الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عذراً فرج الله الحلو

سعد الله مزرعاني

2012 / 6 / 27
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


في مثل هذه الأيام قبل 53 سنة، استشهد القائد الشيوعي الكبير فرج الله الحلو تحت الضغط الإجرامي لآلة القهر والتعذيب الاستخبارية، وبعد ساعات من اعتقاله في غرفته الصغيرة في دمشق. قبل ذلك بحوالى عام كان فرج الله قد كتب في جريدة «النور» في دمشق أيضاً: «أهلاً وسهلاً بعبد الناصر». ورغم ذلك فقد اغتيل، لكن جرى إنكار اعتقاله، ثم تذويب جسده بالأسيد لإخفاء كل أثر للجريمة.
قصة هذه الجريمة النكراء ظلت تُحيل على الدوام إلى التباسات لا يزال بعضها ماثلاً حتى الآن: لماذا جرى اغتيال الشهيد بهذه السرعة القياسية؟ هل توفي فجأة و«بشكل طبيعي» كما يذكر الصحافي والكاتب المعروف محمد حسنين هيكل؟ هل جرى إبلاغ جمال عبد الناصر رئيس «الجمهورية العربية المتحدة» بالاعتقال؟ قبل ذلك: لماذا ذهب فرج الله الحلو إلى دمشق، لماذا هو دون سواه، وفي تلك الظروف الصعبة، حيث غادر دمشق كل أعضاء القيادة تفادياً للاعتقال وملحقاته، وفي المقدمة منهم خالد بكداش الأمين العام للحزب الشيوعي السوري؟
وفي امتداد هذه الأسئلة، أسئلة «خاصة» أيضاً: ماذا كان دور خالد بكداش، الأمين العام والقائد البارز آنذاك، في إرسال فرج الله إلى دمشق! هل هو من طلب؟ هل هو من ألحّ بعد ما ذُكر عن تأفّف فرج الله من مهمة ليس من المناسب أن ينفذها شخص معروف وملاحق (تُراجع بهذا الصدد كتابات لكل من الرفاق يوسف خطار الحلو وكريم مروة وجورج حداد ...)؟
في الجواب عن أسئلة «الموت الطبيعي» أو الاغتيال، يقدم سامي جمعة، مسوؤل مفرزة المباحث السورية التي اعتقلت فرج الله الحلو آنذاك، أجوبة قاطعة بشأن الاعتقال وتأكيد الموت تحت التعذيب. أما معرفة القائد الكبير جمال عبد الناصر بالأمر، فقد تلعب مسألة قصر المدة ما بين الاعتقال والاغتيال لمصلحة تبرئته من المسوؤلية المباشرة... وبشأن دور خالد بكداش فلا بد من عودة سريعة إلى موقفه السلبي من الوحدة الاندماجية بين مصر وسوريا، ومقاطعته جلسة التصويت على قرار الوحدة، وكان نائباً في البرلمان السوري، ومن ثم سفره وعودته حاملاً «البنود الـ13» التي تطالب بإعادة النظر في الوحدة وتضع الكثير من الشروط والمطالب. أدى ذلك إلى صراع تصاعد بين أجهزة دولة الوحدة والحزب الشيوعي السوري، واللبناني استطراداً. وقصة ذلك، رغم انفصال الحزبين الشيوعيين في سوريا ولبنان رسمياً منذ عام 1943، أن خالد بكداش ظل متسلطاً على قيادة الحزب الشيوعي اللبناني، وظل عملياً يقود عمل الحزب في البلدين ويستخدم ذلك في تعزيز نفوذه في سوريا ولبنان على حدّ سواء.
لقد طبعت نزعة التفرد والتسلط كلّ سلوك خالد بكداش وعلاقاته. وهو سخّر في سبيل ذلك مواهبه القيادية وعلاقاته الأممية، كما استغل طيبة أجيال متعاقبة من المناضلين وبراءتهم، والتي كانت تذهب إلى التضحية يوجّهها إيمان عميق بالقضية وثقة عمياء بالقيادة.
فرج الله، القائد هو الآخر، المتواضع والمحبوب والمبادر والمتفاعل حتى الجذور مع بيئته وناسه، أزعج تسلّط خالد بكداش. أزعجه أكثر حين أعلن مواقف متمايزة عن مواقف «الرفاق السوفيات» بشأن قرار تقسيم فلسطين، الذي أيّدوه في مجلس الأمن. كذلك كان فرج الله بتقاريره وسلوكه يقدم مواقف ونماذج، برز فيها الفرق هائلاً ما بين الأسلوبين والكثير من مواقفهما. فلم يتردد فرج مثلاً في 1937 وفي اجتماع قيادي في دمشق، وبحضور بكداش نفسه، في تضمين تقريره فقرة تقول: «لا يحق لغير الهيئات الحزبية المنتخبة بالطرق القانونية أن تتخذ القرارات. ولا يقبل الحزب الشيوعي وجود هيئة أو زعيم فرد فوق قانون الحزب العام، كما يحصل في الكثير من الأحزاب الأخرى».
طارد خالد بكداش فرج الله منذ أن تمكن من ذلك: حرّض عليه، اتهمه، أبعده إلى الخارج، لفّق له ملفاً استمر إعداده وتعظيمه بـ«الاعترافات»، طيلة ثلاث سنوات. وأخيراً جرى وضع فرج الله أمام خيارين: إما «الإقرار « بـ«أخطاء» لا تخطر إلا على بال متآمر ومتجنّ، أو الطرد من الحزب. وهذا الأمر استخدمه بكداش مع كثيرين قبل وبعد: مع الشهيد جورج حاوي، وحتى مع عضو قيادة الحزب آنذاك حسن قريطم الذي أورد تقرير المؤتمر الثاني «اعترافات» له هي على الأرجح أيضاً ملفقة، وأدت وظيفتها في تطويع الرجل، بينما رفض مثلها آخرون. الغريب أنّ تقرير المؤتمر الثاني مارس إزاء ذلك تمييزاً غير مبرر.
الاغتيال على يد المباحث السورية لم يكن الاغتيال الأول إذاً، بل كان الثاني في الواقع. وكان طبعاً «ظلم ذوي القربى أشد مرارة». ففرج الله عانى القهر والإذلال والإقصاء والإبعاد والتهميش والإساءة من كل نوع، على أيدي بعض من كانوا له رفاقاً وقادة.
«رسالة سالم» التي فُرضت على فرج الله كتبها فعلياً خالد بكداش ومعاونوه، وتضمنت تحقيراً فظيعاً لكاتبها ومدحاً أفظع لبكداش. هي صفحة سوداء نُسجت على المنوال الستاليني. وقد أشارت إلى ذلك الخلل الفادح في تجربة قادة ساهموا من خلال أخطائهم في تدمير أعظم تجربة في تاريخ البشرية. والبكداشية، الابنة النجيبة للستالينية، استمرت للأسف. وهي ماثلة الآن في تجربة «ورثة» بكداش في تقسيم الحزب الشيوعي السوري وتحجيمه.
لقد ألهمت تجربة فرج الله الحلو وأفكاره وتضحياته وعذاباته تغييرات عميقة في صفوف الحزب الشيوعي اللبناني. ومثّل المؤتمر الثاني (الثالث تاريخياً) في تموز 1968 ما يشبه الانتفاضة على النهج البكداشي. وأسس ذلك لوثبة وتطور كبيرين في نضال الحزب الشيوعي اللبناني، فغدا في السبعينيات أحد أكبر الأحزاب اللبنانية وأكثرها حيوية ومبادرة.
لقد استلهم المؤتمر الثاني المذكور أفكار فرج الله الحلو في ممارسة الديموقراطية في الحزب، واستند إلى مواقفه ومبادراته في اشتقاق البرنامج من صلب الواقع اللبناني وحاجات التغيير فيه. كذلك أقام تفاعلاً خلاقاً ما بين قضايا التحرر الاجتماعي والتحرر الوطني وما بين القضايا القومية والقضايا الوطنية والقضايا الأممية.
لكن الأمور لا تجري على هذا النحو الآن، ويعاني الحزب الشيوعي اللبناني اليوم من تسرب النزعة البكداشية إلى مستويات أساسية في مواقعه القيادية. إن عملية منهجية تجري منذ حوالى عقد من الزمن لتصفية الإجراءات والتوجهات الديموقراطية والتحررية التي انطلقت منذ المؤتمر الثاني في 1968 وتكرست في نجاحات وفرت للحزب رصيده الذهبي الذي كوّنه سابقاً. إن مبدأ تداول السلطة في الحزب، والذي حان تطبيقه بعد تكرار الوعد بذلك خلال ثلاث مؤتمرات، هو ما يُستهدف الآن، بذريعة أنّ «الديموقراطية هي التي خربت الحزب»!
هذه وسواها من المسائل الخطيرة (عزلة الحزب وتدمير تحالفاته، خطأ الأولويات والعمل بالشعارات والعصبيات بدل البرامج والملفات...) هي ما يجب أن يواجهه المؤتمر الحادي عشر الذي يجري الإعداد له على الطريقة البكداشية: تلفيق الاتهامات والفصل والترهيب... فيما يجري تعطيل الهيئات وتكريس العمل الفردي بأكثر الصيغ فجاجة وابتذالاً.
هل لأجل ذلك لم يجرِ حتى مجرد تذكّر موعد استشهاد فرج الله الحلو؟
عفواً وعذراً أيها الكبير في حزبنا وفي بلادنا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا رفيق سعدالله
غازي الصوراني ( 2012 / 6 / 27 - 18:31 )
المجد والخلود للشهيد القائد المثال في الثبات والصمود فرج الله الحلو


2 - توضيح
عمران طلال الملوحي ( 2012 / 6 / 27 - 20:15 )
عذراً.. ففي مقالك الكثير من التجني على التاريخ... ويبدو أنك تتخذ موقفاً مسبقاً من خالد بكداش.. وتبني فوقه بعض المداميك الهشة.. فالوثائق تقول أن خالد بكداش طلب من قيادة الحزب في لبنان عدم إرسال فرج الله حلو إلى دمشق.. لكن قيادة لبنان هي التي أصرت على إرسال فرج الله وفرج، هو ذاته أصر على الذهاب!.. ويمكنك العودة إلى كتاب المذكرات لدانييل نعمة، إن لم تتوفر لديك مصادر أخرى!... ولن أتوقف طويلاً أمام كثير من المغالطات، ولا أمام تهجمك المبطن، أو الصريح على خالد بكداش.. هذا رأيك.. ولكن أعجبُ من انضمامك إلى جوقة مهاجمي ستالين!... وهي جوقة، تصطف في نعيقها ضد ستالين مع الجوقة الصهيونية، ومع جوقة أبواق المخابرات المركية الأمريكية الـ: C. I. A
اعذرني أيها الرفيق... صورة فرج الله الحلو تحتل مكان الصدارة في القاعة المتواضعة (المتواضعة، هنا، تعني خلوّها من أي عنصر من عناصر الترف) التي تجتمع فيها اللجنة المركزية..
وأما احتفالنا السنوي بذكرى اغتيال فرج الله الحلو، فهو متواتر كل سنة.. وقبل أيام قليلة خصصت دورية (الشباب) وهي ملحق يصدر عن صحيفة الحزب المركزية، صفحة كاملة، مع قصيدة معروفة لنجيب سرور...


3 - أخي عمران طلال الملوحي
فؤاد النمري ( 2012 / 6 / 28 - 06:40 )
الفاشلون لا يجدون ما يغطي فشلهم سوى شتم ستالين
أقول لمجندي البورجوازية الوضيعة من -الشيوعيين- بشكل خاص أن ستالين سلمهم لدى رحيله دولة عظمى تمسك بمقاليد الأمور في كل العالم. هل كنا نسمع خبراً في الخمسينيات بعيداً عن الصراع بين المعسكرين الاشتراكي والرأسماليي؟
أنا أسأل المزرعاني الذي يطالب اليوم أن يكون هو الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني (بالدور !!) أسأله عن الانقلاب العسكري الذي قام به المارشال جوكوف ضد قيادة الحزب في حزيران 57 عندما نزعت الثقة من خروشتشوف وكان عليه أن يتنحى؟؟
هل يعلم المزرعاني عن إعلان خروشتشوف بإسقاط دولة دكتاتورية البروليتاريا واستبدالها بما سماه - دولة الشعب كله - في العام 59
هل يعلم المزرعاني عن مطالبة خروشتشوف بفك الوحدة العضوية بين الثورة الاشتراكية وثورة التحرر الوطني؟
كيف هو لا يعلم بمفاصل تطور المشروع اللينيني ويريد أن يكون الأمين العام لحزب ما زال يزعم بأنه شيوعي!!؟
لعلم المزرعاني والقومجيين أن كل العذابات التي لحقت بالشعب الفلسطيني إنما هي النتيجة المباشرة لرفض قرار التقسيم من قبل الرجعية العربية
هل يعلم المزرعاني بنود قرار التقسيم ليرفضه؟ أبداً


4 - /تابع
فؤاد النمري ( 2012 / 6 / 28 - 07:06 )
أنا أسأل الأمين العام خالد حداده ومرشح الأمين العام سعدالله المزرعاني ومن لف لفهما من الشيوعيين .. هل يجوز للجنة المركزية للحزب أن تلغي مقررات المؤتمر العام للحزب ؟؟
وإذا ما كان جوابهم بالسلب كما أتوقع وكما هو القانون العام لدى جميع الأحزاب، إذاً كيف ألغت اللجنة المركزية في اجتماعها في ايلول 1953 مقررات المؤتمر العام التاسع عشر المنعقد في أكتوبر/نوفمبر 1952 برئاسة ستالين
كيف لها أن تلغي جميع مقررات المؤتمر العام
ألا تنتخب الهيئة العامة للحزب اللجنة المركزية لتنفذ مقررات المؤتمرلا أكثر ولا أقل !؟
كيف يكون المرء شيوعياً والمياه القذرة تسيل من تحته وهو لا يدري !!؟

خالد حداده وسعدالله المزرعاني مشغولان بتحرير فلسطين من آل صهيون وإعادتها لبني يعرب، أما الشيوعية فلها أصحابها غيرهما!!


5 - إلى المعلقين البكداشيين
علي السوري ( 2012 / 6 / 29 - 01:18 )
لقد قتل ستالين عشرة أضعاف ما قتله هتلر من أبناء الشعب السوفييتي، وقام بتهجير عشرات الملايين من أبناء القفقاس، من شيشان وشركس وكرد، الى سيبيريا أو الى شرق آسيا
وستالينكم، العظيم، هو من دمر تقاليد الحزب البلشفي بأن صيّره الى مجرد مصفق للقائد الضرورة؛ حيث استلهم كل من حافظ وصدّام هذا الاسلوب وجربه على حزبه البعثي
وبكداش هو أسوأ من استاذه ستالين؛ لأنه فعل كل تلك الجرائم بحق رفاقه، ولم يكن على رأس الحكم، فكيف لو كان حاكما؟؟ إذن لترحم السوريون على حافظ أسد، بل وعلى هتلر نفسه
تحية للاستاذ مزرعاني
والخلود للشهيد فرج الله الحلو


6 - thanks
ali ( 2012 / 6 / 29 - 11:51 )
تحية للاستاذ مزرعاني
والخلود للشهيد فرج الله الحلو

اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين وصحفيين بمخيم داعم لغزة


.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش




.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش


.. كلمة نائب رئيس جمعية المحامين عدنان أبل في الحلقة النقاشية -




.. كلمة عضو مشروع الشباب الإصلاحي فيصل البريدي في الحلقة النقاش