الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتفاضة السودانية الجارية وأولوياتها

ضياء الدين ميرغني الطاهر

2012 / 6 / 23
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


على غير عادتها وعلى غير زمانها تنشط القوى السياسية السودانية المعارضة من اجل خلق واقع جديد على الارض، بعد أن عجزت بكل تنازلاتها ومغازلتها الخفية والمعلنة لنظام الانقاذ، على الوصول معه الى اى إتفاق سياسي نافذ يمكن أن يغّير من طبيعته القمعية والدكتاتورية وبنية مؤسساته الفاسدة، والتي قادت بطبيعة الحال الى حالة غير مسبوقة من الغلاء والانهيار الاخلاقى والمجتمعي وتشظي البلاد وانشطارها الى بلدين بعد إنفصال الجنوب، والذي قد تلحق به اجزاء أخرى من البلاد فى حالة إستمرار هذا النظام.
لهذا اتفقت العديد من القوى السياسية من احزاب المعارضة على هدف إسقاط النظام بشكل جلى وواضح ولو انه لا زال منقوصا لعدم احساس الكثيرين بالمشاركة الفعلية والميدانية لهذه الاحزاب فى هذه التحركات الجارية ، بينما يلف الغموض موقف قيادات حزب الامة القومى والاتحادى الديمقراطى الأصل ممثلا فى السيدين وابنائهما المشاركين فى حكومة الانقاذ . ولاول مرة تنزل قيادات من القوى المعارضة للشارع لتتحسس بشكل مسبق استعداد الجماهير لمواجهة النظام وليس انتظاره كما كان يحدث دائما ، ولو ان المطلوب لا زال كثيرا فى هذا المجال. فالمعارضة الآن ممثلة فى قوى الاجماع الوطنى (تجمع المعارضة الجديد)، اتفقت على مرحلة ما بعد الإنقاذ من خلال وثيقتى الإعلان الدستورى والبديل ببرنامج طموح تنقصه قدرتها الفعلية على انجازه . وهذا مربط الفرس فى بقاء واستدامة الانظمة الديمقراطية فى السودان . فالاحزاب بعد القبضة الحديدية لنظام الانقاذ لما يقارب الربع قرن ضعفت قوتها الجماهيرية وارتباطها بهم بالاضافة الى افتقارها للبنية الديمقراطية المؤسِسة داخلها والبنية المالية التى تساعدها على انجاز برامجها على الأرض بفعل سياسات النظام .
وهنا تكمن اوجه الخلاف وتعدد الرؤى والاستراتيجيات فى صفوف المعارضة التى ظلت فيها بعض القوى السياسية على رؤيتها لقضايا الصراع السياسي والاجتماعى دون تغيير، بينما راوح موقف قسم آخر منها فى التعامل مع هذه الحالة بشكل متردد وخجول وغير حاسم بلغ حد القطيعة بين قيادتها وقواعدها، وأخرى رأت فى الحل العسكرى المخرج الوحيد للتعامل مع النظام ، والقسم الاخير الذى ينادى بتغيير استراتيجية المعارضة نوعيا بشكل يتجاوز المدى المنظور فى سقف قوى المعارضة الحالى .
يكون قد مضى على إندلاع التظاهرات الجارية حاليا فى السودان أسبوع كامل وقت كتابة هذا المقال ، دون توقف منذ ان فجرتها طالبات جامعة الخرطوم مندداتٍ بارتفاع رسوم التسجيل والدراسة وغلاء المعيشة عموما.ليستلم الطلاب زمام المبادرة بعد ذلك ويتسع نطاقها الى عدد من الجامعات والأحياء وميادين العاصمة الخرطوم مما حدا برأس النظام الى الحديث عن حزمة من الاجراءات لمعالجة الوضع الاقتصادى المتردى دون ان يُقلِص هذا الخطاب من اتساع رقعة التظاهرات التى انتقلت لبعض المدن السودانية الاخرى كسلا ،بورتسودان كوستى وحتى شندى مسقط رأس البشير مصحوبة بحالة نوعية فى بعض المناطق بإحتلال بعض مقار الشرطة كما حدث فى حى الازهرى بالخرطوم ، جبل أوليا،كوستى وسنار سابقا ، وهو تطور لافت فى شكل التظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية.
ومن خلال المشاهدات والمعلومات المتواترة تتضح جملة من الملاحظات وهى ان الاحزاب دعت للخروج فى يوم 30 يونيو فاستبقت الجماهير الموعد لتعلن ان 30 يونيو هذا العام هو الاخير فى عمر الانقاذ .
وبعد أول ندوة جامعة لهذه الاحزاب بعد اندلاع المظاهرات تصور البعض انها ستكون بمثابة الفرصة الكبرى لإثبات قدرتها التنظيمية وقوتها الجماهيرية ، فجاءت دون الطموح.

يترافق هذا مع ظهور نوع من البيانات النوعية من اقسام فى القوات النظامية مثل الشرطة لكيفية تعامل الجماهير فى مثل هذه الاوضاع ودفع بعضهم الجماهير لمواصلة التظاهرات الى جانب تشجيع بعض العسكريين للجماهير وتعبئتهم فى اتجاه إسقاط النظام. هذا التطور ولو انه يأتى فى اطار محدود فإنه شديد الاهمية ، إذ انه ينبئ بمدى حجم البرم الذى يسود قطاعات واسعة من الشعب السودانى وامكانية تطور هذه التظاهرات لتصبح انتفاضة شاملة ضد النظام. وكذلك بعض الاستقالات فى صفوف النظام، وهذا ما يُعزز ما قلناه سابقا فى مقالات عديدة آخرها (إنها انتفاضة الحسم والظفر ولكن).

لا زال نظام الانقاذ يتعامل بمنطق يصور له أن حسم التحركات الجماهيرية يتم عن طريق إستخدام القوة وقطع الرقاب كما تدل على ذلك تصريحات سفيه الانقاذ نافع على نافع ، ومصادرة الحريات الصحفية والرقابة القبلية واعتقال المناضلات والمناضلين، دون ان يخطر ببالهم النظر الى المحيط العربى الذى يشهد ثورات متصلة فشلت فيها كل ادوات القمع فى أن تثنى الجماهير عن ارادتها الحرة فى الثورة .
إن اهم ما تطلبه هذه الانتفاضة من اولويات هو الالتحام الكامل والصميمى والميدانى بين القوى المعارضة (وقياداتها تحديدا) وبين الجماهير حتى تتحقق لها الاستدامة وتغيير النظام . وان تتواصل هذه التظاهرات وتتوسع دون توقف لتجذب كل من فى قلبه شئ من التردد والشك بانها نهاية حقيقية لنظام الانقاذ حتى الوصول لاعلان الاضراب السياسي والعصيان المدنى الشامل مع عدم استبعاد امكانية الاستفادة من الوسائل الفنية الاخرى .
ضياء الدين ميرغنى الطاهر ناشط سياسي
والامين العام للمنبر الديمقراطى السودانى فى هولندا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اشتباكات عنيفة واعتقال عدد من المتظاهرين المؤيدين لغزة قرب م


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين حاولوا اقتحام الـ-م




.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة أحمد الديين خلال الوقفة التضا


.. عنف الشرطة الأميركية ضد المتظاهرين المتضامنين مع #غزة




.. ما الذي تحقق لحركة حماس والفصائل الفلسطينية من القبول على مق