الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بغداد صارت جنّة

عيسى الصباغ

2012 / 6 / 25
كتابات ساخرة



يتساءل الناس أين تذهب المليارات من الدنانير والدولارات التي تخصّص لأعمال البناء والإعمار ؟ وأين المليارات الأخرى التي تتدفق من ريع الحقول النفطية ،وأموال الضرائب تلك التي تنزل كالسياط على ظهور المواطنين ،ومع كلّ هذا ، لم يروا بناية جديدة لمدرسة ، أو مستشفى ، والشوارع ما زالت تملؤها الحُفر والمطبّات ، والمتقاعدون ما فتئوا يدبّجون عرائض الاسترحام ، و و و... وما دام الشيء بالشيء يُذكر ، فقد حدّثني من أثق بأمانته ،ونزاهته ،ونظافة يده ، : إن السلطان في إسلامبول أصدر أوامره العلية الى والي بغداد ،إذ اقتضت تلك الأوامر أن تُضاء الولاية ، وتنوّر أزقّتها جميعا في أيام العيد ، ليبتهج الأهالي بهذه المناسبة السعيدة ، كما أمر – دام ظلّه – أن يُنفق على الإنارة من خزينة الولاية . امتلأ قلب الوالي بالسرور ، وطار فرحا ، وحثّ خطاه سريعا الى الخزينة ،وسحب ألف ليرةٍ ذهبا بحضور متولي الحسبة ، ثمّ صرف المتولي ، وأرسل الى وزيره وأمره بالحضور الفوري ، فزفّ اليه الخبر السار ، بأن أمير المؤمنين – جعل الله ظلّه وارفا على الأمة – أمر بأن تُضاء بغداد كافة ، ثمّ ناوله (500) ليرة ذهبا ، لتنفيذ أوامر السلطان المطاعة ، خرج الوزير من ديوان الوالي ويكاد قلبه يقفز من صدره ابتهاجا بهذا الخبر ، فأرسل يطلب رئيس البلدية ، ولما حضر، أخبره أن حضرة السلطان الأفخم - ردّ الله كيد عدوّه - أمر بإنارة بغداد طوال أيام العيد السعيد لإسعاد أهلها ، وابتهاجا بهذه الأيام المباركة ، ثمّ ناوله (250) ليرة داعيا الله أن ينصر السلطان ويُديمه ذخرا للعالمين . خرج رئيس البلدية وفوق محيّاه ابتسامة باذخة ، فأحضر جميع مختاري بغداد ، وفي اجتماع عاجل عطّرته الدعوات للباب العالي صاحب الأيادي البيضاء على العباد ، ثمّ والي بغداد باني مجد الولاية ، والحريص على تنفيذ الإرادات السلطانية ،وأمرهم بعد ذلك بتبليغ أهالي بغداد كافة ، وحاضرهم يُعلم الغايب بأن يدقّ كلّ واحد منهم خازوقا أمام بيته ويعلّق عليه فانوسا يشتعل طوال أيام العيد ، وكلّ من يُخالف أمر السلطان - حفظه الله - يُرمى في غيابة السجن ويُقيّد بالأصفاد ويُجلد ويُغرّم . حلّ العيد وكانت أيامه سعيدة فعلا على أهل بغداد ، إذ تعالت الأصوات من المآذن وهي تكبّر وتمجّد وتهلّل ، وصخب الصبية في الأزقة وقد أذهلتهم وخطفت ابصارهم أنوار الفوانيس ، وجأر الرجال بالدعاء للسلطان أولا والوالي ثانيا ، واندلقت هلاهل النسوة من الأبواب والشبابيك ، وانسلّت محلّقة من الفتحات المقرنصة في الشناشيل ، وهزّت مدافع العيد بأصواتها المدوّية أسوار بغداد وعلت على كلّ صوت لتغطّي على أنين المسجونين ، وصرخات البائسين ممن لا يمتلك ثمن الخازوق والفانوس والزيت ، غير أن ظهورهم هي الأخرى كانت تلتهب وتحمرّ وتتوهج من شدّة السياط والجماغات التي كان يوقعها عليهم الجندرمة . من جانب آخر وقف الوالي على سطح داره فرأى بغداد شعلة من الوهج الحالم ، فابتسم ومسح على شاربيه الخنجريين وقد تناثرت الغبطة من بدلته العسكرية ذات النياشين والأوسمة ، ثمّ صرخ بملْ حنجرته : واخ واخ ... بغداد صارت جنّة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور خالد النبوي يساند والده في العرض الخاص لفيلم ا?هل الكهف


.. خالد النبوي وصبري فواز وهاجر أحمد وأبطال فيلم أهل الكهف يحتف




.. بالقمامة والموسيقى.. حرب نفسية تشتعل بين الكوريتين!| #منصات


.. رئاسة شؤون الحرمين: ترجمة خطبة عرفة إلى 20 لغة لاستهداف الوص




.. عبد الرحمن الشمري.. استدعاء الشاعر السعودي بعد تصريحات اعتبر