الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البرادعى.. زويل.. المنقذ والتبعية

نوال السعداوى

2012 / 6 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


أكتب مقالى اليوم قبل أن تظهر نتيجة الانتخابات الرئاسية، لا أعرف من يكون رئيس الدولة المصرية غدا، لم أنتخب أحدا فى أى عهد من العهود، لم ألتف حول زعيم، مادى أو روحانى، لم أومن بالمهدى المنتظر أو البطولة الفردية، لم أذهب إلى المطار للقاء البرادعى أو زويل أو باراك أوباما، وهل يأتى منقذ الوطن بالطائرة؟ أو محمولا فوق أعناق الجماهير؟

كلمة «الجماهير» تثير عندى الشكوك.

سادت كلمة «الجماهير» فى الاتحاد الاشتراكى عام ١٩٦٥ أيام عبدالناصر، تحولت إلى كلمة «مصرنا الحبيبة» عام ١٩٧٥ أيام السادات، ثم أصبحت «مصر العريقة» عام ١٩٩٩ أيام مبارك، تحولت إلى «الثورة المجيدة» بعد سقوط مبارك ١١ فبراير ٢٠١١

كانت أمى تقول: كلهم زى بعض، وأبى يقول: يتاجروا بربنا والفقراء والفلاحين من إخوان مسلمين وشيوعيين، اكتشفت أن مقعد الحكم يفسد الجميع، الملائكة والشياطين، لا يوجد شىء اسمه ملائكة أو شياطين، بل «بشر» يتم إفسادهم بالتربية والثقافة والتعليم.

ألم تفسد النخبة المثقفة فى كل العهود؟ ألم تنافق وتراوغ فى تعريف من هو الفلاح أيام عبدالناصر؟ ثم دخلت النخبة المثقفة والأثرياء والأدباء إلى مجلس الشعب تحت اسم الفلاحين؟ السلفيون والإسلاميون دخلوا مجلس الشعب «عام ٢٠١٢» تحت اسم الله والصندوق والشريعة؟ صعد فوق جسد الثورة المصرية «عام ٢٠١١، ٢٠١٢» قوى سياسية تحت اسم الثوار والشهداء والديمقراطية ؟

تنازعوا على امتلاك الثورة، مزقوها بينهم تمزيقا، مثل الأم فى مسرحية بريخت، «الأم غير الحقيقية» التى قبلت تمزيق طفلها من أجل امتلاك نصفه، وتنازلت «الأم الحقيقية» عن نصيبها ليظل طفلها حيا كامل الجسد.

تغنوا بالانتخابات البرلمانية، تجاهلوا العقل والمنطق الذى قال الدستور أولا، دعوا إلى شرعية الصندوق وعرس الديمقراطية، فرحوا بفتات المقاعد فى مجلس الشعب والجمعية التأسيسية والمجلس الاستشارى والثقافى والإعلامى، ثم فرحوا بحل كل هذه المجالس الزائفة، كأنما لم يشاركوا فى صنعها، فرحوا بصورهم فى الصحف والمجلات، وضعوا الماكياج وأصبحوا أبطال الثورة فوق الشاشة، ثم انقلبوا على أعقابهم وانفرط عقدهم، انسحبوا ثم اجتمعوا مع المجلس العسكرى ثم انسحبوا، تكرر المشهد دون اعتراف بالخطأ، لم يشعروا بأى تأنيب ضمير، يجعرون فى الصحف والأبواق بأخطاء الجميع، إلا أنفسهم، يرون القشة فى عين الآخرين، لا يرون الخشبة فى عين الواحد منهم.

لم يتعودوا التفكير الإبداعى المستقل، يدورون مثل آبائهم فى الحلقة المفرغة، تعودوا أن يكونوا أتباع غيرهم فى الفكر والعمل.

التبعية الثقافية جزء لا يتجزأ عن أعمدة الديكتاتوريات القديمة، منذ العصر الإقطاعى العبودى، حتى الديمقراطيات الحديثة، فى القرن الواحد والعشرين، تؤدى التبعية الثقافية إلى كل التبعيات الأخرى: السياسية، الاقتصادية الاجتماعية، الدينية، الأخلاقية، الشخصية والعامة.

لا يمكن لقلة قليلة يملكون السلاح والمال والإعلام أن يحكموا الأغلبية الساحقة من الشعوب دون السيطرة على العقول، تحويل العقل من الاستقلال إلى «التبعية»، الإحساس بالراحة والأمان فى التبعية للآخرين، الإحساس بالخوف والخطر فى الاستقلال والإبداع.

أصبحت الانتخابات هى البقرة المقدسة، يعبدها الجميع رغم قصورها الواضح: فشلت الديمقراطية الانتخابية تحت حكم الرأسمالية الأبوية فى كل بلاد العالم، ولماذا قامت الثورات الشعبية من وول ستريت فى نيويورك إلى ميدان التحرير فى القاهرة؟

بعد تصادم السلطة القضائية بالسلطة التشريعية والتنفيذية فى مصر، ارتفعت الأصوات تؤكد أن «ضمير القاضى» يعلو على السلطات، هل يختلف «ضمير القاضى» عن ضمير الصحفى أو المحامى أو الطبيب أو العامل أو الفلاح أو عضو مجلس الشعب أو المجلس الأعلى؟ هل يختلف الضمير باختلاف المهنة؟ الطبقة؟ الجنس؟ الدين ؟ العمر؟ وكيف يتكون الضمير فى مصر؟

كان حكم الملك فاروق فاسدا، لكن الراديو والصحف والنخبة والكبار فى الدولة قالوا عنه الملك الصالح، تكرر ذلك فى كل العهود، حكاية الملك العارى معروفة، الجميع من حوله يقولون: ملابس جلالتكم مبهرة عظيمة، إلا الطفل، صاح: أرى الملك عاريا. يتمتع الأطفال بالصدق والتلقائية ثم يتعلمون النفاق فى البيوت والمدارس والجوامع والكنائس والأحزاب والمصالح والمؤسسات العامة والخاصة.

فى المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية، دار الحوار بين النخبة المصرية عن تعريف من هو الفلاح؟ رأيت جمال عبدالناصر جالسا على المنصة من حوله رجال الدولة والوزراء، سمعت المفكرين من النخبة يتبارون فى تعريف الفلاح المصرى، يجتهدون للوصول إلى تعريف مراوغ يسمح بدخولهم وضباط الجيش وأصحاب الأموال والوزراء إلى مجلس الشعب تحت فئة العمال والفلاحين.

جاء دورى لأرد على السؤال: من هو الفلاح؟ اشتغلت طبيبة فى الريف، أعلم أن ٩٩٪ من الفلاحين مرضى بالبلهارسيا، ينزفون الدم مع البول، كان أهل القرية يتصورون أن البول الأحمر طبيعى ودليل الصحة وقوة الدم وقلت بتلقائية: الفلاح هو الذى بوله أحمر.

دب الصمت فى القاعة المكتظة بالآلاف، فوق المنصة أصبحت الوجوه متجهمة، عضلاتها مشدودة، كأنما بالأسلاك، استمر الصمت دقيقة، ثم تجاهل الجميع ما قلت منذ ذلك اليوم «من عام ١٩٦٢» أصبح دوسيه يحمل اسمى فى جهاز الأمن، وعبارة من ثلاث كلمات، مكتوبة بخط يد شعراوى جمعة، وزير الداخلية: «تجرؤ غير مطلوب».

الثورة المصرية مستمرة، وسوف تحقق أهدافها على مر السنين، بثورة فى التربية والثقافة والتعليم، تقوم على الصدق والشجاعة والإبداع، وليس الطاعة والتخويف والسير ضمن القطيع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مرسي في حيص بيص
مجدي سعد ( 2012 / 6 / 19 - 07:21 )
سيدتي العزيزة
تحية عطرة

لا اري وجه ولا داعي للاحتفال من عصابة الاخوان المتأسلمين بفوز مرسي

هو لن يتسلم رئاسة مصر

بل سيتسلم كأس السم الشهير

سواء اقسم اليمين أمام المحكمة الدستورية

أو في ميدان التحرير (كما يريد أتباعه)

أو أمام المرشد

فهو رئيس مقصوص الجناحين

أول مشاكله هي مجلس الشعب

هل سيرضي بحكم حله وينتظر انتخابات جديده؟

أم سيركب رأسه ويتشبث بما قاله من قبل بأن المجلس ما زال قائما؟

وكيف له تفعيل ذلك وهو من لم تعد له صلاحية بذلك؟

وكيف له أن يضرب بحكم أعلي محكمة في البلاد عرض الحائط؟

سأتتبع بشغف لأري كيف لرجل فقد... ربع عقله لمبضع الجراح ...ونصفه لمرشد الاخوان ...الخروج من هذه المعضلة


2 - أصحاب ألبول ألأحمر
‎هانى شاكر ( 2012 / 6 / 19 - 13:37 )

مصر تئن ألأن تحت ضغط ألإنفلات ألسكانى وألفقر .. قدرة مصر على إستيعاب ألسكان ، وأيضاً إحتياجها ألفعلى لسكان قادرين على إقامة مجتمع صحى قادر على ألإنتاج وإدارة مرافق ألبلاد وألدفاع عنها ... لاتزيد عن عشرة -10- ملايين

إذن هناك فائض بشرى مقداره خمس وسبعين مليون .. - 75 مليون ..

طب دول بتوع مين ؟ وكيف سيتوزع وقود ألأتون ألقادم لحرق مصر فى اليوم ألتالى لنهب ألمتحف ألمصرى ؟

أ - فقراء ألحكومة .. جحافل ألموظفين ألذين فقدوا ثرواتهم فى الدروس ألخصوصية على أولادهم ألعاطلين .. ألذين يجيشون فى أتوبيسات ألحزب ألوطنى لأنتخاب ألرئيس ..

ب - فقراء ألأسلام ألسياسى ... أهالى ألحاج ألعائد من ألخليج بعشر زوجات منقبات و 100 عيل .. فى أيديهم سيوف جاهزة لقتل ألسائح وزوجته ألكفار .. وهدم بيت القبطى ألمشرك وحرق كنيسته

ج - فقراء ألله .. من نسيهم ألكل .. المعين ألذى لا ينضب لتنهل منه الحكومه جنود ألأمن ألمركزى - 150 جنيه راتب شهرى - ولينهل منه كحاكيح ألقرضاوى زوجات مراهقات ب 500 دولار للقطعه

نهب ألمتحف هو أهون ألأوجاع


3 - الثورة ...إبداع
عدلي جندي ( 2012 / 6 / 19 - 15:28 )
الثورة المصرية مستمرة، وسوف تحقق أهدافها على مر السنين، بثورة فى التربية والثقافة والتعليم، تقوم على الصدق والشجاعة والإبداع، وليس الطاعة والتخويف والسير ضمن القطيع.
تحية للعقل الثائر فالثورة تجديد والتجديد إبداع والإبداع عمل الآلهة


4 - ثورة الشجاعة
محمد لطفي ( 2012 / 6 / 20 - 12:44 )
عندما تري امرأة تقول ما يخشي قوله اعتى الرجال فاعلم أنها نوال السعداوي

ليت المجتمع يكون لديه شجاعتك حتي لا يخاف من مواجهة خرافاته ومشاكله


5 - الله يا ست، لكن الحلو ما يكملش
عماد عبد الملك بولس ( 2012 / 6 / 21 - 09:08 )
لم أصدق عيني و أنا أقرأ كل هذا الدر السلسبيل في تشخيص المرض ووصف الحال المائل

و كنت أريد أن أهتف جذلا و أحيي القلم و العقل و الروح المبدعة لهذا السهل الممتنع

قد لمستٍ يا سيدتي موطن الداء حين قلتِ

لا يمكن لقلة قليلة يملكون السلاح والمال والإعلام أن يحكموا الأغلبية الساحقة من الشعوب دون السيطرة على العقول، تحويل العقل من الاستقلال إلى «التبعية»، الإحساس بالراحة والأمان فى التبعية للآخرين، الإحساس بالخوف والخطر فى الاستقلال والإبداع

العقل هو بيت الداء، و هو المطلوب له التداوي و الطب و التحرر و الجري في طريق الإبداع، و لا وصول لهذا العلاج إلا بفضح بضاعة تجار السم العقلي و العبودية العقلية و الخداع قبل تربيته و تغذيته بالصحي و الطيب

و لكني أختلف مع سيادتك جدا في أن الثورة - المزعومة - التي لم تبدأ إلا بالعاطفة (الغضب) و تم استغلالها و امتهانها و إفراغها من أي مضمون عقلي و ملؤها بكل قمئ و سام هي السبيل، لابد أن تنتهي إلي ثورة و تحرر عقليان ليكون لهذه الأمة أي خير، و هذا بالرجوع إلي الكتاب الذي ليس في أي شارع أو ميدان بل في المكتبات و المدارس و الجامعات

كل الاحترام


6 - السيد المحترم هاني شاكر - مصر ليست فقيرة
عماد عبد الملك بولس ( 2012 / 6 / 21 - 09:17 )
يا سيدي، بعد إذن سيادة الدكتورة و سيادتك

لو كانت مصر فقيرة ما عانت، مصيبتنا أننا أغنياء أغبياء

أنا أتحدي أن الفقر و المعاناة المصريين يمكن القضاء عليهما في عام واحد

في الوطن خيرات و عقول و سواعد و أموال تستطيع إذا انتظمت بالعقل أن تنقل الوطن إلي الصفوف الأولي و تغير كل معاناتنا إلي نعيم

نحن أعداء أنفسنا بقلة العقل و الاستسلام للجهل و من يركبون عقولنا فيسوقوننا سوق الدواب إلي الذل ثم الهلاك

اخر الافلام

.. تحدي الثقة بين شيرين بيوتي و جلال عمارة ???? | Trust Me


.. حملة بايدن تعلن جمع 264 مليون دولار من المانحين في الربع الث




.. إسرائيل ترسل مدير الموساد فقط للدوحة بعد أن كانت أعلنت عزمها


.. بريطانيا.. كير ستارمر: التغيير يتطلب وقتا لكن عملية التغيير




.. تفاؤل حذر بشأن إحراز تقدم في المفاوضات بين إسرائيل وحماس للت