بمعطيات يمكن اعتبارها (ايجابية) في بعض النواحي و(سلبية) في معظم نواح أخرى. كان بعضها قد تطور في العمل الإداري لكن فيه انكماش، أيضا، في بعضها الآخر. وقد أدى هذا (الازدواج المتناقض) إلى مستجدات إدارية متخلفة في عدد من المحافظات أوجدت فيها قناة خاصة ( البصرة.. تكريت.. ديالى.. الناصرية.. وغيرها ) دافعة إلى المطالبة بــ(الفيدرالية) في هذه المحافظات التي يتصور بعض قادتها في مجالسها ان الفيدرالية هي مجرد ( رغبة) طائفية أو عشائرية ينبغي بنظرهم تحقيقها. من الممكن القول و الإشارة إلى أن هذه المطالبات لا تخلو من فوضى، بل كان رمزها الرئيسي في بعضها منطلقا وفق تقييم وقياس طائفيين ( مثلاً. فيدرالية شيعية في البصرة وسنية في ديالى وعشائرية في الانبار ) . مثل هؤلاء المطالبون بـ(الرغبة الفيدرالية) لا يعلمون انها قد تؤدي إلى ضعف وتفتت إدارة البلاد ، بدلا من تعزيز قوتها ووحدتها واندماجها. كما أنهم يجهلون أن (الفيدرالية ) هي شكل عال من أشكال (الديمقراطية – الإدارية - الاجتماعية ) التي لم تبلغها بلادنا ، بعدُ.
كان العنصر الدافع لتلك المطالبات الفوضوية ليس نتيجة تنوع الظروف والثقافات التعددية ونسبيتها إنما بعوامل تصارع الأفعال وردودها ونتيجة عدم التطابق الديمقراطي في أفكار قادة الحكومة المركزية والحكومات المحلية . كما كانت الرمزية الأخرى في تلك المطالبات منطلقة لتقليد تجربة (فيدرالية كردستان) التي حققت تسامحا ايجابيا بين مكوناتها بعد اجتيازها معوقات العلاقات الإدارية مع ( المركز ) بخطوات قابلة للتطور والتغيير المستمرين ، مثلما تفاعلت تفاعلا ايجابيا مع التنمية الاقتصادية ومع الاستثمارات ، الوطنية والأجنبية. وقد نشأت بعض مطالبات الفيدرالية بعد أن وجد بعض قادة المحافظات في وسط العراق وجنوبه أنه لا يحتمل العلاقة مع مركز الحكومة الاتحادية التي وجدوها بتجاربهم ونظرتهم أنها بعيدة عن روح التعايش الإداري الديمقراطي في وقت لم تنضج فيه حتى الآن علامات البناء الفيدرالي .
الملاحظ في السنوات الست الماضية من حكومة السيد نوري المالكي رئيس وزراء العراق ظهور مفاهيم مثقلة بالانحياز لا للتعددية والديمقراطية ولا لمعاني ومدلول الفيدرالية الدستورية وليس للسياق التاريخي والمعرفي – التجريبي لنظام اللامركزية المعمول به في دول متقدمة بشتى أنحاء العالم، بل بمحاولة التوسع في السيطرة المركزية على أطراف الدولة العراقية كافة من قبل الحكومة الاتحادية في بغداد .
هذا أمر خطير، بنظر الكثير من القادة والأحزاب بما فيها أحزاب وكتل الإسلام السياسي، يحتاج إلى حلول سريعة. نقطة البداية فيها ينبغي إن تكون الدولة الاتحادية – الفيدرالية مبنية على أسس ديمقراطية ، لا يحكمها حاكم واحد ، لا يسيطر فيها شخص واحد على القيادة العسكرية المسلحة ، على قوى الشرطة الوطنية في وزارتي الدفاع والداخلية ، على الوزراء في مجلسهم، على اكبر كتلة وبرلمانية وعلى اكبر شبكة إعلامية وعلى إدارة العاصمة إدارة حزبية وعلى التعليم العالي، كما هو الحال الحاضر في بلادنا . لقد صار الكل - بما فيهم بعض حلفاء السيد رئيس الوزراء - يطالبون أن لا تكون قرارات الحكومة الاتحادية من مصدر واحد .
لقد صارت قرارات الحكومة بوضع سلبي نتيجة طبيعية لفوضى العملية السياسية وخلو مجلس الوزراء من السلطة التنفيذية الفعلية ، من خلال عمل فردي ينفرد فيه كل وزير بوزارته وليس وفقا لبرنامج حكومي موحد ومصادق عليه برلمانيا . بل لا نجد أي اختصاص داخل الحكومة - كما هو الحال في الدول الاتحادية والفيدرالية في تجارب الدول الأخرى بالعالم - حيث نرى أول شيء فيها هو توزيع (الاختصاص الدستوري) بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية كما هو الحال مثلا في ألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الاتحادية . حيث تقوم القوانين الوضعية بتوزيع الاختصاصات توزيعا مناسبا لظروف ومهمات كل حكومة محلية . كذلك نجد في الوقت نفسه أن تلك القوانين تقيد كل المؤسسات من التجاوز على صلاحيات الآخرين تقيدا كافيا وضروريا.
نجد ، أيضاً، في ذات الوقت، في الدول الفيدرالية حالات كثيرة تتنازل فيها الحكومات المركزية عن بعض اختصاصها للحكومات المحلية مثلما تتنازل أحيانا بعض الحكومات المحلية عند الضرورة المقرة برلمانيا إلى الحكومة الاتحادية عن بعض اختصاصاتها . لكن في كل الأحوال تبقى اختصاصات الدولة في الميادين الدولية منحصرة بيد السلطة الاتحادية المركزية، مثل إعلان الحرب والتمثيل الدبلوماسي وعقد المعاهدات مع الدول الأخرى. لكن هذه القواعد الفيدرالية لها استثناءات ديمقراطية. ففي سويسرا مثلا تنص إحدى مواد الدستور على أن للاتحاد وحده حق عقد معاهدات مع الدول الأجنبية لكن مادة أخرى في نفس الدستور تمنح المقاطعات السويسرية حق عقد معاهدات مع الدول الأجنبية تختص بشئون الاقتصاد وعلاقات الجوار والنشاط البوليسي على الحدود بشرط أن لا تتضمن هذه المعاهدات أي بند يتعارض مع مصالح الاتحاد السويسري أو مع حقوق مقاطعاته الأخرى. في الولايات المتحدة ينص الدستور الأمريكي على أن رئيس الجمهورية هو الذي يعقد المعاهدات وهو المسئول عن حق التمثيل السياسي . أما الولايات الأعضاء في الاتحاد الأمريكي فلا يمكنها أن تعقد أي معاهدة مع الدول الأخرى لكن كل ولاية أمريكية يحق لها بموافقة البرلمان والكونغرس عقد اتفاقات مع أية ولاية أمريكية أخرى. بينما كان النظام الألماني الاتحادي في ظل نظام عام 1871 قد أباح لكل مقاطعة اتحادية عقد المعاهدات والاتفاقات لكن هذا النص قد الغي فيما بعد من الدستور الألماني. هذه أمثلة تجارب عالمية يمكن النظر إليها والتبصر فيها في حدود وآفاق تجارب الديمقراطية العراقية الجديدة وفقا لمصالح الوطن كله.
الأزمة السياسية الأخيرة في عراق الأزمات نشأت وفق ما اعتقد بسبب افتقار الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية لأدنى المعايير السياسية التي تحكم العلاقات بين الحكومة والشعب ، بين المؤسسات الحكومية ذاتها ، خاصة بين المحافظات والوزارات الذين صعد المسئولون إلى مراكزها الأولى غير متأقلمين، ثقافيا ومعلوماتياً، مع مهمات الدولة وواجباتها بصورة يفترض أن تكون لخدمة مصالح الشعب وتعمير ما تخرّب من البنية التحتية في الزراعة والصناعة والاقتصاد.
إن تصريحاتٍ تلفزيونية ً كثيرة أدلى بها السيد رئيس الوزراء نوري المالكي أوضحت أن مناصب الوزراء على وفق المحاصصة جعلتها بأياد غير مسئولة أمامه. هي تمسك الأمور وهو يصادق القرارات أو ينفذها ليس غير. ليس من حقه محاسبة أحد من وزرائه العائدين لكتل وأحزاب أخرى . هكذا يضيع الزمن العراقي كما تضيع الجدولة الزمنية في البناء والأعمار من دون نجاح حقيقي رغم مواكبة مئات مليارات الدولارات المصروفة خلال السنوات التسع الماضية لم تحقق شيئا لتحسين ظروف معيشة المواطنين ولم تخلص اقتصاد البلاد من تخلفه وضاعت بذلك كل فرص الانتخابات والديمقراطية التمثيلية الممثلة طائفيا وكتلويا في برلمان غير قادر على مراقبة أداء المسئولين الحكوميين وغير قادر على الإصلاح والتشريع وصارت الديمقراطية البرلمانية مخزونة لمصلحة رجال الدولة والحكومة، خاصة بعد أن سكت صوت الشارع ولم يعد مسموعا من قبل البرلمانيين أنفسهم .
لقد حاول السيد رئيس الوزراء عبور الأزمة الإدارية – السياسية الشاملة عن طريق ابتداع وسيلة جديدة لتحسين الأداء اللامركزي في الدولة العراقية الاتحادية وذلك بعقد اجتماعات مشتركة بين (مجلس الوزراء) و(مجالس المحافظات) بصورة دورية كان أولها اجتماع مجلس الوزراء في البصرة وآخرها يوم أمس في الناصرية. لا شك أن هذا الابتداع في الاجتماعات يمكن أن يحقق نتائج فاعلة في بعض جوانب العمل الإداري وليس كله ، وفي العلاقة بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية في المحافظات وليس كلها . ربما يؤدي هذا النوع المستجد إلى صنع وتوفير السبل بشأن تسريع انجاز بعض مشاريع المحافظات مثلما يمكنها تأمين شكل من أشكال مراقبة وتدقيق تفاصيل العمل اليومي الغارقة بها وحدات العمل الإداري في جميع المحافظات.
أنا شخصيا أرحب بهذه المبادرة رغم يقيني التام أن نتائجها وتقنياتها سوف لن تقضي على روتينية العمل الإداري وتناقضه وتباطؤه. كما أنها لن تحقق أي زيادة حقيقية في إنتاجية القطاعات الإدارية والاجتماعية والاقتصادية في مفاصل الدولة العراقية الاتحادية جميعها.
في الشهور الثلاثة الأخيرة لاحظنا ازدياد حجم الفجوات بين إقليم كردستان والحكومة المركزية الاتحادية ، بين المحافظات (البصرة.. صلاح الدين.. ديالى.. الانبار) التي تنامت فيها وتصاعدت الانتماءات الضيقة والنزعات القبلية والعرقية والطائفية مما جعل هذه المحافظات تطالب بتأسيس (الإقليم الفيدرالي) باندفاع عاطفي وجده الكثير من الساسة والمحللين والأكاديميين يحمل معه مظاهر التفكك الداخلي لجسد الدولة العراقية. على الأقل أنها تصيب بالشلل مؤسسات الدولة وعناصرها التكميلية الموجودة في المحافظات. لعل ضعف الخبرات السياسية وعدم الإلمام التام بخبرات الدول الفيدرالية والكونفيدرالية في العالم هو السبب في اتساع الهوة بين الدولة المركزية والمحافظات بما تحمله من تأثيرات سلبية قائمة فعلا بالوقت الحاضر أو تأثيرات محتمل ظهورها في المستقبل رغم ان الدول الاتحادية في اغلبها تتطور تطورا ينبئ بمزيد من ظاهرة التحول نحو مزيد من السلطات إلى المحافظات والأقاليم لكن ومن دون شك أن هذا التحول سيكون تدريجيا وتجريبا . مع الأسف أن قضايا العقود النفطية الجزئية المعقودة بين حكومة إقليم كردستان والشركات النفطية الأجنبية كانت وما زالت نقطة خلاف بين الإقليم والمركز وقد ظل الجدل والنقاش حول هذه المعضلة نظريا مجردا يخلو من الدراسات والبحوث القانونية والحقوق الدستورية ، كما يخلو من رصد آليات الدول الفيدرالية الأخرى وتجاربها بهذا الصدد. لقد ابتعدت معالجة هذا الخلاف عن آفاق وحدود الديمقراطية الوطنية وفقا لمبادئ الدستور، بل تداخلت مع التصريحات الصحفية والتلفزيونية التي أدى تبادلها إلى تعزيز السلبية وليس الايجابية في العلاقة بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية مما يؤدي إلى إضعاف اطر التنمية الاقتصادية في العراق الاتحادي كله. كثير من رجال الحكومات المحلية في المحافظات العديدة وجدوا دائما أن إقليم كردستان يستند إلى رؤية موضوعية وإمكانية تطبيقية لتعزيز الديمقراطية العراقية ولذلك فهم يطالبون بتحويل محافظاتهم إلى (أقاليم) باعتبار أن تجربة إقليم كردستان قد أعطت الشعب العراقي كله فرص دفقة جديدة وعميقة للتجربة الديمقراطية في وجدان الشعب العراقي بمجموع مكوناته. بينما نرى لدى بعض قادة وأحزاب الحكومة الاتحادية توجسا من تصاعد مستويات الفيدرالية والديمقراطية وموازياتها في منظمات المجتمع المدني والمنظمات الجماهيرية .
لا ادري ماذا يمكن ان ينتج عن مثل الاجتماعات المشتركة بين حكومة المركز والحكومات المحلية ..؟ هل أنها تجسد أفعالا جدية تحقق او تسهم في تحقيق بناء إداري جديد..؟ ترى هل هي بديل عن أهمية وضرورة تأسيس مجلس خاص اسمه مثلا (برلمان المحافظات) يضم ممثلي المحافظات والأقاليم ليكون مظهرا مهماً من مظاهر (مشاركة) المحافظات في (سلطة الحكم) وفي مشاركة البرلمان بسن قوانين الدولة الاتحادية. مثل هذا المجلس منصوص عليه في العديد من الدساتير( ألمانيا.. كندا.. النمسا ..الأرجنتين.. فنزويلا.. المكسيك.. استراليا .. سويسرا وغيرها) . يمكن تحديد اختصاصات مثل هذا المجلس تحديدا تفصيليا بقانون خاص يشرع لهذا الغرض وغيره لممثلي المحافظات وجميع أعضاء ومكونات الدولة الاتحادية لتحديد علاقة قانونية سليمة بين الوزارات والمحافظات قائمة على أساس سلامة وصواب توزيع السلطات توزيعا صائبا وحكيما وديمقراطيا قائما على المبدأين الأساسيين التاليين:
1 – المبدأ العام: إن جميع القضايا المتعلقة بمجموع الدولة أي بصالح الشعب العراقي كله فأنها تدخل في اختصاص السلطة المركزية الاتحادية بمساعدة المحافظات والأقاليم.
2 – المبدأ الخاص : إن جميع القضايا ذات الطابع المحلي تدخل ضمن اختصاصات المحافظات والأقاليم بمساعدة الدولة المركزية الاتحادية.
نجد هذين المبدأين في جميع الدساتير الاتحادية أو في معظمها على نطاق العالم ولا بد أن تكون تجاربها ومعطياتها موضع الدراسة والاعتبار من قبل رجال الدولة العراقية ومشرعي قوانينها لكي يتم التوصل الى تقليل الفروق بين مسافات الاختصاص المركزي وما دونه في العراق الجديد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل عشرات المدنيين الفلسطينيين في غارات جوية إسرائيلية على


.. رويترز: مقتدى الصدر يمهد لعودة كبيرة من باب الانتخابات البرل




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وسلوفينيا| #عاجل


.. انطلاق فعاليات تمرين الأسد المتأهب في الأردن بمشاركة 33 دولة




.. اليوم التالي للحرب في غزة.. خطة إسرائيلية وانتقادات لنتنياهو