الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نفهم الأدب ؟ ( نقد النظرة اللينينية نحو الأدب )

هشام صالح

2012 / 6 / 28
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


في كل ظرف أو مشكلة أو حالة سياسية أو أجتماعية معينة نجد الأدب يتغلغل ليطرح حلولاً أو أسئلة حول تلك المشكلة أو الحالة . لا يمكن فصل الأدب عن الظرف السياسي و الإجتماعي , فالظروف هي التي توجد الأدب , و لكننا لا يمكننا أن نحصر هذا المفهوم للأدب على أنه المفهوم الصحيح و المطلق و إذا أردنا أن نحصر هذا المفهوم للأدب فنستطيع أن نتحدث عن الأدب ساعات و صفحات , بحروف و كلمات فارغة , بأن الأدب مرآة المجتمع ألخ ..
و لكن لا بد منا أن نصدم القارئ , القارئ المتفتح الذهن طبعاً , بأن الأدب ليس مرآة المجتمع , ليس من واجبه أن يكون مرآة المجتمع , ليس من واجبه أن ينقل المجتمع بحروف جافه و مباشرة جداً . و بهذا , ما هو الأدب إذن ؟ أو كيف نفهم ما هو الأدب ؟ , ليست هناك إجابات صحيحة مطلقة لمفهوم معين , تماماً مثل الثقافة أو سايكولوجية الإنسان , ليس هناك تشخيص أو معنى محدد لحالة معينة و محددة , و لابد منا أن نتحدث بكوننا – سابقاً - من قدمنا تأييدنا للأدب الواقعي الإشتراكي و وقفنا ضد الأدب " الشكلاني " الذي يعتبر أدباً " برجوازياً " أو له ميول " برجوازية " , و نقول بكل صراحة بأن العقلية التي تصنف الأدب في خانات محددة و معينة هي عقلية لا تريد أن تفهم الأدب أو لا تحب جوهر الأدب , و هذه مشكلة اللينينيين – سيكون ظلماً لو قلت ماركسيين – الذين يتبعون كتابات لينين حول الأدب , لينين أساساً – و مع الأسف الشديد- أراد للأدب أن يكون عبداً للحزب , و قد نادى بسقوط الأدب اللاحزبي , و هنا تكمن المشكلة , فأن في زمن لينين كان الأدباء و الكتاب و الفنانون " البرجوازيون " يميلون نحو الطبقة الحاكمة تبجيلاً لها و تقديراً , و لينين بشكل أو آخر كان لا بد منه أن يعلب الأدب و يجعله حزبياً لينشر الوعي ألخ , لكن المأساة الحقيقة هي أن هؤلاء اللينينيون لا زالوا يتبعون ما يقوله لينين , لا زالوا يعلبون الأدب كما علبه لينين في 1913 , فهم يقدمون للأدب فهماً و تحليلاً ليس فقط غير صحيح بل قديم و لا يصلح لهذا الزمن الذي تغيرت فيه مفاهيم الأدب . فأول لمحات الفهم للأدب هو التخلي عن تصنيفه في خانات معينة , فالأدب هو الأدب ,سواء كان شكلانياً , مستقبلياً , واقعياً , و اقعياً إشتراكياً ألخ , لا يمكننا أن نقول أن كل الأدب الذي ينتمي إلى الخانة الشكلانية و المستقبلية هو أدب دنيء .
الخضوع للإيديولوجية او الممارسة الإيديلوجية اللينينية تفرض على تابعيها رفض الأدب اللاحزبي و الانحياز نحو التحليل المطلق الجاف و السطحي , لا يقرأ المحتوى بل يقرأ تصنيف هذا الأدب , مثل الصيدلي الذي يرتب أدويته فيضع دواء " ألم الرأس " في خانة " ألم الرأس " من دون أن يجرب إذ كان هذا الدواء يعالج ألم الرأس أو لا , فهو يصنف الأدوية لا أكثر و لا أقل , و الأمر سيان مع اللينيني الذي يصنف الأدب من دون أن يقرأ , فكل الأدب الغير واقعي إشتراكي أو من دون بطل إيجابي فهو مرفوض , لا تهمه اللغة أو الإسلوب , يريد فقط عمالاً يعلنون إضرابهم و يستشهدوا و المهم في النهاية ان ينتصروا على الرأسماليين . وفي الحقيقة هذا النوع من التصور غير واقعي كما يقول البعض , فالطبقة الكادحة أو العاملة ليست بهذه الإيجابية في الواقع , فأنهم يتعرضون للإهانات و الشتائم و المرض و الموت – تحدثاً عن الأوضاع في القرن العشرين - فهذا النوع من الإيجابية المفرطة تصبح غير واقعية كما يريدها البعض , و فوق ذلك , لا ينفك أخواننا اللينينيون أو الستالينيون من التوقف , بل يقولون يجب علينا أن نكون بهذه الإيجابية , كيف ؟ , أن فوز البروليتاريا هو أمرٌ حتمي , و هنا نلاقي مأساة أخرى , مأساة تتعلق باللوحات التي حصر اللينينيون التاريخ بها , فالنظر إلى التاريخ بشكل حتمي و مطلق ينعكس على الأدب , فالأدب لابد منه أن يكون إيجابياً لأن البروليتاريا عاجلاً أم آجلاً ستحظى بفوزها و دكتاتوريتها ! , فثاني ملمح لفهم الأدب هو إزالة القشرة أو الهيمنة الإيديولوجية عند تحليل أو النظر إلى الأدب , فالعقل المأدلج يصنف الأدب إلى خانات و يحصر الأدب في مفهوم مطلق بمفاهيم القرن العشرين , فالضعف التحليلي هنا يسببه الخضوع للأيديولوجية المسيطرة .
و هنا ننتقل إلى الموضوع الأكثر أهمية , ما هي مشكلات العقل المأدلج الذي يصنف الأدب في خانات و مفاهيم مطلقة و محددة؟ في الساحة السياسية أو الفنية بشكل خاص لا يشكل أي مشكلة على الأدباء الآخرين , بل وجود عقول مأدلجة تنتقد الأدب و الأدباء الآخرين في الساحة الفنية يعتبر هدراً للوقت و الأوراق و الأقلام , فالنقد الذي يعتمد على أساس إيديولوجي جامد ليس نقداً بل نهيق من دون أي جدوى , و لكن حين يتعدى هذا الأمر من حدود الساحة الفنية أو السياسية نوعاً ما , إلى حدود تتعلق إلى حكومة أو دولة تعتمد على أساس إيديولوجي جامد يصبح الأمر خطيراً , فالحكومة السوفييتية – ذات الفكر اللينيني – منعت أي فن أو أدب غير واقعي أو ماركسي , فهذا النوع من الجمود و التعصب في مسألة الفن – بشكل عام – أهدر مجهوداً لأناس غير موهوبين , و أضاع مجهودات فنانين موهوبين بشكل لا يصدق , فمنذ بداية تأسيس الإتحاد السوفييتي إلى آخر يوم , لم نجد فناً أو أدباً يستحق القراءة بإستثناء حفنة قليلة من الأدباء و الفنانين الذين تعرضوا إلى إنتقادات و تهم عديدة , بالرغم من كون روسيا بلد الأدباء – دستوفسكي , تولستوي , بوشكين و غيرهم – لكن الحكومة السوفييتية أعتمدت على أساس أيديولوجي يطرح الأجوبة قبل الأسئلة , فهذا النوع من الطرح الأيديولوجي بشكله الصارم أدى إلى كتابات تمردية و شكلانية , مثل ماياكوفسكي و سولجستين و غيرهم , و هنا بطريقة ما تذكرت مقولة تروتسكي بأن دكتاتورية البروليتاريا تمنح فرصاً أكبر لظهور العبقرية و الإبداع , و لكن مع الأسف الشديد هذا الشكل من دكتاتورية البروليتاريا السوفييتية لم تقدم أو لم تسمح لأي ملمح من ملامح العبقرية خارج إطار الماركسية للظهور بل تم قمعها .
فكيف نفهم الأدب ؟ , الأدب لا يحتاج إلى فهم و تأويل بل هناك ملامح - إذا صح القول - لفهم الأدب , الأدب لا يشيخ أبداً , الأدب دائمأً كان حيوياً و يظهر عند كل مشكلة أو حالة ليطرح الحل , بشكله الواقعي أو الشكلاني , فكل أنواع و فروع الأدب كانت تقدم حلولاً للمجتمعات , و لكنها لم تكن ابداً مرآة للمجتمع , ليس من واجب الأدب نقل المجتمع مثلما ينقل المذيع الأخبار , الأدب دائماً و بشكل حصري ينتمي إلى أولئك من يمتلكون مخيالات شاسعة , إلى هؤلاء من يستطيعون فهم المآسي التي تصيب الإنسان من قبل الحكومات أو الشركات أو المصانع بقراءة كلمات بسيطة تخلو من المعنى المباشر و لكن ممتلئة بالشكل , الأدب ينتمي إلى من يستطيع فهم المعنى من خلال الشكل و ليس بالعكس , الأدب مثل المرأة لا يمكننا فهمها و لكننا لا يمكن الإستغناء عنها .

(( الشيوعي الحقيقي هو من يحرق جسور العودة )) – فلاديمير ماياكوفسكي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يا كومونيوا العالم اتحدوا
فؤاد محمد محمود ( 2012 / 6 / 28 - 16:56 )
الرفيق هشام تحية
جهد مشكور ومبدع وشجاع ان موضوع الادب من اخطر المواضيع التي شوهتنا به اللينينيه الاستالينيه عن الماركسية والابداع
اعانقكم


2 - الثقافة حقل من حقول الصراع الطبقي
قاري وعاشق للأدب ( 2012 / 6 / 29 - 19:28 )
قال مهدي عامل :البراءة مصطلح لا وجود له في قاموس الإديولوجيا وقال أيضا كل يد ملوثة بما تكتب فهي تنحاز حتى حين لا تنحاز أو ترتد ضد الانحياز، كما أنه هو قائل جملة عنوان هذا التعليق البسيط المتواضع. صدقا اقول لكاتب التمرين الإنشائي : هي محاولة للتهجم على اللينينية من وراء التستر وراء حجاب الأدب، لكن هيهات ، عد لقراءة كتاب الماركسية والأدب لغالي شكري، ولنا بعدها حديث. كفى من التشويهات والادعاءات الزيفية، وقليلا من إنصاف النظريات وأهلها ومكانتهم وإسهاماتهم في شتى مجالات الفكر والثقافة


3 - إلى الاستاذ فؤاد و عاشق الأدب
هشام صالح ( 2012 / 7 / 10 - 22:22 )
استاذ فؤاد - أشكرك على مرورك و تعليقك , أعانقكم .

استاذ عاشق - يبدو أن الاستاذ عاشق متعلق بمهدي عامل مؤخراً , فعنوان التعليق و جزء من التعليق كله بلسان مهدي عامل و ليس بلسان كاتب التعليق . أنت لينيني متعصب و ترفض كل الأفكار و الآراء الأخرى لماذا اذن تثير نقاشاً ؟ لينين عليه السلام لا يغلط و اللينينية التي أنعم الله علينا صحيحة 100% فأين النقاش ؟

تريدني أقرأ كتاب لغالي شكري , سأبحث عن هذا الكتاب و سأقرأه شكراً لنصيحتك , و لكنني أريدك أن تفتح ذهنك قليلاً ,فكلمات مثل : (( هيهات ) تدل على أنك ترفض النقد و متعصب بشدة للينينية , هذا شأنك , و لكن أعتبرها نصيحة صديق .

أنا لا أزيف استاذ عاشق , و أعطي كل شيء حقه , لا أقلل من شأن أحد و لا أرفع من شأن احد . فأرجو أن تبتعد عن التصنيفات .

أشكرك على مرورك و تعليقك .

اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم