الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا والإمبريالية

جوديث أور

2012 / 6 / 22
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


بقلم:
جوديث أور

ترجمة:
ضي رحمي

الناشر:
وحدة الترجمة - مركز الدراسات الاشتراكية


• تم نشر المقال لأول مرة باللغة الإنجليزية بجريدة العامل الاشتراكي البريطانية – العدد 2308 (يصدر غداً 23 يونيو 2012)

الانتفاضات الجماهيرية التي اندلعت في كل من سوريا ومختلف أرجاء العالم العربي، تجدد لنا الأمل في إمكانية إحراز النصر في معركتنا ضد الإمبريالية والحرب. فالثورات هي معارك سياسية بالغة الأهمية تعتمد بشكل أساسي على حركة الملايين من المواطنين العاديين أو الغير مسيسين. ولذلك تحفل الأوقات الثورية بالمفاجآت والتناقضات، كما أنها تتسم بعدم اتباع مسار أو صيغة محددة.

وحقيقة الأمر أن الموجة الثورية التي تجتاح شمال أفريقيا والشرق الأوسط لا تختلف فيما بينها. كما أنها لا زالت تكتشف وحتى الآن لم تتضح إمكاناتها الكاملة بعد. بدأت هذه الموجة باندلاع ثورات شعبية عارمة نجحت في إسقاط اثنين من أعتى طغاة المنطقة في غضون أسابيع، التونسي "بن علي" والمصري "حسني مبارك" الحليفين المخلصين للقوى الإمبريالية الغربية.

قام الساسة الغربيون بدعم حلفائهم حتى آخر لحظة ممكنة، وتخلوا عنهم فقط حين بات واضحاً أن شعوبهم قد نجحت في الإطاحة بهم. حينئذ اضطر الغرب لإعاده تجميع صفوفهم بسرعة. وفي ميدان التحرير بالقاهرة انتهز كل من رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون"، ووزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون" الفرصة لالتقاط الصور التذكارية ولم يخلو الأمر من الطنطنة ببعض الجمل الدافئة حول مدى ترحيبهم بالديمقراطية التي تهب على البلدان العربية. لقد أدركوا أنهم مضطرون إلى الانحياز إلى جانب الحركات الثورية الجديدة، على أمل اغتنام أية فرصة تمكنهم من الحفاظ على نفوذهم في المنطقة. لقد تمكن منهم الرعب إزاء احتمالية التغيير الجذري الذي تحمله الثورات الشعبية في جعبتها.

بالطبع ليس لدى حكام الغرب الرغبة في تمثيل الملايين من جماهير الشعوب العربية التواقة إلى الحرية. كما أنه لم يسبق لهم الحديث في أي وقت مضى عن دعم للحركات الديمقراطية التي تندلع ضد حلفائهم الأساسيين، كما هو الحال في البحرين والمملكة العربية السعودية. كان هدفهم هو اختطاف أو تخريب الحركات الثورية العربية، لضمان استبدال الأنظمة الديكتاتورية القديمة بأخرى جديدة طيعة وحليفة لهم.

مبـادرات

كانت أولى المبادرات الغربية الرئيسية هي التدخل العسكري في ليبيا. لقد استغل حكام الغرب استغاثات مواطني بنغازي اليائسين طلباً للمساعدة كذريعة لتدخلهم هذا. ورغم نجاح الغرب في استمالة الثورة إلى جانبه، إلا أن النتائج جاءت متناقضة. الآن تعاني ليبيا من التجزئة والاستقطاب، كما أن تطلعات الشعب الليبي ومطالبه لم تتحقق بعد. ورغم هذا فقد حول الغرب اهتمامه إلى الثورة ضد نظام "بشار الأسد" في سوريا، ولكن يبدو هذه المرة أن الولايات المتحدة الأمريكية أقل حرصاً على شن تدخل عسكري واسع النطاق.

وكبديل عن الخيار العسكري، وقف الغرب جنباً إلى جنب مع السعودية وحلفائه من الدول الخليجية، وركزوا جهودهم على العمليات السرية والضغط على الأمم المتحدة لفرض "تسوية تفاوضية". إلا أن الولايات المتحدة ترغب في أن ينسحب "الأسد" انسحاباً منظماً، في وضع مشابه لما هندسته للرئيس اليمني "علي عبدالله صالح". لأن هذا الأمر من شأنه الحفاظ على استمرارية الدولة السورية القمعية، بينما يضمن استبدال من على القمة بحليف غربي جديد.

لقد خلفت ثورتي ليبيا وسوريا حالة من الجدل المحتدم بين التيارات اليسارية. حيث يعتبر البعض أن نظام "الأسد" يشكل تحدياً للمصالح الإمبريالية الغربية في المنطقة، ومن هذا المنطلق يقولون أن الثورة علي هذا النظام هي مؤامرة برعاية غربية ضد واحد من أعدائها.

صفقات

هذا على الرغم من حقيقة أن النظام السوري يتمتع بتاريخ طويل من عقد الصفقات مع الإمبريالية الغربية. فالنظام السوري يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة، لا مصالح الجماهير العربية. وعلاوة على ذلك، فإن جذور الثورة السورية لا تختلف إطلاقاً عن ثورتي مصر وتونس، جميعهم يعبر عن رغبات الشعوب في الانتفاض ضد الفقر والظلم. وهذا نابع من تأثير رأسمالية الليبرالية الجديدة، من اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ونبذ وعود الإصلاحات السياسية.

بدأ الصراع السوري بمظاهرات حاشدة في الشوارع. وحتى في أعتى معاقل النظام السوري، وأكبر المدن السورية كما هو الحال في "دمشق" و"حلب" كان هناك نشاطاً ملحوظاً للمعارضة. وشمل هذا الإضرابات العامة التي نظمها العمال دعماً للتمرد. وكما هو الحال مع كل الثورات، هناك قوى متنافسة، بعضهم على استعداد لعقد الصفقات مع نظام "الأسد". وبعضهم، يسعده العمل وتسيير مصالح القوى الغربية وحلفائهم في الخليج. لكن أيضاً، هناك كثيرين آخرين ممن يرغبون في أن يلمسوا تغيراً جوهرياً، وسيقاتلون من أجل تحقيق هذا الهدف. فلجان التنسيق المحلية في سوريا تزداد تجذراً يوماً بعد يوم أثناء النضال، كما أنها حافظت على استقلالها. ولذلك فإن لجان التنسيق المحلية هي القوة الرئيسية الدافعة للثورة.

الغرب يتحدث عن الخوف من انزلاق سوريا إلى حمام دم طائفي ويستخدم هذه الحجة كذريعة للتدخل. ولكن تاريخياً اعتمدت الإمبريالية على التعزيز المنهجي لاستراتيجية "فرق تسد" من أجل ترسيخ سلطتها. وبلا شك فإن الطائفية خطر يهدد سوريا، ورغم كل محاولات النظام لإضرام نار الطائفية، حتى الآن كل الدلائل تشير إلى أن حركة المعارضة تناضل من أجل وحدة وطنية، وهتاف "كلنا سوريا " يصدح كالناقوس خلال المظاهرات.

توازنات

ترى أي قوة هي التي ستنتصر في سوريا؟ الحقيقة إن هذا يعتمد على توازن القوى الطبقية أثناء الصراع. هل سيتمكنوا من جذب الجماهير إلى الشوارع وبأعداد أكبر؟ لقد شهدنا لمحات من ممارسة السلطة الجماعية بين عمال المدن أثناء تنظيمهم للإضرابات، ولكن هل ستنمو هذه السلطة وتتطور أم ستتلاشى؟ تلك هي بعض الأسئلة الحرجة حول كيفية تطور الثورة. ونجاح أي ثورة يعتمد على قدرتها على الانتشار بين شرائح جماهيرية أوسع والتأثير عليها بشكل أعمق.

ولكن إذا كان النصر حليفاً للأسد ودولته القمعية، في وضع كهذا من الممكن أن يفقد الناس الثقة في قوتهم. وتحت ضغط هذه الظروف سوف يبدأون في البحث عن قوى خارجية كطريقاً للخلاص. ولكن مهما حدث، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ليست مسيطرة إلى الحد الذي يمكنها ببساطة من إملاء الأحداث، نعم، قد تكون هي الكتلة الأكبر في العالم الرأسمالي، لكن هذا ليس كل شيء.

اشتعلت الثورات في تونس ومصر على حين غرة. وسابقاً لم تنتصر الولايات المتحدة في العراق، كما طردت من أفغانستان. وبالطبع، سيبذل الغرب قصارى جهده لاستمالة الثورة السورية، ولكن هذا ليس قدراً محتوماً. فحتى الآن لا تزال الثورات بعيدة عن نهايتها.

على الاشتراكيين أن يقفوا بحزم ضد محاولات الحكام الرامية إلى إفشال الموجة الثورية من أجل الحفاظ على مصالحهم الخاصة. نحن نرفض أي شكل من أشكال التدخل أياً كان مبرره، ورغم كونهم بدأوا في التحضير له، يجب علينا أن نفضح أكاذيب الإمبريالية وأن نكشف عن دوافعها الحقيقية.

ولكن في نفس الوقت، علينا أن ندعم الثورة الشعبية القادمة من أسفل والتي تهدف إلى إسقاط نظام الأسد الوحشي. فكما قال "ليون تروتسكي" في الثورة الروسية: "إن الإنتفاضة الشعبية للجماهير ليست بحاجة إلى مبرر". وفي كل أرجاء العالم العربي الآن، تقف الجماهير على مسرح التاريخ لتكتبه. مما يتيح أمامهم فرصة غير مسبوقة للتحدي الجذري لدور الرأسمالية في المنطقة العربية.

وفي نهاية الأمر، فقط بمواصلة النضال ضد الرأسمالية سنتمكن من وضع حداً للحروب الإمبريالية وذرائعها. لهذا إن أفضل أمل لأولئك الراغبين في إسقاط كل القوى الإمبريالية يكمن في الجماهير التي تكافح ضد حكامهم الطغاة في شوارع العالم العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فردا فرداًً قردا قردا
ماجدة منصور ( 2012 / 6 / 22 - 16:13 )
لا تقلقي سيدة جوديث..فالشعب السوري العظيم قد حزم أمره و قرر أن يتخلص من الطاغية و عصابته فرداً..فرداًً و قرداً قرداًً و بدون مساعدة من أحد و مهما طال الزمن فللشعوب نفس طويل جداً لا تخبوا جذوته أو يفقد وهجه و رونقه
وللكاتب احترامي

اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم