الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشتراكية العالم العربي أم ليبراليته؟

محمد هالي

2012 / 6 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


إن مقالة الرفيق حميد المصباحي المعنونة ب"..اشتراكية العالم العربي .." حملت عناوين كبيرة يصعب اختصارها بالشكل الذي قام به الرفيق، لهذا لا بد من تعميق هذه العناوين أكثر و محو بعض المغالطات ذكرها الكاتب في سياق رؤيته و تقييمه للفكر الاشتراكي العربي، فلم يظهر هذا الفكر كما ادعى "نتيجة انبهار النخبة العربية بفكرة العدالة" لان فكرة العدالة هي الأخرى جاءت في سياق تاريخي سأختصرها فيما اصطلح عليه بعصر النهضة الأوربية، و إن كان هذا المفهوم يحمل من التأويلات ما يجعل مبحث القيم هذا ينفلت من كل تحديد دقيق و موضوعي، ففي اليونان القديمة ارتبط بطبقة الأسياد أي عدالة الأسياد، و حرمان الطبقة الأخرى من تداعياته التطبيقية و يعتبر أفلاطون أكثر الفلاسفة الذين تكلموا عن العدالة كإنصاف من خلال التحديد ألانسجامي الذي دافع عنه بإخلاص لطبقته الارستقراطية المرتكزة على علو السيد و الحط من باقي الفئات الأخرى أما في الغرب فالطبقة البورجوازية هي التي جعلت من العدالة مطلبا لتحيق انهيار الإقطاع لكن العدالة هنا لا يجب فهمها بطريقة منعزلة بل يجب فهمها ضمن مفاهيم قيمية أخرى كثيرة وضعتها البرجوازية من ضمن خصائصها التحريضية كالديمقراطية و الحرية و المساواة و الإخوة، ....معنى هذا كله أن العدالة تشكل عنصرا من ضمن العناصر القيمية التي فرضتها الظروف الموضوعية من اجل قيادة المجتمعات الغربية للقضاء على كل معالم الإقطاع البالية، كيف إذن نجعل من مفهوم كالعدالة هو السبب في ظهور الفكر الاشتراكي؟ ! هل المادي هو الذي يعطي الفكري أم العكس؟ ! اعتقد أن الأمر واضح هنا لان التحولات العميقة التي عرفتها المجتمعات الغربية هي التي جعلت من مفهوم العدالة و غيره من المفاهيم الأخرى كمسعى أو كهدف للركوب عليه من اجل قطع الطريق للوصول للعدالة كما فهمتها الطبقة البورجوازية آنذاك، في حين أن الفكر الاشتراكي بشكليه الطوباوي، و العلمي، لم ينشأ نتيجة فكرة العدالة، لأنه جاء نتيجة الثورة الصناعية و ما خلفته من بؤس و تشرد و اضطهاد للطبقة العاملة، نتيجة الاستغلال المفرط من أجل تضخيم من فائض القيمة لصالح الطبقة البورجوازية، و حتى الحلول التي قدمتها الاشتراكية آنذاك للطبقة العاملة لم تركز على مفهوم العدالة، فالماركسية مثلا ركزت على العنف الثوري كمسعى أساسي للإطاحة بالطبقة البورجوازية، بعدما تتوفر و تنضج العوامل الموضوعية التي ستؤدي لذلك، لهذا يمكن القول أن الفكر الاشتراكي العربي هو الآخر تبلور في سياق تاريخي اتسم بتغيرات موضوعية عميقة يمكن اختصارها في النقط التالية:
ا - إن حاجة العالم العربي للاشتراكية لأنها كانت آنذاك تعتبر النموذج المقاوم للنظام الرأسمالي التي بدأت تنهب المستعمرات و إبادة الحس المقاوم فيها فكان لابد من التحالف مع تصور شمولي يؤمن به كل من يعارض طبيعة النظام الرأسمالي. و ساهمت الثورة البلشفية في ذلك لأنها فتحت لقوى التحرر العربية آفاقا و من ضمنها التصور الاشتراكي لتكون النموذج الأمثل للتخلص من براثين الاستعمار، لهذا كان من السهل الإيمان بمبادئ هذا الفكر و تقبله.
ب– إن الاستعمار لم يأت فقط بمقومات النهب، و الاستنزاف للثروات، بل جاء بعدة قيم، و أفكار، و مبادئ، و من ضمنها الفكر الاشتراكي، و هذا ما حاولت بعض الأحزاب الغربية تطبيقه في المستعمرات العربية، فقامت باستقطاب جزء من النخبة العربية، ما دامت أن القضية واحدة، هو التخلص من الرأسمالية بالنسبة للأحزاب الاشتراكية الغربية، و التحرر من الرأسمالية و استعمارها الجشع بالنسبة لقوى التحرر العربية، و أن نقطة الالتقاء هذه هي التي جعلت بعض المؤمنين بهذا المذهب، الانخراط في تلك الأحزاب الاشتراكية الغربية، و الدفاع عن الطبقة العاملة، رغم الاختلاف الحاصل بين الطبقة العاملة في الغرب ،و الدول العربية.
هذا عن تشكل الفكر الاشتراكي في ظل الاستعمار أما بعد ظهور الدول المفبركة من طرف الدول الاستعمارية فالرفيق هنا وقع في خلط معرفي بين الفكر الاشتراكي الذي آمن بالفكر الماركسي العلمي و بين الانقلابات العسكرية التي أوصلت الأنظمة الوطنية (الناصرية و حزب البعث السوري و العراقي و دولة القدافي...) التي اتفق جل الدارسون على أن البرجوازية الصغيرة هي التي قادت هذه الانقلابات و مادامت أنها طبقة وسطى متدبدبة فهي لم تطبق الفكر الاشتراكي رغم تحالفها مع المعسكر الاشتراكي في فترات تاريخية معينة، و قامت ببعض الإجراءات المستمدة من الفكر الاشتراكي كتامين قناة السويس في عهد الناصرية، لهذا فالتدبدب يرجع إلى طبيعتها الطبقية، وهذا ساعدها على تغير مواقفها و برامجها الاقتصادية من فترة لأخرى، وكان الميل إلى النظام الرأسمالي هو الغالب و توج هذا الميل بانتصار الجناح الساداتي في مصر، و الانخراط كليا في أحضان الغرب، ودخول الحزب البعثي كليا في الكثير من المشاريع الرأسمالية أما نظام القدافي فالكل يتفق على انه نظام كلياني بخزعبلات اعتبرها من تأليف قائد ملهم اشتراكية القدافي الخضراء التي جعلت الجرذان ترفضها، و القضاء عليه كليا بتحالف مع قوى خارجية تحتاج هي الأخرى إلى تقييم، لهذا فهذه الدول الوطنية لم تعرف الاشتراكية و لم تؤمن بها إطلاقا، بل حاولت الاستفادة من المعسكر الاشتراكي لدعمها؟، مادامت أنها قوى وطنية تسعى للتميز بخلق مشاريع وطنية كما فعلت الناصرية، و حزب البعث العراقي، إلى جانب هذه القوى الوسطية التي وصلت إلى السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية، نجد أحزابا اشتراكية اختلفت في تصورها و مواقفها واجهت حتى الناصرية، باعتبارها نظام غير قادر عن التعبير عن طموحات الطبقة العاملة، و إن انخراطها في الكثير من المشاريع الرأسمالية ستؤدي لا محالة إلى السقوط في أحضان الغرب، و الابتعاد عن المعسكر الاشتراكي، في حين انخرطت قوى ليبرالية باسم الاشتراكية في مباركة كل المشاريع التي تسطرها بقية الدول الأخرى، عن طريق التمثيلية البرلمانية، و الدفاع عن السلم الاجتماعي وذلك بتدجين العمل النقابي و تبقرطه، و هذا ما حاول الرفيق تأكيده"التي انتهت إلى اشتراكية إصلاحية,سميت بالاشتراكية الديمقراطية,التي سمحت لليسار العربي بالانخراط في اللعبة الانتخابية,التي بها تحول الكثير من اليساريين العرب,إلى عرابين للبرجوازية,التي طالما واجهوها إيديولوجيا,وساهموا في إصلاح بعض إعطابها سياسيا,من منطلق الوطنية,أو القومية,أو حتى خلق البرجوازية الوطنية" لكن لا يمكن تصنيف هذه القوى باليسارية، و لعل كلمة اليمينية، هي اصدق تعبير، و اصدق وصف لهذه القوى، ومن هنا فمقالة المصباحي حميد تناولت اشتراكية العالم العربي من منظور آخر أي نقيض الاشتراكية، و كان عليه أن يعنون مقالته ب"ليبرالية العالم العربي بدل الاشتراكية"و سنتفق معه على هذا الوصف" أن قسما من ذلك,أعتنق الاشتراكية العربية,تبنى الاشتراكية كفكر تحريضي, لم تكن غايته تغيير الأنظمة,بل فقط تخويفها,لانتزاع مكاسب سياسية,و مراكمة رأسمال رمزي,يتحول إلى قوة اجتماعية وحظوة سياسية,بها يتحقق ما أسماه كارل ماركس,بالتسلق الطبقي,أو ريع سياسي,ينتهي بالتقرب من مالكي القرار,لقضاء حاجات فيها الفردي والقبلي وحتى العائلي,فغدت أحزاب اليسار,تكتلات مصلحية,تحقق بالسياسة لأتباعها ما عجزوا عن تحقيقه اقتصاديا" مع محو مقولة الاشتراكية من هذه الفقرة، و بلغة سليمة سنقول إن هذا التصور الليبرالي الجديد وظف الاشتراكية إيديولوجيا لتحقيق مصالحه. و هذا شأن الأحزاب التي استغلت صدى الاشتراكية لتوظفه في تحالفات مع الأنظمة التي تشكلت بمباركة الأنظمة الاستعمارية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 3 خطوات ستُخلّصك من الدهون العنيدة


.. بمسيرات انقضاضية وأكثر من 200 صاروخ.. حزب الله يهاجم مواقع إ




.. نائب وزير الخارجية التركي: سنعمل مع قطر وكل الدول المعنية عل


.. هل تلقت حماس ضمانات بعدم استئناف نتنياهو الحرب بعد إتمام صفق




.. إغلاق مراكز التصويت في الانتخابات البريطانية| #عاجل