الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسافات الفاصلة بيننا وبين الرئيس المنتخب

مجدي مهني أمين

2012 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


نعم توجد مسافات فاصلة بيننا وبين الرئيس المنتخب، لا شك أن خطاب الذي وجهه الدكتور مرسي للشعب كان دافئا في العديد من مقاطعه، كما أن قسماته كانت تعبر عن طيبته.

- فلو كان الدكتور مرسي رجل عفوي وطيب، لما المسافة إذن بيننا وبين الرجل؟

المسافة هنا تضعها عدة عوامل وهي: 1) الكيفية التي وصلت بالرجل لهذا المنصب، 2) غموض الجماعة التي جاءت به لهذا المنصب، 3) كيفية التعامل مع مقتضيات الحال في مصر. لذا فالمسافة هنا ليست من طرف الشعب ولكنها من طرف الرجل.

فقد شاب انتخابات العديد من التجاوزات، إذ تخطت الحملات السقف القانوني للصرف، ولا نعلم لماذا لم تضبط الدولة الحدود المقررة الصرف؟ .. مسألة الصرف على الانتخابات في كافة الديمقراطيات، مسألة في منتهى الحساسية، وتخضع لرقابة تجعلها من المقدسات وتجعل تجاوزها من الكبائر، هذا مع الحرص الشديد على شفافية الإعلان عن مصادر تمويل الحملات، ويؤخذ الأمر في هذه الدول بحساسية شديدة ، لأن هذا المال سيؤثر على أصوات ناخبين والدولة هنا مسئولة عن حماية أصواتهم. الأمر يتعلق باحترام الدولة للمواطن وإلتزام كافة الأطراف بالقانون الذي يحميهم جميعا ويمنحهم جميعا الشعور بالأمان، ولا يوجد أقوى من شخص أو مؤسسة أو دولة تشعر بالأمان.

هذا مع باقي التجاوزات المتمثلة في رشاوى المواطنين بالزيت والسكر، والبطاقات الدوارة، والبطاقات المسودة في المطابع الأميرية، ومنع الناس من الوصول للجانهم الانتخابية، واختلاف أعداد البطاقات عن الأعداد المدونة بالكشوف، الأمر الذي حدا باللجنة العليا للانتخابات أن تقوم بإلغاء صناديق بعض اللجان الفرعية، وطبعا لا يمكننا أن نتصور أن اللجنة العليا للانتخابات قد استطاعت في أيام قليلة جدا ان تحصر كافة التعديات، إذن نحن أمام رئيس قاد جاء نتيجة التأثير على أصوات الناخبين، فيه جزء تم بالقوة مش بالفعل؛ هذا يضع مسافة بيننا وبين الرئيس المنتخب.

ثم جاء هذا الحشد الذي يمثل أنصار، ويمثل جماعته، ولا يمثل الشعب المصري بكافة طوائفه، فنحن أمام رئيس خرج من جماعة الإخوان، وخرج وراءه الإخوان كي يدعموا نجاحه بطريقة تنذر بالخطر لو جاءت النتيجة على عكس إرادة هذه الجماعة، وكأن مصر وضعت تحت رحمة الجماعة. جماعة مدينة نصر كانت مؤيدة لشفيق ولكن تجمعها لا ينذر بمواجهة ـ فهم إما أن يفرحوا أو لا يفرحوا بالنتيجة، أما جماعة التحرير فهم إما يفرحوا أو ... ، الحمدلله أننا لم نقف أمام "أو..."، ولكنها- أي "أو..."- وضعت مسافة جديدة تباعد بين الرئيس والناس، فكرة رئيس بالقوة تغلب على فكرة بالفعل.

وكـأن الرئيس محاط بسياج من الجماعة تحول بينه وبين الناس، وهو أمر يذكرنا بالأفلام الكوميدية التي خرجت لانتقاد رئاسة مبارك؛ كلها أجمعت على أن هناك حاجز يضعه المسئولون بين الرئيس والناس، ولكننا هنا كنا أمام حاجز من الجماعة بين الرئيس والناس، جماعة تأتي له بالأصوات، وتقرر النتيجة، وتضع الدولة رهينة هذه النتيجة...

مع مبارك بدأ الحاجز رقيقا حتى تغلظ وتكلس، ولكننا هنا نبدأ بحاجز كثيف من الجماعة تباعد بين الرئيس والناس.

ثم يأتي العامل الثاني في "غموض الجماعة" كي يزيد من المسافة ، والمقصود هنا غموضها ككيان، وغموض مشروعها الخاص بالوطن،

- فلمَ قاموا بكل ما قاموا به؟ هل لمجرد مناصرة أحد أعضائهم؟ أم أن لديهم مشروعهم الخاص، وأن اختيار الرئيس هي أولى خطواتهم في مشروعهم هذا؟

عدم شفافية الجماعة وغياب الإجابات الواضحة، تجعل من مثل هذه الأسئلة مسافات جديدة تضاف بيننا وبين الرئيس. فكأننا أمام رئيس وجماعة لا نعلم ما وراءهم، وبينما تحرص الديمقراطيات العريقة على الشفافية، نجد أننا لم نخرج بعد من مرحلة قرارات الحجرات المغلقة، ولا يبقى أمام الناس - في هذا الغموض- إلا التكهنات التي تضع مسافات جديدة بيننا وبين الرئيس المنتخب.

ثم يأتي العامل الثالث في "التعامل مع مقتضيات الحال المصري" وتحديدا مع السلطة القضائية، فهناك محاولات العمل على إلغاء أو تعديل قرار المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب، وهو ما يعمل على إضعاف السلطة القضائية، ويقدم لنا رئيسا مستعدا أن يضرب بعرض الحائط قرارات المحكمة عندما تعارضت قراراتها مع ما يريد، هذا يبعد كثيرا المسافة بين الرئيس والناس، فكيف يقبل الناس أن يعمل رئيسهم على إضعاف مؤسساتهم بدلا من دعمها وتقويتها؟

لا شك أن تقريب المسافات هي مسئولية الدكتور مرسي، فاتخاذ إجراءات كقبول القسم أمام المحكمة الدستورية العليا، يجب أن يستتبعه قبول أحكام القضاء بخصوص البرلمان، كما أن إنهاء الرئيس لعضويته بجماعة الإخوان يجب أن يكون مقدمة لرئيس محايد يقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف.

على الرئيس أن يدعم دولة القانون، فلا تستأثر جماعة بوطن وترسم له طريقه ، بل على الوطن يرسم طريقه بنفسه، ويخضع الجماعة للدولة، إذ لا يجوز لجماعة تلعب دورا فاعلا في السياسة المصرية وأن تبقى في نفس الوقت بعيدا عن القانون. على الجماعة أن تخضع كاملا للقانون مثل كافة مؤسسات الدولة.

اليوم مصيرنا بأيدينا، ولشعبنا خاصة فطرية في أن يحب الرئيس، ثم تعلم مؤخرا كيف يثور عليه، وعلى الدكتور مرسي أن يكسب الشعب كي نكسب ما فاتنا من وقت، والمبدأ الذي يجمع كافة الأطراف هو "إقرار المواطنة"، فقد قمنا بثورة كي نكون مواطنين كاملي الأهلية ، ولم نقم بثورة كي نصبح رعايا.

على الرئيس أن يقرب المسافات حتى لا نقع معه في مربع الكفاح من أجل دولة مدنية، بل أن نكون كلنا شعبا ورئيسا في جهد بناء هذه الدولة المدنية، دولة المواطنة والمساواة، التي لا يعلو فيها كعب فرد ولا جماعة ولا مؤسسة على أحد، وأي وقت يضيع منا سيحسب علينا، فكل الشعوب ستتحرر، ولن يبقى للمؤسسات الدينية والعسكرية التي تحكم هذه الشعوب إلا أن تلوم أنفسها على الوقت الذي أضاعته على شعوبها والدماء التي سفكتها، والأفكار التي استبعدتها وحرمت منها شعوبها كي تتقدم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: الكوفية الفلسطينية تتحول لرمز دولي للتضامن مع المدنيي


.. مراسلنا يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة من تصعيد الحوثيين ضد الس




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. برز ما ورد في الصحف والمواقع العالمية بشأن الحرب الإسرائيلية




.. غارات إسرائيلية على حي الجنينة في مدينة رفح