الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استقلالية القضاء طريق الربيع العربي للعدل والانتخابات الحرة

علي شفيق الصالح

2012 / 6 / 26
دراسات وابحاث قانونية


وهي العقيدة القائلة بأن القرارات القضائية يجب أن تكون حيادية وغير خاضعة لنفوذ السلطات الأخرى للدولة أي التنفيذية والتشريعية أو لنفوذ المصالح الخاصة أو السياسية.
أن استقلالية القضاء هي هدف خالد يسعى للتغلب على الجريمة والفساد وتحقيق العدالة في المجتمع وحماية الحريات, وتثبيت سيادة الثقة في القانون والتشجيع على الاستثمار.
كما أن هناك علاقة قوية متبادلة بين الممارسة الديموقراطية واستقلالية القضاء؛ فالديمقراطية تظل بحاجة ماسة إلى قضاء مستقل قادر على مقاربة مختلف القضايا والملفات بنوع من الجرأة والنزاهة والموضوعية؛ بعيدا عن أي تدخل قد تباشره السلطات الأخرى.
وقبل كل شيء لا بد من الاشارة الى أن شباب الربيع العربي يدرك اننا ورثة أولى الحضارات والقوانين العادلة في العالم, وأن بلادنا مهبط الشرائع السماوية التي حثت على العدل, وجاءت آيات قرآنية كثيرة تأمر به.
وتنقل لنا الروايات وكتب التاريخ العديد من القصص التي تؤكد على أن القضاء كان عبر تاريخ حضارتنا يتمتع باستقلال تام وعلو في الكلمة لا يدانيه في ذلك أحد, وهذا ما مهد الى وضع أحكام ساهمت في تقدم العدل.
كما استفادت الدول العربية من تجارب دول أوربية في وضع أنظمتها القضائية المعاصرة, وبالأخص من حيث تشكيلات وأنواع المحاكم, وأنواع الدعاوى ودرجات التقاضي, ومراحل التحري وتحريك الدعوى الجنائية, مع وجود الاختلاف طبعاً في التفاصيل.
وفي هذا العصر نجد أن مبدأ " استقلال القضاء "، أضحى مبدأً دستورياً وحقاً أصيلاً يرتبط بحماية حقوق الإنسان وتتباهى به، الدول المتحضرة وعند التأمل في النظام الدستوري والقانوني لأي دولة في العالم نجدها تحرص على النص على هذا المبدأ
وعليه ولضمان المصداقية, أنا أدعوا شباب الربيع العربي الى عدم الاكتفاء بإقرار هذا المبدأً دستورياً فهو لا يكفي، بل يجب ترجمته إلى "واقع عملي" وبشكل واضح ومحدد من خلال الارادة السياسية الصادقة, والنصوص التشريعية المكملة, والآليات اللازمة للتنفيذ.
ويقوم مبدأ استقلالية القضاء على مجموعة من المرتكزات التي تعززه, ويعتبر استقلال السلطة القضائية عن بقية السلطات حجر الزاوية في أي نظام متحضر يسعى الى تحقيق العدالة.
وطبيعة هذا المبدأ تقتضي تمتع السلطة التي تمارس الصلاحيات القضائية بالاستقلال والحياد وهو جوهر العمل بمبدأ الفصل بين السلطات. فهذا المبدأ هو الاساس الوحيد للحفاظ على التوازن ، الاساس الذي وصفه الفيلسوف الفرنسي شارل دي مونتسكيو بعبارة شهيرة: " أن من يتمتع بسلطات واسعة غير محددة يسيء استعمالها, ولا يحدّ السلطة إلا سلطة أخرى تمنع تجاوزها ".
في ديموقراطيات الامم المتحضرة، تحكم الغالبية البرلمانية، وتخضع لمساءلة مجلس نيابي منتخب، كما تواجه سلطة قضائية ،كسلطة وكيان مستقل عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعدم السماح لأي جهة بإعطاء أوامر أو تعليمات للسلطة القضائية.
كما يراد بمبدأ الفصل بين السلطات عدم المساس بالاختصاص الأصلي للقضاء، وهو الفصل في المنازعات بتحويل الاختصاص في الفصل لجهات أخري كالمحاكم الاستثنائية، أو المجالس التشريعية أو إعطاء صلاحيات القضاء إلى الإدارات التنفيذية.
وهو يلزم توفير قدر من الضمانات الوظيفية للقضاة بما يكفل استقلالهم وعلى وجه الخصوص تجاه السلطة التنفيذية، كجعل اختيار القضاة بيد السلطة القضائية، وتوفير الحماية القضائية لهم، وعدم جواز عزلهم بقرار السلطة التنفيذية لعدم إعطائها فرصة للتدخل والضغط.
وهذا المرتكز أصبح مبدأ عالمياً أساسياً وفق ما ورد في الإعلان العالمي لاستقلال العدالة الصادر عن مؤتمر مونتريال في كندا عام 1983, وفي المبادئ الأساسية بشأن استقلال القضاء الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1985م والتي تعتبر الميثاق أو المرجع الدولي بشأن استقلال القضاء.
وفي مقدمة العوامل الرئيسية التي تساعد على ضمان استقلالية القضاء هي الاختيار الصحيح للقضاة بحيث نقلل من التأثير السياسي إلى أدنى حد ممكن. وهذا يتطلب وجود هيئة مستقلة تسهر على اختيار القضاة وتعيينهم على أساس الكفاءة وتأديبهم. ولا بد أيضاً من منح القضاة الرواتب والمزايا المناسبة التي تليق بهم وبمهامهم.
واذا كان النظام القضائي المستقل مطلوباً ومؤكداً, فأن العدالة تستوجب أيضاً احترام حجية الأحكام القضائية وعدم عرقلة تنفيذها أو التحايل في تنفيذها و إلا فقدت الوظيفة القضائية قيمتها واحترامها.
ومن الانصاف أن نشير الى المبادرات المبكرة في محاولة اصلاح الأنظمة القضائية التي شهدتها بعض الدول قبل تصاعد أعاصير الربيع العربي, وهي تمثل خطوات مهمة لمواكبة العصر, لكنها تفتقر الى خطوات جريئة لازمة لاستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية لا أن يكون جزأً منها.
ويواجه شباب الربيع العربي تحديات أخرى تعرقل الإصلاح القضائي, لوجود من ينادي بتحقيق "الأمن قبل العدل" بعد تزايد الانفلات الأمني في مناطق عديدة.
خذ مثلاً مصر التي شهدت عقب أحداث ثورة يناير غيابا ملحوظا للأمن, ووجد البعض في هذا تبريراً للمطالبة باللجوء الى الأحكام العرفية لوقف أعمال العنف من جانب الخارجين على القانون.
ومن حسن الحظ سرعان ما استجاب الكل لنداء الحكمة, واتفق الثوار والسلطة الانتقالية على "الرفض التام للاستبداد باسم العسكر أو السيطرة باسم الوطنية والدين". وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" حذرت من السيطرة على مقاليد الأمور وأكدت على أن ذلك يعيد الثورة خطوات للخلف ويهيئ الأجواء لوقوع المزيد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
لقد أثبتت تجارب الفترة الانتقالية للربيع العربي أن السلطة المؤقتة في استطاعتها مواجهة أعمال العنف والخارجين على القانون عبر استخدام الضبطية القضائية النزيهة ووضع خطة محكمة للتصدي لظاهرة الانفلات الأمني حتى تسليم السلطة لحكومة مدنية.
كما يتعين أن نلاحظ بأن الانتخابات نفسها التي تفرز نخبا يفترض أن تتولى تدبير الشأن العام والوطني والسهر على مصلحة البلاد وقضايا المواطنين الحيوية؛ تتطلب وجود قضاء فعال ومستقل قادر على ضمان نزاهتها وإضفاء مزيد من العدل.
ولذلك فأنا أدعوا شباب الربيع العربي الى الاصرار على وجود قضاء نزيه كشرط أساسي لتحقيق الأمن وحماية الحريات, ويتعين أن يستند ذلك على تكريس استقلال السلطة القضائية بحيث يجعل منها سلطة مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، ويضمن عدم وقوع القضاة تحت ضغوط أو تأثير أحد, وحماية حقوق الإنسان والحريات العامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نوايا طيبة
محمد جعفر ( 2012 / 6 / 27 - 22:53 )
تحية طيبة
القاظ جميلة وتوايا طيبة ولكن كيف نجسد الفصل بين السلطات واستقلال القضاء ما هي مصاديقها التي يجب ان تتجسد بالنص القانوني ما هي الية الرقابة لضمان تنفيذ هذين المبدأين ان الامر يتطلب جهد الخبرين لرسم الطريق ويتطلب وعبا جماهيريا مع ضمان ادارة قضائية منتخبة لها حق الادارة دون ان تقحم نفسها في قضاء الفصل اذ ان الكثير من التجارب باتت فيها السلطة القضائية حصان طروادة للسلطة القابضة

اخر الافلام

.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا


.. هل كانت المثلية موجودة في الثقافات العربية؟ | ببساطة مع 3




.. Saudi Arabia’s authorities must immediately and unconditiona


.. اعتقال 300 شخص في جامعة كولومبيا الأمريكية من المؤيدين للفلس




.. ماذا أضافت زيارة بلينكن السابعة لإسرائيل لصفقة التبادل وملف