الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحب والعاصفة 15

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2012 / 6 / 19
الادب والفن


7
حفلة عرس شادن

اقترب موعد عرس شادن ووصلت عائلة زياد الى البلاد بجميع أفرادها تحضيرا للحدث المهم. إنشغلت في مساعدة شادن بتحضيراتها وقد ساعدني الوقت الطويل الذي كنت أقضيه معها في تناسي همومي قليلا. لم ألتقِ بسامر أكثر، بل اكتفينا بالتحدّث لأوقات قصيرة عبر الهاتف ولم أكن قد أخبرته بعد بمشكلتي مع رامز.
إشتريت فستانا جديدا للبسه وكنت متلهّفة لتلك الليلة إذ كان سامر من بين المدعوين، إلا أنني أوصيته بعدم التحدّث إليّ أو حتى الإقتراب مني تجنّبا لإثارة أية مشاكل.
لقد جمعنا ذلك الحدث بعد عشر سنوات من العمر. كان الجميع هناك. عائلة ابو جودة، عائلة الصانع وعائلة العمري، تلك العائلات الثلاث التي سكنت في أمريكا وأقامت معا شركة كبيرة، هي الآن ملك عائلة العمري، الوحيدة من بينها التي بقيت في أمريكا. وكانت هناك في الحفلة طبعا عائلتي وعائلة عمي ابراهيم، أما باقي المدعوّوين فقد كانوا من أقرباء وأصدقاء أهالي العروسين وخاصة أهل شادن، إذ كانت والدة زياد العمري، إبتسام، عربية أمريكية تسكن مع أهلها في أمريكا منذ زمن طويل، وقد جاء بعضهم الى البلاد لحضور حفلة العرس. أما والده، سهيل، فقد كان وحيد أهله وأقرباؤه مشتتين بين أوروبا وأمريكا والبلاد فحضر منهم من استطاع.
ظهرت شادن الى جانب عريسها في غاية الجمال والتألّق، ولم تفارق الإبتسامة وجهها طوال المساء، فظلّت ترقص بين يديه فرِحة، مرِحة، وقد تحقّق الشيء الذي ظلّت تتمناه طوال حياتها. وكان زياد ببذلته السوداء الأنيقة وقامته الطويلة المتناسقة يستميل أنظار كل البنات اللاتي كن مبهورات بوسامته، وكان من الواضح مما سمعت من عبارات وتعليقات من بعضهن أنهن يحسدن شادن على هذا الزوج الأمريكي الوسيم، الغني والجذاب.
كنت جالسة الى طاولة مع أفراد عائلتي وعائلة عمي، الى جانب العروسين. وفي الجانب الآخر، جلست عائلة العمري وقسم من أقربائهم. وكان سامر وعائلته جالسين الى طاولة بعيدة بعض الشيء، بحيث لم يتسنَّ لي رؤيتهم كثيرا. وكنت سعيدة بذلك إذ كنت مصرّة على إخفاء علاقتي مع سامر تحت وطأة الظروف الطاغية.
وبعد فراغنا من الأكل، إنطلقت نغمات الموسيقى العذبة ليقوم العروسان الى حلبة الرقص ومعهما بعض الأقرباء والأصحاب.
"رامز،" سمعت صوت فادية يقول فجأة. "ألن تدعو هنادي للرقص؟"
رميتها بنظرة ساخطة لسماع ذلك، ثم استدرت الى جانبي الآخر حيث جلس رامز، فرأيته يبعث لي بابتسامة تدعوني اليه.
"أنا... أنا آسفة." قلت بعد تفكير بسيط. "لا رغبة لي في الرقص."
قمت من مكاني، وحين كنت في طريقي الى شادن... صادفتني فاتن.
"كيف حالك، هنادي؟" قالت وفي عينيها حقدها المبطّن.
رميتها بنظرة اختزلت احتقاري وبغضي لها. "بخير والحمد لله." أجبت.
ثم قلّصت ملامحها بشماتة وقالت: "ما أجمل فستانك! تعلمين؟ إن قماشه يشبه كثيرا الشرشف الجديد الذي اشترته أمي بالأمس. إنه جميل جدا. عليك أن تريه بنفسك."
فقلت وأنا أنفث في وجهها كل حقدي: "خسارة حقا أن يشبه شرشف أمك الجديد فستان فتاة فقيرة مثلي. عليها أن تبدّله في الحال! فهذا أمر لا يليق بعائلة مثل عائلتكم. أرسلي لها سلامي وقولي لها بلساني إنني آسفة جدا على ما حصل. من اليوم سأفحص كل شراشف بيتكم قبل أن أشتري أي فستان جديد."
تركتها والذهول مطبق عليها ولم أعِِرها نظرة أخرى.
إقتربت من شادن التي وقفت مع عريسها على جانب من الراقصين. إبتسمت لي من خلال وجهها الذي أشرق بفرحة غامرة، وابتسم لي زياد، ووقفنا نتبادل الحديث لدقائق ونحن نراقب الحضور. لمحتُ سامر وهو يكلّم وجدي العمري على بُعد أمتار قليلة منا. رأيته يختلس اليّ النظر ويبعث بابتسامة عذبة، فأحسست بلذة عجيبة تتسلّل الى أعماق نفسي، ولكنني حوّلت نظري عنه في الحال دون أن أردّ.
رأيت ابتسام العمري، والدة زياد، وهي تقترب منا بصحبة ابنتها خلود. صافحتها مهنّئة بزواج ابنها. كانت ابتسام، على عكس أبنائها الثلاثة، قصيرة القامة وسمراء البشرة وتتميّز بوجه يتّقد حيوية ونشاطا. وكانت تبدو الى جانب ابنتها وكأنها أختها الكبرى ليس أكثر، رغم أنها كانت قد تجاوزت الخامسة والأربعين من عمرها. وكانت خلود طويلة ونحيفة، مثل أخويها، ولها شعر طويل أملس ينسدل على كتفيها في تموّج ناعم جميل.
"تبدين رائعة، يا هنادي." أطرت ابتسام لي بتهذيب. "كم يسرني أن أراك بعد كل هذه السنوات الطويلة! لم أرَك منذ كنت بنتا صغيرة لم تتعدّ العاشرة. وها أنت اليوم صبية حلوة تخطف الأنظار. لقد كنتما أنت وشادن صديقتين حميمتين منذ الصغر، أليس كذلك؟ لا بد أن يكون الفراق صعبا عليكما إذن." ثم أخذت بيدي وضغطت عليها قائلة: "أنا متأسفة لأننا نأخذ منك شادن الى بعيد. ولكن، ماذا نفعل؟ هذه سنة الحياة، ولا ندري، فربما تكون الأيام تخبّئ لنا شيئا لا نتوقّعه على الإطلاق في هذه اللحظة."
إبتسمت لها ولم أعِر كلامها أهمية كبيرة، وكيف كان لي أن أعلم ما يخبّئه لي القدر في تلك اللحظة؟
بعد قليل، ظهر وجدي من خلفها. شاب طويل ورشيق، نحيف، أسود الشعر متّقد الوجه حيويةً ونشاطا، تماما مثل أمّه. إقترب مني وصافحني بتهذيب.
"كيف حالك؟ لم أرَك منذ مدة طويلة." قال.
"صحيح. ولكنك لا تأتي الى البلاد كثيرا، كما فهمت." قلت.
فتدخّلت والدته: "وجدي مشغول جدا طوال الوقت. إنه لا يدع دقيقة واحدة تمرّ عليه هباءً. إنه يدرس ويدرّس، يعمل ويغنّي ويمثّل ويرسم... ماذا لا؟؟؟ الوقت لديه أثمن من أن يأتي الى هنا في إجازة."
رأيته يرخي رأسه ويرفع يده الى أنفه في حركة توحي بالإرتباك، ثم مطّ بطرف شفته ولم يعلّق بشيء.
بعد لحظات، إستأذنتهم تاركة المكان وخرجت الى الشرفة.
وقفت طويلا أستنشق هواء الليل العليل، تنعشني نفحات النسيم الباردة التي أتى بها الليل. حاولت أن أفرغ بالي من التفكير.
ظهر رامز الى جانبي بعد لحظات يقدم لي عصيرا باردا. شكرته وأخذت الكوب من يده بشيء من الفتور.
تأمّل نحو العروسين طويلا وابتسامة واسعة تغطّي شفتيه. "إنهما يبدوان لائقين لبعض، أليس كذلك؟" قال.
حوّلت نظري إليهما. كانا يرقصان معا يدا بيد والفرحة واضحة عليهما. أجبت موافقة: "فعلا."
في تلك اللحظة، خطر في بالي سؤال: ترى، هل سيكتب لي القدر أن أعيش مثل هذه اللحظة مع سامر؟! كم تمنيّت ذلك في داخلي!
ثم أعادني صوت رامز الى الواقع. "كيف هي دراستك؟" سألني.
أجبته باقتضاب: "بخير."
ثم قال لي ونبرة التفاخر تلوح من صوته: "تعلمين؟ لقد اشتريت بيتا قبل أسبوعين. إنه بخمس غرف كبيرة وفسيحة، وغرفة جلوس ذات نوافذ زجاجية كبيرة تطلّ على البحر. إنه جميل جدا، وبدأت بتجهيزه. كنت أودّ لو تريه يوما ما."
"لماذا؟" سألته بشيء من الغضب.
فأجاب مبتسما: "كي أعرف رأيك فيه."
"ولماذا يهمّك رأيي فيه؟"
" لأنني أريد أن يعجبك."
فاشتدّ غضبي وامتعاضي، وقلت له بشيء من الحدة: "إسمع يا رامز، هذا البيت هو بيتك أنت، ولا تظنّ أنه سيصبح بيتي يوما ما، لأنه لن يكون. أنا لا أستطيع أن أكون زوجتك." ثم تابعت بنبرة هادئة أكثر وحاولت أن أكسوَها بالرّقة: "أنت تستحق أفضل مني، فأنا... أنا لا أحسّ نحوك بما يجب أن تحسّ به المرأة تجاه من تريد يكون زوجها."
سمعته يقول بلا مبالاة مدهشة: "ولكن... أنت تعلمين أننا لبعض."
قلت: "كيف نكون لبعض؟ أنا أعتبرك مثل أخي ولا أستطيع أن أفكّر بك كزوج!"
"إذن، فأنت لا تحبينني؟!"
لم أجب بشيء. ثم رماني بنظرة صلبة، وسألني باهتمام: "هل هناك رجل آخر؟"
قلت له بنبرة صادقة: "كل هذا لا يهُم. ما يهُم هو أنك تستحق أفضل مني. تستحق من تحبك وتفهمك. وأنا متأكدة أن هناك الكثيرات يتمنّين رجلا مثلك. أرجوك أن تفهمني يا رامز."
ولكنه لم يبدُ لي فاهما شيئا مما قلت. إرتفعت على وجهه ابتسامة سخيفة وأخذ رشفة من عصيره.
بعد أن تركني، إنهالت عليّ أفكاري لتعيد القلق الى صدري. ما نهاية هذا الأمر؟ يبدو وكأنه يزداد تعقيدا مع كل يوم. أحسست أنني في دوامة لا نهاية لها. آه لو كان بإمكاني الإبتعاد عن كل هذا! ليتك أخذتني معك يا شادن. خذيني بعيدا، لا يهم الى أين، المهم أن أبتعد عن هذه الدنيا التي تسلب مني حريتي وتكبّلني بسلاسل حديدية مرعبة!
فجأة...
أفقت من أفكاري على صوت من خلفي. "لدي رسالة اليك."

يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د


.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل




.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف


.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس




.. أحمد فهمي عن عصابة الماكس : بحب نوعية الأفلام دي وزمايلي جام