الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين ... والسياسة

حميد غني جعفر

2012 / 6 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لعل أبرز يرتبط بها الدين بالسياسة هي واقعة ألطف الخالدة – ثورة الإمام الحسين – ع – التي تجسدت فيها كل معاني القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاق السامية في التضحية والإيثار – بالغالي والنفيس – من أجل خير الناس ومن أجل الإصلاح و بأن تسود العدالة والمساواة بين الناس أجمعين – كل عباد الله – بلا تمييز عن دين أو عرق أو مذهب ... فكانت صرخته المدوية ، لا ... للظلم والفساد والطغيان ... لا ... ليزيد الغاصب ... ونهض الحسين الثائر – ع – قائلا ( ما خرجت أشرا ولا بطرا ... خرجت لإصلاح أمة جدي) فكانت ثورة لإصلاح الأمة ، بعد أن بلغ ظلم وطغيان الأمويين مداه الذين نصبوا أنفسهم خلفاء على الأمة باسم الدين ... وكان يشار إلى الفاسق – يزيد – أمير المؤمنين ، وهو الفاسق الفاجر يتنعم بلياليه الحمراء الماجنة يعاقر الخمر وحوله الغواني و الجواري الحسان وحاشيته من المنافقين والسماسرة ويقوم على خدمته العبيد المستضعفين التعساء ... ولا يعلم من أمور الرعية شيئا ولا هم له إلا الخمر والجواري ... وقال الإمام الحسين – ع- وهو في سوح الوغى في مواجهة جيوش – آل أمية – الجرارة ... وقوام جيشه لا يتجاوز السبعين رجلا من عائلته وأنصاره ... فقال مخاطبا تلك الجيوش ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) وفي هذا الموقف تعبير عن رفضه للعبودية والاستعباد ... كما هو رفضه لخلافة يزيد ابن معاوية ، ولما اشتد وطيس المعركة واستشهد عدد من أنصاره ، قال – ع – ( إذا كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي – فيا سيوف خذيني ) وتلك هي البطولة والتضحية في الثبات على العقيدة والمبدأ ... واستشهد الحسين ومن معه من أنصاره ... فانتصر الدم على السيف وظل الحسين وسيبقى خالدا أبدا ... فثورة الحسين إذا هي عبر ودروس للإنسانية جمعاء – وليس للمسلمين فقط – وباتت منارا هاديا لكل الإنسانية تستلهم منها الدروس والعبر في التمرد على الواقع الفاسد ورفض الظلم والقهر والاستعباد والتضحية من أجل تحقيق الإصلاح وتغيير الواقع المؤلم ... بنشر العدالة والمساواة في المجتمع .
يقول الزعيم الوطني الهندي – غاندي – ( علمني الحسين كيف أموت فأنتصر ) وذات يوم سأل أحد قادة منظمة التحرير الفلسطينية أحد قادة الثورة الصينية – كيف انتصرت ثورتكم – فأجابه القائد الصيني ... عندكم الحسين ... وتسألني كيف انتصرت ثورتنا ، ومن هنا فإن الثورة الحسينية العظيمة هي عبرة – بكسر العين – ودرس ملهم وحافز للبشرية جمعاء في رفض الواقع الفاسد والوقوف ضد الظلم والاستغلال والاستعباد والتضحية – كما هي تضحية الحسين - لتحقيق الإصلاح الذي تنشده ، ولكن وللأسف ففي مجتمعاتنا الإسلامية – وحكامها المسلمون – اتخذوا من ثورة الحسين عبرة – بفتح العين – وليس عبرة – بكسر العين – فقط في البكاء واللطم والنواح ... دون تحقيق شيء في إصلاح الأمة ولا حتى مجرد التفكير في الإصلاح لواقع مجتمعاتهم المأساوي والمزري من الفقر والبؤس والحرمان والتخلف والجهل والمرض ... قرون ... وقرون ... مرّت ولا زال اللطم والنواح ... فما الذي تغير من واقع البؤس والشقاء والظلم ؟
نرجو أن لا يساء فهمنا ... فنحن جميعنا من محبي آل بيت الرسول الكريم والأئمة الأطهار- عليهم السلام أجمعين – وأول الساعين لتعظيم الشعائر الدينية وأول الزائرين لأضرحتهم العاطرة المقدسة ... فهو واجب ديني وشرعي ... لكننا نرى أن هذا الواجب لا ينبغي أن يقتصر على إبداء هذه الشعائر – في اللطم والنواح – بل يجب السعي لتغيير هذا الواقع المرير بفعل الخير لما فيه خدمة المجتمع من خلال الإقتداء بسيرة أهل البيت فكرا ونهجا وسلوكا وخلقا وأن نعي واجبنا الشرعي – أيضا – بالوقوف بوجه الظلم والظالمين وأن نطالب بالإصلاح الشامل لواقع حياتنا كبشر بما يتناسب ومستوى الحياة الآدمية ونحن اليوم في القرن الحادي والعشرين عصر العلم والنور والثقافة عصر التطور العلمي والتكنولوجي ... ونحن ما زلنا نعيش حياة القرون الوسطى ... لا كهرباء ولا ماء صالح للشرب ولا خدمات بلدية ولا صحية ... بيوت من الصفيح أو الطين وسط أكوام القمامة ... ومدارس آيلة للسقوط والبطالة متفشية في المجتمع ، ويبدو أن هذا الواقع المرير لم يتغير ما دامت – الأنا المقيتة – وحب الذات وشهوة الحكم والتسلط متجذرة ومتأصلة في عقلية ونفوس الحاكمين – السابقين منهم واللاحقين – الذين جعلوا من أنفسهم أوصياء على الأمة ويمارسون أبشع أساليب القمع والتنكيل ضد الأصوات المطالبة بالإصلاح والتغيير للواقع المزري الذي تعيشه المجتمعات العربية والإسلامية – عموما – تتحكم بهم نزعات التسلط والتشبث بكرسي الحكم ... بعيدا عن قيم ومبادئ الإسلام الحنيف والقيم الإنسانية والأخلاقية ... وهم يدركون جيدا بأن الدعوة الإسلامية – ذاتها – هي ثورة إنسانية عظيمة لتغيير واقع الأمة وانتشالها من واقع الظلم والفساد والاستعباد والجهل والتخلف والمتاجرة – بالفنانة – بيع وشراء العبيد والجواري وبكل الموبقات ... فهؤلاء الفاسقون هم المعارضون للدعوة الإسلامية خوفا على مصالحهم وامتيازاتهم وتجارتهم إنهم – أغنياء وأثرياء وكبار التجار – ولم يعارضها الفقراء البؤساء المستضعفون بل كانوا من أشد أنصارها وآمنوا بها لأنها جاءت لإنقاذهم من الواقع المؤلم .
ومن هنا فإن جوهر حقيقة الصراع بين البشر – منذ الخليقة – كما اوضحناه في مقالات سابقة – هو صراع طبقي بين الطبقات الغنية المالكة لكل شيء وتستحوذ على كل شيء ... وبين الطبقات الفقيرة المسحوقة التي لا تملك أي شيء ... إلا قوة عملها – تبيعها لصاحب المال – و ما يؤكد هذه الحقيقة بوضوح – أيضا – الإمام علي – ع – بقوله ( ما شبع غني ... إلا جاع فقير ) وبهذا المعنى فإن الغني ما شبع واغتنى ... إلا باستغلاله وظلمه للفقير الجائع ، ويقول – ع – ( الفقر في الوطن غربة ... والغنى في الغربة وطن ) ونحن الفقراء – اليوم – نعيش الغربة فعلا في وطننا ... فكم هو مؤلم الفقر عندما يشعر صاحبه بغربته عن وطنه ، وفي مقولة أخرى للصحابي الجليل – أبو ذر الغفاري – ( أعجب لجائع كيف لا يشهر سيفه بوجه صاحب القصر ) وهذا يعبر عن موقف شجاع في الدعوة لاستنهاض الطبقات الفقيرة البائسة للوقوف بوجه الظلم والاستغلال الطبقي ، لأنهم يدركون بأن الله سبحانه لم يخلق عباده من طبقات - أغنياء وفقراء - بل خلق كل عباده من البشر سواسية وسخر لهم كل الخيرات والثروات ما تحت الأرض من المعادن الثمينة وما فوق الأرض من الإبل والأنعام ليتنعموا بها ، أما الفقر والغنى فهو من صنع البشر أنفسهم من ظلم واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان ، لكن الغرب الرأسمالي الاستعماري سعى ويسعى لتشويه الحقيقة والتغطية عليها للحفاظ على مصالحه وإخفاء مطامعه ونواياه الاستعمارية من خلال خلق الصراعات والفتن وتحويل جوهر الصراع الطبقي والوطني إلى صراعات قومية أو دينية وطائفية لإشغال الشعوب عن قضاياها الأساسية بهدف تفتيت وحدتها وتمزيقها لتسهل عليه الهيمنة عليها ونهب ثرواتها والتحكم بمصائرها ... ولا نرى أن السادة دعاة الدين ودعاة الموالاة لأهل البيت - عليهم السلام جميعا - لا يدركون هذه الحقائق لكنهم يتجاهلونها ويسيرون على الضد منها حفاظا على مصالحهم وامتيازاتهم .
ولابد أن يعي الشعب هذه الحقائق عن جوهر الصراع وخصوصا أجيال الشبيبة الذين هم رجال المستقبل وعليهم تقع مسؤولية بناء حياة آمنة مستقرة وعيش رغيد وبأن يدركوا جيدا أن الدين والطائفة أو المذهب ليست هي الحل المطلوب لمعاناتهم ومشكلاتهم ، فالحل هو في بناء دولة مدنية ديمقراطية دستورية دولة مواطنة حقيقية تسودها العدالة الاجتماعية بعيدا عن المحاصصة الطائفية المقيتة أو القومية والاثنية بإعلاء الوطن وروح المواطنة ... فالدين لله والوطن للجميع .
ولنا عودة للموضوع في وقت آخر.
حميد غني جعفر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرسول اولى بالقدوة
عبد الله اغونان ( 2012 / 6 / 25 - 18:35 )
الهم صل على محمد وال محمد ازواجه واولاده وبناته واحفاده وصحابته وكل من احبه وامن به الى يوم الدين
اخي الكريم لاشك ان الحسين عليه السلام من طرية الحبيب المصطفى وهو شهيد وسيد شباب الجنة لكن قدوتنا هو الاصلا جده محمد بن عبد الله رسول الله
قال عن نفسه
لاتطروني كما اطرت التصارى المسيح فانما اناعبد الله ورسوله

اخر الافلام

.. تطبيق يتيح خدمة -أبناء بديلون- لكبار السن الوحيدين ! | كليك


.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير




.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع


.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا