الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لبنان في دائرة الفوضى

حسن عماشا

2012 / 6 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


من السذاجة الاعتقاد بأن لبنان دولة يمكن قراءة مسار الأحداث السياسية والاجتماعية فيها على أسس النهج الاقتصادي وانعكاساته الاجتماعية أو تبعا للتشريعات الدستورية والقانونية.
لن نغرق في تاريخ النشأة والتكوين للكيان اللبناني وبمعزل عن القراءات المتعددة لهذا التاريخ. تجمع النخب اللبنانية باختلاف ميولها واتجاهاتها على انه ليس في لبنان دولة. وان عناصر تماسك نسيجه الاجتماعي مرهونة دائما بالظروف الاقليمية - الدولية ومدى استقرارها. لتنعكس في المساحة التي تسيطر عليها المؤسسات المركزية للإدارة العامة في الكيان. والتي تبقى بعيدة عن رسم اتجاه واضح في سياساتها العامة سواء تجاه قضية الصراع في المنطقة او تجاه علاقاتها الدولية. لأن هذا يشكل تهديد للاستقرار الداخلي بفعل الميول المتناقضة بين الكتل الرئيسية في المجتمع الكياني.
ليست سياسة "النائي بالنفس" التي تعتمدها الحكومة الحالية تجاه الأزمة السورية إلا استمرار للنهج التاريخي لكل الحكومات في لبنان منذ تأسيسه. وفي كل مرة كانت تنزلق سلطة في لبنان نحو موقف فعلي يضعها في جانب من جوانب الصراع كانت تنفجر فيه حرب داخلية. (ثورة 1958 بوجه الرئيس كميل شمعون لإنخراطه بحلف بغداد. 1973محاولة تصفية الثورة الفلسطينية تكرارا لنموذج أيلول الأسود في الاردن عام 1970. ونتيجة فشل العملية في لبنان بفعل التوازنات الدقيقة تمت المحاولة من خلال فريق خارج مؤسسات السلطة فإنفجرت الحرب الأهلية عام 1975.
ان هشاشة البنية الاجتماعية – السياسية في لبنان تجعل أي معاهدة او اتفاق أو قانون عادي او دستوري مادة هامشية لا يعول عليها الا بالقدر الذي يلبي مصلحة جميع الأطراف فليس بلبنان من مقدس واحد عام. بل كل كتلة لها مقدساتها الخاصة التي تعلوا فوق المشترك مع باقي الكتل. وتتجسد بحجم المشاركة في السلطة والادارة والمكتسبات التي توفرها.
يبقى ان في لبنان شريحة اجتماعية يمكن اعتبارها الأكبر حجما وهي عابرة للطوائف والمناطق تحلم في دولة "الحق والقانون والحرية" تحمل في ثقافتها مفاهيم الثورة الديمقراطية الفرنسية. غير انها هامشية التأثير في الأحداث بحكم طبيعتها الطبقية التي تنتمي الى البرجوازية الصغير. وعدم وجود تنظيم أو حزب سياسي يوحدها وينظم حركتها. وهي في تركيبها الثقافي الاجتماعي المتداخل بين الوعي الطبقي والوعي الطائفي. يجعلها مشتته عاجزة عن بلورة رؤية موحدة تجاه ما يعترض تطلعاتها.
فضلا عن كونها ترسم مسبقا آليات حراكها دون النظر في الظروف الموضوعية وطبيعة التناقضات وحدتها فكل ما تستطيع ان تقوم به للتعبير عن خياراتها هو الحراك الاحتجاجي في التظاهر والاعتصام. والذي في غالبه يكون من حيث الاستثمار في النتائج هو في صالح أحد اطراف القوى المهيمنة التي تستثمر هذا الحراك في تحسين شروط مشاركتها في السلطة ما ينعكس احباطا لدى القيمين على الحراك والمبادرين اليه. في ظل نظرة ضبابية تعميمية مفرطة تفقدها القدرة على استكشاف التناقضات بين الشرائح الحاكمة؛ التي تفقدها امكانية الاستفادة من تلك التناقضات لتحقيق التراكم الذي يمدها بالعزيمة والاستمرار.
مع استمرار مفاعيل الأزمة السورية وتداخلها بعمق مجريات الصراع الاقليمي – الدولي تستمر حال الفوضى في لبنان إلا أن ترتسم معالم الخارطة الجيوسياسية والمساحات التي تترجم فيها موازين القوى في المنطقة مع ما تحمله حالة الفوضى هذه من مخاطر الحرائق المتنقلة من منطقة الى اخرى دون أن تؤدي الى تغييرا ملحوظا في موازين القوى الداخلية. الذي لا يمكن تحققه الا بحرب كبيرة تنعكس بنتائجها على كافة الجماعات اللبنانية.
ان النظر الى التوترات في الواقع اللبناني على انه توتر طائفي – مذهبي – بين السنة والشيعة هو في حقيقته تعبير عن ضيق أفق وخضوع للترويج الدعائي الذي تبثه أدوات الهيمنة العالمية. ان العباءة المذهبية الطائفية ما هي في الحقيقة الا ستار تحتجب خلفه طبيعة الصراع في المنطقة حيث تحاول الولايات المتحدة الأمريكية اعادة رسم خارطة المنطقة سياسيا مع ما تقتضيه من تغيرات في البنى والنظم الحاكمة لديمومة سيطرتها وتأمين مصالحها وفي طليعتها حماية الكيان الصهيوني وضمان امنه. وفي المقابل تواجهها قوى المقاومة والممانعة وتلك الباحثة عن حيز ودور لها في المنطقة يؤهلها لإحتلال موقع في الصيغة الجديدة التي سيرسو عليها النظام العالمي الجديد (ايران وتركيا) كل من موقعه.
فإذا كان لبنان في المساحة الجيوسياسية من نصيب القوى الاقليمية المتماهية مع مقتضيات المشروع الأمريكي - وهذا رهن اتجاه الأوضاع في سوريا بما تشتهي أمريكا وحلفائها – سوف نشهد تحولا كبيرا حتى في اصطفاف الطائفة الشيعية التي هي حتى الآن متماسكة بخط موحد اكثر من باقي الطوائف. والعكس بالعكس فان كان الاتجاه العام يميل بعكس ما ترغب وما تعمل له الولايات المتحدة في سوريا وهذا الأرجح سوف نشهد انحسارا كبيرا في البنى الطائفية الأخرى للقوى المتماهية مع المشروع الأمريكي وفي مقدمتهم الطائفة السنية.
هل يمكن الرهان على مسار آخر في سيرورة الأحداث في لبنان؟. ان وجود قوة يمكنها ان تشكل فارق بمجرى الأحداث يمكن الاستدلال عليها من الناحية الموضوعية وهي موجودة كقوة. الا انها من الناحية الفعلية لم تظهر أية مقدمات تبشر بفعلها. غير ان الزمن لم يفت لتتبلور هكذا قوة وتحتل حيزا كبيرا في التأثير الكبير على مجرى الأحداث. تنطلق أساسا في سياسة ايجابية تجاه التحديات الحقيقية التي تواجه لبنان على مختلف الأصعدة: الوطنية ممثلة بالتحدي الصهيوني، والاقتصادية الانمائية باتجاه تعزيز وتنمية الانتاج الوطني، والاجتماعية باتجاه اعادة الاعتبار للمؤسسات الوطنية في كافة المجالات. بعيدا عن التسويفات التي تلعب على هامش الاصطفاف السياسي القائم خشية التصنيف أو التقارب مع هذا الاصطفاف أو ذاك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا